شبكة ذي قار
عـاجـل










في مفصل الانتقال من حالة المقاومة الوطنية العراقية وتعبيراتها المرادفة طبقا لواقع فصائل الجهاد إلى حالة الثورة الشعبية, يتوجّب البحث بروية عن العوامل المميزة والعلامات الفارقة لحقبة المقاومة، وتلك التي تتسم بها وتعانق فعلها في الحقبة الراهنة التي توسم بحقبة الثورة والتي من أهم ركائزها حالة التوحد الفريدة لأحرار العراق التي صيّرت الثورة بعد مجزرة الحويجه البشعة التي قام بها المجرم العميل الخائن السفاح نوري المالكي.


وقبل الدخول في محاولة مبدئية أولية للفرز الأولي بين الحقبتين المتداخلتين بمفصل تأريخي هو جرح الحويجة وما تلاه من تداعيات أفضت إلى انطلاق الثورة الشعبية في محاولة لاستقراء أفق هذه الثورة المباركة وممكنات تجذيرها ,أفقيا وعموديا , وصولا إلى أهدافها النهائية بالتحرير والاستقلال، فإننا سنقف أمام حقيقة إن المقاومة قد أنجزت مهمة طرد القوات الغازية في فعل تأريخي فريد غير أنها لم تحرر البلاد بصيغة استقلال ناجز لأسباب خاصة جدا مرتبطة جدليا بخصوصية ما جرى ويجري في العراق والذي نظن انه لم يحصل له مثيل في تأريخ الشعوب. الخصوصية تتأتى من كون الغزاة لم يحتلوا البلد فقط، بل انشئوا تشكيلات (دولة جديدة) قوضت الدولة الوطنية تقويضا شبه تام فصار استقلال العراق ليس فقط طرد العساكر المحتلة، بل إن هذه المهمة على أهميتها لا تمثل سوى حلقة واحدة من حلقات تحرير العراق لأن الاستقلال الناجز يعني إعادة العراق إلى تشكيلاته الشرعية كلها والتي هي تشكيلات لا تختلف بشئ عن دول العالم الأخرى غير أن مقتضيات نجاح المشروع الاحتلالي تطلبت هدمها . فالاحتلال المجرم قد تصرف في العراق على مبادئ ومنهج وعقيدة هدم وتقويض، ليس في التشكيلات المؤسساتية، بل وأيضا تدخل بخبث ممنهج ومتفرد في تشكيل اصطفافات سياسية واجتماعية ودينية ومذهبية تواليه و تديم نجاح المشروع الاحتلالي من غير عساكر احتلالية وتقوم بشرذمة البيئة الاجتماعية أيضا شرذمة ممنهجة لوضع البلاد والثوار والشعب والسلطات المنصبة كلها أمام خيارات إنهاء وجود العراق كدولة ما لم يخضع ويخنع للمشروع الاحتلالي.


التحدي الذي تواجهه الثورة ومعها العراق وشعبه هو أما القبول بنتائج الاحتلال بما في ذلك العملية السياسية الاحتلالية وأدواتها العميلة الخائنة الفاسدة التي أثبتت فشلها الذريع في إدارة شؤون البلاد صغيرها وكبيرها وقبلت أن تكون محض أداة بيد القوى الخارجية التي تسير شؤون البلاد فعلا وتجعل منها كانتونات مبعثرة الولاء والتوجهات والإرادات ولا يغيب عن المشهد كله إلا غائب واحد هو الوطن الذي كان. في حين التحدي المركزي الذي واجهته المقاومة الباسلة هو القوة الغاشمة للاحتلال والتفرعات المرتبطة بهذا الهدف.


هل تحتاج الثورة إلى أدوات إضافية إلى جانب تلك التي احتاجتها المقاومة البطلة؟


الإجابة على هذا التساؤل هو محور التفكير الذي أردنا طرحه في هذا المقال ليس بهدف طرح معطيات وعوامل مستجدة أو متجددة بقدر ما نريد له أن يحضر في تفكير الرجال في الميدان للعمل عليها بنفس مستديم متواصل, حيوي حي فعال لأن فهم الظروف والمعطيات وعوامل الجذب والطرد هي من بين أدوات تعميق الارتباط بالثورة ومواجهة أو استبعاد أي عامل من عوامل الردة.


فإذا كانت الثورة في مبادئ عقيدتنا الوطنية والقومية الوحدوية الاشتراكية لها أدواتها وبيئتها المدنية الخالصة بما في ذلك تفرعاتها المتعلقة بخلق عوامل الثورة في داخل كل إنسان التي نعبر عنها بالانقلاب الذاتي وتثوير المجتمع وأدوات الخدمة والإنتاج فان الثورة في مساراتها العسكرية لا يمكن أبدا أن تستغني عن هذه القواعد المدنية، بل يجب أن تحضر دائما إلى جانب القدرة على زيادة حشد الطلائع الثائرة من الشعب وتهيئة أدوات قدرتها على مقارعة القوة الغاشمة المقابلة للاحتلال المتبقي بصيغ فنية وتسليحية وعملاء خونة وتوفير المهارات وقدرات الرصد والمتابعة الاستخبارية و المخابراتية الهائلة. إن الظروف التي خلقها الاحتلال في العراق تستدعي مزاوجة غير تقليدية بين قواعد وعوامل الثورة المدنية وبين قواعد وأدوات الثورة المسلحة فنحن إزاء عملية مواجهة مع عملية سياسية مدنية زج بها عدد غير قليل من العراقيين بطريقة أو بأخرى تتطلب تفعيل عوامل الثورة المدنية تظاهرا واحتجاجا واعتصاما وتداخلا جراحيا أو حتى علاجيا في حالات معينة لتقليل خسائر الشعب والوطن وتتطلب فعلا توعويا وتثقيفيا يمسك بحقائق واسعة ودامغة تتعلق بالفشل والفساد الشامل وتتغلب على أدوات الترويج والتفاعل الملجئة أو التي استثمرت نتائج حصار ظالم دام 14 عام، فأدى إلى الجوع والفقر والعوز وتفشي الأمراض وتدهور القوة الشرائية وانسداد قنوات الاقتصاد والتنمية والجهل لدى قطاعات واسعة من الشباب الذي سدت أمامه فرص الدراسة والعمل وغير ذلك من عوامل نفوذ السياسة التخريبية وأحزابها وشخوصها المدربين بحرفية عالية عند من جنّدوهم وهيئوهم لإدارة دولة ما بعد الغزو والاحتلال.


إن إعلام وثقافة الثورة الشعبية العراقية يواجه تحديات جسيمة ليس فقط من أعداء العراق وأعوان الاحتلال المسلحين بالمال والفضاء والانترنيت والإعلام المكتوب والمسموع فقط، بل يواجه تحدي التخريب المقصود لصلة الثورة بالشعب وتحدي تحريك العوامل المشرذمة ليس من قبل الأدوات التقليدية المرتبطة مباشرة بالعدو، بل وأخطر من ذلك من بعض العوامل البشرية المحسوبة على صف الشعب. غير إن الاصطفافات الطائفية قد نفّذت إليها بطريقة أو بأخرى. إن إعلام معاداة الشعب أو استعداءه قد برز بشكل جلي في مرحلة الأيام القليلة السابقة التي تلت الانتخابات المزورة الباطلة حيث يلاحظ:


1- تمجيد يصل إلى حدود المبالغة من القائمين والمتفاعلين والمستفيدين من الانتخابات للشعب الذي هم يعرفون قبل غيرهم انه لم يشارك إلا بنسبة لا تتعدى 30 بالمائة، بل اقل من ذلك بكثير لكنهم يتجاوزون الأرقام ويركزون على النتائج الرسمية المضخمة لأنهم يعرفون إن بعض المحسوبين على الصف الوطني يندفعون باتجاه معاكس في ردود أفعال غير محسوبة العواقب.


2- هجمة عشوائية بمختلف أدوات الإعلام المتاحة من بعض الوطنيين الحقيقيين أو من شلل مدسوسة تنتقد الشعب وتصفه بأبشع الصفات بدعوى مشاركته في الانتخابات. والفارق إن العديد من هؤلاء يكتبون في مكان ما أو يتحدثون بالإخفاقات المشينة التي صاحبت الانتخابات ثم يشتمون الشعب في أماكن أخرى لتحقيق الفجوة المرتجاة بين الثورة وإعلامها وثقافتها التعبوية والتحشيدية وبين الجماهير لحرمان الثورة من مدد لا تستغني عنه ولا تمضي قدما وتنجح من دونه.


إن الرهان الآن عند أحرار العراق ومن يساندهم من أحرار الأمة والإسلام والبشرية ليس رهان بقاء الثورة فهذا أمر محسوم بل هو رهان توسيع قواعدها بكل السبل المتاحة ومد اذرعها بكل الاتجاهات عبر الحوار مع الجهات الجغرافية التي لم تثر بعد وتغذيتها بكل ممكنات واحتياجات الثورة وليس بالشتم الجماعي والإدانة الشاملة, بالخطاب الأخوي وربما العتب الأخوي وليس التخوين الجمعي, باحترام العادات والتقاليد السائدة التي يعرف مَن يهاجمونها أنها لا تزول بالهجوم أبدا، بل تزول بالتوعية والتعليم والخروج من أعناق زجاجات الفقر والجهل والاستلاب الإنساني وبغلبة العوامل الضاغطة الداخلية والخارجية التي تلعب على دفوف الجهل والفقر والبلادة الدينية والطائفية والجهل المر بقواعد الحقائق الوضعية والسماوية.


وفي الختام لابد أن نؤكد إن الذراع السياسي للثورة الذي يمثلها في الداخل وفي الخارج ويفعل اتجاهات وأدوات اختراق البيئة الظالمة التي خلقها الغزو والاحتلال ومد جسور العلاقة مع الأقطار العربية ودول الجوار والعالم أجمع لم يعد مزاجا يتعاط به هذا الطرف أو ذاك من الأطراف الوطنية تماما كما إن الافتراق بين البعض على أسس تكفيرية أو تخوينية يجب أن يحتويها الجسد السياسي الممثل للثورة ويخرج بها إلى عوالم اللقاء والوحدة والتوحد والتفاهم وتغليب مصلحة الوطن. وعليه فان المجلس السياسي العام لثوار العراق يمكن أن يكون الهيكل الوطني والقومي والإسلامي الذي يتوجب على الجميع احتضانه وتطوير أدواته وكينونته المباركة.






الجمعة ٢٣ رجــب ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / أيــار / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة