شبكة ذي قار
عـاجـل










احياناً يلتبس على الإنسان العادي، وربما غيره ايضاً، أن أمريكا ، وهي الدولة العظمى والقوية ، تتمتع بذكاء متقدم حول اوضاع العالم، طالما تمتلك مؤسسات بحثية ودبلوماسية واستخبارية واسعة، تمكنها من تحليل ما هو قائم من عناصرالموقف، سواء كان سياسياً أم عسكرياً أم إستراتيجياً أم حراك قوى على مسرح الأحداث الإقليمية والدولية .

 

واحياناً اخرى يلتبس عليه الموقف وربما على غيره ايضاً، فيرى أن أمريكا لا تتمتع بذكاء متقدم حول الأوضاع الإقليمية وخاصة في بعض مفاصلها الحيوية، على الرغم من المواصفات التي تمتلكها والتوصيفات التي ذكرناها، الأمر الذي يجعل النظر الى الحالة في بعض اوجهها مربكة أو غامضة أو هي خليط من الجهل والغباء معاً لتظهر موقفها السياسي بهذا التوصيف المزري حتى وهي الدولة العظمى، التي راح بريقها ينزلق صوب الأفول نتيجة الجهل أو الغباء أو الأثنين معاً ؟

 

هل أن أمريكا جاهلة فعلاً بالذي يحصل أم أنها غبية إلى هذا الحد ؟

 

أقرأ الكثير من الكتابات في عدد من الصحف العربية وغيرها ويكاد الكثير من مراكز الأبحاث الأمريكية تؤشر أن امريكا تنفذ استراتيجيتها الراهنة بعد أن أجرت تعديلات على خطوطها العريضة لعام 2006 ثم عاودت التعديل قبل عام 2011 ، وكرست خطاً للتعامل الإستراتيجي الإقليمي والدولي يقوم في اطاره العام على نهج الدبلوماسية لأن أمريكا تتحاشى الحرب التي تسرع في تراجعها وعزلتها .. ولكن ، هنالك إشكالية بنيوية في ألية تعامل الإدارات الأمريكية، وخاصة إدارة " باراك أوباما " ، وكيفية صنع القرار السياسي، الذي اعتمد على ما يبدو على خلاصات مراكز الأبحاث في رسم السياسات وتحديد الخيارات الإستراتيجية، حين يصار إلى التعامل مع القوى العاملة على مسرح الأحداث في المنطقة ، ومحاولة عقد الصفقات السياسية مع بعضها، سواء كانت على رأس الحكم أم في ساحاته المعارضة، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية اعتمادها في صنع القرارات على ( قنوات الإتصالات السرية ) ، مثل ( قناة جنيف ) و ( قناة أوسلو ) و ( قناة مسقط ) وغيرها من القنوات التي تم الكشف عن ملابسات اتصالاتها السرية الفاضحة .. على اساس الإستراتيجية التي تربط بين أداتين ( قفازالدبلوماسية الناعم ، وقفاز المخابرات الخشن ) ، وهما تعبيران ما انفكت مراكز الأبحاث تستخدمهما في سياقاتها الإصطلاحية .

 

وبديهي القول، أن أمريكا وهي تزمع تطبيق أو تنفيذ سياستها الإستراتيجية تحتاج التعامل مع قوى ونظم اقليمية .. فهل وقفت ودرست وتفحصت فكر هذه القوى ومناهجها وسلوكها السياسي تاريخياً، لكي تستقر على قرار صائب ؟ ، والجواب كلا ، لأن أمريكا على الرغم من قوتها واتساع مؤسساتها تعاني من جهل استراتيجي، ليس بمعنى عدم القدرة، انما بمعنى الإنجرار بطريق الإنبهار بسيناريو ينتهي بها الى الفشل .. الذي لا يتساوق مع قوة امريكا، والقوة هنا لا تعني شيئاً، ( فالعملاق قوي وكبير ولكن إذا كان عقله صغيراً ، يمكن أن يفشل في استخدام قوته، عندئذٍ ينتهي إلى الهاوية ) .

 

لماذا امريكا ماخوذة بنزعة السيناريوهات ذات الطبيعة الاستراتيجية ؟

دعونا نتناول بعض الأمور التي قد تفسر طبيعة هذا الفشل الذي لازم السياسة الخارجية الأمريكية وتقديراتها للمواقف، والتي ارتكبت جراءها كوارث انسانية في العراق وفي افغانستان وسوريا ومصر وليبيا وغيرها بلغت حد الإبادة البشرية لمجتمعات تشتعل فيها النيران التي هي اوقدتها تحت مزاعم كاذبة وفي اطار اهداف لا يمكن تحقيقها .. وما نراه في العراق وسوريا مثالاً صارخاً على الجرائم الأمريكية التي ارتكبتها هي ونائبتها إيران :

 

1- مولت امريكا برنامج خاص لدراسة الديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا تولى انجازه المعهد الدولي للدراسات الدولية الغربية ( MENA ) ، وهو البرنامج الذي بدأ التفكير والعمل به، في اطار التعاون مع مصر لعقد مؤتمر اقليمي في نهاية عام 2014 لتطوير علاقة امريكا مع الاخوان المسلمين أنذاك ، وذلك تنفيذاً لأفكار امريكية تقوم على ان ( الأخوان المسلمين يمثلون الإسلام السياسي المعتدل ) ، حيث يمثل الفهم الإستراتيجي الأمريكي هذا، ليس في مصر، إنما يشمل عموم المنطقة العربية على وجه التحديد . وعلى اساس هذا الفهم يمكن عقد صفقات مع الاخوان المسلمين لدعم وصولهم الى الحكم اطول فترة ممكنة .. في الوقت الذي لا يجيز الدستور الأمريكي بأكثر من ولايتين، إلا أن سياسة الإدارة الأمريكية تجيز حكم الأخوان طويلاً ، وتجيز حكم حزب الدعوة بقيادة الطائفي الدموي " المالكي " لولآية ثالثة وربما رابعة وخامسة، حتى لو على بحر من الدماء .

 

ويتضح من ذلك .. أن أمريكا تستنير في رسم سياستها الخارجية بمركز الأبحاث هذا ، الذي لم يكن بمستوى التحليل المتفحص للواقع، الأمر الذي جعل السياسة الخارجية الامريكية ومركز صنع القرار فيها في ورطة التعامل مع الاخوان المسلمين، ليس في مصر فحسب، إنما في عموم منطقة ( الشرق الأوسط ) ، فيما باتت تصدعات تلامس الجدار التركي الذي يحكمه خط الأخوان الأممي.!!

 

وكما زينت مراكز الأبحاث ( ومعظم باحثوها ومنظروها ومفكروها وسياسيوها الإستراتيجيون من اليهود ) واجهزة المخابرات الأمريكية مسألة التعامل مع الأخوان المسلمين لبناء ( نظام للأمن الإقليمي ) الذي يتشكل من إيران وتركيا وبعض الأنظمة العربية تحت القيادة الأمريكية لحساب الكيان الصهيوني ، قدم الإيرانيون، من خلال قنواتهم السرية الخاصة عرضهم للعمل الإستراتيجي المشترك لتغيير معادلات الجيو- سياسة في منطقة ( الشرق الأوسط ) بأداة إيرانية خالصة تهدف النفوذ الفارسي، مقابل ضمان النفط لأمريكا وضمان أمن الكيان الصهيوني ، فيما يخفي الإيرانيون تحت خديعتهم الكبرى ملف سلاحهم النووي .!!

 

في المنطقة مستنقع كبير وخطير صنعته أمريكا بأفكار صهيونية وتنفيذ إيراني، ولكن هذا المستنقع الذي اوجدته امريكا في العراق وتركته لإيران مسرعة ، وتحاشت تكرار حربها في سوريا على غرار افغانستان والعراق، هل تفكر امريكا بالعودة العسكرية إليه لحماية نظامة الطائفي الدموي، بعد ان امتنعت عن خوض الحرب في سوريا ؟! ما الذي ستفعله أمريكا بعد ان تبدي تبريرها بعدم التدخل في هذا المستنقع الذي غاص فيه الإيرانيون حتى رؤوسهم وكذلك في سوريا واليمن .. والتدخل الخارجي يحتاج إلى موارد يعجز عن توفيرها الإيرانيون في هذه الجغرافيا السياسية المتاخمة والبعيدة؟ ، فيما تفكر امريكا الف مرة بعد أن لقنتها الفلوجة البطلة دروساً في الماضي القريب لن تنساها واشنطن، ولم ترَ مثيلاً لها حتى في الفيتنام .؟

 

يتبع ...






الخميس ١٤ شعبــان ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / حـزيران / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة