شبكة ذي قار
عـاجـل










راهن الغزاة الأمريكان وحلفاءهم من الغرب ومن العرب على أن إسقاط النظام الوطني في العراق سيكون هو نهاية الأهداف المرسومة للغزو والتي سيجري بعدها ترتيب أوضاع العراق الجديد كما أطلقوا عليه وفق ما مخطط سياسيا وأمنيا. العراق الجديد الناتج من جعبة المارينز الأمريكان ومنظومات التخابر والتجسس الأمريكية هو العراق الطائفي كما تريده دولة بني صهيون وكما تبتغيه إيران التي حاربت العراق منذ عام 1979 لتنقل له نظامها الطائفي. وهو عراق يمثل بئر نفط تتصرف أميركا وبريطانيا من جهة، وإيران وأزلامها من جهة ثانية، بوارداته وفق نظام مفتوح لا تحكمه إحصاءات ولا حسابات قدر ما تحكمه صيغ النهب وترتبه منظومة الفساد الأخلاقي والمالي والإداري والسياسي التي جلبتها أميركا معها بهوية عراقية لتكون واجهة للعملية السياسية الاحتلالية المصممة لاحتواء كل المنتجات الاحتلالية المرتبة سلفا.


غير إن الرياح قد سارت بما لا تشتهي سفن الغزاة.
كان رهان الولايات المتحدة وأميركا وحساباتها مادية صرفة وتعتمد القوة القاهرة والتي أسمتها بالصدمة والترويع كأداة حاسمة في تحقيق هدف الاحتلال ومن ثم هدف الإذعان العراقي الشامل لإرادة الاحتلال والتي تتيح لأمريكا تنفيذ أهدافها كاملة على ساحة العراق ومنه انتقالا إلى كامل المنطقة.


جربت أميركا وحلفاءها البعيدين والقريبين كل أسلحة التدمير الإستراتيجية والتكتيكية في العراق بعد احتلاله لمواجهة المقاومة العراقية المسلحة التي فاجأت أميركا والعالم وقلبت حساباتها رأسا على عقب. فالمقاومة لم تكن مجرد إعلان عن إرادة شعبنا في رفض الاحتلال ومَن جاء بهم من الغرباء والمرتزقة بل كانت إعلانا لرفض الاستسلام للاحتلال ومرتزقته وبالتالي فإنها كانت السيف العراقي الأول الذي مزّق أوراق الاحتلال الرئيسية التي كتبت على قناعات ما ستنتجه الصدمة والترويع من خنوع واستسلام للقوة الغاشمة وأرغمته على الارتماء في أحضان تفاصيل فرعية كانت هي الأخرى جيوب مهلكة له.


لقد كان التقابل في ضفتي الصراع في العراق بين القوة المادية الغاشمة التي حسبت نفسها على أنها قوة غالبة ليس في الاستخدام المحرق للإنسان والأرض، بل في الاستعراض النظري فقط لا غير. فالاستعراض الفيلمي السينمائي كفيل لوحده أن يسقط دولا كبرى فما بالكم بإطلاق قذائف هذه القوة فعليا من البحر والبر والجو, من أماكن الاشتباك المباشر وعبر القارات؟. فالتمعن والتدقيق بممكنات القوة المادية والتكنولوجية كفيل بأن يصيب العقل البشري بالإرباك إن لم يصبه بالكآبة وربما الصرع والخبل. غير إن العراقيين لم يتوقفوا لا عند الاستعراض الشفاهي الفلمي ولا عند الإطلاق الذي فاق في كمه ونوعه كل حروب الدنيا السابقة مجتمعة.


وفي الوقت الذي خططت فيه أميركا لفرض الأمر الواقع بالقوة المدمرة الغاشمة الخاسئة فان رجال العراق الغيارى قد خططوا بإتقان للكيفية التي يحتوون فيها الصدمة والترويع وبالكيفية التي يطفئون بها حرائق العنقودي والنابالم والفسفورية والمنضبة وبالكيفية التي يحولون بها قوة الروح والاعتبار والمعنويات الوطنية والقومية المؤمنة الغيورة إلى مصدات مهلكة لمنتجات قوة النار الغادرة. وقد تغلبت قوة الله الضاربة بأسلحتها البسيطة التي تستند إلى صدور عامرة بالإيمان بالله والوطن والإنسان وانتصرت المقاومة العراقية الباسلة على أضخم ترسانة سلاح واحدث مستودعات التخابر والشركات الأمنية التي تعادل أو تزيد في إمكاناتها التقنية حتى ألوية وفرق المارينز وأوقعت بها الخسائر التي أجبرتها على الهرب من العراق مخلفة وراءها خرابا يغرق البلد بالموت والفساد والهيمنة الفارسية المباشرة وغير المباشرة.


لقد كان فعل مقاومة العراق منذ لحظة الغزو والاحتلال ووصولا إلى التحول الاستراتيجي إلى ثورة شعبية عارمة يمثل نموذجا لإرادة الإنسان المتوكل على الله ليتحدى الطاغوت والقوة الطاغية المجرمة مرتكزا إلى طاقات الإيمان وحب الوطن والحياة الحرة الكريمة وهو موقف يليق بالإنسان الذي أنجبه عراق ثورة البعث الخالدة خلال عقود فعلها المشهود بين عام 1968 وعام الغزو 2003م. فالإنسان العراقي الذي تحدى أعظم قوة عرفها الكون بإمكانات متواضعة هو الإنسان الذي اشتغلت عليه إرادة الثورة معتبرة إياه غاية للثورة ووسيلة لها فمنحته قوة العلم والعقيدة وزرعت فيه حب الوطن والأمة والاستعداد للتضحية من اجلهما بكل غال ونفيس.هو الإنسان الذي قدم العزة والكرامة على غلاوة الروح وتمسك بالقيم والمبادئ النبيلة السامية وغلبها على الحاجات الشخصية والأنانية.


لقد اكتسح شعبنا بقوة الإيمان والإرادة الوطنية والقومية المؤمنة ارتال القوة العسكرية المجبرة وواجه تقنيات التخابر في الأرض والفضاء بوعي المبصر المستند إلى قوة الخالق جلّ في علاه وتحدى الغزاة الذين تجمعوا من كل عواصم الشر والرذيلة والجشع والارتزاق.


وها هي مقاومتنا الباسلة تنتقل إلى ثورة شعب ضاربة بعد أن هيأت القوى الوطنية والقومية والإسلامية قواعد وحواضن وإمكانات النصر المؤزر على بقايا الاحتلال ممثلة بالاحتلال الإيراني والعملية السياسية الاحتلالية وسيكون نموذج العراق حاضرا إلى ابد الآبدين في ذاكرة القوة الغاشمة وكمثال على انتصار الإرادة المؤمنة على ترسانات السلاح الفتاكة.

 

 





الاثنين ٢٦ ربيع الاول ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / كانون الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة