شبكة ذي قار
عـاجـل










السؤال الذي لابد من ألاجاب عليه هل يجوز كتابة الدستور العراقي الدائم في ظل حراب الاحتلال الأمريكي ؟ ، بل هل يعقل كتابة دستور دائم لبلد يرزخ تحت حراب ومشاريع احتلاليين بالعلن متناقضين وبالخفاء متوافقين بالمصالح والنوايا ؟ ، يعد الدستور العراقي الدائم أول وثيقة دستورية تصاغ على يد جمعية يصفونها بالوطنية منتخبة في ضل حراب المحتل واغلب عناصرها هم غير عراقيين بحكم قانون الجنسية العراقية الذي اشرت اليه في الحلقة التاسعة ، لقد اكتسبت قضية صياغة دستور دائم للعراق من قبل الجمعية أهمية ضرورية في تلك المرحلة ،

إذ أن الدستور سيحدد شكل الدولة العراقية ونظام الحكم فيها وسيثبت حقوق الشعب والعلاقة بين الشعب والدولة فضلا عن أن عملية صياغة الدستور قدمت فرصة لبلورة رؤيا وطنية موحدة لمستقبل العراق إذ أن عملية كتابة الدستور والاستفتاء عليه تحتاج إلى تفاعل ودعم من مختلف مكونات الشعب العراقي لكي يصبح الدستور مجسدا للهوية الوطنية لجميع المواطنين { وهذه الرؤية التفائلية لم تتجسد مفرده من مفرداتها ان كان على مستوى اللجنة التي سميت بكتابة الدستور وحقيقة امرها اعادة رسم الاحرف التي كتبها الغازي المحتل والصهاينة وحلفائهم الصفويون الجدد } ومن الجدير بالذكر أن الواقع الدستوري والقانوني لفترة ما قبل الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق قد اتسم من جهة بكثرة التعديلات الدستورية لمواجهة حالات وظروف مر بها العراق اضطرارا" وكانت هناك مراجعة جدية من قبل القيادة الوطنية لكتابة دستور دائم للعراق تم عرض مسودته على الشعب من خلال المنظمات ووسائل الاعلام لبلورته وجعله معبرا" حقيقيا" عن رؤية العراقيين ، الا ان الظروف التي فرضت على العراق بسبب العدوان الثلاثيني 1991 وانفصال غير رسمي لاقليم كردستان وتشجيعهم لاعلان الفيدرالية عام 1992م وتردي الأوضاع المعيشية لغالبية القطاع العام والمراتب المدنية والعسكرية المرتبطة بجهاز إدارة الدولة نتيجة الحصار الظالم والجائر الذي امتد لفترة اكبر من حقبة زمنية اضعف المجتمع العراقي اقتصاديا واجتماعيا ، ولكن ما جاء به الدستور العراق الجديد لعام 2005 م لم يشكل الية لمعالجة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ولدها الغزو والاحتلال وانما جاء ليوقّع العراق في نفق مظلم لا تعرف نهايته وعلى الرغم من أن الدستور العراقي قد تضمن العديد من المبادئ الأساسية للحكم الديمقراطي ،

إلا انه في الوقت ذاته قد احتوى على العديد من الفقرات والنصوص التي تعارض مبادئ الديمقراطية وتعرقل العملية السياسية في العراق وتفاقم من اشكالية بناء الدولة العراقية المدنية ، في ضوء تبنيه نظام الحكم النيابي ، وبدا من تاسيس مجلس الحكم في 13 تموز 2003 م كما ورد في المادة 1 والتي نصت على أن {{ جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة ، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي - برلماني ديمقراطي - ، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق }} وهوالتوجه السائد لدى القيادات المتحالفه التي اشرت لها لتبني هذا النظام والمستندة على العديد من المبررات ، ومن أهمها قدرة النظام النيابي على احتواء جميع مكونات الشعب العراقي للمشاركة في العملية السياسية وصنع القرار السياسي ، بالإضافة إلى ذلك فان النظام النيابي ،

كفيل بإبعاد شبح العودة إلى النظام الدكتاتوري كما هم يبررون ويدعون من اجل التضليل والخداع ، ولكن يبدو أن الأسباب الحقيقية وراء تبني النظام النيابي كانت مستمدة من رغبة الأحزاب الكبيرة في الهيمنة على عملية صنع القرارات الإستراتيجية وتوزيع مراكز صنع القرار بينها وترسيخ مبدأ المحاصصة التي قامت عليها العملية السياسية بتوزيع المراكز الرئاسية الثلاث من رئاسة الجمهورية ، رئاسة الوزراء ، ورئاسة مجلس النواب على الكتل الثلاث الكبيرة المهيمنة على الحياة السياسية في العراق ككتلة الائتلاف العراقي الموحد ، التحالف الكردستاني وجبهة التوافق التي اتخذت مسميات عده اخرها ائتلاف القوى الوطنية ، مما أدى إلى هيمنة الأحزاب الكبيرة الثلاث على عملية توجيه السياسة العراقية ، من خلال احتكار معظم الصلاحيات بشكل يخدم تحقيق المصالح الفئوية والعرقية على حساب المصالح الوطنية القومية والمواطنة الحقيقية المتجسدة بالشعور والانتماء والهوية التي يحملها ، المستمدة من قوة مجلس النواب والصلاحيات الواسعة الممنوحة له الذي سيبقى عائقاً أمام رئيس الوزراء في تشكيل حكومة فعالة وقادرة على مواجهة التحديات الخطيرة ، لاحتواء عمليات العنف الطائفي وتقيم الخدمات الضرورية ، من تخويل الدستور العراقي وفق المادة 61 مجلس النواب بسحب الثقة من الحكومة العراقية ممثلة برئيس الوزراء ومجلسه ،

والتي امتدت لتشمل الهيئات المستقلة والتي كانت فلسفة إنشائها مبنية على أساس خلق مؤسسات تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ولا يكون لمجلس النواب سوى الإشراف على عملها ولكن واقع الممارسة العملية وطريقة تشكيل تلك الهيئات وتعيين أعضائها بعيداً عن معايير الكفاءة والاستقلالية الضامنه لامن وسيادة وسلامة العراق وموارده المالية والبشرية ، والتي أظهرت بشكل واضح التأثير المباشر للأحزاب في تعيين كوادرها في قيادة الهيئات المستقلة وفقاً لمبدأ المحاصصة الحزبية ، الطائفية والعرقية وهذا ما حدث فعلاً في تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، وما تسمى بمؤسسة الشهداء والسجناء السياسيين ..... الخ حيث الغرض الاساسي هو عدم الحد من الانفلات الاخلاقي والقيمي والفساد الذي يشكل السمه الاساسية في تلك الاحزاب او الكتل ولابد من الإشارة هنا إلى أن لجان مجلس النواب موزعة بين الكيانات والأحزاب الرئيسة وفقاً للتوافقات السياسية لأن التوافق السياسي في المحاصصة يعتبر ركيزة العمل السياسي العراقي بوجه عام مابعد الغزو والاحتلال ، من واقع كون القرارات الإستراتيجية المهمة التي تتخذ في العراق بحاجة إلى الكثير من المناقشات السياسية والجدل في المجلس السياسي للأمن الوطني ومستويات حكومية أخرى ، للوصول إلى توافق سياسي سواء أكانت على المؤسسة التشريعية أم التنفيذية وحتى القضائية ،

إن شكل النظام السياسي المؤسساتي والقانوني يمكن أن يلعب دوراً أساسيا في استمرارية ودوام النظم الديمقراطية وخلق قاعدة قانونية متينة لتحقيق التوحيد والتجانس بين المؤسسات الاتحادية والمؤسسات الإقليمية ولكن ما يشوب النظام المؤسساتي في العراق هو الثنائية ، فالنظام السياسي العراقي المبني على أساس المؤسساتية ، يؤدي إلى المزيد من التقسيم بدلاً من التوحيد ، كما هو الحال في النظام القضائي العراقي ، فالقضاء في إقليم كردستان يعمل بمعزل عن القضاء الاتحادي ويعزى ذلك إلى أن الإطار الدستوري العراقي يقدم قاعدة لثنائية القضاء ولايقدم تفاصيل هامة عن كيفية ربط مختلف المحاكم من أجل تحقيق التجانس والتناغم بينهما من خلال وضع قواعد محدودة للإجراءات المدنية والجزائية لذا ومن جراء ذلك فإن النظام السياسي العراقي يكرس المحاصصة ليس فقط من خلال توزيع المناصب القيادية على الأحزاب العرقية والطائفية وبناء المؤسسات السياسية وفقاً للقاعدة الثنائية ،

وانما أيضا من خلال الانتخابات العامة ، التي تتم في إجراء التخندق الطائفي والعرقي ، بسبب هيمنة الأحزاب العرقية والطائفية على الحياة السياسية في المجتمع العراقي من خلال منع سيطرة حزب قادر على التحكم بإدارة البلاد حتى لوفاز بالانتخابات العامة في حين تجد الكثير من الدول ، كالمملكة المتحدة وفرنسا وحتى الهند ، تستطيع الأغلبية البسيطة الفائزة في الانتخابات العامة أن تشكل حكومة وهذا ما يكرس الصراع العرقي أوالطائفي الذي لم يكن ظاهرة من ظواهر المجتمع العراقي الذي عاش لثمانون عاما" في ضل العراق الحديث في مدن مختلفة عرقياً ودينياً ولكن الإطار للنظام السياسي والمؤسساتي الذي تمت صياغته في الدستور العراقي والأجندات العرقية والطائفية التي تطرحها الأحزاب الكبيرة والمهيمنة سيشجع على الصراع بدلاً من بناء جسور الثقة بين المكونات العراقية ، من أجل التعايش السلمي وتحقيق الامن والاستقرار ، اماعند مراجعة مواد الدستور العراقي الدائم حول مسألة توزيع الثروات ، نجد أن المادة {111} منه نصت على أن النفط والغاز هو ملك لكل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات وأشارت المادة {112} فقرة أولا على ان تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد ، مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة ، والتي حرمت منها بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون كما نصت المادة {106} على أن تؤسس بقانون هيئة عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية ،

وتتكون الهيئة من خبراء الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات وممثلين عنها ، وتضطلع بأسس منها {{ التحقق من عدالة توزيع المنتج والمساعدات والقروض الدولية ، بموجب استحقاق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم ، والتحقق من الاستخدام الأمثل للموارد المالية الاتحادية واقتسامها ، وضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص الأموال لحكومات الأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم ، وفقاً للنسب المقررة }} ويتضح من النصوص الواردة أعلاه ، بأن المشرع الدستوري أشار إلى ثروة النفط والغاز باعتبارها تشكل 90% من واردات الدولة العراقية وجعل ملكيتها لجميع أفراد الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات وكذلك حصر إدارة تلك الثروات بالحكومة الاتحادية كما بين الدستور أن الواردات الناشئة عن هذه الثروات توزع بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء ألبلاد و ما يمكن ملاحظته على النصوص السابقة ،انها غابت منها الصياغة الفنية الصريحة في بعض العبارات مثل الحقول الحالية والأقاليم المتضررة مما يفسح المجال أمام التكهنات والتغييرات المختلفة ،

وكل ذلك في ظل غياب إصدار قانون النفط والغاز أي هي تلك النصوص التي قد تفسرتفسيرا خاصاً وخطيراً ، فمن ناحية تبدو أنها تلبي تطلعات الشعب العراقي بفرض سيادته وملكيته لموارده النفطية إلاأن دس السم في العسل هنا يظهر في استخدام كلمتي الأقاليم والمحافظات إذ يُفسر البعض أو يبدو أن البعض قد اتفق ضمناً ، على أن الشعب العراقي ليس كله وإنما البعض منه الذي يعيش أو يتواجد في إقليم معين أو محافظة معينة ، هو الذي يملك النفط والغاز المنتجين ويملك التصرف والتعاقد على تطوير هذه الثروة بصورة مستقلة عن المركز ومايثبت هذا التحليل هو بالرجوع الى هذه المواد الدستورية حيث هناك ملاحظات لابد من ذكرها ، ومنها أنها تتعلق بثروات العراق ومع هذا لم ترد في الباب الأول المخصص للمبادئ الأساسية على الرغم من خطورتها وأهميتها ، وإنما جاءت في الباب المخصص لسلطات الحكومة الاتحادية ، على الرغم من أن المادة التي تليها والتي نصت على طريقة إدارة هذه الثروات قد جعلت الاختصاص مشتركا بين الحكومة الاتحادية والحكومات المنتجة وهذا تناقض شكلي لايفترض الوقوع فيه في تنظيم مواد الدستور

يتبع بالحلقة الثانية عشر
 





الثلاثاء ١٣ رمضــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / حـزيران / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عـبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة