شبكة ذي قار
عـاجـل










واستنادا لمفهوم بناء الدولة الوطنية الذي تناولته في الحلقتين السابقتين لابد من معرفة كيف تأخذ الدولة شرعيتها للبحث في الأسباب الدافعة وراء قبول الأفراد والجماعات الخضوع إلى سلطة الدولة ، و في هذا الخصوص هناك عدة نظريات التي أرادت تقديم تفسيرات لهذه الشرعية ومنها {{ النظـرية التعاقدية وتنطلق هذه النظرية من فكرة الحاجة إلى وجود الدولة التي تعكس ثمرة تعاقد الأفراد فيما بينهم بشكل علني أو ضمني وتكمن وراء هذه الحاجة إلى رغبة هؤلاء الأفراد في رؤية قيام الدولة بهدف ضمان الأمن والحاجة إلى الحماية ضد الفوضى وقانون الغاب التي يكمن سببها في طبيعة الإنسان الميال نحو العنف مهما كانت وضعية هذا الإنسان قوية أو ضعيفة أي بعبارة أخرى يكمن دافع الخوف من استمرار العنف أو من التخوف من اندلاعه وراء قبول الأفراد بكيان الدولة وسلطاتها والذي يمنح لها ،

أي وجود الخوف شرعية وجودها لكونها الكيان القادر على ردع العنف والمحافظة على بقاء الإنسانية ، بمعنى أخر أن وضع الثقة في هذا الكيان هو لخدمة مصالح الأفراد لكونها تملك السلطة المطلقة المطلوبة للمحافظة على السلم الاجتماعي ، إذن إنها شرعية مرتبطة بفائدة وجود سلطة الدولة وليس لتمجيد هذه السلطة وهذه الحالة التي يمر بها العراق لمرحلة ما بعد الغزو والاحتلال لان هيكلية الدولة العراقية التي يدعونها الجديده لم تكن معبره عن ارادة وتطلعات الشرائح الاجتماعية العراقية بل هي استجابه للاجنده المعده مسبقا" لتدمير بنية الدوله العراقية الحديثة لما بعد نفاذ معاهدة لوزان 1923 ، وقد تعود الحاجة لقيام الدولة إلى رغبة الأفراد في قيام هذا الكيان لضمان حرياتهم ضد تعسف مالكي القوة أن الطبيعة البشرية في أساسها طبيعة مسالمة وأن الإنسان في أساس كل عمل له قيمة وليست الطبيعة وراء ذلك ،

فكل القوانين التي يضعها الإنسان لنفسه ووجود الحكام والشرطة ، كل هذه الأشياء والأفعال غير موجودة في الطبيعة ، بل هي من صنع الإنسان أوجدت لخدمة مصالحه ، وأن السلطة في جوهرها هي سلطة الحرية التي تهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان ، وتعني هذه الأفكار أن جذور شرعية الدولة تجد سبب وجودها في حاجة الأفراد الذين ولدوا أحراراً لحماية حريتهم وملكيتهم الخاصة ضد ممارسات السلطة التعسفية لمالكي القوة بالتنازل عن حقهم الطبيعي والتعاقد فيما بينهم على العيش معاً وإعطاء المجتمع المدني حق تعين حاكم يقوم بوظيفة حل النزاعات فإن السلطة التي وجدت لابد أن تكون سلطة عدل ووظيفة الحكومة هي الحكم وليس إدارة المجتمع والقيام بالتشريع أما وظيفة الحاكم فهي لمتابعة الخير العام فلا يمكن له أن يجمع السلطة التنفيذية والتشريعية بيده لأن كل احتكاريه للسلطة تعني الدخول في تناقض مع قواعد العقد الذي أقيم على أساسه المجتمع في احترام إرادة الأغلبية وقرارها ، أن السلطة التشريعية هي أسمى من السلطة التنفيذية لكونها تعطي للدولة روحها ووحدتها ، وأن مقاومة الأفراد في الدفاع عن حريتهم هو من أجل ضمان استمرار النظام أو تثبيته ضد كل التجاوزات وليس فكرة الدفاع عن سيادة الأفراد وراء هذا التصرف ،

إنها محاولة لتذكير الحاكم بضرورة التزامه بالقوانين واحترامه للمشروعية اما الاحتمال الاخرلجذور شرعية الدولة ، تعود الى رغبة الأفراد تشييد هذا الكيان كتعبير لإرادتهم الجماعية أن الإنسان ولد حراً وتنازل عن هذه الحرية للصالح العام الذي يعكس الإرادة المشتركة لجميع أعضاء المجتمع في العيش سوياً الممثلة ، أي الإرادة المشتركة بالهيئة السياسية والتي يطلق عليها أعضاء هذا المجتمع اسم الدولة ، بمعنى آخر أن الدولة تجد شرعية وجودها من خلال التقاسم المشترك لأفراد مجتمع ما للمصالح المشتركة ، أي يفضل المصالح العامة على الخاصة في تنظيم المجتمع من خلال تقاسم السلطات ، على أن إرادتهم المشتركة مصدر للقانون ، وثانيا" النظرية الماركسية ألتي تنطلق من فكرة أن الشرعية هي عامل العلاقات الإنتاجية المرتبطة بالنموذج الاقتصادي الرأسمالي ، الذي تشيد عليه أسس الدولة القانونية والسياسية فالحياة المادية للمجتمع سياسياً وثقافياً ، ما هي إلا انعكاس لطريقة الإنتاج المطبقة داخل المجتمع ،

وهذا يعني أن شعور الفرد ليس هو الذي يقرر مواقفه ، وإنما الحالة الاجتماعية هي التي تقرر شعوره ، فبناء المؤسسات السياسية والقانونية والتابعة للمجتمع يتم تأطيرها بالبنية التحتية الاقتصادية للطبقة المسيطرة البرجوازية ، فكل ما يصدر من هذه المؤسسات هو انعكاس لمصالح هذه الطبقة ، وعليه فإن الدولة ومؤسساتها تستمد شرعيتها من شرعية الطبقة البرجوازية وقدرة هذه الأخيرة على خلق تماثل القاعدة معها من خلال قدرتها على خلق الوهم الاجتماعي بأن الدولة هي كيان تجريدي في خدمة المجتمع السياسي . وحسب هذه النظرية أن لا شرعية للدولة إلا عندما تكون طبقة البروليتاريه هي المسيطرة على السلطة ، وهذه الشرعية هي شرعية مرحلية ، لأن برنامج حكم الديكتاتورية البروليتارية بتطبيقه للنظام الاشتراكي يهدف إلى تحويل الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج لملكية الدولة من أجل القضاء على الفوارق الطبقية وكمرحلة للوصول إلى تطبيق الشيوعية ،

وبعد القضاء على الفوارق الطبقية بفضل هذا الإنجاز سوف تنتهي الدولة كمعبرة لمصالح طبقية معينة وكما يقول انجلز - عندما تحل إدارة الأشياء وقيادة العمليات الإنتاجية محل إدارة حـكومة الأفراد ، فالـدولة لا يقـضي عـليها وإنما ستـذبل ومع ذبولها تنتهي فكرة شرعيتها ، والنظرية الثالثة العقلانية الشرعية - إن مصطلح العقلانية - هي ولادة الدولة الحديثة في العالم الغربي ، إن كان يعبر عن الشعور بالوعي بوجود الفوضى السياسية التي كانت تعم المجتمع الإقطاعي والصفات المتخلفة للامتيازات والعلاقات الاقتصادية المتحكمة داخل هذا المجتمع وغياب الحريات والمساواة بين الأفراد ، فإن القانون الروماني الذي شيد على فكرة المساواة ، فسح المجال أمام البرجوازية الصاعدة كطبقة للإستفادة من هذا التواجد القانوني ، لوضع قواعد التنظيم القائم على فكرة المساواة في الحقوق وضمان النظام القانوني لها ومن خلال هذه الفكرة بحثت شرعية الدولة ، لا على أساس مطابقتها للمعايير الأساسية التي تم وضعها ، وإنما من خلال شعور الأفراد والفاعلين الاجتماعيين بضرورة وجودها ففكرة الخضوع للدولة لم تولد من فكرة تملكها لسلطة احتكار استخدام القوة وإنما من خلال حاجة المجتمع العقلانية للتنظيم ولضمان الحماية القانونية للنشاطات الاقتصادية وحماية الملكية الخاصة بعبارة أخرى أن الدولة تستمد شرعيتها ليس في تطابقها مع قواعد النظام القانوني الموضوع فقط وإنما من خلال قدرة قواعد هذا النظام على التعبير عن التمثيل الاجتماعي للقيم المطلقة لهذه القواعد حينما تأخذ هذه القواعد ليس كأهداف بحد ذاتها وإنما كوسيلة لتأسيس السلوك الاجتماعي المرغوب فيه ونبذ الغير مرغوب فيه من قبل الجميع ،

أفراداً كانوا أو جماعاتٍ وفي هذه الحالة تصبح الدولة كضامنة لهذا التأسيس بما تملك من قدرة على الإقناع والفرض ، فأقول اذا كانت المفاهيم النظرية لبناء الدولة ، تستند على ارضية دينية ، فلسفية واجتماعية أو تاريخية إلا أنه يستحيل على المرء أن يقدر أية هذه العوامل كان أقوى من الآخر أثراً في تكوين الدولة وبنائها فمثلا وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، نجد تمسك الملك لويس الرابع عشر بالمبادئ الدينية لبناء الدولة لإن سلطة الملوك مستمدة من تفويض الخالق، فالله مصدرها وليس الشعب ، وهم أي الملوك مسئولون أمام الله وحده في كيفية استخدامها لكن هذه المفاهيم بدأت تتقلص حتى تلاشت تقريباً ، نتيجة لتطور الشعوب وازدياد وعيها ، نتيجة لانتشار الثقافات المختلفة وظهور أفكار فلسفية جديدة مناهضة للأفكار الدينية وهيمنة الكنيسة ، وعند التمعن بهذه المفاهيم بخصوص صلاحياتها وواقعيتها على الارض الواقع ، واذا اخذ واقع بناء الدولة العراقية مابعد الغزو والاحتلال كمثل ،

نجد قد يفكر البعض الى ايجاد ارضية لهذا البناء من خلال استغلال المبادئ الدينية والعواطف لدى العامه فلا يمكن للمرء ايجاد أي معطية من المعطيات التي تؤيد هذا النهج في البحث غير خرافات نسجها العقل البشري ونسبها ظلماً إلى الدين واستغلتها طائفة من الناس للاستئثار بالحكم المطلق ، وتبرير التعسف والاستبداد استثمارا" لمفهوم المظلومية والمنادات بالثأر من قتلة الامام الحسين عليه السلام بعد اكثر من 1400 عام من واقعة الطف عام 61 هجري ، وهنا يمكن ان نشير الى امر يدعيه المعممون واصهاب الهوى المتخذين من الدين الاسلامي واجهة وموالاتهم لال البيت عليهم السلام من جراء تعسف الحكام وشططهم في تصرفاتهم حيال شعوبهم ، حيث لا يقبل أن يكون الدين الحق مصدر شقاء وظلم الناس والديانات السماوية ، سواء من فصل الدين والدولة كالمسيحيين ، أو جمع بينهما كالمسلمين ،

أما اذا أثيرت فكرة العقد الاجتماعي كما جاء بها الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو الذي يرجع بناء الدولة إلى الإرادة العامة المشتركة لأفراد الأمة ، أي أن الأفراد اجتمعوا واتفقوا على إنشاء مجتمع سياسي يخضع لسلطة عليا ومعنى ذلك أنهم اتفقوا على إنشاء الدولة التي وجدت نتيجة عقد أبرمته الجماعة فيما بينهم لتحديد الحقوق والواجبات ، فان هذا المفهوم اعتبر خيالياً في حينه ، أي ليس حقيقة علمية لاسباب عده منها {{ إن الإنسان في العصور الأولى يعيش على الفطرة ، ويحيا حياة بدائية همجية بدت لنا فكرة التعاقد البعيدة عن خيال الإنسان ، فمتى اجتمع الناس وتعاقدوا على إقامة نظام ، أي دولة ؟ ، وصعوبة الحصول على رضا جميع الأفراد، الذي يعتبر ركن أساسي في العقد ، وإذا كانت الجماعة نشأت نتيجة لعقد فمن الذي أبرم هذا العقد ؟ }} ومن خلال ذلك اتفق كافة الباحثين الاجتماعيين إن الفرد كان يعيش قبل نشوء الجماعة في عزلة عن غيره ، مع إنه غير ذلك لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه لا يمكن أن يعيش إلا في مجتمع وإقامة الحكومة القانونية مكان الحكومة الاستبدادية ، وهذا ما يكون أقرب إلى صلاحية وواقعية تحقيقها في بناء الدولة الوطنية فقد يجد المرء في الواقع تجسيدا حيا وشبه كامل لحالة الطبيعية بصرف النظر عما إذا كان هذا التخويل من مرجعية دينية أو أخرى دنيوية ، أو كان بدافع من مصلحة ذاتية أو مذهبية حيث إن تقاسم السلطة بين أحزاب الهوية قائم على أسس طائفية بعيدا على أي اهتمام بمنطق الدولة الحديثة لذا فهي ما يمكن أن يطلق عليه سلطة من دون دولة فليس كل مجتمع سياسي منظم دولة بهذا المعنى والسلطة في العراق الآن ينطبق عليها هذا الوصف

يتبع بالحلقة الخامسة






الخميس ١٧ شعبــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / حـزيران / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة