شبكة ذي قار
عـاجـل










خلال أقل من شهر، نفذ مناضلون فلسطينيون عمليتين فدائيتين في قلب القدس، واحدة استهدفت صهاينة في الطريق العام وأخرى كنيساً. وقد جاءتا في سياق ارتفاع منسوب التوتر في الأراضي الفلسطينية لمحتلة بشكل عام وفي القدس بشكل خاص، أما الرد الصهيوني فلم يتأخر إذ أقدمت سلطات العدو على تدمير منازل منفذي العمليات وجرفها وإبعاد أهلها واتخاذ إجراءات أمنية إضافية حول المسجد الأقصى تحول وحرية الفلسطينيين الوصول إلى المسجد وتسهل للصهاينة اختراقات حرماته.


هذه المشهدية التي خيمت وتخيم على القدس منذ فترة، لم تكن خارج التصور العام لتطور الأوضاع على ساحة فلسطين، لأن الكيان الصهيوني منذ احتلاله للقدس وسائر أرض فلسطين، اعتمد نهجاً ثابتاً يقوم على قضم الأرض وهضمها، وفرض الصهينة على كل معالم الحياة فيها. ولهذا لم يفوت الوقت ولم يأبه للقرارات الدولية، بل باشر تنفيذ سياسة استيطان شاملة، أغرقت الضفة الغربية بالمستعمرات، وحاصرت القسم الشرقي من القدس بزنار من المستوطنات بحيث بات هذا الجزء الذي يعرف "بالقدس الشرقية"، وما يحتويه من مواقع ذات رمزية ودلالة دينية وتاريخية، محاصراً من كل جهاته، ويخضع الدخول إليه والخروج منه لضبط أمني، يتجاوز حدود العمل الإجرائي، ليصب في سياق تنفيذ استراتيجية العدو الأصلية التي يمرحل خطواتها في ضوء استغلاله للظروف المحيطة بالواقع الفلسطيني أولاً، والعربي ثانياً والدولي ثالثاً.


هذا الواقع المثلث الأبعاد، عرف العدو كيف يقتنص فرصه المتاحة. وهل هناك فرصة أكثر ملاءمة له من انشطار وتشظٍ سياسي فلسطيني، وانعدام وزن عربي، واستفراد أميركي بتحديد اتجاهات السياسية الدولية والتي ما تزال سائدة منذ سقوط نظام ثنائية الاستقطاب الدولي؟


هذا الواقع الراهن الذي أحاط بالصراع العربي – الصهيوني، جعل محصلة هذا الصراع المنظور إليه من زاوية قواه المادية السياسية والعسكرية والاقتصادية مختلاً لمصلحة العدو. وعندما يكون الميزان مختلاً بإحدى كفتيه لطرف معين، فإن كل ترتيب سياسي أو أمني إنما يكون لمصلحة الطرف الأقوى الذي يفرض شروطه استناداً إلى معطيات الأمر الواقع وبالتالي لا يعير انتباهاً لقرارات دولية ولا يقيم اعتباراً لشرعية دولية، طالما يدرك، أن القرارات الدولية هي دون أنياب لانعدام آلياتها التنفيذية في ظل شرعية دولية يتحكم بها الموقع الأكثر تأثيراً في النظام الدولي وهو يتجسد اليوم بالموقع الأميركي. وتكفى الإشارة إلى سلسلة القرارات الدولية التي صدرت منذ 1947 ليتبين، أن العدو هو عملياً خارج نظام الانضباط الدولي، ولسبب بسيط، هو أن اغتصاب فلسطين وإقامة الحركة الصهيونية بكيانها على هذه الأرض لم يكن غاية صهيونية وحسب، بل كان وبدرجة أهم حاجة استعمارية، ربطت بين النتائج المترتبة على احتلال فلسطين ومصالح النظام الاستعماري حيث لم يكن استهداف فلسطين لذاتها وحسب، بل كان الهدف الاستراتيجي يتجسد في استهداف الوطن العربي. وعلى أساس هذه العلاقة العضوية بين الهدفين، كان الكيان الصهيوني ُيحتضن من الموقع الأكثر فعالية وتقريراً في النظام الاستعماري.


إن الكيان الصهيوني رفض ضمناً الاعتراف بالقرار 181/1947 والذي بموجبه قسمت فلسطين إلى دولتين، كما رفض القرار 194/48 والمتعلق بحق العودة، وهو يرفض تطبيق القرار 242/67 وكل القرارات ذات الصلة وخاصة القرار 338/73 .ورفضه لهذه القرارات، وعدم وضعها موضع التنفيذ ليس باعثه عناصر القوة التي يحوز عليها وحسب، بل أيضاً بسبب الضعف والوهن عند الطرف المقابل واستراتيجية إدارة هذا الصراع.


إن القرارات الدولية التي صدرت خلال أوقات متفاوتة، منذ سبعة وستين عاماً، كانت تفرزها موازين القوى السائدة، وهي لم تكن يوماً في مصلحة العرب. ومع هذا فإن العدو رفض تنفيذها فيما النظام الرسمي العربي بما فيه التمثيل الفلسطيني قبل بها ودون أن تكون له القدرة على توفير آليات لتنفيذها. وهذا ما يجب التوقف عنده تساؤلاً، إذ كيف يرفض طرف تنفيذ قرار صادر لمصلحته؟ ان الإجابة على هذا التساؤل ترتبط بكشف جوهر الموقف الذي يتحكم بسلوك كل طرف من أطراف الصراع.


فالعدو الصهيوني يرفض تنفيذ القرارات الدولية خاصة قرار التقسيم 181/47، وقرار حق العودة 194/48، لأن هدفه الاستراتيجي هو السيطرة على كل فلسطين، أما العرب في إطارهم الرسمي والذين رفضوا القرار 181/47، عندما عادوا وقبلوا به أصبح هذا القبول هدفاً استراتيجياً لهم، بعدما انطلقوا في التعامل مع القضية الفلسطينية من خلال موازين القوى السائدة وعلاقات الارتهان للخارج الدولي وليس من خلال البعد التاريخي للصراع.


هذا الاختلاف في النظرة لخلفية الأهداف الاستراتيجية، هو الذي بات يضبط سلوك التعامل مع مجريات هذا الصراع حيث العدو يعتبر أن كيانه الذي أقامه عام 48، هو مرحلة أولى نحو بلوغ الهدف النهائي بابتلاع كل فلسطين من النهر إلى البحر. أما العرب فباتوا يتكئون على قرارات دولية ليس لهم القدرة على فرض تنفيذها ولا تغيير نصابها . وعندما ينطلق فريق في تعامله مع الواقع القائم من خلال تسليمه للفريق الآخر بحق شرعي بما استولى وسيطر عليه، يصبح هذا القسم المستولي عليه خارج دائرة الصراع وبالتالي تنحصر المنازعة بالقسم المتبقي وهو القسم الذي اعتبره قرار التقسيم أرض الدولة الفلسطينية. وهذا ينطبق عليه قول أن ما "لإسرائيل""لإسرائيل" وما للفلسطينيين لها ولهم. وانه في ظل الأوضاع السائدة ووقوع هذا القسم تحت لاحتلال منذ سبعة وأربعين عاماً، فإن العدو الصهيوني أوجد واقعاً ميدانياً، غير من طبيعة التركيب الديموغرافي، وحول مدن وقرى القسم الذي كان من المفترض أن يكون أرض دولة فلسطين، مدناً وقرى مقطعة الأوصال، وبات يطرح عملية التبادل في الأراضي، والتي في حال حصولها، ستكون مقرونة بتنفيذ عملية آبارتهايد تطال كل عرب فلسطين بدءاً من القدس.


ان كل مقاربة لما يجري في القدس وقبلها في الخليل بعيداً عن سياق هذا الهدف الاستراتيجي الصهيوني، تكون مقاربة شكلية إن لم يتم وضعها في إطار جوهر استراتيجية الصراع العربي-الصهيوني ببعده التاريخي وبكل تعبيراته السياسية. وعليه فإن مواجهة الاستراتيجية الصهيونية القائمة على قضم الأرض وهضمها وفرض الصهينة علىيها ، لا تكون إلا باستراتيجية تستحضر جوهر الموقف من هذا الصراع واعتباره صراعاً مفتوحاً بين مشروعين متناقضين حد التناقض الوجودي بحيث لا تستقيم الحياة لأحدهما إلا بنفي الآخر. وهذا يستوجب أولاً، اعتبار الصراع قائم على كل فلسطين وليس على جزء منها. وإذا كانت موازين القوى السائدة على الصعد العسكرية والمادية راجحة حالياً لمصلحة العدو، فإن رفض الاعتراف بشرعية الاحتلال، مقروناً برفض كل الترتيبات الأمنية والسياسية التي يراد تمريرها تحت عنوان "الحل السلمي"، تحول دون الاعتراف بشرعية الاحتلال في مرحلته الأولى ومراحله اللاحقة، وتجعل الموقف السياسي محصناً بموقف مبدأي لا يجوز النزول تحت سقفه.


إن هذا الاستحضار لمبدأية الموقف من طبيعة الصراع العربي – الصهيوني مدخله إعادة الاعتبار لموقع الحركة الجماهيرية في تفعيل الصراع وإدارته. فالحركة الجماهيرية هي وحدها القادرة على فرض وقائع جديدة تحد من تأثيرات موازين القوى المادية من جهة، وتحول دون التعليب السياسي لأهدافها الاستراتيجية من ناحية ثانية.


وكمهمة عاجلة، لمواجهة الخطر الداهم الذي يهدد القضية الفلسطينية، بما هي قضية تحرير للأرض والإنسان، يجب إعادة تأسيس الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة البرنامج المقاوم، وإطلاق انتفاضة شاملة تغطي بمفاعليها كل أرض فلسطين تكون رداً استباقياً على أي "ترانسفير" جديد يحضر العدو نفسه لتنفيذه. و يقيننا ان جماهير فلسطين التي ما بخلت يوماً لتقديم التضحيات، لن تبخل اليوم بعطاءات إضافية، وعمليتي القدس خير شاهد على ذلك، والصمود في غزة أمام تصاعد العدوانية الصهيونية هي شاهد آخر، لكن المهم، أن لا يتقدم الصراع على السلطة على صراع مع العدو لأن ذلك يفضي إلى إصابة القضية الفلسطنية في مقتلها .


إنه مهم جداً التقاط بعض المواقف الدولية التي باتت تصدر عن مرجعيات دولية كما في خطوة السويد وبريطانيا وإسبانيا، وإيرلندا، لكن المهم أكثر هوإعادة الروح الوطنية إلى الجسد الفلطسيني، وإعادة القضية لتتبوأ موقعها في صدارة الخطاب السياسي العربي.


إن العدو الصهيوني الذي اغتصب الأرض بالقوة، لن يخرج منها إلا بالقوة .وهذا ما يوجب اعادة الاعتبار للكفاح الشعبي المسلح لأن فلسطين لن تحررها الحكومات ، عملاً بقول القائد المؤسس "ميشيل عفلق" وليعد الاعتبار لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3379/75، باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، وليكن الشعار الذي يظلل النضال الفلسطيني المفتوح على عمقه القومي، هو لتحرير فلسطين كل فلسطين، وحتى تبقى فلسطين في عيون وقلوب كل العرب عملاً بمقولة صدام حسين، "فلسطين في قلوبنا وفي عيوننا إذا ما استدرنا إلى أي من الجهات الأربع"


إن الرد على قرار العدو باعتبار القدس عاصمة لكيانه هو الاثبات قولاً وعملاً بأن القدس ليست مستوطنة بل هي عاصمة فلسطين، وهي قبلة العرب من مسلمين ومسيحيين وتحريرها هو عنوان لتحرير كل فلسطين . وبالنضال يقطع الشك باليقين .






الاثنين ٢ صفر ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / تشرين الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة