شبكة ذي قار
عـاجـل










ليست المرة الاولى التي ينوء فيها لبنان تحت عبء ازمة سياسية حادة . اذ سبق ان شهد ازمات اخرى منذ نيله استقلاله السياسي،منها ازمة 1958 وازمة 1969 وتلك التي تولدت عن الاحداث التي انفجرت صراعاً عام 1975 وانتهت بالتسوية الميثاقية التي ابرمت في الطائف وتحولت الى ميثاق دستوري بعد التصديق عليها في المجلس النيابي في 21/9/1990


لكن ما يميز معطى هذه الازمة الحالية ، هو ان لبنان في ظل احتدام الصراع المحيط به، لم يعد حالة متلقية وحسب، بل اصبحت بعض قواه السياسية منخرطة تحت عناوين مختلفة في صراعات خارجية متفجرة وعنوانها الابرز ما يجري في سوريا


هذا الانخراط "اللبناني "في مجرى الصراع في سوريا ، اضاف تعقيدات على معطى الازمة اللبنانية نظراً لارتباط المنخرطين في الصراع في سوريا في محوريات اقليمية ودولية،بحيث بات الحل الذي يرسم للوضع في سوريا لا بد منعكساً على الوضع اللبناني. وهذا ما جعل الأزمة في لبنان يرتبط إيقاعها السياسي بتطورات المنطقة وبالأخص ما يجري في سوريا. وعليه لم يعد ممكناً تظهير تسوية سياسية للأزمة بمعزل عن ارتسام معالم الحل لأزمة سوريا واستطراد لمعالم الترتيبات الشاملة التي تطبخ على نار تقاطع المشاريع والمصالح الدولية والإقليمية.


لكن إذا كانت معالم الحل لأزمة لبنان، ترتبط بمعالم الحل الشامل الذي يرسم حدود المصالح ومناطق النفوذ، هل من المعقول والمقبول أن يبقى حال الاضطراب السياسي والذي يرافقه تفلت أمني، هو الناظم الحياة العامة في وقت بات الأزمة ترمي بظلالها الثقيلة على كل جوانب الحياة !!!


إن لبنان الذي يقف على عتبة استحقاق دستوري يتمثل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يعاني من شلل في أداء السلطة التشريعية بسبب الخلاف حول دستورية التشريع في ظل حكومة تصريف أعمال، كما أنه يعاني، من شلل في أداء السلطة التنفيذية بسبب عدم القدرة على تأليف حكومة جديدة بعد أكثر من ثمانية أشهر على التكليف.


فمنذ التمديد للمجلس النيابي، وقبلها منذ استقالة الحكومة لم يتمكن المجلس من عقد جلسة تشريعية واحدة، ومجلس الوزراء في حال تصريف أعمال وفي النطاق الضيق وفق أحكام الدستور. وهذا يعني، أن ثمة فراغاً يخيم على هاتين الهيئتين الدستوريين وهما الأهم لارتباطهما بسير المرافق العامة وتلبية حاجات المواطنين. وإذا لم تشكل حكومة خلال الأشهر الفاصلة عن الاستحقاق الرئاسي ولم يتم التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن الفراغ سيطال مؤسسة الرئاسة، وبذلك يصبح الهرم الدستوري مفرغاً من مرتكزاته، ولا يعود هناك من ضابط للنظام العام، بحيث تصبح البلاد أمام حالة فراغ دستوري لا يمكن للدولة أن تستمر في أداء وظيفتها العامة دون ملء هذه المواقع وإعادة تفعيل أدائها في كافة حقول اختصاصاتها.


من هنا، تكتسب أهمية، عملية الإسراع في تشكيل الحكومة، أولاً، لتعود السلطة التنفيذية وتستقيم في عملها وبما يلي الحاجات العامة، وثانياً، لتعود السلطة التشريعية وتستأنف نشاطها بعد إزالة العائق الدستوري الذي هو مثار خلاف بين داع لتشريع في ظلها وثالثاً، لتلقي موعد الاستحقاق الدستوري مع الربيع المقبل بجهوزية دستورية.


على هذا الأساس، فإن عملية تأليف الحكومة هي نقطة الانطلاق لتفعيل عمل المؤسسات والهيئات الدستورية الأخرى وبدونها، فإن المأزق السياسي سيزداد حدة، وستصبح البلاد مفتوحة على المجهول، وإذا ما حصل ذلك، فإن اللبنانيين بكافة قواهم السياسية سيحصدون سلبية هذا الفراغ والإفراغ لثالوث الهيئات الدستورية لارتكازية.


يبدو واضحاً من خلال مراقبة المشهدية السياسية العامة، ان بعضاً من القوى السياسية يريد الوصول إلى هذه الحالة، ليبرر موقفه بأن الأزمة ليست في مظهرها السياسي وحسب، بل هي أزمة تمتد إلى الركائز الدستورية للدولة، وبالتالي ترى ان الخروج من الازمة، يجب أن ينطلق من إعادة النظر بالدستور واستطراداً بإعادة تأسيس الدولة على أساس نصاب دستوري جديد.


هذا الموقف لم يعد يعبر عنه سراً، بل أصبح يطلق جهارة، وكأن العلة في الدستور، وليست في الأداء السياسي للقوى التي تمسك بمفاصل السلطة وتسعى لإسقاط تصوراتها وموافقها على الأداء السلطوي بكل جوانبه التشريعية والتنفيذية والأمنية.


إن الدعوة لإعادة تأسيسس الدولة عبر الطرح الذي يدعو إلى مؤتمر وطني تأسيسي، وفي ظل هذا المناخ السياسي المحتقن بكل المحفزات المذهبية والطائفية، يضيف تعقيداً جديداً إلى معطى الأزمة، فضلاً عن كون أي طرح لتعديل دستوري أو إعادة النظر بأحكام الدستور يجب أن يتم في ظل بيئة سياسية ملائمة وانطلاقاً من حاجة وطنية شاملة، وليس استناداً إلى خلفية توظيف معطى اللحظة الراهنة التي تتحكم فيها معطيات فائض القوة المادية والسياسية لفرض تعديلات دستورية، تحاكي مصالح فئوية، فيما المطلوب من أي تعديل دستوري أن يحاكي مصالح وطنية عامة، باعتبار أن الدستور هو القانون الوطني الذي يرتقي على سائر القوانين الأخرى.


وعلى هذا الأساس، كان الموقف الذي اطلقه حزب الطليعة بأن الظرف ليس مؤاتياً لتشكيل هيئة دستورية بهدف وضع صيغة دستور جديدة بل المطلوب في ظل معطى المرحلة، طرح برنامج سياسي يؤكد على الثوابت الأساسية التي وردت في مقدمة الدستور ( اتفاق الطائف ) وعلى تنفيذ ما لم ينفذ من هذا الاتفاق وخاصة لجهة البند (ج) من مقدمة الدستور والذي نص على الغاء الطائفية السياسية واعتبار ذلك أحد الأهداف الوطنية التي يجب العمل على تحقيقها وفق خطة مرحلية تبدأ:


أ- بتشكيل الهيئة الوطنية التي يناط بها وضع آلية لالغاء الطائفية السياسية، نصاً ممارسة.
ب- سن قانون انتخابي خارج القيد الطائفي مع تعديل سن الانتخاب ونظام الدوائر والأفضل أن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة وعلى قاعدة النسبية.
ج- سن قانون اختياري مدني للأحوال الشخصية، والغاء المحاكم الطائفية.
د- توحيد كتاب التاريخ والتربية المدنية وحتى لا يبقى تاريخ لبنان يقرأ بخلفيات دينية وطائفية ومذهبية.


3- إعادة التوازن إلى السلطات الثلاث، الأولى، الثانية والثالثة مع ما يتطلب ذلك من إعطاء صلاحيات دستورية أقوى للرئاسة الأولى بما يتعلق برد للقوانين والمراسيم ونشرها.


4- تفعيل دور المجلس الاقتصادي – الاجتماعي، وإعطائه دوراً فاعلاً في التخطيط والتنفيذ لسياسة الإنماء الاقتصادي والاجتماعي وبما يتلائم مع مضمون الفقرة (ز) من مقدمة الدستور التي تنص على الإنماء التوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً واعتماد اللامركزية الإدارية في إطار الحفاظ على وحدة الدولة، وإقرار نظام ضريبي عادل باعتماد نظام الضريبة التصاعدية واعتبار ذلك من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام العام.


5- توفير التغطية السياسية للقوى الشرعية اللبنانية في مهامها حفظ الأمن الوطني والتشديد على وحدتها، باعتبارها تشكل أهم المؤسسات الارتكازية للبنيان الوطني، ورفض كل أشكال وصيغ الأمن الذاتي.


وكخطوة باتت أكثر الحاحاً لمواجهة مضاعفات هذه الأزمة، فإن تشكيل حكومة على قاعدة إعلان بعبدا يشكل مخرجاً مرحلياً من أتون هذه الأزمة، وخاصة وأن هذا إعلان قد وافق عليه من حضر طاولة الحوار دون أي تحفظات، وبدون ذلك، فإن الذين يعيقون تشكيل الحكومة بالشروط والشروط المضادة هو كمن يلحس المبرد دون آبه لحجم الانعكاسات السلبية التي ستترتب عل عدم القدرة على إعادة تفعيل عمل المرافق العامة.


إنها دعوة للإسراع بتأليف حكومة جديدة لملء الفراغ في السلطة التنفيذية، ولإعادة تفعيل عمل السلطة التشريعية وتحضراً للاستحقاق الرئاسي، ولتتوجه الأنظار نحو حشد القوى لحماية السلم الأهلي أولاً، وتنفيذ ما لم ينفذ من الطائف ثانياً، وليس تقويض الدولة عبر الموقف المموه بشعار إعادة تأسيسها.





الاربعاء ٢٤ محرم ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / تشرين الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة