كثرت الاسئلة والتكهنات حول هوية الثورة في العراق , ما هي مكوناتها الديمغرافية , ما هي احزابها السياسية ؟ وقد كانت الاجابة على هذه الاسئلة حسب الاجندات السياسية لكل طرف . فالاعلام الغربي والصفوي والطائفي في العراق حصروا الثورة في داعش , ونفخوا في صورتها حتى جعلوها بعبعا مخيفا , وكيانا مقاتلا يملك الوف المقاتلين , بحيث يتصور المرء ان داعش قادرة على القتال في اكثر من جبهة , وحسب البيانات المسربة فان داعش تنوي الانتقال من الموصل الى الاردن , اي انها تقاتل في ثلاث جبهات , ومثل هذا الامر لا تقوى عليه الا دولة كبرى مثل الولايات المتحدة .
والحقيقة ان داعش هي صناعة غربية - ايرانية لاثارة الفتنة بين المسلمين , وهو هدف
صهيوني – ايراني صفوي قديم يتجدد مع تطور الاحداث في المنطقة . فقد سعت الصهيونية
الى اثارة الفتنة الدينية في لبنان عام 1975 , حيث استمرت تلك الحرب حتى عام 1991 .
وسعت ايران الملالي منذ ثورة خميني ضد الشاه عام 1979 , الى زرع الفتنة الطائفية في
بلدان العالم الاسلامي بدعوى نشر الثورة الاسلامية , وكأن الثورة لا تكون الا من
خلال " ولاية الفقيه " التي تجسد الدكتاتورية بأعلى درجاتها القمعية والارهابية ,
لانها تقوم على ذات المنهج الذي بثه بوش الابن " من لم يكن معنا فهو ضدنا " وهكذا
نظام الملالي واعوانه يسيرون على ذات المنهج الاقصائي , فهو نظام يعادي كل من لا
يؤمن بمنهجه ويحلل قتله , وعلى ذات المنهج كانت ولادة داعش الاقصائية , اذ تحلل قتل
من لا يؤيدها او يؤمن بمنهجها . والكل يعتقد انه يمثل العقيدة الالهية النازلة من
السماء , في حين ان الكل يعادي منهج الله السمح .
ان المنطق العقلاني يقول ان القوة التي تتمكن من اشعال الثورة في اكثر من نصف مساحة
العراق هي ثورة الشعب حقا , ويطرح البعض لماذا الثورة في مناطق العراق الوسطى
والشمالية اي في مناطق السنة كما يصنفه الاعلام الطائفي , في حين ان النسيج العراقي
متداخل في معظم ارجاء العراق , ففي المناطق الجنوبية هناك اكثر من ثلاثة ملايين
مواطن يدين بالمذهي السني , واما بغداد فهي خليط من كل الاعراق والاديان والطوائف .
فالتقسيم الطائفي اختراع غربي – صهيوني .
ويخجل الاعلام الطائفي والاعلام العربي الممسوخ ان يقول الحقائق بأن القوة التي
ارتبطت بالشعب هي التي تقود الثورة .
ولما كان البعث هو حزب الجماهير , والمعبر عن امالها وطموحاتها – كما عبر عزت ابراهيم قائد جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني , والامين العام لحزب البعث - لإن البعث وفق عقيدته وفكره ومبادئه وفلسفته التنظيمية ووفق ما جاء في دستوره ونظامه الداخلي هو حزب الجماهير منذ ولادته فهو والجماهير حالة كفاحية جهادية واحدة لا تنفصم أبدا ، كما ان الجهاد كان وما زال هو هوية البعث وثقافته . ويؤمن البعث بأن الجهاد هو الطريق الصحيح لتحرير الوطن العربي من كل أشكال السيطرة والهيمنة الاستعمارية سواء جاءت من الغرب ام من الشرق . ولا تتحقق وحدة الامة العربية الا من خلال الجهاد على كل المستويات العلمية والتقنية والبشرية والاجتماعية . وقد اثبتت وقائع التاريخ القديم والحديث ان قوى المستعمر لا تخرج من البلاد التي وطئتها اقدامها الا بالقوة , وهذا ما حصل في الجزائر وفي مصر وفي العراق وفي سوريه , وهو ما حصل بالامس القريب في العراق , فلم تخرج القوات الامريكية نهاية عام 2011 منه الا تحت وقع ضربات المقاومة العراقية الباسلة والتي كان البعث وابطال الجيش الوطني السابق قوامها .
البعث لم يدعي انه يحتكر الثورة لنفسه لكي يقطف ثمارها لوحده بعد النصر , وقد عبر
قائد البعث ان مستقبل العراق لن يكون الا بحكم ديمقراطي وطني يشارك فيه القوى
الوطنية التي وقفت ضد الاحتلال الامريكي والصفوي , وتؤمن بالنهضة والتقدم ومحاربة
الفساد , وارجاع ثروات العراق للعراقيين . ومن هذه المبادئ فالبعث يمثل روح
الجماهير وتطلعها نحو الحرية كما يمثل آمالها وآلامها , كما انه يتعلم من الجماهير
ويعلمها طرق الجهاد المقدس ضد الاعداء . ولا غرابة ان يكون البعث هو المحرك لهذه
الثورة العارمة , التي وجدت المناخ الملائم لانطلاقتها من حيث الزمام والمكان , واي
عاقل يعرف بمسار الثورات , يدرك ان الفعل الجهادي الذي هزم القوات الامريكية من
العراق وهزم قوات المالكي الطائفية , لم يكن مجرد هبة عاطفية تثيرها الحماسة وردة
الفعل على الانتهاكات الصارخة التي قامت بها قوات المالكي ضد الوطنيين من العراقيين
وبالذات من افراد البعث والجيش الوطني السابق . بل هي ثورة منظمة ومخطط لها من عقول
عسكرية وسياسية مدربة خبرت الميدان وخبرت الجماهير .
وهذا هو فعل قادة الجيش العراقي الوطني وضباط المخابرات الوطنية التي عجزت
المخابرات الدولية ان تخترقها وتمكنت ان تكشف عشرات المحاولات لاغتيال صدام حسين .
ولكن لماذا لا تسلط الاضواء على الفاعلين الحقيقين في الثورة ؟ . ان الهدف واضح
للعيان , فالقوى الدولية اي الولايات المتحدة احتلت العراق تحت ذرائع ثبت بطلانها
وكذبها , وتحت اهداف ثبت فشلها , فقد بشرت بولادة نظام ديمقراطي نموذجي في الشرق
الاوسط , فانتجت اسوأ نظام وافشل نظام في العالم , انتجت نظاما عطل كل القيم الخاصة
بحقوق الانسان , من حيث قتله وتجويعه واهانته وحرمانه من ابسط مقومات الحياة , ولكن
الولايات المتحدة والشركات النفطية العالمية حققت ما هدفت اليه من الاحتلال , فقد
عادت الى نهب النفط العراقي , بعد ان حرمها النظام الوطني عندما امم الشركات عام
1972 . لم يكن لدى الولايات المتحدة غير تحقيق اهداف الشركات النفطية التي يملكها
زعماء المحافظين الجدد , وتحقيق اهداف الصهاينة بانهاء الكيان الوطني في العراق
الذي شكل تهديدا حقيقيا لكيانها الاغتصابي في فلسطين . وهذه المهمة اوكلت الى نظام
الملالي في ايران , وسمحت لها ان تتمدد في العراق سياسيا من خلال المالكي والاحزاب
الطائفية فيه . وتتمدد اقتصاديا بالسيطرة على اموال العراق من خلال شركات وهمية ,
والسيطرة عليه امنيا من خلال المليشيات الطائفية .
من هذه لاهداف المشتركة بين الولايات المتحدة ونظام الملالي , فهما يعملان على
ابقاء الوضع الطائفي قائما على حاله , ولا يروق لهما مجئ حكم وطني يرعى مصالح ابناء
الشعب الحياتية والسياسية والاجتماعية , ولهذا ركزت الدعاية الغربية والطائفية على
ان الذي يجري في العراق ارهاب تقوم به داعش , وعلى الجميع محاربة هذا الارهاب .
ان الثورة الجماهيرية تقوم بها جميع فصائل المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية
الداعمة , وهي ثورة مسلحة تسند انتفاضة الجماهير التي بدات منذ اكثر من سنة , حيث
كانت انتفاضة سلمية تطالب بحقوق يتفق عليها القاصي والداني ممن يعرفون حقوق الانسان
. ولكن المالكي الذي ينفذ اجندة خارجية وانطلاقا من عقده الطائفية تصرف عكس ما
تمليه عليه واجبات القيادة الصحيحة , فامعن في اضطهاد الشعب وخاصة من الطائفة
المقابلة , وهذه النزعة الاقصائية هي نزعة صفوية حاقدة على العرب الذين اسقطوا
امبراطوريتهم في الماضي .
لقد اخذت فصائل الثورة المسلحة على عاتقها ازالة الحكم الطائفي التابع لنظام
الملالي , واقامة حكم وطني يقوم على المشاركة , حكم الشعب التعددي الديمقراطي
الوطني الذي يضم كل أطياف الشعب ومكوناته الممثلة في فصائل الجهاد والمعارضة
الوطنية , ويعيد للعراق دوره القومي والانساني , من خلال اعادة الجيش الوطني ,
واقامة التعددية الصادقة , بحيث لا يكون وجود للطائفية والعنصرية والمناطقية ولا
مكان للحكم الشمولي والإقصاء والاستئثار والانفراد . ولا يتحقق الا باعادة صياغة
دستور عصري بعيد عن المحاصصة والطائفية والمذهبية والتعصب . ويصبح الشعب هو الذي
يحدد خياراته في الحياة السياسية والاجتماعية .
وازاء هذه الاهداف بات من واجب الوطنيين العرب المؤمنين بقوميتهم وتقدمهم ونهضتهم
ان يسندوا الثورة العراقية , وان يفضحوا الزيف والخداع الذي تماسة الولايات المتحدة
ونظام الملالي واتباعهما في المنطقة .
ان نجاح الثورة العراقية هو نجاح للمشروع القومي العربي التحرري , وكنس الاطماع
الامركية والصهيونية والصفوية في بلادنا العربية . وقد أن الاوان ان تفضح سياسة
نظام الملالي الطائفية الممزقة لنسيج الامة العربية .الرامية الى السيطرة على
مقدرات الامة ومستقبلها .