شبكة ذي قار
عـاجـل










تناولت في الحلقة الخامسة الافكار التي يطرحها المفكرين والباحثين الغربيين بشأن التهديد الاسلامي ووجوب التصدي له وما قابله من قبل التيار السلفي الجهادي المنضوي بالجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين والأمريكان وموقف حزب البعث العربي الاشتراكي من الدين وموقفه الايماني ضد الالحاد ، فأقول الباحثين والمؤثرين في ســـياسات الادارة الامريكية المتعاقبة اتجهوا الى موضوع صدام الحضارات أي التصادم فيما بين الاســــلام كقيم ومبادىء انســانية ونظام الاهي كامل يتوافق والتطور الزمني الذي يمر به الانســـان بحاجاته ومن هنا لابد وان يكون هناك الاختراق الداخلي وكانت هذه الرؤية هي التي تتحكم باليمين المسيحي المتطرف ( نصارى يهود ) والذي يدين به المجرم جورج بوش الابن واعتقاده بان التفويض الالاهي يحتم عليه القيام بحروبه في افغانستان والعراق وفي اي منطقه يراها هو وطاقمه وقوى الضغط ونتذكر العبارات الاولى التي تفوه بها عندما اعلن بدء العمليات العسكرية لغزو العراق واحتلاله عندما قال وبدون تردد { انها الحرب الصليبية الجديده } وعليه لابد من التوقف امام الحجه التي يعتمدها الغرب بعدوانيته على العرب والمسلمين ومن أهم حجيتهم اشــــــــاعة الديمقراطية وحقوق الانسان ، أشار محمد أركون إلى أن العلمنة موقف للفكر أمام مشكلتين {{ الأولى مشـــكلة المعرفة وكيف يمكن أن نعرف الظواهر ؟ وكيف يمكن أن نفهم العالم بشــكل دقيق ومطابق ؟ ،

لا يجوز حرمان الإنسان من حق الفهم بحجة أي شيء كان ، والثانية كيف يمكن إيصال هذه المعرفة بعد اكتشــافها وبلورتها إلى الآخرين ؟ وعندما نتوصل إلى نتائج جديدة ومحددة في مجال علمي ما تبقى علينا مســــؤولية لا تقل أهمية عن الاكتشـــافات هي مســـــؤولية التوصيل ، أي توصيل هذه النتائج إلى الآخرين إلى الجمهور }} ، ويؤكد محمد أركون أنه عانى شخصياً من هذه الناحية كثيراً ومازال وخصوصا فيما يتعلق ببحوثه المتعلقة بالفكر الإسلامي والفكر العربي ،

وبصورة عامة يمكن القول إن ما عزز نجاح العلمانية في الغرب ، وتقبل الناس إياها من دون أن يشعروا أنهم يتخلون عن مسيحيتهم بالتعامل معها ، أن المجتمع الغربي العلماني هيأ للناس شروطاً حياتية دنيوية أفضل مما كانوا عليه ساعدتهم على حل مشاكلهم اليومية ، ومكنتهم من القوة والقدرة على التحكم في الطبيعة وفي المجتمع ، من دون أن يحتاجوا إلى فتاوى رجال الدين ، أو ينتظروا حلولاً سماوية ، أو يهربوا من الدنيوي إلى الأخروي ، فهم مع عدم إنكارهم آخرة ما بعد الموت ، وضعوا نصب أعينهم آخرة دنيوية يعملون من أجلها وهي المســــتقبل ، فعملوا لدنياهم وعملوا لآخرتهم بمفهوميها آخرة ما بعد الموت والآخرة بمعنى المســـتقبل ، فلم تعد الآخرة تعني نســـيان وتجاهل الدنيا بحاضرها ومســــتقبلها ، بل هي المستقبل اللامنظور واللامتناهي وهكذا فكلما زادت قدرة الانسان على فهم الحياة والتحكم في واقعه وحل مشاكله ، قلت حاجته إلى الهروب من الواقع إلى الخيال أو الأيديولوجيا أو الأســــطورة أو انتظار حلول ســماوية لمشاكله ، وبالتالي قلت حاجته إلى اســتحضار الرب لينوب عنه في حل مشاكله وهذا لا يعني ضعفاً في درجة الإيمان بل على العكس ، قد يؤدي إلى زيادة الإيمان بالله والإيمان بعظمته وحمده وشكره على إنارته العقل البشري ليتمكن الإنسان من حل مشـــاكله والتحكم فيما يحيط به ،

اذن ظاهرة المد الأصولي ماهي أســـبابها ودوافعها ، دينية المظهر ودنيوية المصدر لوجه الآخر للمشـــكلة ، وهو ما يطلق عليه تســمية المد الأصولي ، ولا تفهم العلمانية في عالمنا العربي الإسلامي ، إلا بفهم الأصولية الإسلامية ، ولا تفهم بالتالي هذه الأخيرة إلا من خلال علاقتها الجدلية التناقضية مع دعاة العلمانية وتطبيقاتها في النظم والدساتير العربية وربما لا يحتاج المفهوم الأصولية إلى الرجوع إلى أصولها الغربية كما يذهب بعض الكتاب العرب ، فالأصولية لغة ومعنى واصطلاحاً - مستمدة من اللغة العربية ومن التاريخ العربي الإسلامي فهي تأتي من الأصل فأصل الشيء هو الأساس الذي يقوم عليه ونشؤه الذي ينبت منه والعودة إلى أصول الإسلام ومنابته الأولى ليست بالشيء الجديد في التاريخ العربي الإسلامي الأمر الذي أتاح لظاهرة الأصولية بعداً زمنياً مكنها من الوصول إلى مرحلة التأسيس النظامي داخل المجتمع - ،

أي أنها أصبحت جزءاً من الواقع الاجتماعي ، يتعامل المجتمع معها ليس بهدف إيجاد حل نهائي لها كظاهرة اجتماعية دينية ، بل للتكيف معها واستيعابها وتدجينها وتبيئتها بما لا يخل بانتظام النسق الاجتماعي ، وبالتالي يصعب التكهن باستئصال المشكلة ـ الظاهرة ـ على المدى القريب ، في ظل البنى العقلية والاجتماعية نفسها ، وفي ظل الشروط والأوضاع المشار إليها سابقاً ، وخصوصاً أن كل الأطراف تسعى إلى توظيف الدين لخدمة مصالحها الخاصة ، بما في ذلك الأنظمة نفسها التي تشتكي من ظاهرة التطرف الديني ، إن تكرار ظاهرة التطرف الديني أو الحركات الأصولية ، ووجودها في غالبية المجتمعات الإسلامية مع تباين صور التعبير عنها من حالات تفجر واحتدام أحيانا ، إلى حالات تعايش مع الوضع القائم وظهور المشكلة على شكل موجات وفي فترات متقطعة ، وأخذها طابعاً عصبوياً استقطابياً كل ذلك يدفع إلى القول (( إن العوامل الحقيقية لظهور الظاهرة هي عوامل دنيوية ، تتعلق بشروط الحياة وأشكال نظمها المختلفة فإذا سمحت الظروف السياسية والاجتماعية والأوضاع الاقتصادية بتوفير شروط حياة أفضل للمجتمع ، وبخلق توازن بين أنساقه أو شرائحه المختلفة ، وتوفير متطلبات التعايش السلمي بين مختلف شرائح المجتمع وطوائفه ـ تعايش بالتراضي لا بالقهر ـ توارت المشكلة بشكلها المتطرف وانتفى مبرر استحضار الرب لينوب عن البشر في حل مشاكلهم أما إذا اختل التوازن وعجزت السياسة عن خلق حالة تعايش وانسجام داخلي ،

وإذا تأزمت الظروف الاقتصادية وأصبحت الفلسفات والأيديولوجيات الدنيوية عاجزة عن حل مشاكل المجتمع ، وأصبح الشباب يعيش في حالة ضياع وتشتت وفقدان ثقة في كل شيء ، تظهر الحركات الدينية كعامل تحريض وإثارة ، وكعامل استقطاب وتميز أو كعامل رفض واحتجاج ـ أو كل ذلك ـ لتدخل الميدان موظفة خطاباً يزعم أصحابه أنه البرنامج البديل القادر على حل مشاكل المجتمع ، أي أن الحلول المقترحة يضفي عليها طابع ديني لغياب أو فشل الحلول الدنيوية العلمانية ، لكن المشكلة في جوهرها تبقى دنيوية لاشك في أن التطرف الديني هو تصرف لا عقلاني ، بينما الإسلام والتدين بشكل عام ، في مغزاه العميق الروحي والأخلاقي ، هو تصرف عقلاني ، ولكن ما يجعل التدين عملاً لا عقلانياً ،

أي يوصله إلى مرحلة التطرف الاستقطابي القائم على تكفير الآخر ونبذه ، هو لا عقلانية الواقع القائم من نظم وأنظمة ومؤسسات وسلوكيات فإرهاب الأنظمة وفسادها )) وفي حوار أجرته صحيفة الراية القطرية في 24 مايو 2002م مع الدكتور ساجد العبدلي ، الأمين المساعد للشؤون الإعلامية في الحركة السلفية الكويتية قال عن هذا المصطلح ( هذا المصطلح يحمل تشويها كبيرا للمقاصد الشرعية من العمل السياسي ، وقد يعطي إيحاء بأن هناك إسلام سياسي وآخر دعوي وآخر خيري وهكذا ، بينما الإسلام واحد ، وهو دين شامل لا يتجزأ لكل مناحي الحياة ، ولم يكن المسلمون يفصلون بين العمل السياسي والدعوة في يوم من الأيام ، بل كانت جميعها كلا متكاملا هذا المصطلح - الإسلام السياسي - نتج في جملة ما نتج عنه عن الميول التجريدية التي تركز على فهم الإسلام كدين عبادة وتكاليف عبادية أكثر من كونه نظاما سياسيا وتنظيميا للدولة واجتماعيا ، أي أن النظرة صارت تشدد على الدين والمعتقد أكثر من النظام والنهج والكيانية الإسلامية المنشودة ) ويقول الدكتور جعفر شيخ إدريس في مقال مهم له عن هذا المصطلح (( عبارة الإسلام السياسي كأختها الأصولية صناعة غربية استوردها مستهلكو قبائح الفكر الغربي إلى بلادنا وفرحوا بها ، وجعلوها حيلة يحتالون بها على إنكارهم للدين والصد عنه فما المقصود بالإسلام السياسي عند الغربيين ؟ كان المقصود به أولاً الجماعات الإسلامية التي انتشرت في العالم العربي وفي باكستان والهند وأندونيسيا وماليزيا وغيرها تدعو إلى أن تكون دولهم إسلامية تحكم بما أنزل الله تعالى - ما الذي يأخذه خصوم الإسلام السياسي عليه ؟

أما الغربيون فاعتبروه أولاً ظاهرة غريبة بعد سني الحكم الاستعماري الذي ظنوا أنه وطَّد الحكم العلماني على المنهاج الغربي ، ووضع أسساً متينة للتبعية وضمان المحافظة على المصالح الغربية فشق عليهم أن تنبت في بلاد المسلمين نابتة تعارض هذه العلمانية التي يرونها تعم العالم بأسره كيف تنشأ جماعات تسير عكس هذا التيار العالمي ، وتدعو إلى الرجوع إلى حكم ديني إسلامي ؟ )) ومن هذه الرؤية التي خرج بها الدكتور جعفر شيخ ادريس يتبين جليا" ماهي بواعث زرع الفكر الديني المسيس الذي يستند اساسا" على الطائفية السياسية لانها المنفذ الذي يتمكنون بها ومن خلالها تمزيق النسيج المجتمعي العربي الاسلامي

يتبع بالحلقة السابعة






الاحد ١٧ جمادي الاولى ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أذار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة