شبكة ذي قار
عـاجـل










-إذا كانت الأضداد بالمفاهيم لا تلتقي عند حدود مشتركة، كمثل استحالة التقاء مفاهيم الحوار مع مفاهيم والإكراه، واستحالة التقاء مفهوم السيادة مع مفهوم الخضوع للآخر، واستحالة التقاء مفهوم الوطن المستقل مع مفهوم الوطن التابع، واستحالة التقاء مفهوم الثوابت التي تحمي وحدة المجتمع مع المفاهيم التي تسبب تفتيت المجتمع الواحد.

-وإذا كانت المفاهيم التي تحمي وحدة الأوطان أرضاً وشعباً تستند إلى ثوابت الدفاع الجماعي عنه، أي إذا كانت مسؤولية الدفاع عن الأرض مسؤولية جماعية بامتياز، فهل تتوافق مع واقع الدفاع عنه على قاعدة طبقية؟ أو على قاعدة تعددية الانتماءات الدينية؟ أو على قاعدة تعددية الانتماءات السياسية؟

-وإذا كانت تعددية الانتماءات الدينية أو الطبقية أو السياسية وقائع موجودة في بنية المجتمعات الوطنية، فهل يلتقي ثابت مفهوم الدفاع عن الأرض التي يسكنها الجميع مع قرار أي تعددية مما ذكرنا بالإحجام عن المشاركة في الدفاع عن الأرض تحت ذريعة عدم جواز مشاركة التعدديات الأخرى تحت ذريعة وجود تناقضات داخلية؟

-أو هل تجيز مفاهيم الدفاع الجماعي عن الأرض استثناء أي تعددية منها تحت حجة التناقضات الداخلية الموجودة بين تعددية وأخرى؟

-أو هل تجيز تلك المبادئ للطبقات العاملة أن تمتنع عن مشاركة الطبقات الغنية والميسورة في واجب الدفاع عن الأرض؟

-أو هل تجيز مبادئ الدفاع الجماعي إقصاء مكون ديني عن ممارسة واجبه تحت حجة التناقضات الطائفية؟

كلها أسئلة مرفوعة إلى مقامات الفكر القومي والوطني لصياغة مفاهيم موحدة. وهي الأسئلة التي فرضتها طبيعة الأحداث الجارية الآن على مستوى المساحة القومية والقطرية.

وكي لا نطرح السؤال من دون المشاركة برأي شخصي، على أن نعتبره صحيحاً حتى يثبت عكسه، فكأننا نعمل على إرباك مواقع الفكر المعنية بوضع حلول لمشاكل مصيرية من دون أن نسهم برأي في معالجة مشكلة يعاني منها الجميع. وهنا نرى ما يلي:

الوطن، تعريفاً، هو الأرض التي تستوطنها مجموعة من البشر، تجمع أفرادها آمال واحدة ومصير مشترك، فيصبحون معنيين بالدفاع عنها على الرغم من أن مصالح الأفراد قد تتباين وتختلف؛ بينهم المغبون الذي فقد حقوقه كلها أو بعضاً منها؛ ومنهم الذي تجاوز على حقوق الآخرين واقتطعها كلها أو اقتطع جزءًا منها.

وإذا ما حصل اعتداء على الأرض، أو إذا كانت الأرض مهددة بالاحتلال من الخارج، فإنما تكون أهداف القوة التي تقوم بالتهديد السطو على الأرض وعلى الشعب الذي يسكنها، من دون تمييز بين من فقد حقوقه ومن تجاوز على تلك الحقوق. والقاعدة المنطقية في مواجهة التهديد تبرز في وجوب التلاحم بين أفراد المجموعة التي تتعرض للغزو من أجل الدفاع عن الأرض وعن المصالح معاً. وفي تلك الظاهرة تلتقي مصالح الأفراد المتباينة حول هدف واحد هو مقاومة العدو. وإذا حصل عكس ذلك، يعني أن القوة المدافعة عن الأرض تتشتت، الأمر الذي يضعفها ليصب في مصلحة العدو الغازي الذي يحتل الأرض ومن عليها، ولن يقوم بتحييد أي مكون منها إلاَّ من أذعن وساعد العدوان على تحقيق أهدافه. وفي مثل هذا المصير يكون جميع أفراد الجماعة من الخاسرين. إن العدو الغازي سيحقق مصالحه على حساب جميع أفراد الجماعة التي تعرضت للغزو. فمفهوم الوطن، في مثل هذه الحالة، يرتبط قبل كل شيء بمفهوم الدفاع الجماعي عنه. ويصبح الخلاف الداخلي بين شتى أطياف المجتمع مسألة مؤجَّلة إلى حين يضمن الجميع بقاء الوطن بمنأى عن أي عدوان خارجي.

بمثل هذا التبسيط يمكننا أن نربط مفهومين برباط وثيق، وهو الوطن والدفاع عن الوطن. وبهذا لا يجوز التساؤل: من يسبق من؟ الدفاع عن الوطن أو الدفاع عن الحقوق؟

ففي الدفاع عن الوطن وصونه من الاحتلال الخارجي، هو صون للأرض وصون للمصالح المختلف على نسب توزيعها على المواطنين. وفي الامتناع عن الدفاع، كلياً أو جزئياً، خسارة الوطن وخسارة الحقوق معاً.

وهنا نتساءل:
-هل يتساوى الصراع بين أفراد المجموعة لإحلال العدالة بين الجميع، مع الصراع ضد غزو خارجي؟

-أو هل يمكن تغليب الصراع الداخلي على الصراع مع الخارج؟

-أو هل يمكن خوض الصراعين معاً؟

-أو هل يجوز للأفراد، الذين سُلبت حقوقهم، الاستقواء بالغزو الخارجي ضد الأفراد الذين سلبوا تلك الحقوق؟

-وحيث إن بعض أقطار الوطن العربي مُحتل، وبعضها معرَّض للاحتلال. وحيث إن تفتيت تلك الأقطار، بإغراقها في حروب أهلية لا أفق ظاهر لتوقيت إنهائها، هو احتلال من نوع آخر، هل هناك من حل غير إرادة التلاقي بين شتى مكونات المجتمع على إنهائها أولاً على طريق إعادة بنية سياسية تعيد الأطراف المتقاتلة إلى طاولات الحوار السياسي؟

كلها أسئلة مرفوعة على نار حامية في وجه الحريصين على وحدة الأرض العربية والمجتمع العربي، سواء أكان على المستوى القطري الخاص أم كان على المستوى القومي العام، من أجل تحديد مفاهيمها بطريقة تشكل مدخلاً موضوعياً لصياغة مفاهيم عامة غير ملتبسة. وبدورها تشكل مدخلاً للحوار حول مآلات الأحداث التي تدور على أرض ( الربيع العربي ).





الاحد ٦ شعبــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أيــار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة