شبكة ذي قار
عـاجـل










أن خط الدفاع لأي دولة لا يبدأ من خارج حدودها السيادية .. وأي مفهوم من هذا القبيل يعني أن الدولة تتبنى مفهوم ( المجال الحيوي ) .. وهذا المجال يقع في خارج حدودها المعترف بها قانونياً وسيادياً .. ومن الصعب تقبله في القانون الدولي ولأي اعتبارات أو مقاصد تتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة .. وهنالك شواهد في التاريخ : هتلر تبنى المجال الحيوي واعتبر حدود ألمانيا الدفاعية تبدأ في خارجها .. فأين أصبحت النازية وكيف أمست ألمانيا .. وكذا الأمر بشأن شوفينية موسليني، والحال ينطبق على نابوليون بونابرت، الذي اجتاح أوربا وكان مصيره التقهقر والأنكسار ؟

- كما أن الأمتدادات الدينية لا تعني ولا ترتب، في القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة حقوقاً مكتسبة .. وإلا فأن دول العالم كلها ستتمزق نظراً لوجود أقليات دينية ومذهبية واثنية تقطن فيها منذ ألآف السنين .. مثلاً : في فرنسا الآن، أكثر من خمسة ملآيين مسلم .. فهل يسوغ هذا الواقع للدول الأسلامية أو إحداها أن تعتبر أن وجود مسلمين على الأراضي الفرنسية ( إمتداداً لها ) وتخولها فرض نفوذها على الدولة الفرنسية ؟!، وما ينطبق على فرنسا ينسحب على بقية الدول ومنها على وجه التحديد أمريكا وإيران ومجتمعهما المتعدد.!!

- أما الأقليات القومية والجماعات التي تقطن في بلدان أخرى أو مجاورة، فهي الأخرى لا يرتب وضعها وصاية تسوغ التدخل والتمدد تحت أغطيتها بما يخرق سيادة الدول واستقلالها الوطني، كما أنه من الصعب اعتبار فعل الوصاية من هذا النوع مكفولاً من لدن القانون الدولي .. لأن الأقليات القومية والدينية والمذهبية موجودة في معظم بلدان العالم، فلو أطلق إقرار الوصاية على الأقليات القومية والدينية والمذهبية لباتت دول العالم في معظمها تعلن وصايتها وتمارس التدخل بشتى الأغطية بما فيها القوة العسكرية .. عندها تعج الفوضى ويختل الأمن الأقليمي ويتزعزع الأستقرار الدولي .. فيما ينتهي فعل القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة .. فامريكا على سبيل المثال يتشكل مجتمعها من خليط هائل من الأعراق والأديان ، فهل يسوغ واقعها الراهن لدولها الأم ، أوربا وأفريقيا وآسيا والهند الصينية والبلدان العربية وغيرها من مناطق العالم وصايتها عليها وتسمح بتدخلها والتمدد بالضد من حدود السيادة الأمريكية.؟!

مفهوم المجال الحيوي يصطدم مع العرف، كما يصطدم مع القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة في اطار النظام الدولي:

- هناك كما نرى قانون دولي .. وهناك نظام دولي .. أجمعت عليهما كل دول العالم لتنظيم العلاقات الدولية منذ تأسيس عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة .

- القانون الدولي غاب منذ ان سقط الأتحاد السوفياتي .. وبغيابه أختل النظام الدولي ولم يعد قدراً على ضبط حركة العلاقات الدولية في إطار هذا النظام .

- النظام الدولي الأحادي تعمد الأستفراد في قرار الحرب والسلم الدوليين .. فأجهض مطالبات الدول والشعوب بحقوقها .. الأمر الذي جعل صانع القرار في هذا النظام لا يعير لضرورة إحياء القانون الدولي وقواعده النافذة ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة أي اهتمام .

- والمعروف .. أن نظام القطبية الأحادية مهما استفرد لن ينجح .. لأن إستفراده مؤسس بالضد من إرادة الأقطاب الأخرى .. والنجاح ايضاً لا يكمن في القطبية الثنائية .. أما القطبية المتعددة الأطراف فهي كفيلة بإحلال الأمن والسلم الدوليين .. ومنع الحروب، وتحريم الأحتلال من أي نوع .

- نظام القطبية الأحادية .. حطم التوازنات الأقليمية في مناطق مختلفة من العالم، ومنها على وجه التحديد، منطقة الشرق الأوسط .. والتي هي قلب العالم جيو- إستراتيجياً.

- الأختلال في التوازن الدولي .. ثم الأقليمي، قد ولد انهيارات في توازنات القوى وتوازنات المصالح، اللذان أديا الى اضطرابات، كما نتج عنهما ( فراغات أمن ) في ساحات اقليمية تمتد باختلاف شدتها من أقصى العمق الأفريقي إلى اقصى العمق الآسيوي .. وقد جاءت هذه الفراغات نتيجة لتدمير عناصر القوة في هذه الساحات .

- الدول الأقليمية، في ظل هذا الزلزال باتت متحفزة في صيغة ( دفاع ) وفي صيغة ( هجوم ) .. والغريب في الأمر أن اختلطت مفاهيم الدفاع بمفاهيم الهجوم ، لدى الكثيرين .. وهنا فأن المسألة من الناحية الفلسفة السياسية لا تعدو ان تكون غير تغليف لدوافع السياسة الخارجية للدول الأقليمية .. هذه الدوافع لا تستمر في تعاطيها مع الموقف ولا مع معطياته .. لأن محفزات ردود الافعال لا تسمح بذلك، وخاصة مساعي الوصول الى الأهداف المرسومة سلفاً .

- تركيا دولة اقليمية كبيرة .. وقادرة على الفعل الأستراتيجي .. لأن عمقها غربي- اطلسي فضلاً عن امتلاكها قدرات وإمكانات لآعب اقليمي .. لأنها تمتلك عناصر الحركة كما أنها تمتلك مؤثرات العمق الأستراتيجي .. وهي خطوط النفط والغاز والمياه .. ولا أحد يضاهيها في ذلك .. وإنها تعير إهتماماً كبيراً لأمنها القومي ولمصالحها الحيوية على وفق حسابات لا تسمح بالأختلالات المتعمدة في توازنات القوى في المنطقة، مهما كانت دوافعها .. وخاصة التي تمس أمنها القومي وخطوط عمقها الأستراتيجي الذي حددته السياسة الخارجية التركية، ليس على أساس التمدد إنما على اساس الدفاع .. ولا تستثنى دوافع ( العثمنة ) الخارجية .

- ايران، دولة اقليمية كبيرة وقادرة على الفعل .. والمشكل في أمر هذا الفعل أن حساباته لا تقاس على أساس حسابات الفعل التركي أو أي دولة اقليمية أخرى .. لأن أي فعل ينبغي أن يرتبط بالقدرات والأمكانات .. فإذا كانت القدرات محدودة والأمكانات ضعيفة في منظور واقع الأنتاج القومي الأجمالي وحساباته الدقيقة ، فأن الفعل وزخمه لا يدوم وينكفئ . لأن الموارد لا تتناسب مع حجم الأهداف المرسومة من جهة، وان محيط الفعل الاستراتيجي هو الاخر في المقابل متحفز دفاعي للرد بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، وهو قادر على ذلك .. الطموح الإيراني كبير وواسع في محيط كبير يستطيع ان يمتص اي فعل ويرد عليه .. على العكس من الواقع الإيراني الذي يعاني من هشاشة العمق، ابتداءاً من المكون الأجتماعي إلى الموارد الشحيحة وهياكل الأقتصاد المتآكلة .. حيث يدخل هذا الواقع في حقل القدرات والأمكانات وكذلك المنهج .. !!

- الأهداف التي ترسمها الدول .. ينبغي أن تكون ممكنة، وتتناسب مع القدرات والأمكانات .. وخلاف ذلك فأن واقع الفعل لن يصل الى نتيجة سوى الفشل المروع .. فضلاً عن أن تبرير الوصول الى الأهداف، لأي دولة ، يشترط أن تكون الأهداف واضحة وممكنة ومعقولة في ضوء واقع العلاقات الدولية والنظام الدولي القائم على المساواة في السيادة بغض النظر عن حجوم الدول وقوتها .

- إن طموح الدول لا يبنى على أساس عدم ملائمة ( الأهداف مع الوسائل ) .. فالوسائل المشروعة ينبغي أن تتلائم مع الأهداف المشروعة، لكي تنال الأستحسان وتدخل مجال تنمية المصالح المتبادلة والمشتركة .. فإذا كانت الأهداف تصطدم وتتصادم، والوسائل تصطدم وتتصادم .. فهذا يعني لا مجال للملائمة بين الأهداف والوسائل، ليس في نظر الدولة ذاتها، إنما في نظر الدول الأخرى .. لأن أي دولة لا تعيش بمفردها إنما مع غيرها .. ويجب أن يكون التعايش سلمياً لكي تتمكن الدولة وغيرها من إرساء دعائم التنمية والأمن والأستقرار.

- الأتراك ليسوا وحدهم في ساحة تتزاحم فيها مصالح العالم .. والأيرانيون ليسوا وحدهم في ساحة تتشابك فيها مصالح العالم .. وخاصة ( خطوط النفط + خطوط الغاز+ أنابيب المياه ) .. فأن أي دولة اقليمية تضخم طموحاتها على أساس الواقع وحساباته وقواه وامكاناته وقدراته، فأن مثل هذه الطموحات لن تنل النجاح على الأمد حتى المتوسط، في ظل الأختلال الكائن بين القدرات والأمكانات وضخامة الأهداف من جهة، واصطدام مثل هذه الطموحات مع القوانين والتشريعات التي يقرها النظام والتنظيم الدولي .. فيما لا يلبث إختلال ميزان القوى أن يعود ثانية بفعل قانون ( التحدي والأستجابة ) .. فلو تُرِكَتْ طموحات الدول جميعها تأخذ طريقها إلى التنفيذ دونما رقيب أو حسيب لتوقف بعضها عند شرعية القانون الدولي ودخل دائرة القانون، لكونه يتعارض مع ما أقره نظام العلاقات الدولية وقواعد القانون الدولي من جهة أخرى .

- هنالك قواعد يتعذر على القوى الاقليمية خرقها، مهما كانت المسوغات والتبريرات، ومهما رسمت هذه القوى من سياسات واستراتيجيات لخرق تلك القواعد .. لأن مفاتيح هذه القواعد لدى الشعوب، التي يحكمها قانون التحدي والأستجابة .

- الكيان الصهيوني يعمل بصمت .. وهو يدرك النقص الجيوبوليتيكي في عمقه الدفاعي الذي تعاني منه الجغرافيا - السياسية الفلسطينية .. وعلى هذا الأساس فقد حَيَدَ ما يسميه الخط الدفاعي الاول، من وجهة نظر ( نظرية الأمن الإسرائيلية ) .. وضرب الخط الدفاعي الثاني في المنطقة، وأشاع، من ثم، الفوضى الخلاقة .. أما التمدد الإيراني في هذا الواقع فقد ولد ترددات اكثر شراسة قد تدفع باتجاه فرض التوازن عن طريق القوة لأن العمق ما يزال يمتلك زخماً قوياً للرد على أي انتهاكات من شأنها ان تخل بهذا التوازنات من جديد، وبدافع العودة الى ضرورة التوازن الأقليمي على قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام خيارات الآخر وتبادل المنافع والمصالح ونبذ العنف والعنف المضاد من خلال القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة .. وعلى هذا جاء رد ( عاصفة الحزم ) ليعيد، ليس التوازن الذي اختل في اليمن وباب المندب، إنما التوازن الواقعي والحقيقي الذي يستند إليه الأمن القومي العربي .. لأن أمن الخليج العربي وأمن المشرق العربي وأمن المغرب العربي وحدة واحدة لا تتجزأ .!!

- الدول الأقليمية وغيرها ينبغي أن تحرص على مصالحها المشروعة وهي لا تغامر من أجل مصالح غيرها وتعرض أمنها ومصالحها إلى الخطر .. هذه قاعدة عامة في الفلسفة السياسية .. ففي ضوء حقائق التاريخ وحقائق الجغرافيا السياسية .. فأن أحكام الفعل الايراني وأحكام الفعل التركي والاسرائيلي والامريكي، كلها مشدودة إلى المنطقة دون غيرها، وكل يريد ان يصنع له نفوذ في منطقة ليس من السهل ترويضها بسياسة البلدوزرات .. سياسة البلدوزرات هذه لا تنفع، لأنها تخلق واقعاً مضاداً أكثر شراسة يأخذ طريقه المضاد في شكل ترددات قد تكون بالوسائل ذاتها تضرب في العمق ولا أحد يتكهن بنتائجها .. والعكس هو ضرورة إقرار دعائم السلم الأجتماعي .. الذي يؤسس الأمن والأستقرار .. الذي يكرس بدوره التنمية في بناء علاقات قائمة على التفهم المشترك والمنافع المشتركة .. وعدا ذلك فأن النيران ستلتهم الجميع بدون استثناء، سواء كانوا في موقع الدفاع أو موضع الهجوم على حدٍ سواء .. والتمدد الإيراني الذي تجاوز حقائق الواقع الجيو- بوليتيكي قد تورط في مأزق يكاد أن يسمع وقعه المروع، ليس في خارج إيران فحسب، إنما في داخلها .. الأمر الذي يستوجب أن يأخذ صناع القرار في العالم بضرورة تغيير السلوك السياسي الخارجي الإيراني، أو إرغام صانع القرار الإيراني، على أقل تقدير، بقبول التعايش على أساس الأمر الواقع الذي يؤكد الأنسحاب الإيراني من المحيط العربي بدون شروط .!!






الخميس ٢٧ جمادي الثانية ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / نيســان / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة