شبكة ذي قار
عـاجـل










نحن نقول فلسطين عربية ارضا وشعبا وتاريخا وثقافة، ولن تكون غير ذلك رغم كل المتغيرات على ارض الواقع . واليهود الصهاينة يقولون انها "ارض الميعاد" التي وعدهم بها الرب يهوه، وهو الوعد الذي منحه الرب الى سيدنا ابراهيم عليه السلام بالقول "لك ولنسلك اهدي هذه الارض ". ولكن الحقائق التاريخية تخالف هذا الاعتقاد التوراتي، اذ ان ابراهيم عندما ماتت زوجته ذهب الى ملك القدس (ملكي صادق ) طالبا قطعة من الارض ليدفن زوجته، ولو كان قد تلقى ذاك الوعد الالهي لما طلب من ملك اليبوسيين ارضا ليدفن ميته.


عرفت فلسطين منذ القدم بأنها ارض كنعان قبل الميلاد بثلاثة الاف سنة، واستقرت فيها قبائل عربية هاجرت من الجزيرة العربية، واسست فيها مدنا وحضارة، وامتد حكم العرب والمسلمين اربعة عشره قرون. وقد تعرضت فلسطين للعديد من الغزوات عبر القرون الماضية من قبل الاغريق والرومان والفرس والفرنجه، وحررها اول مرة عمر بن الخطاب ثم صلاح الدين الايوبي في المرة الثانية. وظلت تحت الحكم العربي الاسلامي حتى الحرب العالمية الاولى فخضعت الى الحكم البريطاني حتى عام 1948 بعد ان هيأت كل اسباب المنعة لليهود الصهاينة من تسهيلات للهجرة والاستيلاء على الارض وتهجير سكانها العرب منها بالقوة والارهاب. واعلنت العصابات الصهيونية فيام دولة اسرائيل.


لقد عاش اليهود بين ظهراني العرب في كل الارض العربية في المدينة المنورة وما جاورها في الجزيرة العربية وفي العراق واليمن والمغرب العربي وفي الاندلس. وعندما اجبر العرب على الخروج منها خرج اليهود معهم وسكنوا في بلاد المغرب العربي وفي اواسط اوروبا ، ورغم خداعهم ومكرهم وسؤ اخلاقهم الا ان العرب عاملوهم بالود والرحمة، كما ضمن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) حقوقهم في الصحيفة التي شكلت دستور الدولة الاسلامية الوليدة في المدينة المنورة.


اما الصهاينة فهم ينتمون الى حركة عنصرية عدوانية اسسها يهود اوروبا بتأثير من الفكر القومي الاوروبي الاستعلائي، بهدف تجميع اليهود وانشاء دولة لهم. وقد اختارت الحركة الصهيونية ارض فلسطين لانشاء هذه الدولة مستندين على وعد بلفور 1917 الذي منحته بريطانيا لهم. وقد استندت الحركة على اساطير توراتية منحتها طابع العقيدة الدينية، في حين ان التوارة المتداولة بين الايدي هي التي كتبها احبار اليهود اثناء الاسر البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد.


دور قومي مشهود للعراق:
للعراق دور قومي مشهود ازاء قضية فلسطين رغم بعد العراق جغرافيا عن ارض فلسطين. ففي حرب 1948 سطر جيش العراق ملاحم بطولية في قاطع جنين ضد العصابات الصهيونية، وسقط عشرات الشهداء العراقيين وما زالت مقبرة جنين شاهدة على ذلك، كما هي مقبرة المفرق ودمشق شواهد على تضحيات العراقيين من اجل فلسطين. كما كان حزب البعث العربي الاشتراكي على قدر مع فلسطين، ورغم مرور عام واحد على تأسيسه فقد جند كتيبة من مناضليه وانصاره بقيادة القائد المؤسس المرحوم احمد ميشيل عفلق، وخاض بها الحرب الى جانب القوات العربية الاخرى. ولا اريد ان استعرض دور العراق والحزب في تبني قضية فلسطين ودعم كل جهد مادي وسياسي وثقافي يرفدها بالقوة والسعي لتحريرها. ولكني اريد ان اتوقف في محطات في فكر القائد الشهيد صدام حسين وموقفه ازاء فلسطين.


1. ان فلسطين عربية منذ القدم - كما اسلفنا - وستبقى عربية، والاحتلالات العديدة التي تعرضت لها عبر العصور لم تلغي مضت هذه الحقيقة، والاحتلال الصهيوني سوف يزول في قادم الايام.


أ. لان النظرية التي يقوم عليها الكيان الصهيوني تستند الى مقولة "شعب الله المختار" وعد الشعوب الاخرى مجرد همج "غويم"، فهي نظرية متعصبة متزمتة تجعل الصهيونية عدوة الشعوب. فالمشروع الصهيوني يفتقد للمحتوى الحضاري والانساني، ويقوم على الخرافة والاساطير.


ب. لان الكيان الصهيوني القائم حاليا لا يتكون من شعب متجانس ذي تاريخ مشترك كبقية شعوب الارض، بل هو مجاميع متباينة هجرتها الحركة الصهيونية من شتى قارات العالم، والرابط الوحيد الذي يجمع هذا الشتات هو الدين. وكثير منهم لايدينون بالديانة اليهودية، اي انهم اقرب الى اللادينية.


ت. كما ان الاقتصاد في الكيان الصهيوني اقتصاد هش فهو يرتكز على المساعدات الخارجية، وان انقطاع هذه المساعدات سيؤدي الى مزيد من ضعفه ثم انهياره. كما يعتمد على الدول الكبرى سياسيا، وان بدت كأنها تهيمن على الاخرين.


ث. ولانه يعتمد على تفوقه العسكري فانه يتحمل نفقات باهضة على البرنامج العسكري ومنه البرنامج النووي.


ج. شعور سكان هذا الكيان بعدم الامان يجعل العيش فيه مهدد بالمخاطر، الامر الذي يجبر اليهود على الهجرة خارج الكيان، وظهر ذلك جليا اثناء الانتفاضة الاولى والثانية. كما ظهر هذآ الاحساس بالخوف حقيقه ام المعارك فى 1991 عندما انهالت صواريخ الحسين على المواقع الاسرائيلية. والخوف موصول من رفض الجماهير العربية سياسات حكامها الرامية الى التسوية، اضف الى ذلك الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل الكيان الصهيوني.


ح. الاوضاع العربية المفككة تمنح الكيان الصهيوني بعض الضمانات للاستمرار لاطول مدة من الزمن، الا ان المراهنة على استمرار ضعف العرب غير مضمونة لامد بعيد، لان العرب عاشوا مثل هذه الظروف من قبل، ولكنهم نهضوا من بين الرماد وانتصروا لانفسهم وقضيتهم وحرروا ارضهم من الغاصبين. وقد يرى البعض في هذا التحليل قدرا من الخيال، وهو خيال ثوري مشروع، وفي الوقت نفسه خيال واقعي لانه لا يهمل مجريات الاحداث فوق الارض. وما يدعم هذا الخيال الثوري هي تلك البؤر الثورية المقاومة ضد الاحتلالات الاجنبية في ظل الاجواء الظلامية المعتمة التي تحول دون رؤية الفعل الثوري المقاوم سواء في العراق او في فلسطين.


2. قضية فلسطين قضية قومية وتحريرها هدف مركزي وان طال الزمن. لان الحق حق للامة العربية والمسلمين في العالم كله. وعلى هذآ الاساس لايمكن آن تكون قضية فلسطين قضية قطرية ابدا، حتى وان كان موقف بعض الحكام العرب موقفا قطريا ترك امر القضية للسلطة الفلسطينية. وهنا لابد من التمييز بين عدم التدخل في الشان الداخلي لاي بلد عربي، اي عدم التدخل بشأن السلطة الفلسطينية، وبين كون قضية فلسطين عربية في الفكر والمأل. ان عروبة القضية الفلسطينية هي اساس قوتها وتفاؤلها ونجاحها، واذا تخلى المسؤولون في السلطة الان عنها فلن تصل الى الهدف. وهناك فرق بين عروبة القضية وبين تدخل السلطات العربية في القضية بشكل يضر بمسارها.


3. شعب فلسطين اسهم في تقدم الحضارة الانسانية، وهذا الشعب اجتث من ارضه وشرد في اصقاع العالم بتواطئ الدول الاستعمارية، وهذه الدول طالما اهتز ضميرها لقضايا اقل شانا من قضية فلسطين، ولكن ضميرها ظل متقاعسا عنها، وكأن ما تصنعه اسرائيل كل يوم بخرقها قواعد القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة لايشكل خرقا. ولابد من نصرة الشعب الفلسطيني من كل الخيرين في العالم الاسلامي والعالم الحر. ونحي صموده ونضاله ضد اعتى قوة ارهابية عنصرية متعاليه.


4. ان التسويات القائمة منذ ثلاثة عقود لم تفضي الى اية نتائج ايجابية، بل كان الكيان الصهيوني هو المستفيد منها في شتى المستويات السياسية والاقتصادية وحتى الفكرية، ممثلا بما نلاجظه من تناسي للقضية او عدم اهتمام بها سواء على مستوى الفكر او العمل. وقد استفاد العدو الصهيوني من الانتفاضات العربية كثيرا لانها شغلت المواطنين العرب بقضايا اخرى وابعدتهم عن قضية فلسطين.


5. فلسطين التي يتمناها كل عربي هي الخالية من كيان صهيوني مغتصب، وهذا ليس دعوة الى كيان فلسطيني خال من اليهود، لانه لم يكن العرب يوما متعصبين لا في نظرتهم الدينية ولا نظرتهم القومية، وبين العرب وهذا الهدف مسافة بعيدة، ويمكن تغطية هذه المسافة ببرنامج تخطيطي صبور ومتفائل لاغراض الوصول.


6. القضية الفلسطينية منذ البداية وهي خاضعة لتأثيرات القوى الدولية، وعندما تتخلص القضية من هذه التأثيرات تكون فرص نجاحها افضل. كيف تتخلص من هذه التأثيرات، هل برفض الدور الدولي، ام بالرضوخ لارادة الدول الكبرى ؟ . عندما يمتلك العرب ارادة حرة في فرض السيادة والاستقلال الناجز، يكون لهم دور في مسار السياسات الدولية، اما عندما يفقدون الارادة فانهم يظلون على الهامش وتابعين للدول الكبرى. ان الدول العربية بما تملكة من ممكنات مادية وروحية وبشرية قادرة - ان توفرت الارادة - على لعب دور مؤثر في مسار قضية فلسطين.


7. الحذر من تجزئة قضية فلسطين الى اوراق في سوق المساومة، والنتيجة ستكون ليس ايذاء فلسطين جغرافيا فحسب وانما ايذاء القضية الفلسطينية والنضال القومي للامة العربية.


8. العرب غير قادرين على تحطيم الكيان الصهيوني الان، ولا نتوهم ان العالم يسمح بتحطيمه، ولكن المهم هو كيف يزيد العرب من قدراتهم الذاتية القومية والوطنية للضغط على الدول الكبرى ويكون لهم مساحة اكبر في السياسة الدولية لصالح العمل التحرري. وبات معروفا ان العرب غير قادرين على مباراة الكيان الصهيوني في مجال التقنية العسكرية، ولذلك لابد من التفتيش عن طرق جديدة يحقق العرب من خلالها قدرا من التوازن الاستراتيجي. كما ان الحرب تسلتزم استنفار كل الممكنات المادية والروحية بما يحقق النتيجة المطلوبه. فلابد من وضع الاقتصاد في خدمة الحرب، ولابد من تهيئة الانسان بهذا الاتجاه، وان تكون القيادة منسجمة مع كل الاتجاهات المطلوبة لعملية التحرير.


9. من الحقائق الثابتة هي ان الصراع بين المشروع العربي القومي والمشروع الصهيوني هو صراع دائم وشامل، يتعدى الحرب العسكرية، بل هي حرب شاملة في كل المستويات، اي تسخير موارد الامة المادية والروحية من اجل هدف التحرير. وهناك مصدر قوة هائل يمتلكه العرب وهو النفط، ولو استخدم بصورة كلية او جزئية كما حصل عام 1973 لحقق نتائج كبيرة على طريق فرض الارادة العربية الحرة.


10. واخيرا فان الامة العربية لن تكون لقمة صائغة صغيرة يسهل بلعها من قبل الصهاينة، رغم كل رداءة الاوضاع العربية الرسمية الحالية.



hassan_tawalbh@yahoo.com

 





الجمعة ١٧ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / كانون الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. حسن طوالبة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة