شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ أن أخذ الحوثيون يتمددون في أنحاء اليمن بعد أن سيطروا على العاصمة صنعاء، أخذت أجواء المنطقة العربية تتلبَّد بغيوم تنذر بمطر من نوع جديد.

ولأن التمدد الحوثي أخذ يصب في مصلحة الهيمنة الإيرانية، وكانت النتيجة أن البعض من مسؤولي النظام، أعلنوا قيام الإمبراطورية الفارسية، وأخذوا يبنون الأمجاد على وقع أنغام التمدد الحوثي، واعتبروا أن الطوق العسكري الأمني حول دول الخليج العربي قد اكتمل فأعلنوا بغداد عاصمة لإمبراطوريتهم.

عن تلك التطورات في اليمن أصاب الهلع أنظمة الخليج، وراحوا يحسبون لخطورة القوة الإيرانية ألف حساب. تلك الحسابات التي لأجلها قدمت تلك الدول قبل خمسة وثلاثين عاماً المساعدات للعراق من أجل إحباط العدوان الإيراني عليه، تلك الحرب كانت ترجمة عملية لمبدأ ( تصدير الثورة ) خارج الحدود الإيرانية بدءاً من العراق. وكان من أهم أهدافها الوصول إلى عمق منطقة الخليج العربي.

ولما تأكد لتلك الأنظمة أن الوعود الأميركية بحمايتها بعد احتلال العراق كانت كاذبة خاصة بعد أن وكَّلوا النظام الإيراني بالملف العراقي بعد انسحاب الجيش الأميركي صاغراً، وبدأت كرة الهواجس الخليجية تظهر إلى العلن تباعاً. وأخذت دائرة الهواجس والمخاوف تتسع بعد الحديث عن إمكانية توقيع اتفاق أميركي - إيراني حول ملف إيران النووي. ولتسويق الاتفاق وتجميله، والزعم بأنه لا يشكل خطراً على دول الخليج العربي، حمل جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، ما زعم أن توقيع الاتفاق مع إيران يصب في مصلحة الأمن الخليجي. ولم تنفع حينذاك التطمينات الأميركية لدول الخليج لأن التقارير التي تسربت أكدت أن أميركا تكذب مرة أخرى. لكل ذلك كانت ترتفع في الأفق التساؤلات: هل تنطلي الخديعة الأميركية على تلك الدول؟

لقد أثبت قرار دول الخليج العربي الأخير، الذي سبق القمة العربية، في أواخر شهر آذار، بأيام معدودات، أن دول الخليج لم تأبه بالتطمينات الأميركية ولم تصدقها، بل اتخذت قرارها ووضعت الإدارة الأميركية أمام موقف حرج لا تستطيع أن تفلت منه إلاَّ بإعلانها تأييد القرار العسكري الذي شنت على أساسه تلك الدول هجمات جوية ضد التواجد الحوثي في اليمن.

من مقدمات القرار وأسبابه نقرأ أن تلك الدول بدأت ( عاصفة الحزم )، ليس لمنع الحوثيين من التمدد والسيطرة على السلطة السياسية في اليمن فحسب، بل أيضاً من أجل قطع بعض أذرع الأخطبوط الإيراني من الالتفاف حول رقبة أمن دول الخليج. فكان القرار، في خلفياته الاستراتيجية ليس من أجل عملية موضعية في اليمن، بل من أجل ضرب المتغيرات الاستراتيجية التي كان لا بُدَّ من أن يستثمرها النظام الإيراني لتصب في مصلحة تمدده في الوطن العربي.

إن هذا الأمر، حتى لو كان موضعياً، فإنه سيثير قلق النظام الإيراني وسوف يهدم أحلامه الإمبراطورية التي بناها للوصول إلى باب المندب، ليضيف هذا المكسب إلى ما يخيل له أنه استكمال استراتيجي للسيطر على بوابة مضيق هرمز. ولأن بعض مسؤوليه تورطوا بإعلان قيام الإمبرطورية الفارسية وعاصمتها بغداد، فقد وقع في أزمة جديدة إذ جاء الإعلان برهاناً على نواياه بتصدير (ثورته)، كما جاء ليكذِّب مزاعم التطمينات الأميركية التي حملها جون كيري لدول الخليج.

إن القرار الجريء الذي اتخذته دول الخليج، في ظل تصاعد الأحلام الإيرانية، سيكون ذا آثار سلبية كبرى على تلك الأحلام. كما سيكون ذا آثار إيجابية على حركة التحرر العربية وفي طليعتها المقاومة العراقية وثورة الشعب العراقي، هذا إذا كانت أهدافه لن تقف عند حدود اليمن. ولكن للاطمئنان على مصداقية الأهداف الاستراتيجية لذلك القرار، لا بُدَّ من توفر شروط وضوابط من دونها سيصبح القرار مجرد ردة فعل ستتبخر وتهدأ حالما يتم تخليص اليمن من أيدي الحوثيين.

ومن ضمن تلك الضوابط أن لا يكون هدف القرار مرحلياً وموضعياً، بل للتأكد من جديته ومصداقيته هو أن يكون قرارا شمولياً يتولى مهمة قطع رأس الأخطبوط الإيراني. ولن يكون القرار شمولياً واسترتيجياً إذا لم يشمل تطبيقه في العراق. ففي تحرير العراق من الاحتلال الإيراني ضربة قاتلة لرأس الأخطبوط. وفي تحريره إقفال للبوابة الشرقية أمام التغلغل الإيراني. وفي إبقائه تحت الهيمنة الإيرانية حياة جديدة لأذرعه التي تمددت في أكثر من مكان في الوطن العربي.

وإذا ما أعدنا التذكير بأن المساومة الأميركية لإيران حول الملف النووي هو إعادة تلزيمها العراق من جديد، لمعرفة إدارة أوباما وإدراكها بأن النظام الإيراني سيكون وكيلها المخلص في تلك الساحة لتقاطع أهدافهما في الهيمنة عليها واحتوائها من جديد بعد أن كادت الثورة العراقية تقوِّض أركان عمليتهما السياسية المشتركة.

وهنا لا بُدَّ من التأكيد أن التحالف الدولي الذي تم تشكيله ضد ما زعموا أنه إرهاب، كان في حقيقة أهدافه تحالف ضد الثورة العراقية وليس ضد أي شيء آخر. وما كان تشكيل التحالف ليمر بسهولة لولا وجود تلك الخديعة، وهل تعامى الجميع عن أن أصول الإرهاب قد صُنعت في كواليس المخابرات الأميركية والإيرانية.

ولكل ذلك، بانتظار المراحل المقبلة ومتابعة تطوراتها سيخضع قرار ( عاصفة الحزم ) للاختبار من أجل معرفة مدى مرحليته وموضعيته أو استراتيجيته وشموليته. ويتم تأكيد موضعية القرار أو شموليته باحتمالين، وهما: إن الاكتفاء بحل جزئي للقضية اليمنية دليل على مرحليته. وإذا انتقل من القضية اليمنية إلى تطبيقه في العراق سيكون تأكيداً لشموليته.

إن تطبيقه في العراق استئصال للسرطان الإيراني منه وقتل لرأس الأفعى، وسيكون ذلك استئصال للمرض الذي سيقطع الطريق على تمدده إلى أماكن أخرى، وهذا ما لن تفعله الإدارة الأميركية، لأن في القضاء عليه في العراق قضاء على مشروع الشرق الأوسط الجديد، كما هو قضاء على أحلامها بالسيطرة الكاملة على البترول العربي. وهنا نرى أن قبول الإدارة الأميركية بقرار ( عاصفة الحزم ) كان انحناءة أمام موجة التذمر الخليجي، والمراهنة على تقليص فجوة الاختلاف مع دول الخليج العربي. وهي في الوقت الذي أذعنت فيه لتأييد القرار فإنها تراهن، كما نحسب، على أن حل القضية اليمنية سيستجيب لإلغاء المخاوف الأمنية لتلك الدول، ولكنها في الوقت ذاته سوف تعرقل استكمال تطبيق القرار في العراق لأسباب استراتيجية.

إن الإدارة الأميركية بخديعتها الجديدة، أي بتأييدها القرار الخليجي السياسي والعسكري ستعمل جاهدة من أجل تقديم ملف اليمن هدية لدول الخليج، وكما أننا نتوقع أنها ستضغط على حليفها الإيراني من أجل تقديم تلك الهدية على الرغم من أن قبوله سيكون بمثابة تجرع السم مرة أخرى. وهو قد يقبل بتجرع سم موضعي في اليمن على تجرع سم استراتيجي في العراق.

إنه، وإن كان القرار يعمل على اجتثاث الدور الإيراني في اليمن، فعلينا أن ننتظر، ونتساءل: هل ستستمر دول الخليج العربي في تنفيذ قرارها على الساحة العراقية؟

وعن ذلك فإننا نرجح بأن للقرار أهداف استراتيجية، وهذا يعود إلى أن مخاوف دول الخليج من التمدد الإيراني قد بدأت تظهر في القضية العراقية، أي أنها لم تكن شيئاً جديداً وُلد مع القضية اليمنية، بل كانت المخاوف سابقة لتلك القضية. ولأن تلك المخاوف كانت قديمة، أي وُلدت منذ أكثر من ثلاثين سنة، نفترض بأنها لن تزول قبل زوال أسبابها الإيرانية، أي طرد أي وجود لإيران من العراق. وعن ذلك جاء تصريح سعود الفيصل، وزير خارجية السعودية، ليؤكد وجود الخطر الإيراني على الأمن القومي العربي الذي بدأت مظاهره في تكريت.

فهل سيكون القرار الخليجي موضعياً أم شمولياً؟

إننا نبدي حرصنا على أن يتم حل مسألة التمدد الحوثي في اليمن على قاعدة مصالحة وطنية لا تقصي أحداً، بل تعمل على نزع فتيل التدخل الإيراني والاستقواء به، وإحباط أي تأثير له، من خلال تحريم الاستقواء بالخارج وتجريم أي تيار أو مكون يمني يتعاون مع الخارج تحت أي ذريعة أو سبب. ومن بعده نبدي حرصنا أيضاً على تطبيق هذا الأمر في كل أقطار الوطن العربي.

ومن أجل ذلك، ولمعرفتنا الوثيقة بأن أهداف ما زعموا أنه تحالف ضد الإرهاب في العراق وسورية، نرى أن التحالف المذكور قد تم تشكيله لسبب رئيسي الذي هو القضاء على الثورة العراقية. ولأن من أهم أهداف تلك الثورة الآن هي تحرير العراق من الاحتلال الإيراني، بما تعنيه من حماية لأمن الوطن العربي وفي المقدمة منه حماية أمن دول الخليج، سيكون المعيار الرئيسي لمصداقية شمولية القرار المذكور أو موضعيته مترافقاً مع استكمال مفاعيله على الساحة العراقية. ولكي يكون شمولياً يجب تطبيقه في العراق بتقديم العون للمقاومة الوطنية العراقية والثورة الشعبية العراقية بما يمكنهما من تحرير العراق من النفوذ الإيراني، فيرتاح العراق، وترتاح الأمة العربية. وإنه بغير ذلك، سيكون علاج المرض جزئياً ما يلبث طويلاً حتى يعيد انتشاره في الجسم العربي من جديد.

فهل تصح توقعاتنا؟
وهل تشمل حملة ( عاصفة الحزم ) استئصال رأس الأفعى الإيرانية في العراق؟






الاربعاء ١٢ جمادي الثانية ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / نيســان / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة