شبكة ذي قار
عـاجـل










أشرت الى أن مفهوم السيادة الوطنية مصطلح غير عربي تم استخدامه من قبل السياسيين والباحثين والمختصين بالشأن العربي ، ومن أجل البيان لابد من المراجعة حتى وان كانت محدودة للوقوف على ذلك ، يعتبر الفيلسوف الفرنسي جان بودين الناشط السياسي ورجل القانون وأحد كبار المنظرين في بناء الدولة هو من وضع المفاهيم النظرية لهذا الركن الأساسي من الأركان التي تعتمد عليها ألدولة ألحديثة وذلك في مؤلفه السياسي الرئيسي الشهير - ستة كتب حول الجمهورية - وقد صاغ في مؤلفه هذا افكاره بخصوص بناء الدولة الحديثة ويشير في هذا المجال اِلى أن أهم علامة مميزة للدولة هي الاستقلالية - أي السيادة - ويفسرها على ( إنها القوَّة الشرعيَّة المطلقة والوحيدة التي بدونها لا يمكن تصور أي نظام دائم للمجتمع فهي التي تؤمن السلام وتوحد المجتمع ) ، وكان لهذا التصور في زمن بودين مغزاه السياسي حيث كانت فرنسا في حينها تعاني من التجزئة جراء الحروب الأهلية الطائفية التي كانت تعصف بها ،

 

فأراد لها السلام والتوحد وذلك من خلال طرحه لفكرة تحييد كل الأطراف المتنازعة ومنح ألملك الحكم المطلق على كافة هذه الأطراف وهذا يعني بأن الملك صار يتمتع بالسلطة المطلقة والصلاحيات المفتوحة ، بسن و اِلغاء القوانين و الحكم المطلق على كافة الأطراف والمجاميع المتواجدة في المجتمع الفرنسي دون الرجوع الى أية جهة اخرى وعلى مدى مئات السنين ، وارتباطاً بالتطورات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية التي مرت بها الشعوب في أوروبا تغير وتطوَر مفهوم السيادة الذي جاء به بودين والذي اِنطلق فيه ، وارتباطاً بالظروف الموضوعية القائمة آنذاك من أن السيد هو الحاكم المطلق ففي منتصف القرن الســـابع عشر ظهر الفيلســـوف الإنكليزي توماس هوبـــس وهو فيلسوف وجودي ( مادي ) ،

 

ومن الداعين اِلى حرية الإرادة وكانت أفكاره بخصوص الأخلاق والسياسة بعيدة عن التأثيرات الدينية السائدة في زمنه ، إهتم بعلوم الطبيعة والأخلاق والتنظير لشؤون الدولة وتعرف على غاليلو غاليله وحاول أن ينقل نظامه في الميكانيك والرياضيات على التأريخ والمجتمع ، وإستطاع أن يطور المفاهيم التي جاء بها بودين بخصوص السيادة ، وأن يكسر الأعراف السائدة في الفلسفة السياسية القديمة ، فاستخلص من نظام الحكم الإقطاعي الإستبدادي للدولة القائم أنذك كيفية الربط بين السيادة وجوهر الدولة ، في وقت كانت تبدو فيه السيادة والدولة متطابقتان بالنسبة اليه وقد إعتبر شمولية سلطة الدولة ظاهرة دنيوية ورفض الإعتراف بأية صلة لها بحقوق سماوية كما كان ذلك شائعاً بفعل هيمنة الكنيسة في أوروبا ، فإستطاع بذلك عقلنة السيادة وتحويلها من ضرورة قيام الحرب من قبل الجميع ضد الجميع الى تجنب هذه الحرب ، وقد واصل المفكرون الأوربيون تطويرهم للأفكار المتعلقة بفكرة السيادة ، فبعد الثورة الصناعية التي اِنبثقت في أوروبا واِنتقال المجتمع الى مرحلة جديدة في تاريخه ، وما رافق ذلك من ظهور وتطور قوى البرجوازية التي جاءت بمفكريها من أمثال الفيلسوف (جون لوك 1623 ـ 1704) ، والفيلسوف مونتسكيو (1689 ـ 1755) والفيلسوف فولتير ( 1694 ـ 1778 ) ،

 

والفيلسوف جان جاك روسو ( 1712 ـ 1778 ) الذي يعتبرالأكثر تأثيراً في تطور المجتمع من خلال كتابه الشهير - العقد الاجتماعي - في هذا الكتاب المنشور عام 1762 الصفحة الأولى وما يليها الذي يحدد فيه العلاقة الإيجابية بين الفرد والمجتمع ، و تقوم على أساسها مؤسسات الدولة وتحدد قياداتها التي تمتلك زمام السلطة الشرعية لتسيير هذه الدولة ، والتي كان يرى أن واجبها الأساسي هو الحفاظ على سلامة المواطن وحريته ، حيث كان روسّو يردد (( أن في وجود الحكومة الشرعية المنظمة ، يتسابق المواطنون للمشاركة في الاجتماعات والمجالس التمثيلية وفي غيابها يفقدون هذا الاهتمام ، ويعزفون عما يجري في محيطهم من امور هذه الحكومة ودولتها )) ،

 

وقد طرح روسو مفهوم سيادة الشعب ودعا اليه ، ذلك المفهوم الذي ينادي بضرورة توزيع السيادة بين جميع أفراد الشعب ، على أساس المساواة فيما بينهم وبدون تفريق أو استثناء ، حيث يحمل الحكام مسؤولية أي انتهاك لهذه الحقوق ، ويسمح للشعب بمقاومة حكامه عند ظهور بوادر انحراف أو اضطهاد بين صفوفه ، وضع جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي أسس مفهوم المواطنة في ضوء القوانين الطبيعية التي تقر بحقوق الإنسان في الحرية والمساواة مما يتطلب اقامة النظام الديمقراطي الذي يكون فيه الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة ، وذكر فيه أيضا" (( ان الإرادة الجماعية تستطيع وحدها تسيير دواليب الدولة ولايمكن ان يخضع الشعب لقوانين لا يسنها بنفسه ،

 

ان السلطة التشريعية هي ملك الشعب ، ولا يمكن ان تكون لغيره ، وكل قانون لا يصادق عليه الشعب بنفسه يعتبر ملغى أو بالاحرى لا يعتبر قانوناً )) ، وبعد اندلاع الثورة الفرنسية وإعلان شعاراتها في الحرية و المساوات و ألأخاء بين المواطنين جاء روبسبير في كلمته المسماة - كلمة الدستور - في آيار 1793 ليؤكد على تلك المفاهيم وكذلك فيشته في مقالاته الخاصة ب( تصحيح أحكام الجماهير بخصوص الثورة الفرنسية 1793 ) حيث اِعتبر هؤلاء المفكرون بأن الشعب هو وحده من يمتلك حق السيادة ، وإِنَّ حكمه غير قابل للنقل أو التجزأه أو الاقتصار أو التقادم ، وبهذا تبدو سيادة الشعب كونها شرعنة ديمقراطية لسيادة الدولة ، وقد تَضَمَّن الاعلان الفرنسي لحقوق الانسان والمواطن في 26 آب 1789 وفي المادة الثالثة منه ما يلي (( مصدر كل سيادة يكمن جوهره عند الشعب ، فلا يحق لأية جهة أو أي شخص ممارسة السلطة ، التي لا تعتمد وبشكل واضح على هذا الأساس )) وإستَمَرَّ مفهوم مبدأ السيادة بالتطور ، ورافقته مصطلحات جديدة فمن السيادة ، الى سيادة الدولة ، والى الدولة السيادية ، ثم سيادة الشعب ،

 

والسيادة الداخلية ثم السيادة الخارجية ، واخيرها السيادة الوطنية ، وإختلف مفكرو الدول الرأسمالية في تناولهم لمفهوم السيادة إرتباطاً بمصالح بلدانهم ، فمنهم من يسمي الدولة المستقلة أي صاحبة السيادة ، هي فقط تلك الدولة التي لا تقف أمام سيادتها أية عوائق ، والتي يحق لها القيام بما تشاء بما في ذلك شن الحروب على الدول الأخرى ، وهذا ما نعيشه في عالمنا اليوم ، حيث يمنح نفر قليل من الدول المارقة لنفسها مثل هذه الحقوق ، حتى وإن كان ذلك خروجاُ علنياُ على مبادئ الشرعية الدولية ومواثيقها وأعرافها المنصوص عليها في وثائق المنظومة الدولية ويرى فريق آخر بأن فكرة السيادة قد تقادمت وأصبحت عائقاً أمام التقدم ، بل سبباً من أسباب إندلاع الحروب ، وقد إجتمعت هذه المفاهيم والتعاليم لكبار الفلاسفة و المًنَظِّرين وعلى مرّ القرون في الوثيقة الأممية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة بتأريخ 26 حزيران 1945 بإسم اللائحة الأممية ، وإعتماداً على المادة الثانية منها والخاصة بالمبادئ الأساسية للمنظمة ، وصدرالإعلان الخاص بحقوق الشعوب الصادر عام 1970 والذي ضمن لجميع الدول حق التمتع بالسيادة المتساوية ، ثم المساواة مع الدول الأخرى بغض النظر عن قواها الإقتصادية والعسكرية والمالية وغيرها وفق مبدأ الإعتراف المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى ، كما يعترف هذا الإعلان بالمساواة القانونية لكافة الدول المستقلة تفرض السلطة القائمة سيادتها على المجتمع ، على كل فرد من أفراده ، وتعلوا إرادتها على كل إرادات ألأفراد والجماعات ، ولها الشرعية وحدها بإصدار القوانين التي تمكنها من ذلك ، كما لها الحق بمتابعة تنفيذ هذه القوانين أو تعديلها أو إلغائها حسب ماتقتضيه مصلحة الوطن والشعب وفي الدول الديمقراطية الحديثة يتم ربط السيادة بتوفير المناخ السياسي الملائم بما يضمن ألأمن والسلام وحرية التعبير والإعلام والتنظيم والاجتماع لأبناء البلد


يتبع بالحلقة الأخيرة






الاربعاء ٢ ربيع الاول ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / كانون الاول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة