شبكة ذي قار
عـاجـل










كانت مراكز الأبحاث الأمريكية، على وجه التحديد، وقبل نهاية ولآية "بوش الصغير" ، تتحدث عن متغير جوهري قد أدخل على الأستراتيجية الأمريكية.. ولا يعني ذلك الأستراتيجية التي يسمونها بالعظمى .. إنما المتغير في المبدأ الذي يسير عليه الرئيس الأمريكي القادم إلى البيت الأبيض.

وهذا المتغير جاء بعد أن تسنم "باراك أوباما" للمسؤولية الرئاسية في البيت الأبيض، شأنه في ذلك شأن أي رئيس أمريكي لديه مبدأ يسير عليه طيلة حقبته الرئاسية التي تمتد، إحتمالاً، لولآيتين، وسنتين أخريين للتمهيد لمبدأ الرئيس القادم الجديد.

وكان مبدأ "بوش الصغير" يقوم، حسبما وصفته مراكز الأبحاث الأمريكية، على توصيف وسائل السياسة الخارجية بـ ( القفاز الحديدي ) .. هذا المبدأ يقوم على التصادم العسكري المباشر، الذي اشعل حربين إقليميتين اعتدى خلالهماعلى شعبين عريقين هما الشعب الفغاني ومن ثم الشعب العراقي واحتل اراضيهما ومارس ابشع وسائل القتل والتدمير التي عرفتها البشرية.

وبعد ان تكبدت امريكا، نتيجة سياستها هذه الكثير من الهزائم والخسائر البشرية والمادية .. ظهرت اصوات في الداخل الامريكي تدعوا الى ضرورة التراجع لمداوات الجروح وترميم تداعيات الداخل الامريكي الناتجة عن الحروب الخارجية العدوانية .. وكان لفعل المقاومة الوطنية العراقية الباسلة الأثر الأول الحاسم في هزيمة القوات الامريكية وانسحابها من العراق عام 2011.

مبدأ ( القفاز الحديدي ) لم يعد ينفع في السياسة الخارجية الامريكية، الأمر الذي دفع مراكز الابحاث والدراسات الى التفكير والتفتيش عن اسلوب جديد تستطيع من خلاله امريكا ان تستمر في منهجها العدواني .. فظهر مبدأ آخر وصفته بمبدأ ( القفاز الناعم ) ، الذي تبناه الرئيس "باراك أوباما" .. المبدأ الأول : وهو اقحام القوة العسكرية الامريكية الضاربة مباشرة في حروب الخارج . أما المبدأ الثاني: فهو إقحام القوة الأستخباراتية الخفية والغامضة في إشعال حروب من نوع آخر.. والسبب الرئيس لهذا المتغير، هو تجنب الخسائر في الارواح والخسائر في المعدات، التي كلفت الخزينة الامريكية المليارات من الدولارات فضلاً عن سقوط سمعة الدولة الامريكية وهيبتها في الحضيض .

ما هي سياسة ( القفاز الناعم ) التي تبناها الرئيس " باراك أوباما " ؟

هي سياسة إستخباراتية من الطراز الاول، تجمع بين ثلاث ادوات ( الأولى إستخباراتية غامضة - والثانية سياسية مراوغة – والثالثة عسكرية متخفية ) .. وتعمل على خلط الأوراق، وتسريب المعلومات التي تراعي هذه السياسة، وتتعامل على أساس التحالفات العلنية المخادعة، والتحالفات الخفية التي تحقق لها اهدافها .

تستند تحالفات الأدارة الأمريكية .. وخاصة إدارة "باراك أوباما" على معطيات القوى الفاعلة في الخارج .. واللعب عليها استخباراتياً على مستوى السياسة وعلى مستوى ترتيبات التسليح ( الأستخباراتي ) ، وبمستوى تجمعات صغيرة تقوم اجهزة المخابرات الامريكية برعايتها وتدريبها وتسليحها من خلال قادة او اشخاص سبق وتم تجنيدهم من خلال، مثلاً ( غوانتانامو ) وغيرهم في التيار الاسلاموي ، وتوزيعهم على مناطق الاحتقان المثالية لزعزعة استقرارها .

ادركت السياسة الامريكية سابقاً .. أن من يستطيع ان يرغم جيوش الاتحاد السوفياتي على الانسحاب من افغانستان هم المنطوعون والمجندون الاسلاميون تحت يافطة ( محاربة الكفار الروس ) .. وبعد جلاء القوات العسكرية الروسية من افغانستان .. أعتقدت السياسة الامريكية ان هذه الأداة الأسلاموية هي أهم الأدوات التي يمكن استخدامها في مجرى الصراع والوصول الى التغيير الذي أعدته السياسة- الأستراتيجية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط ، تحت شعار محاربة الأرهاب والتطرف الاسلامي .. وعلى اساس أهمية هذه الأداة بدأت الأدارة الأمريكية بتحالفاتها تحت سقف ( التوافق الإستراتيجي ) مع الدولة الإيرانية، التي تمتلك الأداة الطائفية والعرقية .. وبعد ان فشلت إيران في حربها العدوانية على العراق التي استمرت ثمان سنوات نتيجة لتعنت إيران بعدم وقف اطلاق النار الذي استجاب العراق لقرار مجلس الأمن بهذا الصدد.. عقدت الأدارة الأمريكية تحالفاً آخر مع قوى أخرى هم ( الأخوان المسلمين ) إعتقاداً منها بأن هذا الحزب الذي يمسك الخط المتشدد يمكن ان يحقق لها اهدافها ما دام يمتلك رصيداً شعبياً غافلاً ومغيباً بفعل إيمانه وتدينه وبساطته .. ولكن الادارة الامريكية بسياستها ( العمياء ) هذه كانت تدرك أن هذا التيار ( لا يملك رصيداً وطنياً إنما يمتلك شحنة طائفية إرهابية متطرفة يمكن استخدامها أداة في التدمير والتغيير ) كما هو شأن المليشيات الطائفية في العراق الموالية لإيران، هي الأخرى ( لا تملك رصيداً وطنياً إنما تكتلك شحنة طائفية إرهابية متطرفة يمكن استخدامها في التدمير والتغيير ) .

أسقطت أمريكا حكم العقيد القذافي، وأشاعت المليشيات وسلحتها وتركتها تعبث بأمن البلاد والعباد، وتركتها تُشَرذم هياكل الدولة، ثم نصبت نفسها بديلاً عن الجيش الوطني الليبي .. كما حصل في العراق حين حل " بول بريمر" وبأمر من رئاسته، الجيش الوطني العراقي، وفسح المجال للمليشيات الطائفية المسلحة الموالية لإيران سياسياً وآيديولوجياً، في أن تعبث بأمن البلاد والعباد حتى الوقت الحاضر.

اختارت امريكا ( الأخوان المسلمين ) استخبارياً لتدمير الجيوش العربية .. وحاولت أن تفكك الجيش المصري عن طريق سحبه إلى شوارع المدن وازقتها لمقاتلة اشباح العصبات الأسلاموية .. إلا أن محاولاتها فشلت ، لأن الجيش المصري وقيادته مؤسسة عسكرية عريقة من الصعب ان تَنْجَرَ الى ساحة صراع مليشية داخلية .. وبعد ان تمكنت مصر سياسياً وعسكرياً من إعادة البوصلة التي انحرفت بفعل ( الأخوان المسلمين ) وهم خيار أمريكي، وتمكن من مسك الأمور على أساس القاعدة الوطنية حتى بدأت ذيول مؤامرة امريكية كبرى فاضحة تهب عاصفتها من الصحراء الليبية المحاددة لمصر.

فما الذي حصل في الصحراء الليبية القريبة من الحدود المصرية ؟

كانت هنالك محاولة مشبوهة تستهدف جر مصر الى الساحة الليبية وإغراقها في الصراع الداخلي، يتم ذلك عن طريق التدخل بصفة ( توريط ) .. وكادت ان تتورط بحذر شديد حين طلبت من المجتمع الدولي ومن القوى الاوربية التي يعنيها ما يسمى محاربة الارهاب الدولي، المشاركة في ردع الارهاب في ليبيا .. بيد أن الموقف الاوربي كان أكثر حذراً وابدى ان الأمر يعالج سياسياً وليس عسكرياً عن طريق التدخل .. كما كان عليه الحدث الذي كاد أن يَجرَ الأردن الى تدخل بري في سوريا إثر ( إسقاط ) طائرة حربية اردنية واعدام قائدها حرقاً بطريقة بشعة تثير الغضب وتشحن الانفعالات وتشجع على الأنتقام .

وهنا .. كان المراد ان ينزلق الجيش العربي الاردني نحو حرب برية في سوريا والعراق ، ينتهي الى التصدع والتآكل تمهيداً لأنهائه داخلياً حتى وان تمسك سياسياً واعلن عدم تفريطه بمعاهدة ( وادي عربه ) .!!

الذي حصل في الصحراء الليبية شيء مذهل .. إذ عمدت امريكا الى توسيع نطاق الصراع في ليبيا صوب مصر، حيث انزلت طائرات النقل العسكرية الأمريكية العملاقة اكداساً هائلة من الأسلحة المختلفة والمتنوعة والذخيرة ومستلزمات قتالية، وعلى امتداد البصر في تلك الصحراء .. بعد أن اعلن عن تشكيل ما يسمى ( جيش مصر الحر ) ونواة هذا الجيش المزعوم من الأخوان المسلمين المجندين امريكياً ومن المرتزقة ال1ين تعاقدت معهم وزارة الخارجية الأمريكية .. يتسلمون السلاح والذخيرة ويتوغلون في العمق المصري للبدء بعمليات ( التحرير ) القتل والهدم والتدمير والنهب واشاعة الفوضى التي لا أحد يعلم متى تتوقف عجلة الموت، كما يحصل الآن في العراق وسوريا وليبيا واليمن ، وباقي أقطار الأمة، على قاعدة ساخنة اسمها انتظار الدور الموعود .!!

الأستنتاجات :

1- ما تقدم يفصح عن ان الأمريكان ما يزالون على خيارهم الاول وهو ( تفكيك الجيوش العربية ) لتحل محلها فوضى المليشيات المسلحة.!!

2- وان انهيار الأخوان المسلمين في مصر كان فرصة مثلت صفحة ثانية لتفكيك الشعب المصري على اساس عرقي وطائفي وجهوي.

3- إن أمريكا وهي تحاول ان تقنع كافة الاطراف بانها تهدف الى ( إقامة توازن قوى ) على مستوى الساحات العربية، ومنها على وجه التحديد الساحة العراقية، تجسد ما تسميه ( لا منتصر ولا مهزوم ) .. وهي السياسة التي لا تنهي أمريكا فيها صراعاً ولا تغلق فيها ملفاً مهما كان شكله ونوعه .. إنما تبقيه مفتوحاً بدون نهايات معروفة .. كما هو حال الملفات التي تتعامل معها الأدارات الأمريكية المتعاقبة .. والملف القريب ( الساخن ) ، الملف النووي الايراني لأنه يصب في مصلحتها ومصلحة إيران في آن واحد.

4- إن السياسة الخارجية الأمريكية وهي تجسد مبدأ باراك أوباما ، المسمى استخباراتياً ( القفاز الناعم ) سَيُسَلمْ ملفها "باراك أوباما" الى الرئيس الامريكي القادم الى البيت الابيض عند انتهاء ولايته ,

5- إن ملف ( القفاز الناعم ) سوف لن تلغيه الأدارة الأمريكية الجديدة القادمة الى البيت الأبيض، طالما ستشكل سياسة هذا الملف العمود الفقري لطبيعة السلوك السياسي الخارجي الأمريكي حيال الخرائط الجيو- سياسية لكافة الأقطار العربية، وعلى اساس طبيعة كل ساحة ونضجها، للعقد القادم .!!

6- إن السياسة الأمريكية الملآزمة للسياسة الأيرانية قد حولتا معاً المنطقة العربية من فوضى إلى جحيم .. ولكن هذه الفوضى وهذا الجحيم لن يستقر في تلك الساحات إنما سيتمدد ويتسع وتكون له ترددات تضرب في العمق، وسرعان ما ستجد امريكا أن مصالحها غير مؤتمنة ، وستجد ايران وضعها الداخلي لا يحمد عقباه ابداً .. وستغرقان في مستنقع المنطقة الذي لن ينجو منه احداً ، وان ترددات ردود الأفعال ستتسع لتضرب أكثر من جدار اقليمي وجدران خارج الأقليم - كما قلناها في مقالات سابقة - .

ويظل الهدف الأستراتيجي الأمريكي لمشروع الشرق الأوسط الكبير هو ( أمن الكيان الصهيوني ) و ( والهيمنة على منابع النفط ومكامن الغاز ) في المنطقة .. وغاز البحر الأبيض المتوسط سيغير معادلات الكثير من السياسات الأستراتيجية في المنطقة والعالم ايضاً خلال العقد القادم!!






الاثنين ٤ جمادي الاولى ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / شبــاط / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة