شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ أكثر من شهر، والعراق يعيش حالة مواجهة شاملة، بين الميليشيات الحكومية من جهة وقوى الحراك الشعبي من جهة ثانية.
هذه المواجهة حصلت، عندما اندفعت التشكيلات العسكرية والأمنية التي يديرها المالكي، لتضرب ما تسميه القوى الإرهابية "المستوطنة" في صحراء الأنبار، فإذ بها تنقض على ساحات الاعتصام في الرمادي والفلوجة، لتزيل الخيم وتفرق الجمع الشعبي وتعتقل من طالته اليد الأمنية.


هذه العملية التي أرادها المالكي أن تكون سريعة وخاطفة، لم تجر رياحها بما تشتهيه سفنه، إذ كما غرقت قوات الاحتلال الأميركي في المستنقع السياسي العراقي، غرقت الأدوات والتشكيلات العسكرية والأمنية للمنظومة السياسية الحاكمة في مستنقعه، وهي إذ حددت لحظة الدخول إليه، لكنها لا تستطيع أن تتحكم بلحظة الخروج منه. لأن قرار الدخول الذي اتخذ في أروقة أميركا وإيران، ليس كقرار الخروج الذي تفرضه معطيات الصراع على الأرض، خاصة وأن المالكي ومن وقف وراءه دفع الحراك الشعبي لأن يغير "قواعد الاشتباك" معه بعدما اعتمدت الإدارة المالكية، أسلوب "الحسم العسكري" مع حراك شعبي بقي على مدى سنة يعتمد أساليب التعبيرات الديموقراطية في التعبير عن أهدافه الوطنية ومطالبه السياسية.


إن قوى الحراك الشعبي التي أكدت منذ البداية على سلمية الحراك وشعبيته، واستحضرت عناوين المسألة الوطنية في مضمون خطابها السياسي، لم تكن ترغب أن تنجر إلى عسكرة، أما وأن رموز العملية السياسية قد اختاروا هذا الأسلوب في التعامل مع الحراك الشعبي، فإن الأخير لم يكن من خيار أمامه سوى الدفاع عن نفسه وعن مشروعه السياسي الذي يرى فيه الصفحة الثانية من مسيرة التصدي لإفرازات الاحتلال الأميركي.


وان يسارع المالكي لإسقاط توصيفه الإرهاب على الحراك الشعبي، فهذا الإسقاط لا يصمد أمام حقائق الأمور والتي تشكل الرد الموضوعي الحاسم على كل التخرصات السياسية التي تصف الحراك الشعبي بالعمل الإرهابي.


إن المالكي يصور تحرك ميليشياته العسكرية وأجهزته الأمنية بأنها لمواجهة قوى إرهابية، لأنه لا يريد أن يعترف بأنه يواجه حالة سياسية تمتلك من المشروعية الوطنية والتأثير الشعبي ما يمكنها من أن تشكل حال استقطاب وطني، وعاملاً أساسياً من عوامل إعادة صياغة الوضع السياسي، استناداً إلى المعطى الإيجابي الذي أفرزه العمل المقاوم والذي استطاع أن يهزم أعتى قوة عسكرية واقتصادية في العالم.


هذا المنطق الذي يعتمده المالكي وما يمثل، اعتمدته أميركا قبل عدوانها على العراق وبعد احتلالها له.
فقبل العدوان، وإبان رحلة التحضير له، ركزت أميركا على مسألتين لتبرير عدوانها: الأولى علاقة العراق بـ "القاعدة"، والثانية امتلاكه "أسلحة دمار شامل". ولكثرة ما روجت أميركا إعلامياً لهاتين المسألتين، وقع كثيرون في شباك التضليل الإعلامي الأميركي، واعتقدوا أن العراق يقيم علاقات مع "القاعدة" كاسم حركي لقوى الإرهاب ويمتلك أسلحة دمار شامل ورغم تأكيد العراق، ان هذه المزاعم ليست إلا فبركات إعلامية ولا صحة لها إطلاقاً. فقد بقي الاعتقاد سائداً عند الكثيرين، إلى أن اعترفت أميركا بأنه لا صحة لما نسب للعراق عن علاقة مع "القاعدة" ولا صحة للتقارير التي أفادت بامتلاكه أسلحة دمار شامل. لكن الذي حصل كان قد حصل، ووقع العراق تحت الاحتلال.


على مدى تسع سنوات من الاحتلال الأميركي، لم تهدأ فعاليات المقاومة الوطنية عبر ائتلاف قواها السياسية في إطار "جبهة الخلاص الوطني" حتى تم وضع حدٍ لهذا الاحتلال نهاية عام 2011.


طيلة فترة الاحتلال، فرض حصار إعلامي وسياسي على المقاومة الوطنية العراقية، والأمر لم يقتصر على هذا الحصار وحسب، بل كان الإعلام الموالي للاحتلال وإفرازاته وتحالفاته يصنف عمليات المقاومة في خانة العمليات الإرهابية، علماً أن المواثيق الدولية تخرج أعمال المقاومة في البلاد الواقعة تحت الاحتلال عن هذا التوصيف، وتضعه في إطار حق الشعوب المشروع في تقرير مصيرها.


وإنه من خلال المشهديات الثلاث التي جرت الإشارة إليها، التحضير للعدوان قبل 2003، الاحتلال حتى 2011، والمواجهة الحالية، يتبين، أن العنوان السياسي الذي تظلل به نفسها قوى العدوان والاحتلال وإفرازاته، هو مواجهة الإرهاب، والشخوصات السياسية الثلاث التي ألصقت بها تهمة الإرهاب، هي:


أولاً: نظام وطني هو بطبيعته وبنيته السياسية وخلفيته الفكرية، يتناقض مع المنظومات السياسية التي تبرر عملياتها العسكرية والأمنية بخلفية دينية عقيدية تقوم على التكفير الديني والسياسي،


وثانياً: مقاومة وطنية، حددت في برنامجها، أن هدفها الأساسي هو مواجهة الاحتلال بكل مرتكزاته وشخوصاته، وان مشروعها السياسي هو مشروع وطني يهدف إلى تحرير البلاد من الاحتلال، وتمكين الشعب من ممارسة سيادته الوطنية على مقدراته.


وإن العمليات العسكرية التي كانت تنفذ ضد مواقع ذات دلالات مذهبية وطائفية ودينية، لا تندرج ضمن إطار الفعل المقاوم، بل أكثر من ذلك فإنها كانت تُحدث تشويشاً على الفعل المقاوم، كونها كانت تخلق مناخات لاستثارات مذهبية وطائفية، بما يخدم مصالح قوى الاحتلال وردائفه والمتقاطعين معه والذين يريدون ويسعون إلى تقسيم مجتمعي على أسس مذهبية وطائفية. ولهذا، فإن هذه العمليات التي كانت توجه ضد أهداف دينية، كانت تندرج في خدمة استراتيجية الاحتلال، وضد استراتيجية الفعل المقاوم.


وثالثاً، حركة شعبية، انطلقت لتعلن رفضها، استبدال احتلال أميركي أصيل باحتلال إيراني رديف، ولإقامة نظام المواطنة القائم على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الإيمانية، ولوضع ثروة العراق في خدمة إنمائه وتلبية حاجات شعبه، وليس خدمة لاقتصاد إيراني مثقل بنظام العقوبات المفروضة عليه.


هذه المشهديات الثلاث، ومن خلال سياقاتها وما تمخضت عنه من معطيات، أثبتت، أن قوى العدوان والاحتلال وإفرازاته، تفتقر إلى المشروعية السياسية والقانونية، وأنها لم تجد غطاء لعملها، سوى إلصاق تهمة الإرهاب بالطرف الآخر، علماً أن هذه القوى هي التي أوجدت البيئة لظهور بعض المجموعات التي تمارس أعمالاً تندرج تحت خانة التوصيف الإرهابي، وهي التي شكلت حاضنة لها ومصدر إرضاع مادي لها، وهي عندما ترفع يافطة مواجهة قوى المشروع السياسي الوطني تحت عنوان مواجهة الإرهاب، فهي إنما تريد أن تستجدي غطاء سياسياً ودعماً مادياً لأعمالها، ولدفع الآخرين لأن يقفوا معها على قاعدة المفاضلة بينها وبين الإرهاب.


إن هذه المحاولات التي لجأت إليها القوى التي تبرر سلوكيتها الأمنية والسياسية بحجة الإرهاب، لم تصمد طويلاً أمام معطيات الوقائع الميدانية، إذ ثبت أن القوى التي تزعم مواجهة الإرهاب والقوى التي تصنف في خانة قوى الإرهاب السياسي والديني، إنما تتقاطع على أرضية أكثر من موقف.


إنها تتقاطع بالموقف والسلوك على أرضية مواجهة قوى التحرر الوطني كما أنها تتقاطع على أرضية التكامل في الأدوار.


من هنا فإن القوى التي تزعم مواجهة الإرهاب، وتمارس الإرهاب المنظم ضد الأفراد والمجموعات التي تعارض نهجها السياسي، إنما تصادر حاضر الشعوب، والقوى المندرجة تحت توصيف الإرهاب، بما تحمله من أفكار وما تعتمده من سلوكية إنما تصادر المستقبل. ومن يصادر الحاضر ويصادر المستقبل إنما تكمل نتائج أعماله بعضها البعض حتى ولو لم تجمعها غرفة عمليات واحدة.


على هذا الأساس، فإن القوى الإرهابية، هي القوى التي تمارسه استناداً إلى المنظومة الفكرية والعقيدية الدينية والسياسية التي تحملها، كما تلك التي تمارسه بالأعمال المادية من قتل واستبداد وظلم اجتماعي.


وان من يحمل خطاباً تحررياً وطنياً جامعاً رافضاً للتمييز الديني والعرقي ويدعو إلى دولة مدنية على قاعدة المساواة وتكافؤ الفرض، واحترام حق الشعوب في تحديد خياراتها السياسية على قاعدة الديموقراطية وتداول السلطة، هو الذي يقاوم الإرهاب على مستوى الفرد والجماعة، وأصحاب هذا الخطاب هم المتضررون أولاً وأخيراً من قوى التخريب السياسي والاجتماعي أياً كانت المسميات التي يعملون تحت لوائها.


من هنا، فإن المالكي ومن يقف وراءه وعلى أطرافه، هم الإرهابيون بامتياز، وعليه، فإن الحراك الشعبي الذي انطلق سلمياً في العراق، وفرضت العسكرة عليه، من موقع ردود الفعل بات اليوم ينطوي على كل معطيات الثورة الشعبية المشدودة إلى أهدافها الوطنية والتي تقودها قوى وطنية اختبر مشروعها في مقاومة الاحتلال، وها هو اليوم يختبر في مشروع إعادة بناء العراق وتخليصه من كل الدرنات التي ألصقت به وسيكون معنياً بمواجهة إفرازات الاحتلال بكل تحالفاتها، كما القوى التي تعتمد منهجاً تكفيرياً بالفكر والممارسة.


ومن يقف صدقاً ضد الاحتلال وإفرازاته أياً كانت مسمياتهما، عليه أن يكون في الإطار السياسي الحاضن للمشروع الوطني في العراق المفتوح على آفاقه القومية، وهذا الوقوف مع ثورة العراق لا يكفي أن يكون نظرياً، بل يجب أن يترجم بآليات عملية، وأولها وضع الهجوم على الحراك الشعبي في إطار محاولة ضرب المشروع الوطني، وثانيها العمل لفك الحصار الإعلامي عن هذه الثورة، لأن انتصارها سيعيد رسم خارطة المنطقة باتجاه شد الوضع العربي إلى مركزية أهدافه القومية في التحرير والوحدة والتقدم.
 

 

 





الاثنين ٢٦ ربيع الاول ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / كانون الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة