شبكة ذي قار
عـاجـل










يثار سؤال بين الاوساط المجتمعية هل الفكر الديني ينتج نمط اجتماعي اقتصادي و ثقافي ام العكس ؟ وهذا السؤال هو المدخل الواسع لبيان المخاطر التي تحدثها عملية استغلال الدين الاسلامي استغلالا" سياسيا" لتحقيق اهداف ومرامي دنيوية لاتصب في التدين والايمان والتقوى والورع ، أي تسييس الدين ليتحول الى وسيله بيد السياسيين ان لم يكونوا سياسي الصدفة والهروب من الواقع الذي هم فشلوا فيه ولم يتمكنوا من تحقيق غاياتهم وأهوائهم وللاجابه على السؤال نجد أن البعض يجيب بنعم الفكر الديني هو الذي ينتج نمط اجتماعي اقتصادي ،

 

وعليه فهو يصل الى نتيجة تقول ان الفكر الاسلامي هو الذي يعيد انتاج الحالة الاجتماعية الاقتصادية التي نعيشها ، وكتب البعض في هذا الجانب رؤيته وقدم ما يعززها وأخرين كانت رؤيتهم تبنى على معادلته المقلوبة هذه استنتاجا يقول ان تنحية الاسلام عن الدولة والمجتمع تماما سيجعل مجتمعاتنا متطورة ومتجاوزة لتخلفها ومنتجة للحداثة ، لكن علماء الاجتماع المعتمدين ـ كسبنسر وفرويد وتحديدا عند كارل ماركس فان الانماط الاجتماعية الاقتصادية هي التي تشكل الوعي الذي يناسبها او تحور ما ترثه ليلائم متغيراتها بما في ذلك شكل التصورات الدينية ، فكارل ماركس مثلا" يرى الدين هو افيون الشعوب اي مخدرها امام العواصف التي تحل بها لانها تستسلم لرأي رجل الدين وتحركاته وفهمه للحوادث واستنباطه للحاجات المجتمعيه التي يعيشها ويتحسس معاناة الفقراء والمعدمين ، بالاضافة الى تأكيد هؤلاء العلماء على ان الدين يستغل طبقيا واجتماعيا لخدمة الارستقراطيات الحاكمة

 

وهو بالتالي سيكون مصدر من المصادر التي تأمن القهر الطبقي القائم ، هذه الرؤية هي نتاج الواقع الاوربي ومكانة الكنيسه ودورها في الاضطهاد والاستغلال ، أما فيما يخص الواقع العربي فانه شهد رؤى متناقضه أيضا" منها هي نتاج الحاجه القومية وهنا الافكار السياسية هي وليدة الحاجه والاستجابه الواعية للحاجات الانسانية للجماهير العربيه ، وهذه الافكار نظرت الى الدين الاسلامي كثورة في الامه نقلتها من حالة الركون والانزواء الى مكانت العطاء الانساني المتفاعل مع حاجات جماهيرها والامم الاخرى من خلال رسالتها الانسانية الخالده التي تؤمن بالتقاء ارادة الشعوب التواقه للتحرر والانعتاق ، أي أن الامه العربية هي الوعاء ومحتواه الاسلام وبهذا كانت هناك المعادله الشموليه ( لولا الاسلام لما عرف العرب كقوة رساليه ولولا السيف العربي المؤمن لما انتشر الاسلام ) ، وقد تناول ذلك التقرير السياسي الصدار عن المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث العربي الاشتراكي القطر العراقي ، ونظرت البعث الخالد للاقليات في الوطن العربي وحقوقها الثقافية والدينية ، اما الرؤية الثانية وهي الدخيله المرحله أو المزروعة في الارض العربيه والتي لا تتناغم مع الافق الانساني الشمولي التوحيدي للاسلام ومن هذه الافكار الاحزاب الاسلامية والتيارات والحركات التي اتخذت اساسا" تكوينها الطائفي الضيق الانقسامي ، والمناقض للرؤيتين الافكار الالحادية التي هي نتاج العقل الاوربي الكنسي المتمرد على رجل الكنيسه لما يمثله من استغلال وهيمنه دينيه ودنيويه ، والفكر القومي الثوري الذي يجد في الاسلام القوة الدافعه للوصول الى الذات العربية التي غيبتها مرحلة مابعد سقوط الدولة العربيه الاسلامية عام 1258 م ، كما ان الوطن العربي شهد أمر أخر مظهره ديني ولكنه بجوهره الحقيقي عدواني استيطاني يراد منه التمدد على حساب الشعوب والامم وخيراتها وموقعها الاستراتيجي الذي تحتله فاذا ما نظرنا للحروب الصليبية من باب الدلالة والمقاربة سنجد انها تخفي في جعبتها دوافعها الحقيقية للغزو وهي بكل الاحوال ليست دينية بالرغم من الثوب الديني الذي ظهرت به فهل الفكر الصليبي هو الذي حرك الحملات العسكرية لغزو بلاد المسلمين ؟ ام ان الاقطاع الاوروبي كان الدافع الحقيقي الذي اطلقها مستخدما الصليب كغطاء لاطماعه التوسعية الاستكشافية للاستيطان والاثراء ؟ ، وبعدها وعد بالفور 1917 م وما يشكله من اعاقه شامله للوحدة القومية وتجريد الوطن العربي من هويته التوحيدية من خلال الدعوة الى انشاء كيان ديني باسم الدولة اليهودية ليهود العالم بمختلف قومياتهم وثقافاتهم ليكونوا العازل البشري فيما بين جناحي الوطن العربي

 

الاسلام ثورة انسانيه
اذا نظرنا للسياق التاريخي الذي جاء به الدين الاسلام الحنيف كثوره مجتمعية انسانيه عارمه لايحجبها لون أو عرق أو لسان أو مكان بل انه رساله سماوية للبشريه كخاتمه للديانات السماويه الجامعه الشامله - ومن أتى بغير الاسلام دينا" لايقبل منه - فاننا نجده كحركة تغييراصلاحية ، واجتماعية ، وسياسية ليس بمفهوم التحزب لان الخالق البارى جل علاه بين من هم حزبه الغالبون - المؤمنون الصادقون الراغبين بالاخره المطلقين للدنيا الفانية بمغرياتها وشرورها وحقدها وكراهيتها ونزواتها - ، وفكرية شاملة مؤطرة باطار الدين الاسلام الحنيف لاصلاح ما كان قائما ولم يغيره جذريا اي بمعنى انه لم ياتي بنظام اقتصادي اجتماعي جديد ، أو نظام طبقي جديد ، وهو بذلك لم يشذ عن الديانتين التي سبقته - المسيحية واليهودية - ، انه مثلا لم يلغي نظام العبيد وتملكهم ولكن اعطاهم حق الانسانيه من العدالة والمساواة ، لا بنص قرأني ولا بالسنة النبوية الشريفه ، لكنه حرم الربى وحرم الميسر ـ القمار ـ وحرم شرب الخمر واكل لحم الخنزير ـ كما فعلت اليهود من قبله ـ وحرم اكل الفطائس والدم ، اي انه شــــــرع ما يجعل المسلمين على مســـتوى اجتماعي واخلاقي وصحي ايجابي وقتها ، وحرم عمليات وئد البنات التي كانت ســــائدة عند قبائل العرب قبله ، ونظم ووحد اشـــــكال الزواج القائمة وقتها ـ الاستبضاع ، زواج المقت ، زواج المتعة ـ وجعل الصلوات خمس موزعة على ساعات اليوم الواحد ليكون المسلمين على جهوزية لمواجهة المخاطر المحدقة بهم والابتعاد عن المعاصي أو مايخل بالايمان والتوحيد انه نظم حياة المسلمين وجعلهم اكثر قوة وتماسك المؤمنون كالبنيان المرصوص بعضهم يشد أزر بعض ، أو كالجسد ان اشتكى عضوا" منه لاي أمر تداعى باقي الاعضاء تأثرا" ، لكنه لم ياتي لتصفية القبلية مثلا كنظام اجتماعي متكامل ودوار حول نفسه * يا أيها ألناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا" وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم * والذي ظل يرافقه وعلى طول الخط حتى وقتنا الحاضر وبنفس الاطر الاقتصادية الاجتماعية القائمة نمط اقتصادي اجتماعي بدائي تنطبق عليه دراســـات دورات العمران البشري لمؤسس علم الاجتماع الاول ابن خلدون ـ البداوة والحضر ، لقد وحد الاسلام جزيرة العرب بنظام سياسي ايديولوجي واحد ،

 

ثم انطلق للتوسع محررا" ناشرا ايديولوجيته باحكم قانون القوة السائد ، وفي ظل الضعف الشامل لامبراطوريتي ساسان وبيزنطة ، الاسلام كثورة اجتماعية أرادها الله العلي الاعلى لنقل الخليقه من حالة الانكفاء والتردي والسلبية بالعلاقات والمصالح ، أقول لم ياتي من فراغ وانما انتجته جملة الظروف الاجتماعية الاقتصادية الثقافية التي كانت سائدة في الجزيره العربيه وتحديدا" مكه كنقطة انطلاق وتبشير ، والتي وصلت الى مرحلة تتطلب تغيير فوقي ينسجم مع التراكمات النوعية التحتية الحاصلة ، فكان الرسول العربي الهاشمي المضري محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم هو الامه بكاملها ليحمل التكليف الالهي بنشر الفكر الانساني كقيمه دينية سماويه أجابت على كل حاجات البشريه في كل مناحي الحياة وما يحكمها ، وكانت الوجوبيه الاخلاقية والايمانية أن يكونون العرب أوائل من حمل التكليف الرسالي وما أخلفهم أن يكونون بجمعهم هم محمد وبهذا فان دورة التحول في حياة الامه ستكون متصله متواصله تجعل الامة بمكان من الاقتدار والتحمل ، فالاسلام بنظامه الضريبي الاول المخصص لبيت المال ـ الزكاة والصدقات والجزية ـ وضع نهجا اصلاحيا لقيام دولة تحاول التخفيف من حدة التمايزات الطبقية التي كانت قائمة ، وهي لم تمس جوهرها ، بدلالة انتقال امتيازات القبيلة الى صدر الاسلام وامارته ، اما بعد الفتوحات فكان هناك اضطراب ضريبي سببه غياب القواعد المنظمة له والتي حاول الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب رض وبزهد ظاهر مراوسته ليكون خلطة بين ما كان سائدا قبل الفتح وبين نزعة التيسير الاخلاقية التي اتخذها الاسلام كراية لانتشاره الاول فكانت الضرائب وتحديدا خراج الارض المزروعة والبساتين والدواب ليست بالجائرة ويمكن احتمالها في بدايتها ، لكنها تضاعفت بعد ان عادت نفس العوائل العربية النافذه اقتصاديا"للحكم مجددا وبدون اي نزعة اخلاقية هذه المرة ـ ومن أمثال ذلك حكم الدولة الاموية ومقدماته التي تاكدت في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان رض ، وتواصلها بل تكاثفها عند الامويين ومن ثم العباسيين ـ حتى لم تعد هناك فروقا جوهرية بين النظام الضريبي الذي كانت تسير عليه الامبراطوريات الساسانية والبيزنطية وبين نظام الامبراطورية الاسلامية واحيانا تجاوزتها عسفا وهذا ما جعل الانهيار قادماً لا محال ، عليه كانت الثورات الاجتماعية والاضطرابات مستمرة في الامصار الاسلامية والتي لم تنقطع طوال التاريخ وهي في جوهرها ثورات ضد التعسف الضريبي القائم واغلبها كان ينادي بشعارات الرحمة والعدالة التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفه وبعضها كان يرفع شعارات ايديولوجية نابعة من تراثه القديم ـ كالبابكية المستندة للديانة الزرادشتية ـ

 

وما الثورات الداخلية الاولى ـ ثورات ال علي والزبير ـ الا تعبير عن صراعات على السلطة بشعارات اصلاحية تحمل ارث الصراع القبلي القديم الذي سبق الاسلام وبرز وان كان احيانا" مبطننا" عند الانبعاث النبوي بين افخاذ قريش ذاتها والتي لم تكن الاثار الطبقية عنه غائبة ! ، وهنا لابد من الاشاره الى موضوع لربمى خافيا" على البعض ان بعض أفخاذ قريش كانوا متحسسين من بني هاشم لانهم امتداد للشرفية الاولى التي كانت قبل الاسلام من حيث خدمة البيت العتيق والحجيج وازداد هذا التحسس والاحتجاج عند الانبعاث والتبشير بالدين الجديد فكانت الشرفيه الثانية – النبوة - ومن هنا كانت المعارضه الشديده والتعمد الى ايقافها ان كانت بفعل قتل النبي أو اجباره على التخلي عن رسالته - فما كان من الرسول صلى الله عليه واله وسلم الا الرد على ذلك بقوله (( ياعم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي لاترك هذا الدين لما تركته )) واستمرت هذه الحساسية وتعمقت بقتل صناديدهم ورجالهم وشجعانهم في معارك بدر الكبرى ، وأحد ، والاحزاب ، وكان لبعض الباحثين الرؤية القبلية للاسلام حيث ماجاء نصه (( الاسلام جاء بحلف قبلي يقوده بنو هاشم وبشعارات اصلاحية معروفة لكن بني امية وارستقراطيتها المتمرسة عادت لتخطف الحكم ثانية وباسم الاسلام نفسه حيث جرى التخلي عن محاصصات الحلف وتفردت بالحكم ، وراحت تجابه اي معارضة لها بالحديد والنار ، اما في الفترات المتاخرة فكانت ثورات الزنج والقرامطة وثورات الامصارعموما هي تعبير كبيرعن عمق الاستغلال الطبقي الذي كان سائدا وساهمت هذه الثورات بنخر امبراطورية الخلافة وسقوطها تماما وتجزئتها لاحقا على اثر الغزوات المغولية والتترية ، لنشهد لاحقا حقبة جديدة هي سيطرة القبائل غير العربية على الحكم بايديولوجية الاسلام نفسه ،

 

اي اصبح الاسلام مجرد راية يستخدمها كل قادم للحكم لا غير )) بل ذهب بعض الكتاب والباحثين الى (( اصبح وضع الاسلام ، كالقماش المنسوج بنقشاته المعروفة والذي صارت تفصله طبقات الحكم والمعارضة على مقاساتها ، وبما تمليه عليها مصالحها الاجتماعية الاقتصادية التي نجملها عادة بالطبقية حتى القرامطة الذين يعتبرون تاريخيا اعمق الحركات المعارضة فكرا وممارسة بحيث لقبهم البعض بشيوعيي الاسلام وهم الذين اقاموا نظاما لا يمت بصلة لا لقريش ولا لتحالف قبائلها واقاموا حكما مشاعيا متقدما بديمقراطيته على جمهورية افلاطون ، حكما خالي من نظام السادة والعبيد ، حكما المرأة فيه على قدم المساواة مع الرجل ، حتى هؤلاء رقعوا نسيجهم بقطع من قماشة الاسلام لانهم وجدوا فيه ما يلائم تطلعاتهم تأويلا وقياسا ، وليس نقلا ونصا ))


يتبع بالحلقة الثانية

 

 





الاربعاء ٢٦ ربيع الثاني ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / شبــاط / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة