شبكة ذي قار
عـاجـل










لست من الذين يرون في تغيير وجوه العملية السياسية الاحتلالية المخابراتية أمرا كبير الدلالات ولا حتى حدث يستحق التوقف عنده طويلا لأن التغيير في مثل هذه الحالة شكلي محض يستجيب ظاهريا لمزاعم وجود ديمقراطية أنتجها الاحتلال الأمريكي و لأن أحزاب وقوى وأشخاص العملية السياسية إما متشابهون بالمطلق أو قريبي الشبه جدا مع بعضهم البعض ويجمعهم مشترك واحد يحتقره زعماء وسياسيو وإعلام الدول التي غزت العراق واحتلته قبل أن نحتقره نحن أحرار العراق ألا وهو الخيانة والعمالة والإذعان الكامل لأجندات الدول التي أوصلتهم إلى السلطة. ورغم عدم الاهتمام بالتغيير الشكلي إلا إن طرد نوري المالكي له دلالات يجب أن نتوقف عندها ونبرزها لأنها ترتبط بثلاثة عوامل لكل منها افقه ومعانيه وما يتوجب علينا الاستدلال والاستنتاج والبناء عليه :


أولا: طرد المالكي وهو وحكومته وجيشه يشن حربا واسعة على نصف جغرافية العراق ويفقد السيطرة على سبعة محافظات عراقية وهناك مَن يرى انه بدأ هذه الحرب الدموية المجرمة لكي يعزز من ممكنات واحتمالات بقاءه في رئاسة سلطة الاحتلال لفترة ثالثة.


ثانيا: طرد المالكي وهو يقاتل أوسع وأعظم ثورة شعبية فاجأته فهزمت جيوشه وأهانتها وأسقطت هيبته التي بناها له الأمريكان وإيران وبريطانيا وغيرها من دول الغزو وتداعت كل هذه الدول وغيرها وقبلها تداعت المرجعية الطائفية التي تمثل الاحتلال الإيراني المتحكم بجزء من حركة السلطة الاحتلالية عبر حشد طائفي واسع أطلقت عليه تسمية كاذبة منافقة هي الجهاد الكفائي لإنقاذه حيث إن الحشد الطائفي يقاتل عمليا ضد ثوار العراق في مناطق عدة لا توجد فيها مراقد ولا مزارات ولا حتى مقامات تزعم المرجعية الفارسية قدسية الدفاع عنها.


ثالثا: تم إخراج المالكي في أجواء حرج أمريكي عام وواسع ناتج عن الفشل السياسي الذي تداخل منطقيا وعمليا مع الهزيمة الكارثية التي تعرضت لها أميركا في العراق حيث أوقعتها المقاومة العراقية الباسلة بجيوشها وفصائلها المختلفة وخاصة المقاومة البعثية وشركاءها وفي مقدمتهم جيش رجال الطريقة النقشبندية البطل في كوارث من الخسائر البشرية والمادية.


ولو دخلنا في تحليل موضوعي لكل عامل من العوامل الثلاث أعلاه فإننا سنصل إلى نتيجة مفادها إن طرد المالكي لم يكن خيارا يندرج ضمن معطيات التغيير السلمي للسلطة كما ادعت الإدارة الأمريكية ولا هو عمل شخصي ومبادرة خارقة لنوري المالكي جعلت منه عملاقا تاريخيا كما زعمت إيران ولا كان نوري سياسيا ولا قائدا فذا للحشود المليونية من الحرس الوطني والشرطة والمليشيات أدى دوره وحان وقت المجيء بمن يكمل المسيرة بدله طبقا لترتيبات الديمقراطية المزعومة, بل إن الواقع كله لا ينبئ فقط ولا يشي فقط بل يصرخ ويستغيث من النتائج الكارثية التي خلفتها سلطة نوري المالكي وقيادته مدنيا وعسكريا ليس على العراق وشعبه فقط بل على أميركا أيضا. ومع كل ذاك المردود الرديء والحاصل المخزي فان الإدارة الأمريكية لم تكن تنوي إخراج المالكي بسبب إخفاقاته المريعة ولا إيران كانت تبحث عن بديل للمالكي توافقا أو إذعانا لإرادة أميركا بل إن الثورة الشعبية العراقية الكبرى قد فرضت الطرد مثلما فرضت واقعا سياسيا لا يمكن لأمريكا أبدا أن تغض الطرف عنه ما دامت مصرة على المضي قدما في تجاربها الفاشلة لإبقاء الاحتلال عبر سلطة المخابرات وتسيير أجراءها من قردة سيرك العملية السياسية.


المالكي ومنهجه الإجرامي ليس ضخ تجريبي في جسد منغولي هو جسد العملية السياسية، بل هو ضخ مصمم لإيصال مشروع التقسيم العرقي والطائفي في العراق إلى ذروات محدده. وقد أدى نوري هذا الدور بكفاءة عالية ولكن كان يعوزه بعض الحنكة في التخريج الإعلامي حيث سقط في منزلقات طائفية كان الدور المرسوم له يقتضي أن لا يقع فيها في مرحلة التصعيد الطائفي الموجه بإدارة عليا من قبل الحكومة الإيرانية كما إن نوري قد اندفع بحماس طائفي في القتل والتهجير والاعتقال اضر أيضا بالدهاء ألمخابراتي المطلوب للتنفيذ الميداني واسقط أعوان السلطة الاحتلالية في حرج هو ذات الحرج الأمريكي أو يزيد عليه قليلا.


كان نوري يظن إن اندفاعه الموجه ضد الأقليات وضد أبناء العراق العرب وخاصة في المحافظات الثائرة كوسيلة لتوظيب مسرح الفيدراليات الطائفية أمر سيسجل لصالح رغبته في فترة حكم ثالثة الأمر الذي جعله في مرحلة إدارة الحرب على شعب العراق مضر للمشروع الأمريكي أكثر ما هو نافع فاضطرت أميركا في اللحظات الأخيرة على إصدار قرار إبعاده لان ميزان مصالحه الشخصية والطائفية قد مال قليلا على ما تقتضيه الخطط الأمريكية.


مغالاة نوري وتطرفه في الإجرام الطائفي والفساد انعكس بنتائج على غير ما كان يتمناه هو حين ظن إن هذا الطريق يحقق له غاياته الشخصية وادخل العملية السياسية في متاهات الاحتضار وأحرج الراعي والحامي الأمريكي بنتائج كارثية. وكان قرار أميركا في أن يكون البديل من حزب الدعوة هو اهانة شخصية لنوري المالكي لأن الترشيح لم يكن ذاتيا، بل إجباريا من خارج الدعوة أيضا وهنا يجب الإشارة إلى اهانة لحزب الدعوة أيضا لأنه لو كان يمتلك ذرة احترام لكيانه لكان رشح بديل للمالكي مبكرا وربما قبل الانتخابات الصورية أو ترك شركاءه يختارون بديلا من الأطراف الأخرى فضلا عن تداخلات المعادلة الأمريكية الإيرانية في اللعب على حصان الدعوة كل لإغراضه.


إن فرصة استبدال خروف أسود بآخر من لون آخر يحقق لأمريكا المنافع الآتية كما تتوقعها الإدارة والمخابرات الأمريكية :


1. فتح ثغرات في صفوف ثوار العشائر عبر الادعاء بان التغيير سيحقق مطالب المحافظات الثائرة الأمر الذي سيجر البعض إلى التصديق أو على الأقل إعطاء هامش للمناورة السياسية.


2. منح بعض الشيوخ وسياسي السلطة من المحسوبين على المحافظات الثائرة هوامش أوسع في الحراك الموالي للعملية السياسية ضمن إطار الاحتمالات التي يفتحها و يرسمها التغيير.


3. استغلال الأخطاء التي وقع بها المالكي أو أوقع بها من قبل أسياده لأنه غبي، عبر مهاجمتها والإيحاء بان الهجوم على المالكي هو رفض لإجرامه وتطييب خاطر لمن صارت لغتهم لا تجيد غير اللغو بهدف إسقاط المالكي دون أن تتعداه إلى مصدر السوء الأصلي وهو العملية السياسية التي جاءت بنوري وأمثاله وعبّدت لهم دروب الإجرام.


4. منح المخابرات والإدارة والسفارة الأمريكية فرصة استثمار بعض منتجات الحرب التي شنها المالكي على المحافظات الثائرة مثل مشاكل النازحين الإنسانية واستهداف الأقليات من قبل تشكيلات محسوبة على الثورة، وهي ليست كذلك، بل هي تشكيلات مخابراتية أمريكية وإيرانية لضخ دم جديد وروح جديدة في العملية السياسية الاحتلالية الأمريكية وإعادة تشكيل الاحتلال الإيراني الذي ينفذ العملية السياسية الأمريكية مقابل الاحتلال الاستيطاني وتواصل ضخ الأموال والثروات العراقية إلى طهران.


5. تعميق وسائل ومسوغات ومبررات اختراق الثوار والاستمرار بمحاولات إثارة الفتن بينهم البين لإثارة القتال بين فصائل الثورة.


إن طرد المالكي لم يكن كرها له ولا استبدالا لمناهج كرسها باجتهاد منه، بل لأنه اخطأ في العديد من الأدوار المحددة له والتي كانت تتطلب حنكة ودهاء مخابراتيا وذكاء وفطنة قيادية لا يمتلكها ولأنه أوصل بهذه الأخطاء والإجرام والفساد العملية السياسية الأمريكية إلى أنفاق مظلمة ومغلقة فامتدت اليد الأمريكية لتحاول إصلاح ما دمره إجرام نوري وغلوه الطائفي وبلادته وتفاعله الطافح مع إجراءات تدمير العراق بتهور غير محسوب. لقد أعطى نوري لأمريكا فرصة أن تظهر للبعض من الذين يمكن الضحك عليهم على إنها إنسانية ومحبة للخير ولا ترضى بالإجرام وربما تقدم على حز رقبته لتثبت عدالتها المزعومة وهذا هو مصير العملاء والخونة.






الاحد ٢٨ شــوال ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أب / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة