شبكة ذي قار
عـاجـل










إلى جانب المفاجآت الصادمة التي يخرج بها علينا وزير الصحة اللبناني، يوماً بعد يوم على صعيد ما هو مطابق وغير مطابق من المواد الغذائية الموجودة في المحلات الكبرى والمستودعات ، فإن ما سبق وكشف عنه قبل اشهر عن مستودعات السكر المغشوش غير الصالح للاستعمال المكتشف داخل أحد اهراءات مرفأ طرابلس ، قد يكون هو الأخطر على سلم أوليات هذه "الاكتشافات" خاصة لنواحي ما أثاره من ريبة حول كيفية إدخال هذه الكميات الكبيرة من السكر، إلى داخل البلاد ولم يكن قد مر على ذلك سوى فترة زمنية قصيرة، تخللتها عمليات شحن متواصلة إلى أماكن مختلفة من طرابلس والشمال ومنها أيضاً إلى سائر المناطق اللبنانية،

والى جانب التصريحات الرسمية الفضائحية الأخرى التي صار وزير الاقتصاد اللبناني بدوره متخصصاً جيداً بها، لينفي بدوره ما يقوله وزير الصحة بداعي الحرص على الاقتصاد اللبناني،

فإنه على ما يبدو قد توقف عن تصدير مثل تلك التصريحات وتراجع بالتالي عن كل ما سبق وكشف عنه مسبقاً من ملفات فضائحية تقبع في إدراج وزارته وهو الذي حددها بما لا يقل عن المائة والخمسين ملف، وكأن "شهرزاد" الوزيرين قد توقفت عن الكلام، أم أن في الأمر لفلفة ما ومهادنة متفق عليهما فآثر التوقف عن التراشق الإعلامي بما في ذلك التستر عن المخالفين أيضاً الذين لم نسمع مطلقاً بأن الوزارتين قد أقدمتا على تسمية أحد منهم، ليشار إليه بالبنان، مكتفة بتجهيل الفاعل وتفعيل ما هو مجهول من أفعال.

إلى جانب الوزيرين المذكورين آنفاً، يطلع علينا وزير المال، بواحد من أخطر ما يدلي به من تصاريح في هذه الآونة، ليتحدث عن وقائع فضائحية متمثلة بضبط مواد صناعية تحتوي على إشعاعات خطيرة تشكل تسمماً بطيئاً للبنانيين بعد أن أصبح لبنان كما قال معاليه "مكباً للنفايات السامة والإشعاعات" مضيفاً: "أن جمارك المطار ضبطت إدخال أدوات منزلية تحوي نسب إشعاعات ملوثة وهي محظورة من الدخول وخطيرة على صحة الناس، وأن بعض هذه المواد استقدمت من الهند وهي عبارة عن صناديق تحتوي أدوات مطبخية من شُوك وسكاكين وملاعق، كلها مصنعة بمواد مسرطنة تحمل إشعاعات مسرطنة تبقى لمدة خمسة وثمانين عاماً حيث لا يمكن أن تتحلل خلال أيام وأشهر وسنين".

طبعاً، دون أن تغفل ماتم الكشف عنه أيضاً من عمليات تهريب مخدرات سبق وأن تم الإعلان عنها، لعل أهم ماتم التعليق الرسمي على كل ذلك، بالتشديد على اكتشاف حالات التواطؤ... الرسمية" التي تقف وراء كل ذلك، حيث أن الوزير المعني بالمالية العامة للبلاد أكد أن لا حصانة لمسؤول يتأكد تورطه في كل ذلك.

كلام الوزير الأخير الذي يحمل كل عوامل التطابق والتكامل مع كلام الوزيرين السابقين، والذي ينبئ بأنه لا يمكن له أن يجبَّ ما سبقه من تصريحات مخيفة أخرى،

فإن في كل ما يحمله كلام الوزراء المجتمعين من أخطار محدقة بصحة اللبنانيين، لا يكمن بما صار بشكل كالسيل الجارف الذي ينهطل يومياً على أعصابهم وحسب، وإنما بكل ما استتبع تلك التصريحات الخطيرة، بعد ذلك من صمت مشبوه وسكوت مطبق وكأن ما حصل لم يكن سوى زوبعة في فنجان ما لبثت أن توقفت عند حدودها دون أن تغادر إلى ردود فعل، حازمة كان ينتظرها الجميع، سواء على صعيد الصناعيين المائة وخمسين حسب ملفات وزير الاقتصاد وأين آلت إليه تجاوزاتهم، أو على صعيد السكر الفاسد المخزون وهل تم إتلافه وكيف وأين، أم العقاب الذي يجب أن يلحق بمن أدخل المواد المسرطنة المشعة إلى البلاد دون وازع أو ضمير، ولكم كنا جميعاً كلبنانيين بحاجة ماسة إلى أن نتعرف، أقله على وجه، ولو وجه واحد، من وجوه هؤلاء الأشرار الذين لم يحسبوا أية حسابات لخطورة ما أقدموا عليه، لنفاجأ بعد ذلك بأخبار أخرى تتحدث عن إدخال فوط صحية مشعة، كذلك، عبر المطار، فيما الصمت استمر والفاعل ما زال في طور أجهل التجهيل، ليس إلا!

إنها لعمري واحدة من أنفه وأسوأ إشكاليات التعاون الجدلي المطلوب تحقيقه بين الوزارات المعنية بصحة وغذاء واقتصاد اللبنانيين والمحافظة على حياتهم وديمومتها؛

واسخفها أيضاً ظهوراً إعلامياً بات بشكل إدانة صارخة للمضلع الصحي الغذائي الاقتصادي الزراعي اللبناني لناحيتين أساسيتين:

1- تواطؤ سياسي مكشوف يكمن في إثارة خلافات لا طائل منها سوى إثارة الذعر والخوف بين اللبنانيين، يسهل امتطائها في سبيل حرف أنظارهم عن كل ما يجري من تهديدات داخلية وخارجية ليس اقلها التورط في كل ما يجري من تداعيات أمنية جراء الزلزال الداخلي السوري القائم.

2- تواطؤ بيني أخطر، لا يمكن إلا أن يستنتجه المراقب المطلع للأحداث واليوميات اللبنانية الجارية، سيما وأن كل جعجعة الوزراء المذكورين لم تسفر حتى اليوم عن أية ذرة من الطحين المطلوب، حيث كان الجميع يتشوق لحظة الإعلان عن مرتكب واحد واعتقاله وتحديد الجهة أو الجهات التي تقف وراءه وتحميه وتجعله يتمادى في غيه وإجرامه بحق البلاد والعباد.

إنها واحدة من الصور البشعة للحرب التي خبرها اللبنانيون وما زالوا يلعقون ثمراتها المرة والمميتة على مدى أربعين عاماً، ولعلها تذكرنا بما جرى في بلدة شننعير الكسروانية يوماً من أيام العام 1989 عندما جرى إدخال كمية لا يستهان بها من براميل النفايات النووية لدفنها في تلك البلدة لقاء مبالغ طائلة من العطاءات التي توزعت على قوى الأمر الواقع وتحالف الميليشيات والعصابات المسلحة، وتُركت تفاصيلها بكل ابطال العملية وأدوارهم ومسؤولياتهم لتتلاشى في غياهب النسيان، كما تُطمس الحقائق وتُدفن وكأن شيئاً لم يكن!

فهل تتكرر التجارب لنستفيق ونجد أنفسنا أمام "شننعير" أخرى، يقف الجميع مذهولاً أيضاً، ليس بسبب هول المفاجأة وحسب، وإنما لدفن معالمها من جديد، تماماً كما يُدفن كل شيء وتُطمس معالمه في ظل استمرار مسرحية اللامبالاة المثيرة التي عجزت حكايا جمهوريات الموز عن تقليدها، أما في بلادنا، فكل شيء ممكن في هذا الزمن الرديء.






الاحد ٢١ رجــب ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / أيــار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة