شبكة ذي قار
عـاجـل










المدخل:

الفعل الأستراتيجي للدولة قد لا يأتي دفعة واحدة وخاصة إذا كان يقتضي خطوات تمهيدية تنضج الفعل لمراحله اللآحقة .. فحين ضربت أمريكا العراق، دمرت أحد أهم أعمدة نظام توازن القوى في المنطقة .. وبإحتلالها العراق خلقت أمريكا فراغاً في أسس الأمن الوطني بحل الجيش ومؤسسات الأمن الوطنية .. ثم شرعت ،في ما بعد، بإحداث ( فراغات الأمن ) وقامت بتوسيعها، شملت عدداً من الساحات العربية ( تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن ) اطلقت عليها ( الربيع العربي ) ، ووضعت باقي الساحات العربية على أعتاب تحولات، ريثما تنضج ظروف التغييرفيها لأعتبارات تدخل في صلب مخططها العام وهو تغيير الجغرافيا- السياسية للمنطقة على اساس التقسيم والتفتيت دون أن تستثني أحداً، ثم أنشأت عمليات سياسية وهي في حقيقتها ( فراغات سياسية ) غرضها الصراع السياسي والأمني الذي لا ينتهي في كل ساحة .!!

ولما كانت امريكا تفتقر الى الادوات الكفيلة بتنفيذ مخططات التغيير الجيو- إستراتيجية للمنطقة، فقد وجدت في الطائفية الفارسية الأداة التي تنفذ اهداف مخططاتها.. وذلك منذ أن وجدت ( الأسلام السياسي ) الأداة المهمة التي مكنتها من طرد جيوش الأتحاد السوفياتي من أفغانستان، إعتقادًا منها بأنها يمكن أن تستثمرها في فرض معادلة التغيير في المنطقة .. وهذه التجربة التي نجحت في افغانستان، ليس على أساس الحرب النظامية إنما على أساس حروب المليشيات التي تعتمد على ( الحشد المؤدلج المسلح ) ، وهو تجميع عناصر الأسلام السياسي صوب أهداف معينة .. أما الحشد الفارسي فهو حشد كائن في مجتمعه ويقاد من قبل الحرس الثوري والأستخبارات الإيرانية، الأمر الذي تدعمه أمريكا عن طريق سياسة التوافق الأستراتيجي بين أمريكا وإيران لمحاربة ثورة الشعب العراقي ضد الاحتلال بشكليه الأمريكي والأيراني.. والدليل العملي هو تقاسم مخطط إدارة الصراع في العراق ( أمريكا وتحافها الذي يضرب ثوار العراق من الجو، وإيران تضرب الثوار على الأرض بواسطة الحشد الطائفي الفارسي ) .

التحديات والمخاطر التي حددتها نظرية الأمن القومي العربي :

لو راجعنا ملفات جامعة الدول العربية وقرارات اجتماعات وزراء خارجيتها ومقررات قممها منذ عام 1945 ولحد تدهور أوضاعها ومن ثم عجزها التام بصورة متعمدة وشللها وحزمة العصي التي وضعت بين ألياتها لكي تمنعها عن اداء دورها حتى في حدوده الدنيا , لوجدنا ما خلصت إليه الأبحاث العربية التي شخصت الأخطار التي تواجه الأمة العربية ومصادرها وحجمها وتأثيرها الوشيك أو المحتمل، فضلاً عن أكداس هائلة من البحوث والدراسات التي تناولت الأمن القومي العربي بكل عناصره وترابطه الجيوبوليتيكي ( السياسي الجغرافي ) الذي يربط بين الأقطار العربية على أساس العمق في الدفاع أو الدفاع في العمق بغض النظر عن النظم السياسية القائمة، سواء كانت ملكية برلمانية أم جمهورية أم رئاسية أو أميرية .. لأن واقع الأقطار العربية جميعها محكوم بالدفاع المشترك على أرض الواقع وهذا ما تؤكده نظرية الأمن القومي العربي - والراهن يكشف بالدليل القاطع صحة هذه النظرية ، فقد تدخلت المملكة العربية السعودية في الوقت المناسب سابقاً وأنقذت البحرين من براثن التدخل الإيراني الصفوي .. كما تدخل المملكة في الوقت الحساس جداً وانقذت اليمن من براثن التدخل الإيراني الفارسي .. وقبل ذلك أدرك الملك الراحل حسين بن طلال ملك الأردن أهمية عمق العراق الأستراتيجي في الحرب العدوانية التي شنتها إيران الصفوية على العراق والتي استمرت ثمان سنوات بتعنت فارسي متغطرس - .

لقد شخصت نظرية الأمن القومي العربي وحددت المخاطر والتحديات الخارجية، شأنها شأن معظم نظريات الأمن في العالم، كالأمن القومي الأمريكي والروسي والفرنسي والصيني ..إلخ ، كل هذه النظريات قد اخذت بنظر الأعتبار حقائق وجود الدولة الجيو- أستراتيجي حيال محيطها القريب والعيد ووضعت لها خطط الدفاع لتأمين خطوط حماية لوجودها القومي وحدود أمن مجتمعها وحدود مصالحها الحيوية ، فيما يعد أمنها الداخلي ( الأمن الأجتماعي والأمن الأقتصادي والأمن الصناعي والمائي والبيئي والمعلوماتي..إلخ ) من المهام المنوطة بخطط الدفاع الخارجية .. فالأمن الداخلي والأمن الخارجي يشكلان خطاً دفاعياً واحداً .

فلآئحة الأمن القومي العربي في كل دولة تمثل وحدة أمنية واحدة لا تتجزء وهي متداخلة مع بعضها البعض. وما يشخص على المستوى القطري ينسحب على المستوى القومي العربي.. فأمن مصر القومي له مجاله الحيوي الدفاعي يمتد صوب الجزيرة والخليج العربي كما يمتد نحو بلاد الشام .. وهذه السمة الأستراتيجية لآزمت الدولة المصرية منذ الأزمنة الغابرة بغض النظر عن النظم السياسية التي تعاقبت على الحكم في مصر .. فسوريا تعتبر عمقاً إستراتيجياً لمصر حيال التهديدات والمخاطر الخارجية وكذا الخليج العربي ووادي النيل والشمال الأفريقي العربي .. فيما تشكل المملكة العربية السعودية عمقاً جيو- إستراتيجياً لكافة اقطار الخليج العربي وهي أحد أهم أعمدة ميزان تعادل القوى الأقليمية في المنطقة :

- فعمق الأردن الدفاعي الجيو- أستراتيجي هو العراق حيال خطر الدولة الفارسية .. والعكس صحيح تماماً .

- وعمق سوريا الدفاعي الجيو- أستراتيجي هو العراق حيال خطر الدولة الفارسية .. والعكس صحيح أيضا.

- وعمق السعودية الدفاعي الجيو- إستراتيجي هو العراق حيال خطر الدولة الفارسية .. والعكس تماماً صحيح .

- وعمق دول الخليج العربي الدفاعي الجيو- إستراتيجي هو العراق حيال خطر الدولة الفارسية .. والعكس صحيح تماماً .

- وعمق السعودية الدفاعي الجيو- إستراتيجي هو أقطار الخليج العربي حيال خطر الدولة الفارسية .. والعكس صحيح تماماً .

- فيما تشكل مصر عمقاً دفاعياً جيو- استراتيجياً لدول الجزيرة والمشرق والخليج العربي .. والعكس صحيح ايضا.

والغرض من هذا التوضيح المبسط هو اظهار الترابط الجيو- استراتيجي القائم بين الأقطار العربية على اساس وحدة منظومة الأمن القومي العربي المتكاملة ازاء المخاطر الخارجية التي تتعرض لها سواء كانت من الشرق ( إيران ) أو من شمال شرق الوطن العربي ( تركيا ) أو من الغرب ( اسرائيل ) أو أي مخاطر اجنبية يمكن ان تهدد أي جزء من اجزاء الوطن العربي .. وعلى اساس هذا المفهوم ، هنالك تكافل دفاعي مشترك إذا ما تعرض أي قطر عربي إلى خطر خارجي يستدعي الرد الدفاعي العربي المشترك .

إن تجزءة الأمن القومي العربي حيال خطر الدولة الفارسية الداهم، وإزاء خطر الكيان الصهيوني المؤجل، وحيال خطر الدولة التركية المحتمل ، كـ ( أمن الخليج العربي، وأمن المشرق العربي، وأمن المغرب العربي ) ، ليس صحيحاً، لأن هذه التسميات من شأنها أن تضعف الترابط الموضوعي بين عناصر الأمن القومي العربي التي لا تتجزء، وذلك بحكم حقائق الواقع الجغرافي وحقائق الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي فضلاً عن الحقائق التي تفرضها مقومات الهوية القومية العربية والتاريخ المشترك والدين واللغة والمصلحة العربية العليا.

فالمخاطر الخارجية التي شخصها الأمن القومي العربي لا تعني قطراً عربياً واحداً، الأمر الذي يشترط النهوض بجهود الأمن القومي العربي المشترك لدرئ الأخطار التي تتعرض لها كافة الأقطار العربية ومنع تفاقمها واتساعها، وذلك بوضع الخطط الدفاعية المشتركة لكافة المخاطر الداهمة والوشيكة والمؤجلة والمحتملة الصادرة عن القوى الأقليمية والدولية التي لها مطامعها وتوجهاتها في التمدد والتوسع على حساب الأمن القومي العربي .

النظام العربي الرسمي :

حاولت القوى الخارجية المعادية للأمة العربية أن تغَيِبَ النظام العربي الرسمي عن طريق ( التفسيخ ) .. والتفسيخ، ليس بعوامل الخرق الخارجي فحسب، إنما بعوامل داخلية تستهدف توسيع الثغرات واستغلال الأخطاء واستثمار السلوك السلطوي القمعي والضاغط .. حيث تجد عوامل التفسيخ الخارجية بيئة داخلية تساعدها على التخريب والتدمير ومن ثم تكريس العجز.. ومن هذا يتضح ان النظام العربي الرسمي خلال العقود المنصرمة، وخاصة منذ عام 1967 و 1973 و عام 1991 و 2003 ، حتى بداية عام 2015 ، قد اصابه العجز والشلل تدريجياً وفقد قدراته ولم يكترث لأتفاقاته ومعاهداته في الدفاع، ولم يتوانى عن الركون لحالة الأستسلام لفخاخ عوامل ( اللآحرب و اللآسلم ) التي فرضت عليه نتيجة انسياقه وراء ضباب مسيرات السلام المخادعة في كامب ديفيد وأوسلو و واي ريفر..إلخ طيلة عقود لم يدرك صناع القرار في النظام العربي الرسمي أنهم مدفوعون الى الضياع والعجز والتفسخ، وان مرحلة تحولات كبرى تستهدف قلب واقع الأمة العربية عاليها سافلها بأدوات إيرانية فارسية .. على الرغم من الوضوح الكامل للمخططات التي تضمنتها المشاريع التي تحيط بالنظام العربي الرسمي ممثلة بـ ( المشروع الفارسي و المشروع الصهيوني و والمشروع العثماني و الحاضنة الأم مشروع الشرق الأوسط الكبير ) .. والمشكل أن صانع القرار العربي ظل يصغي لحلول الخارج ولم يصغِ لصوت الشعب العربي .!!

وربما ، وبعد عاصفة الحزم الرائدة ، ما يزال ( باراك أوباما ) يأمل في أن يصغي صناع القرار العرب لهمسه ونصائحه ووعوده وتعهداته المبهمة التي تعتبر فخاخاً ينصبها على الطريق لحين الأنتهاء من إنشاء قاعدة لنظام الأمن الأقليمي تأخذ إيران نفوذها القوي المتسلط، حتى على مخادع نوم العرب ومقاعد اطفالهم في المدارس.!!

عاصفة الحزم شقت طريقها الصحيح نحو يقظة عربية ترفض الذل والضيم والأستكانة والمهانة، ليس في اليمن فحسب، إنما في سوريا والعراق ولبنان والبحرين ومصر والسودان والكويت وكافة دول المغرب العربي .. وما عليها إلا أن تبني لها إستراتيجية عسكرية وأمنية عربية مشتركة تقوم على سياسة مشتركة جامعة مانعة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً تتشكل في كيانات عربية قومية قادرة على أن تتحدث بصوت كتلوي واحد يقوم على أساس الدفاع عن الهوية القومية العربية اولاً، والدفاع عن القيم العربية - الأسلامية الحقة ثانياً، والدفاع عن مصالح كافة الأقطار العربية عن طريق التنسيق والتكافل المشترك ثالثاً، والدفاع عن المصلحة العربية العليا التي يحددها إجماع القادة العرب في ضوء الواقع الموضوعي لكافة الأقطار العربية بغض النظر عن طبيعة النظم السياسية الحاكمة رابعاً .

اليقظة القومية التي فجرتها ( عاصفة الحزم ) ينبغي أن تأخذ مداها الوطني والقومي على طريق الدفاع والتحرير والتنمية التي تتأسس هي الأخرى على قاعدة العدالة والأنصاف والمساواة وضمان الحقوق وسد الثغرات التي يتسلل منها أعداء الأمة، وعلى طريق الأنفتاح والتسامح والتعاون الملتزم بالثوابت الوطنية والقومية.

الهوية القومية هي الأساس الذي يجب أن يسود على قاعدة عدم التمييز وإحقاق الحقوق .. والوطنية هي الأساس الذي يجمع ولا يفرق يوحد ولا يفكك يبني الأوطان ولا يهدم الأوطان .. أما المذاهب والتمذهب والتخندق خلفها سياسياً فهي التي تفرق وتدفع إلى التناحر والتنابذ والأقتتال والتدمير إذا ما تم تسييسها واستثمارها كأداة من أدوات السياسة .

الأمن القومي العربي يجب أن يحظى بالأولوية في المرحلة الراهنة لمجابهة مشاريع الخارج وفي مقدمتها المشروع الفارسي الصفوي الذي يجب وقف تمدده واقتلاع آثاره من مواقعه في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين.. وأين ما وجدت خلايا فارسية مجوسية نائمة.. وهذه الأولوية هي مهمة تاريخية يتحملها القادة العرب كما يتحملها شعبنا العربي على امتداد وطننا الكبير.!!






الاحد ٧ رجــب ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / نيســان / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة