شبكة ذي قار
عـاجـل










القى مندوب "النضال" الخاص على الأستاذ ميشيل عفلق الأسئلة التالية(1):

1. ما الذي دفعكم لتأسيس حزب البعث العربي؟
2. ما هي الخطوط الاساسية في برنامج الحزب ومبادئه؟
3. إلى اي مدى استطاع الحزب تحقيق بعض هذه المبادئ؟
4. ما رأي الحزب في الموقف الحاضر، وما موقفه من الاحزاب؟

فأجاب عليها بما يلي:
1- الدافع هو شعورنا بالضرورة التاريخية، فالمجتمع العربي يقف اليوم على مفترق الطرق. وهو اما ان يستمر في الطريق الذي يسيّره فيه قادة السياسة الحاضرة، الذين يرضون بالواقع الفاسد فيستكثرون على البلاد هذا التقدم الضئيل وهذه النتائج الطفيفة التي انتهت اليها سياستهم في أربعين سنة، ويحكمون هكذا على الأمة بأن تبقى متأخرة مهملة الوزن في العالم، واما ان يوقف العرب هذا التدهور بنتيجة تحول عنيف، واستجماع للإرادة، ووعي الإمكانيات الحقيقية الكامنة، فيسيروا في طريق جديد صاعد، يستمدّ قيمه وأحكامه وغايته من خصال العربي الاصيل، ومبادئ الرسالة العربية المتعالية على الواقع ونسبية أحكامه.

هذا الطريق الجديد يقتضي ظهور قيادة جديدة تمثل جوهر الشعب لا ظاهره، ومستقبله لا حاضره.

إننا نؤمن بنبل شعبنا وطيب عنصره وغنى مؤهلاته، وبأنه قادر على تحقيق نهضة عربية جديدة تكون مثالاً في الخلق الكريم والحيوية الدافقة والتقدم السليم اذا تولت أمره قيادة صالحة تكسب ثقته وحبه واحترامه، وتبعث فيه حماسته الدفينة ومواهبه الراقدة. ونحن لذلك نحمّل تبعات الفساد الحاضر للفئات التي كانت للشعب أسوأ قدوة، ولايمانه ومواهبه وأخلاقه عامل إضعاف وتهديم.

وبهذا المعنى يكون حزبنا حزب الجيل العربي الجديد، الزاخر بالأمل والنشاط، والمتطلع الى مستقبل خليق بماضي أمته المجيد، وبحاضر الأمم القوية الراقية، والذي يريد ان تكون السياسة العربية رسالة لا حرفة.

2- لقد أخرجنا الفكرة العربية من التجريد ووضعناها في إطارها الحي، لذلك سمينا حزبنا "البعث العربي"، لا البعث القومي.

وهكذا ضمنا لهذه الفكرة تطوراً وتجدداً لا حد لهما. ولكن وقيناها من ان تكون مقراً لتباين النظريات ومتناقض الإتجاهات وكل ما هو مصطنع مستعار، فالشخصية العربية أساس البعث العربي، والايمان برسالة خالدة للعرب هو الدافع العميق لكل بعث.

أما التعبير الإجتماعي لهذا الاتجاه فقد كتبنا، قديما، "نمثل التاريخ العربي الحي ضد الرجعية الميتة والتقدم المصطنع".

وأما التعبير الإقتصادي، فهو كما جاء في المبادئ "الإشتراكية العربية تستمد من روح الأمة العربية وحاجاتها العميقة وأخلاقها الأصيلة، وتزود أكبر عدد ممكن من أفراد الشعب العربي بكل الوسائل والفرص ليستطيعوا تحقيق عروبتهم على أكمل صورة".

والتعبير السياسي "قادة الشعب العربي هم الذين تتمثل فيهم عبقريته وفضائله ويخرجون من صفوفه، لا من الطبقة المستغلة التي اختلطت بالاجانب وطغت عليها المصلحة الشخصية".

والتعبير العملي "تحقيق انقلاب شامل للحياة العربية الحديثة في الروح والفكر والخلق والأوضاع الإجتماعية، وذلك بتنظيم صف نضالي يلتزم خطة المعارضة للواقع الفاسد".

وما يميز نظرية البعث العربي انها لم تفرق بين الفكرة والاسلوب، او بين الغاية والوسيلة. فالفكر والغايات عامة مشاعة، يستطيع أي فرد أو أي حزب أن يدّعيها، ولكن الضامن الوحيد لهذا الإدعاء هو ان تكون الوسائل والأساليب مشتقة من صلب الفكرة مع الغاية. فاشتراطنا ان تكون القيادة القومية من طبقة الشعب ومن غير الدخلاء والشعوبيين، وان تكون الحركة القومية شعبية اشتراكية، تفرض على العاملين فيها المساهمة بقدر معلوم من المال متناسب مع ثروتهم وإيرادهم، وان يبرهن العاملون في هذه الحركة على صدق اعتناقهم لفكرة الإنقلاب بالتزام خطة المعارضة والابتعاد عن الحكم زمنا طويلاً. كل ذلك ينقذ الحركة القومية من ان تتلاعب بها مختلف الأيدي ويتبناها أقل الناس تلاؤماً معها وإخلاصاً لها، فتحدد هكذا تحديدأ يُبعد عنها الدخلاء والمستغلين والضعفاء والعجولين، ويحصرها بأهلها والذين هُيّئوا بحكم تربيتهم وشروطهم الإجتماعية والإقتصادية للنضال، وبلغوا من الوعي درجة تؤهلهم لفهم ضرورة الإنقلاب، والعمل الصادق المستمر في سبيله.

3- نعتقد اننا نجحنا الى حد بعيد في ابراز الفكرة العربية وتحديدها وتوضيحها حتى اصبحت ايمانا عميقا في نفوس الكثيرين من شباب الجيل الجديد. كما أن لنشرات الحزب ومواقفه العملية المتكررة اثراً لا ينكر في تكوين رأي عام عربي قائم على تقديس الفكر ومحاربة السحر والجهل والتدجيل والطغيان. وحزبنا العصامي الناشئ لا نرضى له نمواً سريعاً مصطنعاً بل نمواً حياً طبيعياً ليستطيع الصمود أمام مختلف الظروف.

4- لقد أعلنا رأينا في الوقت الحاضر في بياننا الأخير الذي صادرته الحكومة، وقد قلنا ان الحل الوحيد هو تطبيق الحكم الدستوري الصحيح، مع العلم بأن هذا المطلب ليس امراً سهلاً يتحقق بمجرد الرغبة والوعود بل يقتضي من الشعب مقاومة ايجابية منظمة تجبر الفئة الحاكمة على الإذعان للدستور.

أما موقفنا من الأحزاب، فنحن لا نرفض فكرة التعاون معها، ولكننا نقيدها بجملة تحفظات وشروط تجعل مجال تطبيقها محصوراً في نطاق بعض الأحزاب دون البعض الآخر، ومقتصراً على بعض الحالات العامة التي يكون فيها التعاون ضرورة قومية. وتفصيل ذلك اننا نخرج من نطاق التعاون الأحزاب التي تقوم في أساس تشكيلها على ارتباط أجنبي وعلى فكرة مخالفة للقومية العربية.

أما الأحزاب الأخرى فإننا نحكم عليها بمقياس حكمنا على الدور الحاضر. فمن المعروف اننا معارضون لهذا الدور منذ ابتدائه. إذن فلا نقبل بالتعاون مع الأحزاب التي تماثل المجموعة القائمة على هذا الدور او تفوقها في التهاون بالمبادئ والاهداف الوطنية، وفي سياسة الإنتفاع. ونحن نرمي من وراء هذا الموقف الى غايتين: الاولى هي الارتفاع بالتربية القومية بالترفع عن سياسة الاحقاد الشخصية والتنافس على الجاه والمنافع الذي يبلغ حد التضحية بالمصلحة القومية والإستعانة بالاجنبي على الخصوم من أبناء الوطن. والثانية هي إيجاد الوسيلة الصحيحة لإنقاذ البلاد من محترفي السياسة الذين يتلاعبون بمصالح الوطن. وفي اعتقادنا ان الكذب لا يحارب بالكذب، والنفعية بنفعية مثلها، والوطنية الضعيفة بالخيانة اوما يشبهها، ويؤسفنا ان نرى كثيرين لا يزالون يتجاهلون هذه الحقيقة او يقصرون عن إدراكها.

16 أيلول 1945.
(1) تصريح لجريدة "النضال" الدمشقية في 16 ايلول 1945 حول مبادئ الحزب وبرامجه ومواقفه.
 





السبت ١٥ جمادي الثانية ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / نيســان / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة