شبكة ذي قار
عـاجـل










اكلت العصبيات العربية الجاهلية الحمقاء في عصور سالفة الاخضر واليابس بين القبائل العربية في حرب سميت " حرب داحس والغبراء" حتى جاء الاسلام بما حملته رسالته السمحاء من افكار التنوير لانقاذ العرب من متاهاتهم وخلاصهم من مئآسي الاحتراب الدموي.


واليوم يحاول اصحاب الردة الجديدة العودة بالعرب الى عصور الجاهلية الاولى بالعودة الى دفع الناس نحو الاقتتال تحت شعارات لم تعد تمر مضامينها التدميرية على احد يمتلك العقل والارادة ويحتكم الى تنوير العصر وحضارة الانسان وخبرة العراقيين المريرة مع الغزوات والاحتلالات السابقة.


ولعل في حديث الناس اليوم عن حروب وغزوات القاعدة و"داعش" وما يقابلهما في مطالب ومضارب ثارات بدر وعصائب اهل الحق والصحوات القديمة والجديدة وغيرها من مليشيات الردة التي تتكاثر كالفطور العفنة والسامة وتتنادى في ثاراتها لتستعدي على الاسلام نفسه بما نفذته من مجازر واحقاد ما يملأ صدورنا غيضا وألما ونحن نراقب دموية المشهد السياسي والامني والاجتماعي في عراق الرافدين ونتلمس في ذات تداعياته القادمة على كل الاصعدة والمستويات القطرية والقومية وحتى الاسلامية.


لقد سقط الاسلام السياسي المعاصر في وحل الاقتتال والعنف وممارسة الارهاب ورفع رايات الثأر والانتقام العبثي، محملا جسد الامتين العربية والاسلامية جراحات بالغة الخطورة تجاوزت في اعماقها ودمويتها وساديتها جراحات طعنات الأعداء والصهاينة وقوى الغزو الاستعماري الطامعة .


ان ما يجري من ممارسات تحت رايات الاسلام السياسي بكل مسمياته الطائفية والمذهبية والحزبية يدفع بعوام الناس وبسطائهم نحو اصطدامات خطيرة تتجسد اليوم في معارك وفي حروب وردود أفعال هستيرية لا مصلحة للاسلام بكل طوائفه وبلدانه بها وهي تتعجل وتستشري بفعل دفع وسائط الاعلام والتمويل المشبوه والتجنيد الواسع والتسليح نحو دفع الناس في بلداننا نحو السقوط في الهاويات السحيقة للحروب الاهلية المخططة .


ورغم ان طلائع واعية ومدركة وواسعة من ابناء شعوبنا قد فطنت لما يجري فعله وتخطيطه وهي تعلم اليوم علم اليقين ان ليس لشعوبنا وجماهيرنا ناقة ولا جمل في كل ما يجري، لكن هذه النخب يجب ان لا تعفي نفسها عن المسؤولية كونها قد استرخت وتراجعت عن إداء دورها المطلوب، ومنها ابتعدت تماما عن ريادة الفعل المسؤول عندما تخلت عن مسؤولية الحضور والحراك والاسهام في قيادة الجماهير التي باتت اليوم في حيرة من أمرها منسية في متاهة الاحداث، فهناك جماهير واسعة باتت مسلوبة الارادة ويائسة من امل الخلاص، وهي تعيش عاجزة عن ايقاف هذا الانجراف الدموي العنيف، وتجد نفسها منجرفة بوعي منها او بدونه، ومن حيث لا تدري غالبا لتجد نفسها وسط هذا التدهور والمحرقة مندفعة نحو المجهول نتيجة لغياب الوعي المطلوب لدى الكثير من قطاعاتها وحتى بعض من قياداتها لايقاف الكارثة الوطنية والقومية المحدقة بالجميع.


ولعل اقرب الصور التي نشاهدها اليوم في العراق تؤكد ماذهبنا اليه في مستهل ومقدمة مقالتنا هذه والتي تؤكد بشكل واضح ولا غبار عليه : كيف ان اساليب احزاب الاسلام السياسي في العراق وبعض البلدان العربية باتت تشكل مشاريع ردة لا على الاسلام فقط بل على الدور الحضاري الذي يجب ان تقوم به الشعوب العربية والاسلامية وامتها في كل بقاع العالم.


ولسنا بصدد استعراض مسببات ومصادر وجذور هذه الردة وتطوراتها الوطنية والاقليمية في كل قطر يبتلي اليوم بمظاهرها، بدءاً من اعلان " الجهاد" ضد التدخل العسكري السوفيتي في افغانستان ودور المخابرات الامريكية وحلفائها في قيادة وتوجيه ذلك "الجهاد" وصولا الى متابعة مايجري على ارض كل قطر عربي واسلامي حين تحول هذا "الجهاد" الى واجهة للاستغلال السياسي والمتاجرة بالعقائد والانجرار بسهولة في السقوط في مخططات تنفيذ الاحتلالات الجديدة والاشتراك الفعلي والعملي في تنفيذ الغزو الخارجي والمتاجرة بحروب اهلية والتنكر التدريجي لشعارات حملاتها الاولى في مواجهة الشيطان الاكبر والحرب على الطواغيت التي كان يتحدث عنها خطاب اسلاموي ظل مشبوها في اكثر اصطلاحاته وبات مضللا في أكثر مناسباته وتوظيفاته المحلية والدولية.


لقد بات هذا الخطاب واتباعه عاملا اساسيا لاحداث حالة التردي والتشرذم والصراع القائم ، وقد تمكن مسيروه ان يوزعوا مفرداته الطائفية والتكفيرية وفق معادلات محسوبة ومدروسة ليترجم نفسه في مفردات وشعارات الطوائف والمذاهب والاقليات وحتى وصل الامر به ان يتاجر به العديد من الحكام الذين وجدوا لانفسهم مبررات البقاء في الحكم باسم حماية الشريعة والدين والمذهب فاستغلوا الدساتير والشرائع الموضوعة بخبرات امريكية وصهيونية وايرانية لتكون لهم شفيعا للبقاء في السلطة واضحت دواعما لاستلام الحكم او عند السعي بالوصول اليه عنفا او صناديقا لا ديمقراطية تبقى مزورة او ممولة بالمال السياسي ودعم صناديق الطوائف وحسابات تجارها الموظفة في الحملات الانتخابية والعنف بكل أشكاله.


ما يجري في الانبار مؤامرة على حركة تحرير عراقية صاعدة من اجل استعادة وطن سلمه الاحتلال الى أزلام وعصابات الاسلام السياسي الحاكم اليوم في العراق. ويبدو ان فترة الهيكلة والتطبيع خلال سنوات الحصار الظالم على شعبنا كانت قد انجزت بناء كيانات ومجموعات وأحزاب ومليشيات اثبتت ان لها القدرة على التعايش وتبادل المصالح والتشارك في الحكم ؛ بل وحتى في التخطيط والمتابعة والتشاور في صناعة وانتاج ودعم المنظمات المافيوية التي تحتاجها تلك المجموعات كواجهات للعمل السياسي والدعوي والحزبي للتمسك بالسلطة تحت اية واجهة كانت.


ولعل من الغرابة والصعوبة في التصديق عند البعض ان تكون لايران مئآرب تتناقض مع محمول شعاراتها التي عهدها البعض في مواجهة الطاغوت والشيطان الاكبر وحلفائه ، وانه من المفارقة عند البعض ايضا ان تصبح هذه الدولة التي تطرح نفسها حامية للشيعة ومظلومياتهم ، " راعية للارهاب " وهي تقود اليوم مجموعات تعمل تحت رايات القاعدة وتدعي الدفاع عن اهل السنة تارة وتتشارك في صفقات وانشطة ما سمي بدولة العراق الاسلامية في العراق ، وبعدها الدولة الاسلامية في العراق والشام " داعش" ، وفي ذات الوقت فهي تجيش مليشياتها الاسلاموية الشيعية مثل منظمة بدر وجيش المهدي وعصائب اهل الحق وحزب الله في العراق وفي لبنان والحوثيين في اليمن لتشكل منهما الكتلة المواجهة للطرف الآخر عند الضرورة لاشعال حروب الردة السياسية المطلوبة باسم وتحت رايات الاسلام السياسي، حتى ولو تم التقاطع والارتباط والتنسيق مع اجهزة ووكلاء المخابرات الامريكية على ضوء المصالح والتعاون الذي بات مباركا ومشفوعا لدى المرجعيات الدينية مع الشيطان الاكبر، كما هو الحال الجاري في أكثر من ساحة عربية واسلامية.


وبخبرة وقيادة ايران على الساحة السورية في افتعال وتوجيه الصراع والقتال بين جبهة النصرة من جهة والدولة الاسلامية في العراق والشام " داعش" وكتائب حزب الله ومتطوعي مليشيات العراق المتوجهة الى دمشق، فان هذه الخبرة يجري توظيفها الآن في تطبيقات الانبار والفلوجة، خاصة عندما دفعت حكومة المالكي جيشها المليشياوي الطائفي لاخماد حراك الاعتصامات السلمية، في توقيت لا تستبعد عنه المصالح والنوايا الايرانية ومصالح حساباتها الظرفية، ولكن الحملة العسكرية المُباركة أمريكيا وروسيا والمدعومة عمليا بالسلاح حين واجهت قطعانها مقاومة بطولية من قبل اهلنا من عشائر العراق مما اوقفها عند تخوم المدن والحقت بقواها وفلولها هزيمة عسكرية وفضيحة منكرة، كشفت مواجهة اليومين الاخيرين ابعاد هشاشة جيش المالكي المليشياوي، لذا عادت ايران تلعب لعبتها وتنقل خبرتها في سوريا بدفع وحداتها شبه العسكرية التي تعمل تحت رايات" داعش" والقاعدة الى مدينتي الرمادي والفلوجة كي تكون احصنة طروادة جديدة لفتح هذه المدن امام الوحدات العسكرية الخاصة كوحدات "سوات" القذرة ومعها اعادة ترميم الصحوات الفاسدة العائدة هذه المرة تحت راية عميل الولايات المتحدة الامريكية الشيخ ابو ريشة وأمثاله، ومعه مجموعة انتهازية اخرى من بقايا الحزب الاسلامي والمرتجفين على مصالحهم الانتخابية القادمة.


ان المتلونين الجدد سواء في الانبار او غيرها يعملون وفق انتهازية الحرباء بتبديل الوان جلودهم من دون حياء ديني او سياسي او حتى اجتماعي او قبلي فهم يريدون اللعب بالامة والشعب العراقي على طريقة استمرار حروب داحس والغبراء التي اكلت قبائل العرب في حماقة الصراعات الجاهلية من اجل ناقة اكلت بعدها الوف القطعان من الابل ورقاب البشر.


المطلوب من مجلس ثوار الانبار والتنظيمات التي تشكلت في باقي محافظات العراق الوعي لما تضعه المخططات الايرانية لدفع عرب العراق الى الاقتتال وهي التي تقود فصائل الاحتراب الطائفي على الجهتين ولا يهمها ابدا حقن دماء شيعة العراق او الدفاع عن مظلوميات اهل البيت طالما ان حرب "داعش" والحرباء هي ذاتها تكرر نفس المئآسي القومية لكي ينعم الفرس والروم بالهدوء والرخاء على تخوم العراق والشام والامصار العربية الاخرى.

 

د. عبد الكاظم العبودي
نائب الامين العام للجبهة الوطنية والقومية والاسلامية في العراق
الامين العام لهيئة التنسيق المركزية لدعم الانتفاضة العراقية

 

 





الجمعة ٢ ربيع الاول ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / كانون الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة