شبكة ذي قار
عـاجـل










بينا في الحلقة الثانية التدرج في عملية الانتقال من الأصلاحية الى التكفير وجواز القتل وما اتخذه الاخوان المسلمين من تحول في رؤيتهم وعملهم استنادا" الى ماذهب اليه مرجعهم السيد قطب في موضوع الحاكمية والنظر الى المجتمعات العربية والاسلامية وانتقالها من وصف دار السلام والدخول في دار الكفر مما يوجب الانقلاب وبالتالي تحولها إلى {{ دار حرب }} ، وهو الأمر الذي يتطلب وجود طليعة أو جماعة تقوم بوظيفة ثورية انقلابية جهادية تعيدها إلى حظيرة دار الإسلام بالنسبة لقطب مسألة محسومة لا تحتمل الأخذ والرد هناك دار واحدة هي دار الإسلام ،

تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة ، فتهيمن عليها شريعة الله ، وتقام فيها حدوده ويتولى المسلمون فيها بعضهم بعضاً ، وما عداها فهو دار حرب وعلاقة المسلم بها إما القتال ، وإما المهادنة على عهد أمان ، ولكنها ليست دار إسلام ، ولا ولاء بين أهلها وبين المسلمين وهو بهذا لا يختلف كثيراً عن الفقه الإسلامي القديم ، وتتماهى رؤيته مع أفكار المودودي ، فقد اتفقت معظم المذاهب الإسلامية التقليدية التي اعتمدت على السنة النبوية حصرا"من - حنفية ، ومالكية ، وشافعية ، وحنبلية ، وظاهرية - على تقسيم المعمورة إلى دار إسلام ودار حرب ، فقد بدأ البحث في الأبعاد الجغرافية للاجتماع السياسي للمسلمين في وقت مبكر ، إذ أول تحديد تقريبي للمعنى بدار الإسلام يعود إلى الإمام أبي حنيفة ، ولعل تقسيم الدار هو أحد مقدمات الدخول في أفق الحروب الدينية في المنطقة ،

ويبدو للأسف أن معظم الفقهاء المحدثين والمعاصرين ، يتفقون مع سيد قطب والمودودي ، في إقرار هذا التقسيم القديم ، فالدكتور وهبة الزحيلي يعتبر أن {{ المعول عليه في تمييز الدار هو وجود السلطة ، وسريان الأحكام ، فإذا كانت إسلامية كانت الدار دار إسلام ، وإذا كانت غير إسلامية ، كانت الدار ، دار حرب }} ويتفق معه معظم المعاصرين مثل عبد القادر عودة الذي كان له أثر كبير في بعض أفكار سيد قطب ، وكذلك الشيخ عبد الوهاب خلاف ، وتقي الدين النبهاني ، والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي والدكتور عبد الكريم زيدان ،

وتناول بعض الباحثين والمختصين بشأن التيارات الاسلامية ووفقا" لما أفرزته الرؤية التي خرج بها السيد قطب والفقهاء او المعنيين بدراسة الحركة الاسلامية الذين تأثروا بتلك الافكار الى أن سيد قطب ومعظم الفقهاء المتأخرين لم يتنبهوا إلى تاريخية مصطلح دار الحرب و دار الإسلام وظروف نشأته التاريخية ، والأسباب والملابسات التي أدت إلى بروزه ، والتشدد في تطبيقه ، فمن المعروف أن الظروف التي تم بها بحث المسألة في القرن الأول الهجري ، كانت تركز على وحدة الأمة ووحدة الدار ووحدة السلطة ،

ولم تتغير هذه الرؤية إبان الحروب الصليبية ، أما في المغرب والأندلس فقد بدأ الاهتمام بمسألة الدار عندما ضاعت صقلية أواخر القرن الخامس الهجري لقد كان الدافع الأساس لسيد قطب عند بحثه لمفهوم الحاكمية والجاهلية والدار هو التأكيد على نزع الشرعية عن الأنظمة القائمة اليوم ، سواء أكانت قومية ، أم اشتراكية أم ديمقراطية ، تمهيداً لتغييرها والانقلاب عليها بحسب منطق الحروب الدينية ، وذلك من خلال التأكيد على الوظيفة الثورية الانقلابية لمفهوم - الجهاد في الإسلام - ، فهو يشن حملة لا هوادة فيها ضد كل من يقصر الجهاد على الدفاع باعتبارهم {{ مهزومون روحياً وعقلياً تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان - إن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع - }} ، أو يحسبون أنهم يسدون إلى هذا الدين جميلاً بتخليه عن منهجه ،

وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعاً ، وتعبيد الناس لله وحده وإخراجهم من العبودية للعباد ، إلى العبودية لرب العباد ! لا بقهرهم على اعتناق عقيدته ، ولكن بالتخلية بينهم وبين هذه العقيدة ، بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة ، أو قهرها حتى تدفع الجزية ، وتعلن استسلامها والتخلية بين جماهيرها ، و عن هذه العقيدة يقول {{ أما محاولات ايجاد مبررات دفاعية للجهاد الإسلامي بالمعنى الضيق للمفهوم العصري للحرب الدفاعية ، ومحاولة البحث عن أسانيد لإثبات أن وقائع الجهاد الإسلامي كانت مجرد صد العدوان من القوى المجاورة على - الوطن الإسلامي وهو في عرف بعضهم جزيرة العرب - فهي محاولة تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين ، ولطبيعة الدور الذي جاء ليقوم به في الأرض ، كما أنها تشي بالهزيمة أمام ضغط الواقع الحاضر ،

وأمام الهجوم الإستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي إن انحياز سيد قطب لمفهوم الحرب الهجومية والدفاعية في نفس الوقت ، جاء منسجما مع أفكار الثورية الانقلابية ، فالجهاد لا يسير وفق مراحل متتالية ، وإنما يمكن الجمع بينها بصورة متتالية ، فمراحل الجهاد تكشف عن السمات الأصلية في المنهج الحركي لهذا الدين ، السمة الأولى هي الواقعية في منهج هذا الدين ، فهو حركة تواجه واقعاً بشريا ، وتواجه بالدعوة والبيان ، لإزالة تصحيح المعتقدات والتصورات ، وتواجه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات ، السمة الثانية في منهج هذا الدين هي الواقعية الحركية ، فهي حركة ذات مراحل ، كل مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها وهكذا فإن الجهاد بحسب قطب فريضة تلزم كل مسلم حتى يقوم المجتمع الإسلامي ، دون أن ينحصر في نطاق جغرافي أو قومي ، وإنما يمتد ليشمل كل بقاع الأرض ، فالجهاد إنما جاء ليحرر الإنسان في كل زمان ومكان }} ،

وعلى الرغم من أن عدداً من مفكري الإصلاحية الإسلامية يتفقون مع أطروحات سيد قطب ، إلا أن ما يمتاز به قطب هو اعتبار الجهاد في سبيل الله كفرض عيني على كل فرد داخل الجماعة وكذلك التركيز على الجهاد ضد المسلمين الذين لم تتحقق بهم صفة الإسلام الحقيقي داخل الأمة الإسلامية ، قبل الجهاد ضد المسلمين وغيرهم خارج الأمة الإسلامية ، ويؤكد أن هاتين الإضافتين عند قطب كانتا أقرب إلى النص القرآني الخالص بمعنى أن رؤيته تحمل معنى أصولياً واضحاً ، وهو المعنى الذي بدأ يتغلب على الفكر الإسلامي منذ رشيد رضا ، فالجهاد المعنوي والثورة الروحية خطوة أولى نحو تطبيق النص القرآني الذي يمكن على أساسه إقامة حكم إسلامي صحيح يتجاوز الحدود القومية لتحقيق الأهداف العالمية للإسلام ويبدو سيد قطب أكثر تشدداً من رشيد رضا في تعريفه لدار الحرب ،

إذ يتبنى منهجاً أكثر هجومية من رضا الذي لم يرى ضرورة للدخول في حرب أولئك الذين لم يستجيبوا لنداء الإسلام الحق في حين اعتبر قطب مقاتلة المرتدين في المنطقة أو من لم يصح إسلامهم حق وواجب ، وبهذا يقترب قطب من أفكار الفقيه الحنبلي الكبير - ابن تيمية - وليس رشيد رضا أخذت أفكار سيد قطب منحى أكثر حدة عن طريق جيل كامل من الجهاديين وبرزت بقوة في السبعينات من خلال تنظيمات الغضب الإسلامي في مصر والمغرب العربي ، اوألتي بدأت بالتنظير والتأصيل لمنطق الحروب الدينية باستحضار مسألة دار الإسلام ، وإعادة الخلافة تحت شعار الجهاد ، كأيديولوجيا حركية انقلابية قوامها - التكفير و التجهيل - وهذا الذي يشهده العقد الاول من هذا القرن ، وقد كانت فترة أواخر الستينات والسبعينات في مصر التي اتسمت بالعنف السلطوي قد تمخضت عن فكر يمتاز بالمانوية الثنوية ، الذي يقوم على أساس تقسيم ثنائي لسائر مكونات الحياة والمجتمع والدولة ، من خلال جماعة - التكفير والهجرة - وهي نتاج الغضب الاسلامي ، والتي أطلقت على نفسها اسم جماعة المسلمين بهيئتها الحالية

يتبع بالحلقة الرابعة






الاربعاء ١٣ جمادي الاولى ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أذار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة