شبكة ذي قار
عـاجـل










تناولت في الحلقة الثانية المدرسة القانونية ولاكما نظريات تكوين الدولة تكون المدرسة الاقتصادية هي من المدارس الاساسية وتحتل المرتبه الثانية وهي {{ تنطلق من فكرة تأثير العامل الاقتصادي في ظهور الدولة الوطنية وفي هذا الخصوص هناك اتجاهين ، ألاتجاه الأول ويركز على تداخل العامل الاقتصادي والعسكري في تكوين الدولة حيث ترتكز منطلقات هذه النظرية ، على فكرة ان نشوء الدولة جاء لنتيجة دور جني الأمراء في العصور الوسطى في أوروبا لحق الجباية والضرائب من قبل القيادات الإقطاعية في الانتقال من عصر الإقطاع والى ظهور الدولة الوطنية وقد تم ذلك من خلال استخدام اساليب القمع والقهر لرعاياهم الذين كانوا تحت سلطاتهم واستخدام ضمن لهم استقلالية وجودهم في اطار المنافسة التي تمت بين الامراء لغرض التمكن من القوة وتطويرها هذه الاخيرة من جهة ،

ولخدمة مركزية المؤسسات التي تمت خلقها ومن جهة اخرى تطوير قدراتها العسكرية لفرض وجودها السياسي على الاقاليم التي تقع تحت نفوذها ان تداخل العاملين - عامل جمع الضرائب بتقوية قواعد القوة العسكرية لانجاز هذا الهدف ، و - عامل تقوية هذه القوة من خلال تجريد الآخرين من ممتلكاتهم بفضل التنافس وجمعها بيد قوة واحدة هوالحاكم - حيث ضمن هذا التداخل تقوية قواعد وجود السلطات التي خلقت لإغراض التحكم بالاحتكار الضرائبي والعسكري فكانت من بين نتائج هذا الاحتكار ظهور الحكم المطلق لشخصية واحدة وخضوع الآخرين له وتمثيله هو لوحده للكيان الجديد - أنا الدولة والدولة أنا - عندما بدا بتوزيع الوظائف على المجتمعات الخاضعة ليشكل له قاعدة يستند عليها في فرض علاقات الحاكمية الجديدة والاستفادة من دور النقود التي حلت محل الأرض في التبادل الاقتصادي ، وتطبيق تقسيم العمل الذي فرضه التركز الاحتكاري في إنشاء وظائف اجتماعية تسند إلى مجموعة معينة وغرض وجودها هو دعم سلسلة العلاقات التبعية المتبادلة بين الأفراد من اجل خلق النظام الاقتصادي الجديد ، اما الاتجاه الثاني الذي يركز على دور العامل الاقتصادي فانه ينطلق من فكرة دور المؤسسات الاقتصادية في المساهمة في تكوين الدولة الذي يؤكد على أن الدولة ما هي إلا مؤسسات خلقت لتعكس حاجيات القوى الطبقية في عملها داخل الاقتصاد العالمي الرأسمالي ، الذي بدأ انتشاره منذ عصر النهضة ،

والذي تجاوز الحدود الإقليمية للمناطق التي وجد فيها. فبالنسبة لهذا الاتجاه يعود ظهور الدولة الى تلك التغيرات الاقتصادية التي عاشتها اوربا فيما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر. حيث تداخل عامل التطور العلمي مع التطور الاقتصادي في نشوء الاقتصاد البحري والتجاري، الذي قاد إلى ظاهرة تقسيم العمل بين عدة مجموعات جغرافية في العالم تفاوت في مستواها الاقتصادي ، مما أدى إلى ظهور الاختلاف وعدم المساواة فيما بينهم وانعكس تأثيراتها على تطور واختلاف الأنظمة السياسية الأوروبية فالدول التي تطل على المحيط الأطلسي استفادت من هذا الموقع في فرض سيطرتها على المجال البحري لتحقيق أهداف التبادل التجاري والتكامل الرأسمالي ، وهذه حالة انجلترا وفرنسا وهولندا وعلى العكس ، فبعد دول أوروبا الشرقية ودول وسط أوروبا عن نطاق المجال البحري تميز اقتصادها بسيطرة القطاع الزراعي على نشاطها الاقتصادي ،

مما قاد إلى ان طبيعة أنظمة هذه الدولة اختلفت عن نظائرها في العالم الغربي ، بسيطرة السلطات الاستبدادية على السلطة في حين مارس الاقتصاد العالمي الرأسمالي في عالم أوربا الغربية سيطرته على مناطق المحيط داخل الساحة الأوروبية قبل أن ينقل هذه السيطرة خارج هذا المجال ويمارسه على مناطق المستعمرات بعد تطوره ، في الواقع استفادت البورجوازية الصاعدة من مواقعها الجغرافية واتصالاتها مع مجموعات أخرى وفي مناطق ثانية ، من خلق تعاون اقتصادي فعال فيما بينها وقد اتسمت هذه المرحلة بوجود ثلاثة عوامل اساسية داخل نظام الاقتصاد ، وهذه العوامل هي وجود داخل حدود كل بلد قواعد تقسيم العمل متفردة ومركزية واستقطاب بين الفعاليات الاقتصادية على شكل مركز ومحيط من جهة و فرض ارتباط الأسس السياسية الرئيسية فيما بينهم احترام تقسيم العمل المركزي ، داخل نظام بين الدول من جهة اخرى أما العامل الاخير فهو متابعة تراكم الرأسمال بشكل مستمر تقود في أحسن الأحوال إلى نتائج مهمة خصصت البرجوازية عوائد التعامل التجاري ليس فقط في تقوية قواعد الرأسمال وضمانه ، بل أيضا في تدعيم الأجهزة البيروقراطية المركزية لكونها خير وسيلة لضمان حماية وجودها على هذا الأساس تم تثبيت قواعد اقتصاد الدولة والنظام الرأسمالي الذي اتسم بكونه عالم يتصف بعدم تجانسه الثقافي والسياسي والاقتصادي لكون أن المصادر التي كانت في أساس تطوره لم تكن متساوية.

مما قاد إلى نتيجة مهمة مازال العالم حتى هذا اليوم يعاني منها، وهي عدم تساوي القوة السياسية في قدراتها على خلق التطور الاقتصادي المتساوي في جميع دول العالم. وبهذا الشكل وكنتيجة لعدم التساوي ظهر المركز الاقتصادي المتطور من جهة والمحيط المتخلف والتابع والخاضع للمركز من جهة أخرى ، اما المدرسة الثالثة فهي مدرسة التأثير السياسي الثقافي الجغرافي التي تؤكد على تداخل مجموعة من المتغيرات ، لعبت دورا في التغير السياسي الذي حدث في العالم الغربي فبالنسبة إلى - ستين روكان - الذي أكد { أن ظهور الدولة القومية جاء وليد تداخل المتغيرات الاقتصادية والثقافية والإقليمية } فمنذ بداية عصر النهضة يمكن ملاحظة تداخل أربعة متغيرات في بعض من أجزاء العالم الغربي ساعدت على إقامة المراكز التي لعبت دورا في إنشاء الأسس لقيام الدولة ، فهناك - أولا موقع هذه المراكز كمراكز مركزية في وسط إقليمي معين وهو أوروبا الغربية ،

وثانيا وجود رقابة على الإقليم ومهما كانت طبيعة هذه الرقابة ضعيفة أو قوية ، وثالثا تواجد شبكة من الطرق الحضرية الرابطة بين المراكز وطبيعة هذه الشبكة منظورا إليها من زاوية انتشارها أو قلتها ، وأخيرا وجود المراكز الدينية الكاثولوكية ذات وجه قومي ، أو إصلاح ديني تذهب وظيفتها إلى تقديم أو عدم تقديم الولاء إلى باب الكنيسة الكاثولوكية - إن ازدهار تطور التبادل التجاري بين أقاليم معينه إن كان بسبب كثرة طرق المواصلات وانتشارها ، وخاصة تلك التي لها موانئ بحرية ، فانه ساعد على تقوية أسس المراكز التي تم إنشائها أو دعمت من وجودها حيث تمكنت شبكة الاتصالات من زيادة حجم التبادل التجاري والذي بفضله تم استثمار عوائده في فرض المراكز الإقليمية سيطرتها العسكرية والإدارية على منطق تواجدها ومن ثم على المناطق المحيطة بها وقد عجل العامل الثقافي سواء كان ديني أو لغوي في تقوية هذا التواجد وإعطائه صبغة التواجد القومي بتوحيد مكونات هذه المراكز وعليه فان انسجام كل هذه العناصر المكونة لهذا المحتوى وتداخلها أعطى لكل مجتمع شخصيته الاجتماعية والثقافية ضمن كيان ما عرف من بعد بالدولة القومية وهكذا إستخلص ستين روكان إلى نتيجة ،

أن الدول التي تطورت ضمن التقاليد البروتستانتية عرفت تطور نحو الديمقراطية بصعوبات أقل من دول التقاليد الكاثوليكية بناءً للتحليل اعلاه ولغرض الوقوف على إشكالية الدولة العراقية ، لا بد من طرح السؤال ماهية واقع الدولة في الوطن العربي ؟ وألجواب - إن مفهوم الدولة العربية ما هي إلا تخريجة أوجدها الإستعمار صاغها على نفس الشاكلة التي وجدت في دولة من زاوية تشكيل السلطات السياسية و صلاحياتها ، لذلك فكل دولة عربية تبنت نفس بنية المستعمر السياسية و بسبب هذا التبني الذي لا يتوافق مع التطور الإقتصادي و الثقافي للنظام المقلد ، ظهرت المشاكل السياسية التي دخلت في صراع مع المستعمر، ومع السلطات السياسية التي نصبت لإدارة النظام ، و التي حاولت أن تعطي لمفهوم الدولة الوطنية خصوصيتها الخاصة بها - فمفهوم الدولة الوطنية الذي ساد في الفكر السياسي التقدمي العربي ،

في مساريه القومي والاشتراكي تحت تأثير الايديولوجية الماركسية ، قد بني على حدود ملتبسة دولة معادية للاستعمار وللامبريالية سياسيا واقتصاديا وثقافيا" دولة ذات نهج وطني ، أي تقوم على قاعدة اجتماعية جماهيرية واسعة ، تضم الطبقة العاملة والفلاحين وصغار الكسبة والبورجوازية الصغيرة والوطنية والمثقفين والطلاب ، وتعمل على تنفيذ برنامج تحويلات اقتصادية واجتماعية وسياسية لصالح هذه الفئات من تأميم وسائل الإنتاج الكبرى وإجراء إصلاح زراعي ، وتوزيع الأرض على الفلاحين ، تحسين شروط العمل والعمال بزيادة الأجور وتحديد ساعات العمل وتوفير الضمان ضد العجز والشيخوخة والبطالة ، تنفيذ خطة تنمية اقتصادية تستجيب لحاجات الاقتصاد الوطني لتحقيق ثورة علمية وتعليمية بتشكيل قطاع عام اقتصادي ،

ومن هنا نستنتج ان هناك ثمة تناقض في هذا التصور الذي لا يمكن تجاوزه وهو كيف يمكن للدولة ان تقوم بهذه الجهود و الخطط الإقتصادية لتقوية بناء أسس الدولة وفي نفس الوقت تحصل بعض مايتعارض مع نص المنطوق القيمي وللاخلاقي لتكوين الدوله ، إن لم تكن هناك ثمة عيوب قي بناء هذه الدولة أو في مفاهيمها ، و التي تظهر في عدم تبني الدول العربية نظام سياسي واحد حيث نجد هذا التنوع في الأشكال المعروفة من مَلَكية إلى جمهورية ، والدول الدكتاتورية ، الإشتراكية والثورية ، مع وجود ظاهرة مركزية و هي إن كل هذه الدول أتصفت بسمة عامة ، ألا وهي إنها ظلت تبعيتها الشبه التامة للدولة الرأسمالية الحديثة في الغرب الرأسمالي ، مع محاولتها البحث عن شرعية وجودها }} ، وان تجربة البعث الخالد خلال فترة القيادة الوطنية القومية من 17 – 30 تموز 1968 ولغاية تمكن جمع الكفر من غزو واحتلال العراق في 9 نيسان 2003 اثبتت رؤية الفكر القومي الثوري لنشوء الدوله ووظيفتها الوطنية القومية ولهذا نرى تزاحم قوى العدوان ومن سار بركبهم لتتخلص من التجربة الفتية ومشروعها النهضوي

يتبع بالحلقة الرابعة






الاربعاء ١٦ شعبــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / حـزيران / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة