شبكة ذي قار
عـاجـل










انهيت الحلقة الاولى ببيان الاراء الخمسة التي تعلل بروز التيارات الاسلاموية - الاسلام السياسي - وهي تبدو ردة فعل على الهيمنة والسيطرة وذلك بسلوك ممنهج في التحرر والنَّهضة والإصلاح ، يعتمد على نفس الآليات المنتمية للحداثة المادية الغربية أغفلت الجانب التأْتيسي من الممارسة الإسلامية لمصلحة الجانب السياسي ، الأمر الذي أفضى إلى تضيع الاثنين معا لعل أخطر المزالق التي واكبت نزعة التسييس لدى أنصار الإسلام السياسي هو انعطافها إلى سلوك عنيف في تعاملها مع الآخر الداخلي والخارجي ، بحيث أصبح العنف مكونا" أساسيا" من مكوّنات سلوكها الخطابي والمرئي ، الأمر الذي شوه مفهوم الجهاد في الإسلام وعرضه لأبشع أنواع التضييق والمحاصرة داخليا وخارجيا فقد وقع تشويهه ابتداء" بقصره وبعنوان ( قتال المشركين والكفار ) ، طلبا" للغنائم والسبي والأرض ، ثم توسع نفر آخر بحمله بعنوان ( قتال المخالفين في العقيدة ) ، ولو كانوا من أهل الكتاب منعا" لحرية الاعتقاد ،

ثم تطور الأمر بحمله على معنى ( قتال الجميع بما فيهم المسلمين ) ، باسم الدين منعا لحرية الاجتهاد ، ومن ثم حملوه على معنى - قتل المدنيين بحجة العجز عن قتال العسكريين - ، وانتهى الأمر بحمله على معنى ( قتال الأبرياء ) بحيث أصبح مرادفًا لمعنى الإرهاب ، ولا يخفى على كل من طلب الحقيقة الشرعية أن معنى الجهاد أشرف من أن يحمل على هذه المعاني المفترضة ، وأصح من مفهوم الحرب المقدسة فالجهاد في الإسلام يحتوي على مراتب متعددة ، ولا ينزل منها القتال إلا رتبةً واحدةً وليس أعلاها وهذا القتال لا يتم نصرة للذَّات ، وإنما نصرة للإنسان من أجل إقامة الحق والعدل بين الناس كافة من غير التفات إلى أمة بعينها ، وإنما إلى الإنسانية جمعاء والجهاد القتالي لا يجب إلا حيث يوجد الظُّلم الذي لا ينفع في إزالته جهاد سواه ، ومتى صح أن الجهاد القتالي إنما هو مقاومة الظُّلم الأشد ، صح أيضا أنه مقاومةٌ لإزالةِ العنف المسلَّط ، ومعلوم أن العنف ضد التسامح ومن هنا يمكن القول بأن الجهاد القتالي إنما هو مقاومةٌ من أجل إقامة التسامح ، ولا عبرة بجملة الاراء التي تشكك في مشروعية أصل الجهاد ، كما لو أن كل ذي حق في الأرض نال حقه ،

والمتأمل في اختلاف الآيات واختلاف الناس والأمم ، يعلم بأن الظُّلم والاعتداء لا بد من وقوعه بحسب اختلاف النفس ودوافعها ونزواتها وحينئذ فان الجهاد القتالي يشرع لدفع الاعتداء كما جاء في الآيات الكريمة * وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * وتبين هذه الآيات الكريمة أن أحد الأسباب الموجبة للجهاد القتالي إنما هو درء الفتنة التي بينها الله جل علاه بانها أشد من القتل ، وهي الاضطهاد في الدين ، وتعذيب المؤمنين وعلى الرّغم من كثرة الشبه التي دارت حول مفهوم الجهاد ، فإن الأمر في الإسلام يتسع للاختلاف بحسب تغير الأزمان ، وهو أصل مقرر من أصول حق الاختلاف داخل الأمة المسلمة وخارجها ، على أن لا يعطّل أصلٌ قطعي ثابت فالقول بأولوية الجهاد المدنيّ يستحق النَّظر بحسب فقه الأولويَّات ، وليس مبدأ تعطيل الآيات وكذلك مفهوم الجهاد الثَّقافيّ والجهاد الأخلاقيّ ، والجهاد الاقتصاديّ … الخ ،

ولعل التركيز على الوظيفة الإحسانية والتسامحية للجهاد هو أنجع الوسائل لدرء آفة العنف والتَّطرف والغلو التي طبعت خطاب وممارسة أنصار وموريدي التَّدين السِّياسيّ والتي أصبحت صفاتٍ لازمةٍ للمسلمين عقب الأحداث الشَّنيعة والتَّفجيرات العشوائيَّة ، والقتل المجاني في عرض العالم وطوله ولعلَّ ظاهرة العنف التي أصبحت واحدةً من أهمِّ مكوِّنات الإسلام السِّياسيّ باتت من أخطر التَّحدِّيات التي تواجه الأُمَّة الإسلاميَّة اليوم ، بحيث يجب أن تتضافر كافَّة قوى الأمَّة لإعادة الاعتبار لمفهوم الجهاد في الإسلام ، وبيان حال الأُمَّة الوسط ، منعًا من الوقوع في آفات الأُمَم السَّابقة من الغُلوِّ والتَّطرف في الدِّين ، كما جاء في الآية الكريمة * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ * والآية الكريمة * لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ * فالإسلامُ يحثُّ على بناء ثقافة السَّلام والعدل والمساواة ،

أمَّا القتال فهو بقدر الحاجة دون مجاوزة الحدود المقررة ، أما الاعتداء على الغير واسـتهداف المدنيّين بحجَّة أنهم محاربون بمجرَّد كونهم من دافعي الضَّرائب ، وغيرها من الحجج الواهية فإنَّها لا تستند إلى أدلة شرعية صحيحة ، وهو استدلال في غاية الخطورة والحقُّ أن الإرهاب والعنف لا يتطابقان مع الإسلام وروحه الأخلاقيّة المتسامحة ، ولا سبيل إلى التَّخلص من آفات العنف والتَّطرف والغُلُوّ الملازمةِ لظاهرة الإسلام السِّياسيّ الا بتضافر الجُهُود العلميَّة والإعلاميَّة ، وبتحمُّل العلماء والفقهاء والمراجع والمجامع العلمية والفقية مسؤولياتهم طلبا للخروج من رحم الأزمة ، ذلك أن آفة العنف لا يمكن أن تصرف إلا بالفكر والمعرفة ، وليس من خلال الحلول الأمنية والعسكريَّة الصّلبة فالاختلاف الفكريّ لا يسوى بالعنف وإنما بالحوار المبنيِّ على فضائل الجهاد الأخلاقيّ والثَّقافيّ ،

وهنا لابد من الاشارة الى سيد قطب المرجع الأساسي للجماعات السلفية الجهادية ، والذي يعتبر تنظيم القاعدة من أبرز تجلياته الراهنة ، فقد شــكلت أفكاره قطيعة معرفية حقيقية مع الفكر الإصلاحي الإســلامي ، كما أن كتابه { معالم في الطريق } هو الدستور والبيان الذي تعتمد عليه القاعدة في مجمل أطروحاتها ، المتعلقة برؤية العالم ، ومنهج الحركة ، وآلية التغيير ، والتي تؤسس لمنطق الحروب الدينية الجديد في الشرق الأوسط ، تستند إلى مفهومي الحاكمية والجاهلية ، فقد تطور مفهوم الحاكمية ليأخذ بعداً تكفيرياً يتأسس عليه منطق الحروب الدينية الجديد التي تشهدها المنطقة اليوم يقوم على تقسيم العالم إلى - دار الإسلام ، ودار الكفر - ، وبهذا فإن جميع المجتمعات القائمة في شتى أنحاء المعمورة اليوم شرقاً وغرباً ، ينطبق عليها وصف الجاهلية الذي يجب تغييره والانقلاب عليه ، إذ يؤكد سيد قطب على غياب مفهوم - الأمة المسلمة - ، ولا يراها قائمة فلا وجود لها في أي مكان على الأرض ، وينطوي هذا التوصيف لحال المجتمع والأمة على تكفير المجتمعات الإسلامية الراهنة وانتقالها من وصف - دار الإسلام - والدخول في دار الكفر

يتبع بالحلقة الثالثة






الثلاثاء ١٢ جمادي الاولى ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أذار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة