شبكة ذي قار
عـاجـل










معضلة الفكر الثوري العربي المعاصر التي نشأت بعوامل ذاتية وربما غذتها عوامل متعمدة من أعداء الأمة، انه إما أهمل أو لم يجتهد كثيرا في استطلاع الصلة بين الثورية وبين المرونة في العمل الثوري فانحشر هذا الفكر ورواده وحملته في مسار واحد يعتمد المبادئ اعتمادا مجردا تقريبا من بعض العوامل التي لا يمكن للمبادئ أن تجد طريقها في التطبيق والنفوذ إلا من خلالها. المرونة في العمل الثوري تقتضي ضبط الصلة بين المبادئ كقيم أخلاقية لا مساس بها، وبين السياسة التي تعبر عن المبادئ وتقتضي قدرا من الانفتاح وقدرا من المرونة وقدرا من هوامش الاجتهاد في التعاطي مع موجبات السياسة دون أي خدش ولا إضرار ولا نأي عن روح المبادئ وجوهرها المعبر عنه بعقيدة إستراتيجية ثابتة تشكل الهوية العامة والصورة الإجمالية للحركة أو القوى أو الأشخاص الثوريون.


إن الأضرار الجدية التي ألحقتها سياسة القوائم السوداء والمقاطعة للشركات أو مؤسسات الإنتاج المؤيدة والمغذية والمساندة للصهيونية والكيان الصهيوني المغتصب للأرض العربية قد قادت العقل الاقتصادي إلى عولمة الشركات والمؤسسات الإنتاجية عبر ما يعرف الآن بالشركات متعددة الجنسيات بحيث صار من المستحيل أو الصعب جدا مقاطعة شركة سيارات أو طائرات أو بترو كيمياويات، بل وحتى شركات إنتاج زراعي لأنها صارت تحمل أكثر من جنسية. نحن نزعم إن عولمة الإنتاج هي قرار أنتجته مرونة الرأسمالية لتغلب المبادئ الثورية التي أقرت مبدأ المقاطعة عبر القوائم السوداء. وغير هذا في السياسة الدولية نماذج لا عدّ ولا حصر لها تؤكد أن لا عداء مطلق ولا صداقة دائمية في العلاقات البينية بين الدول حتى في حالات قطع العلاقات الدبلوماسية، بل وحتى في حالات الحروب.


استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية المتفردة على عرش سطوة القوة والسياسة والاقتصاد والإعلام في العالم جعل العالم ينقسم إلى جزأين لا ثالث لهما وهي تعد العدة لغزو العراق واحتلاله:
جزء متحالف معها عسكريا وسياسيا وإعلاميا واقتصاديا .
جزء ثاني متفرج لا حول له ولا قوة .


وقاتل العراق بقواته المسلحة وشعبه أعظم قوة غاشمة عرفها تاريخ الكون في مواجهة عديمة الاتزان والموازنة، حتى أُحتلت بغداد يوم 9-4- 2003 م. وشاركت كل دول جوار العراق بلا استثناء في الحرب ضده بصيغة أو بأخرى. وعندما انتقلت إرادة القتال دفاعا عن العراق وسيادته وخيارات شعبه إلى المقاومة المسلحة بصيغة حرب غير تقليدية ولا نظامية ظلت هذه المقاومة الباسلة محاصرة لا يدعمها غير مدد رب العزة وبعض شعبنا الصابر المحتسب رغم إنها استطاعت أن تُلحق هزائم كبيرة بالقوات الغازية المحتلة أجبرتها على الجلاء جيشا بعد جيش. غير إن الأضرار الفادحة التي لحقت بجيوش أميركا واقتصادها وأجبرتها على الجلاء قد أفضت إلى تغيير في طبيعة القوى المتواجهة مباشرة مع مقاومتنا البطلة حيث توكلت إيران بالإنابة عن الاحتلال الأمريكي، وتقدم منتج السلطة الاحتلالي بكل تعقيدات تشكيلاته الوافدة مع الاحتلال أو المحلية التي تورطت في التعاطي مع العملية السياسية الاحتلالية، الأمر الذي عقد مسالك العمل المقاوم بتفصيلات لسنا بصددها الآن.


الجلاء الأمريكي وضع إيران بكل توجهاتها الاحتلالية ومنهجها الطائفي الممزق للدين والمعادي للعروبة وللعرب وخطط تمددها التي اخترقت منذ زمن بعيد بعض الساحات العربية بغطاء طائفي أو تحت وطأة الأنانية والعداء البغيض للأنظمة العربية لبعضها البعض ولجوء بعضها إلى سياسة استقطاب آنية قصيرة النظر لا تحسب أي حساب بعيد النظر لانعكاسات هكذا استقطابات على الأمن القومي العربي كما فعل نظام الأسد مثلا في ربط سوريا بعجلة السياسة الإيرانية المعادية للأمة. وصار من البديهي أن تستحضر القيادة السياسية للمقاومة أسلوب المرونة في عمل ضروري لا بد من الإقدام عليه يستفيد من كل المتغيرات التي اشرنا إليها سريعا ولاحتواء زخم التعقيدات غير الحميدة التي أقحمها على المشهد توكل إيران بالإنابة عن أميركا في احتلال العراق.


إن مَن يدعون إلى تشكيل قيادة سياسية, ومَن يطالبون بقيادة سياسية للمقاومة لأنهم لا يستطيعون رؤية هذه القيادة على شاشات الفضائيات يفاجئون باستمرار بأي موقف قوي, صادم, شجاع, غير تقليدي يعلن بوضوح لا لبس فيه, للصديق وللمحايد وللعدو, إن القيادة السياسية للمقاومة موجودة وتمتلك أدوات متقدمة في فعل غير مجرّب أو خارج إطار المتداول أو تصرح بمواقف تجتاز بشجاعة وبرؤية نافذة إستراتيجية وتكتيكية في آن معا كل حواجز التعتيم والتغييب والإلغاء.


إن المملكة العربية السعودية ومصر الآن وبعد مرور عشر سنوات على احتلال العراق وما أنجزته مقاومته الباسلة وما حصل من تغييرات سياسية عميقة وصادمة ومثيرة للجدل يجب أن تتغير صورة التعامل معهما ويجب الانفتاح عليهما سياسيا إن أردنا للمقاومة وإرادتها وقيادتها السياسية أن تكسر قيود الحصار المجرم المفروض عليها في كل النواحي.


المملكة العربية السعودية تشاركنا موقف الندية والتناقض والتعارض مع المنهج الإيراني الفارسي الصفوي التمددي، وهو قاسم مشترك لا يجوز إهماله تحت وطأة الظلم الذي أوقعته المملكة على شعبنا قبل الغزو والاحتلال. وان مبادرة القيادة السياسية للمقاومة وعلى رأسها الرفيق أمين عام البعث والقائد الأعلى للجهاد والتحرير والخلاص الوطني لفتح قنوات وتطوير الصلات مع المملكة لما فيه مصلحة شعب العراق ومنهاج تحريره واستقلاله يعد أمرا ملحا وضروريا على كل المستويات وأولها المستوى السياسي. كما إن التناغم المشهود بين المملكة وبين مصر بعد استلام السلطة من الإخوان المسلمين بقيادة ومساندة من الجيش المصري تجعل أمر الاقتراب من الطرفين يصب في إطار عمل عربي يجمع بين ثورة مصر ومقاومة العراق والدولة السعودية وبهذا تحقق قيادة المقاومة السياسية انجازا هاما للمقاومة العراقية المسلحة والمدنية.


وعلى هذا فإننا نرى إن على العرب الثوار في كل مكان أن يدركوا أهمية الخطاب السياسي المستند إلى المرونة الثورية للرفيق القائد البطل عزة إبراهيم المتوجه إلى المملكة العربية السعودية واستثماره الطبيعي جدا للصلة مع الملك وقيادة المملكة لخدمة استراتيج تحرير العراق من الاحتلال الفارسي. خصوصا وان الخطاب السياسي للقائد هدفه الأعلى هو تقوية المقاومة المسلحة وفتح منافذ أمامها تخترق الحصار المادي والتسليحي والإعلامي. وعلى الجميع أن يتذكر:


1- إن عزة إبراهيم هو القائد الميداني للمقاومة وهو المسؤول الأول عن حصانتها في مختلف المجالات وهو المعاني والمواجه الأول لقساوة الظروف التي تواجهها، ولا يحق لأحد أن يزايد عليه وعلى رفاقه.


2- إن عزت إبراهيم هو مَن يستقبل رصاص العدو في صدره منذ أكثر من عشر سنوات طالبا إحدى الحسنيين, النصر أو الشهادة ولم يبحث عن مأوى خارج العراق آمن، وهو الهدف الذي تلاحقه أميركا بكل أدواتها المتوحشة منذ عام 2003.


3- إن على الجميع أن يقرأ قراءة صحيحة سبب فشل أميركا من النَيْل من القائد عزت إبراهيم إلى اللحظة، ومن بين ذلك قوة المقاومة التي يقودها عزت إبراهيم ورفاقه الشجعان التي استطاعت أن تغلب كل وسائل أميركا وعملاءها بعون من رب العزة .


4- كان وما زال الرفيق عزت إبراهيم بخبراته القيادية الفذة ورمزيته الوطنية العظيمة وقدراته الفكرية والعقائدية المتقدمة وذكاءه وصبره وحنكته، هو عامل عضوي حياتي في وجود وعمل ومنتجات المقاومة البطلة وهذه الحقائق تمنحه حق المبادرة والاجتهاد لأنه يمتلك حصانات معززة بإيمان متفرد بالله سبحانه وبإيمان بالعراق والأمة والشعب مطلقة لا استثناء ولا خلاف عليها قط.

 

 





الخميس ٢٢ ربيع الاول ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / كانون الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة