شبكة ذي قار
عـاجـل










في العقد الثاني من القرن العشرون كان للعملية السياسية في العراق مجريات متنوعه فقد اكتنفتها أحداث ومواقف سياسية  واجتماعية  وحقائق ظاهرة وباطنة من حيث ظهور العراق  ككيان سياسي مستقل عن هيكلية الامبراطورية العثمانية التي اتفقت الارادة الغربية على تصفيتها وتقاسم ممتلكاتها كونها تعتبر الرجل المريض الذي لابد وان تتم معالجته بالاختفاء عن المشهد  الدولي الجديد  ، وهناك مجريات اخرى فرضتها إشكاليات إعادة بناء بقايا الدولة العراقية المنهارة جراء الغزو والاحتلال الأمريكي في التاسع من نيسان  2003م   ذلك الحدث الذي ظهر أثره  و تبعاته ونتائجه الخطيرة على المستويات العسكـــرية والسياسية و الأخلاقية والانسانية  ، وان الافرازات الجديده التي نتجت عن الجريمة  الامريكية  التي ارتكبها المجرم بوش الابن  بفعل الهوس الديني الذي هو فيه  ولعبة محاربة الارهاب  لم يشهدها العراق الحديث منذ أن وضعت الحرب العالمية الأولى  1914م – 1918م  أوزارها حتى آلت الإمبراطورية العثمانية  التي كانت دولة عظمى إلى الاضمحلال والانهيار وتحكم الحلفاء المنتصرين  -  فرنسا  ،  بريطانيا -  في أجزاءٍ كبيرة مقتطَعة في الشرق الأوســط  ومنها العراق بموجب معاهدة  ســــايكس بيـكـــو عام 1916م التي تم بموجبها إبقاء الهيمنة البريطانية على المقاطعات السابقة التابعة للدولة العثمانية -  البصرة وبغداد - 

أي إن الاحتلال الأول للعراق تحت السيطرة البريطانية قبل أكثر  من قرن من الزمن إلا تعبير عن مستوى وحجم الخلل الذي لازم وجود الدولة ضمن السيطرة العثمانية  والتي قد بدت سهلة من الناحية الظاهرية ، لأنها كانت نتاج مساومة تاريخية بين مستوى من تطور العلاقات الاجتماعية وشبه انعدام لمؤسسات الدولة الملكية  وهو تناقض حاولت الملكية العراقية حله إلا أنها تعرضت للفشل  خلال مرحلة نشوء وبناء الدولة العراقية الحديثة ،  والتي تأسست في 23/ آب /1921م   على أثر نفاذ معاهدة لوزان بنظامها السياسي الملكي الذي دام سبعة وثلاثون عاما" ، ولنظمها السياسي الجمهوري لاربعة حقب متداخله  والتي دامت قرابة نصف قرن { 14 تموز 1958  -  9 نيسان 2003  }  ، والتي يمكن اعتبارها عملية معقدة من حيث مكوناتها الداخلية المحلية  كطبيعة تشكيل الدولة أو طبيعة السلطة السياسية القائمة  ومن ثم ماهية الشعب الذي يحيا في أحضان تلك الدولة كونه العنصر الحركي الفعال  والمرتبطة بعضه بالبعض الأخر بالظروف الإقليمية -  الدولية المتحكمة وفيها التحولات السياسية  والاقتصادية التي تمس بناء الدولة أو انهيار نظامها السياسي والعمل على منع  الشعب من الوصول الى اهدافه  وتطلعاته  الحياتية  المستقبلية  بفعل  الافعال العدوانية والاجنده التي  تعمل بموجبها القوى  الطامعة والعامله على تحقيق  اهدافها  الشريرة على حساب ارادة و امال  الشعب بقواه الوطنية والقومية ، فأقول ماهي في الواقع  سوى الوجه الظاهري لما يجري في أعماقها من تغييرات فعلية ،

استقل العراق بقيام الحكم الملكي ووفق ما اراده  المستعمر الجديد  من اجل  ابقاء هيمنته  وارادته السياسية  بالشكل الذي  يحقق اهدافه ونواياه دون خسائر جسيمه في موارده المادية  والبشرية  ، والذي تم تغيره بثورة 14 تموز 1958م بإعلان الجمهورية العراقية على ايدي تنظيم الضباط الاحرار واسقاط حلف بغداد وخروج العراق من هيمنة الاسترليني  فكان ذلك علامة حاسمة في تاريخ العراق  مسحت كل آثار الهيمنة الاستعمارية  وأعطت  الفرصة  الى الشعب العراقي لامتلاك ارادته  والعمل من اجل تحقيق  اهدافه النبيله  ، و نظر إليه العراقيون على أنه التجسيد الصحيح للتنوع الفسيفسائي في البلاد دون ان يكون هناك تمييز  وتفرد او تهميش لاي مكون من مكونات الشعب العراقي  ولكنه لم يدم كثيرا ، نظراً لفتح الأبواب عريضة أمام صعود العمليات السياسية ومحاولت التفرد من قبل بعض القوى التي كانت جزء من مكون الجبهة الوطنية العراقية التي تمكنت من  تحقيق الثورة العراقية  في 1958  فكانت هناك  المجاز التي ارتكبها  الشيوعيين العراقيين  في كركوك والموصل  وشعارهم  الشهير { هاي الحبال ممدوده ودار السيد مهدوده } وهو بحقيقته ترهيب للشعب وتطاول على المرجعية الدينية التي كان يمثلها المرحوم السيد محسن الحكيم -  قدس -  وهذا السلوك ولد ردود افعال لدى القوى القومية والوطنية  تجسدت بثورة 8 شباط 1963م  والتي تكالب كل المعادين لارادة الشعب والمتطلعين  لتحقيق نواياهم لتحقيق الردة  عليها  ومجيء نظام عبد السلام عارف و لغاية وفاته بسقوط طائرتهِ عام 1965م وتسلم عبد الرحمن عارف  لرئاسة الجمهورية ولحين تمكن حزب البعث العربي الاشتراكي من تحقيق ثورته البيضاء في 17 – 30 تموز  1968م  ،

و منذ هذا الوقت ظهر حزب البعث الخالد كقوة سياسية يمتلك مقومات بناء الدولة الحديثه  لانه يمتلك المشروع الوطني والقومي النهضوي  والرؤية الواضحة والمحدده لنقل العراق الى  مصاف الدولة المتحضره  التي تمتلك مقومات البناء والنمو  ،  الا ان القوى التي لاترغب  بان يكون العراق القوة الاقليمية  ضمن محيطه العربي والدولي  المقتدر على ممارسة الدور  الذي يمكن الشعب العراقي من  القيام بدوره  العربي الاسلامي  لم تعطي القيادة العراقية فرصتها  بل شهدت الحقبة  الزمنية جملة من  الفعاليات التي اريد منها استنزاف العراق  ماديا" وبشريا" ان كان على مستوى  التدخل المباشر بالشأن العراقي  كمؤامرة  الانكلو امريكية ايرانيه عام 1969  وشبكات التجسس  التي انزلت الشعب العراقي  قراره الحاسم بحقها  وتمكن القيادة الوطنية القومية العراقية من سحب البساط من تحت اقدام  ألقوى المضادة باتفاقية الجزائر عام 1975  التي اسقط حصان  الرهان  بموجبها  وتمكنت القيادة الوطنية من تحقيق مفردات بيان  الحادي عشر من اذار  1970 ومنح المواطنين الكرد الحكم الذاتي في المنطقه  ،   

ثم جاء المتغير المعد مسبقا" تحت عنوان الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979م  انتقاما" من الشاه كونه اخذ يتصرف  بارادته  بالاضافه  انتهاء الدور المعد له ضمن الاقليم وبما يتوافق ووثيقة بريجنيسكي مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق ،  أعقبها اندلاع الحرب المفروضه على العراق من قبل ملالي قم وطهران  عام 1980 م  والتي دامت ثماني سنوات وكلفت الدولتين قتلى وجرحى بالملايين ومئات المــــليارات من الدولارات وبعد توقف الحرب  عندما تجرع خميني كأس السم الزؤام  الذي اقره هو بسنتين  حدث ان العراق اضطر الى ممارست حق الدفاع بالهجوم الاجهاضي  1990م  لماكان يخطط له  امريكيا" بريطانيا" صهيونيا" ايرانيا" من خلال تظاهر ملاليها  بالتعاطف مع العراقيين الذي كان سبباً في حصار العراق وخضوعه لعقوبات دولية عانى تحت نيرها مئات الآلاف من أبنائه جوعاً ومرضاً  ، وتم القضاء على كل ما بنته البلاد من قوة عسكرية وصناعية ونفوذ دبلوماسي   الأمر الذي أنهك عزيمة العراق وفتح الطريق ممهَّداً للغزو الأمريكي للعراق ، فكان سقوط الدولة العراقية الحديثة  ، الذي اعتبر حدثاً مفصلياً كبيراً في تاريخ العراق الحديث  ، بل منعطفاً حاسماً وخطيراً في التطور السياسي للعراق ولمجمل المنطقة العربية ضمن سياق العلاقات الدولية. هذا الحدث الكبير جعـــــــــــل الباب مفتوحاً لكثير من التجارِب والصراعات والتحليلات،

وربّما ستستمر اثارها حقبةً زمنية طويلة قادمة  . من هنا تكمن ضرورة تحقيق الأهداف السياسية للدولة العراقية، التي تجري محاولات إعادة بنائها على إثر الاحتلال الأمريكي لها، والبدء في استكشاف التطورات التاريخية والظروف الراهنة المتعلقة بالأزمة العراقية المعقدة، سواء فيما يخص جانب الولايات المتحدة ، الدولة المهيمِنة على الشأن العراقي، أوغيرها من القوى المنغمسة في الساحة العراقية. ذلك لأن العراق يمثل وحدة سياسية اجتماعية لا يمكن تجاهلها أوالحياد عنها فلابد من رسم إطار يعمـل على فهم وتصور المستقبل السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي في العراق، من اجل وضع الخيارات العلمية و العملية امام الادارة الامريكية ، خدمة للعراق و استقراره  . لقد  شنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على العـراق تحت مسمى عملية (حرية العراق) دون غطاء شرعي من الأمم المتحدة، باعتراف الإدارة الأمريكية نفسها، وفي سعي منها لشرعنة وتبرير غزوها للعراق، أعلنت أنها تهدف إلى تخليص الشعب العراقي من نظام (صدام حسين) الذي يصنع أسلحة نووية ويكدس أسلحة أخرى   كيماوية وجرثومية، ويتعاون في الوقت نفسه مع تنظيم القاعدة الإرهابي،  وهي أفعال تشكل بمجموعها خطراً على الاستقرار الدولي. ثم ومع نشاطات لجان التفتيش الدولية التي مارست أعمالها والبلاد تحت العقوبات الدولية، تبين بأن العراق لا يمتلك تلك الأسلحة، كما لم يثبت أي دليل على علاقة العراق بالقاعدة، وبالتالي فالتبريرات الامريكية المقدمة فقدت كل ركائزها القانونية و فقدت معها ايضا شـرعية العمـلية الأمريكية. لكن تمكنت مع اصرارها على فرض امرا واقعا جديدا اجبرت (مجلس الامن الدولي) التعامل معه .

وبعد سقوط هاتين الذريعتين، الأسلحة النووية وتنظيم القاعدة    تقدم الأمريكان بذريعة ثالثة، هي ضرورة تسليط الضوء على مشروع  (دمقرطة الشــرق الأوسـط الكبير)  لنشر الحرية وازدهار حقوق الإنسان وتمكين المرأة . واطلق المشــروع رسمياً في شباط / 2004م  ولكن بعد أن مات في ظلمة الرحم، قبل أن يرى النور . وبعد أن تنامى دور السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعراق، أخذ يظهر الغرض الكامن خلف القرار الأمريكي من غزو العراق  وهنا نلاحظ {{   محاولة الإبقاء على نوع من التوازن الإقليمي خلال فترة ما بعد الحرب الباردة  كون العراق كان لوقت طويل أحد المسارح البعيدة ضمن إطار تلك الحرب  ، خاصة وأنه قد استحوذ على قوة عسكرية وسياسية إلا أن القلق الغربي بدأ يتزايد إزاء هذه القوة العسكرية و السياسية بعد انتهاء الحرب العراقية  الإيرانية  ، وانتهاز الإدارة الأمريكية فرصة دخول العراق للكويت عام 1990م للقضاء على قوة العراق العسكرية ومحاصرة ما تبقى منها بوضع العراق تحت المراقبة  ، باستغلال ذريعة التفجيرات الإرهابية في 11 أيلول  2001 م التي نزلت على المحافظين الجدد  فكانت بمثابة النعمة الإلهية  ، فأضحى في وسعهم وضع مخططاتهم القديمة موضع التنفيذ وتحريكها لإتمام غزو العراق كجزء من الحرب الأمريكية على الإرهاب   ، بحسب مهندسيها الذين فشلوا في تشكيل ائتلاف دولي كبير حول الإرهاب الدولي مثل ما تم تشكيله في عملية  الكويت لاخراج القوات العراقية   واعتماد وتهييج الحملات الإعلامية ضد العراق ، التي استندت إلى ممارسات النظام السابق ضد شعبه ، ومن ذلك، ضرب حلبجة الكردية بالغازات السامة، واتهامه بعلاقته مع تنظيم القاعدة إلا أن ذلك لم يجعل واشنطن قادرة على إقناع بعض حلفائها قبل خصومها، بشرعية الحرب على العراق.

فكانت الأهداف المعلنة الأخرى التي تحققت ولو جزئياً، بموجب الأدبيات الصادرة عن المحافظين الجدد، على إن الوجود العسكري الأمريكي في العراق سيرهب كلاً من إيران وسوريا ، ويعمل على تغييرسياسات هذين البلدين، بتشجيع المعارضة الداخلية فيهما، التي تؤدي إلى تغيير النظام نفسه . وهي تلك الوجود1 المؤدية إلى قيــــام بعض الإصلاحات والحملات ضد الإرهـــــــاب في سياق الحرب الأمريكية المعلنة عليه  .  ان الاحتلال الامريكي في 9/نيسان/2003م يبين حجم و نوعية الخلل الجوهرية في بنية الدولة العراقية الحديثة، الذي قاد الى هذه الوضعية و في ظل مساهمة ظروف دولية  و إقليمية في احداث هذا الخلل . ولكن هذا لا يعني انهيار الدولة العراقية، بل هذا الحدث التاريخي يعني تغييراً في بناء الدولة ونظامه السياسي، حالما تخرج الدولة من منطق إرادته المتراكمة في مرجعياته الذاتية الكبرى ، وهي تلك المرجعيات التي تشكل العمود الفقري لوجوده التاريخي وكينونته الثقافية، أي لمضمون هويته العامة والخاصة  . ونظراً لضخامة الأحداث في الساحة العراقية و سرعة اندفاعها و خطورتها   من الغزو فالإحتلال ثم المقاومة  ، يتحتم علينا تسليط الضوء ، حول اختيار دراسة منظور المستقبل العراقي ، من جراء تلك التداعيات المؤشرة الى صعوبة التصدي لها  ، و معالجتها من خلال التحليل السياسي المقارن  ، بين واقعين مفروضين على ارض الواقع العراقي  ، الا وهما حقيقة الدولة العراقية منذ ان تم خلقها من جهة  ، و بناء الدولة الجديدة خلال مرحلة الاحتلال من جهة اخرى  ضمن التركيز على اجمالي التصورات و الاشكاليات السياسية التي تطرح في هذا المجال }}

يتبع بالحلقة الثانية




السبت ١٢ شعبــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / أيــار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة