شبكة ذي قار
عـاجـل










ممهدات الغزو البريطاني للعراق :
تعود المس بيل فتذكر إن النجف صار يحكمها بعد حوادث نيسان الشيوخ الأربعة: سيد مهدي السيد سلمان ( الحويش ) ، والحاج عطية أبو كلل ( العمارة ) وكاظم صبيّ ( البراق ) ، والحاج سعد الحاج راضي ( المشراق ) ، بأنفسهم وبمشورة السيد كاظم اليزدي الذي كان يمثله عندهم ابنه السيد محمّد.

ولذلك تأزم الوضع على الأتراك في الفرات بحيث عمدت السلطات التركية إلى تغيير سياستها والالتجاء إلى المسالمة والصلح. فتألفت لجنة من الوجهاء لتسوية الأمور، وتم الاتفاق على أن يعود القائمقام إلى وظيفته في النجف مع حرس هزيل للحماية. على أن السطوة في البلد بقيت في أيدي الثوار، لأن القائمقام أصبح ألعوبة في أيدي الشيوخ المذكورين ولأن الناس أخذوا يهزئون بحراسه علناً في الشوارع.

غير أن التهدئة هذه لم تكن إلاّ نصراً أجوفاً للأتراك على حد تعبير ( المس بيل ) لأنها ما لبثت قليلا حتى أخذ الحاج عطية، بمؤازرة السيد كاظم اليزدي، يتصل سراً برئيس الحكام السياسيين المرتبط بقوات الاحتلال. وقد عرض عليه استعداد النجف والقبائل المحيطة بها للانضمام إلى الانكليز لقاء احترامهم للعتبة المقدسة وعدم التعرض بها. وكان رد رئيس الحكام السياسيين على ذلك أنه أشار عليهم بالاطلاع على البيانات التي كانت السلطات البريطانية قد أذاعتها على الملأ عند أول نشوب الحرب ، وادعت فيها بأنها لم تكن في خصام مع العرب ولا مع المسلمين. و ذكّرهم كذلك بالمعاملة الحسنة التي لقيها من الإنكليز رجال الدين الذين وقعوا في أيديهم.

وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى عام1914 ودخول الدولة العثمانية في تحالف إلى جانب ألمانيا ضد دول الحلفاء بزعامة ( بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية ) ، أدى إلى قطع خطوط المواصلات الإستراتيجية لبريطانيا مع مستعمراتها مما سيؤدي إلى انقطاع شريان الإمدادات الحيوي للحرب والحياة العامة بسبب اعتمادها الكلي في مواردها وموادها الأولية وتمويل قطعاتها علاوة على منافذ التجارة التي تعد عماد الاقتصاد البريطاني، الأمر الذي أدى ببريطانيا إلى اعتماد خطة سريعة في الوقت الذي كان الجهد العسكري في المواجهات مع ألمانيا وحلفائها منصبا على الجبهات الرئيسية في قلب أوروبا، مارست بريطانيا الضغط على دول الحلفاء باتخاذ الإجراءات التالية :

ومع بدء الحرب العالمية الأولى في ( أكتوبر/ تشرين الأول عام 1914م ) ، أنزلت حكومة الهند البريطانية الشرقية جيشا مؤلفا من خليط من بريطانيين وهنود في عدة فيالق بما سموا بجيش الليفي، حيث وطئت أرض أول جندي هندي بريطاني منطقة رأس الخليج العربي بين الكويت والبصرة وحدثت معارك بين القوات البريطانية وقوات العشائر العراقية تساندها القوات التركية، ومن أشهر تلك المعارك هي معركة كوت الزين التي أستشهد فيها الكثير من أبناء القبائل العراقية وعلى رأسهم الشهيد الشيخ شلال الفضل الوائلي رئيس عام عشائر الشرش في القرنة البصرة، ولكن قوة أسلحة الجيش البريطاني حالت دون النصر، وبعد حوالي شهرين تمكنت القوات البريطانية من سيطرتها على البصرة.

هاجمت القوات البريطانية جنوب العراق ، وتمكنت من احتلال [شبه جزيرة الفاو ] دون مقاومة تذكر، وكانت حجة بريطانيا في حملتها على العراق آنذاك حماية نفط عبدان في إيران،وطريق الهند ، لكن الحقيقة كانت غير ذلك تماماً ، فقد أرادت بريطانيا فرض سيطرتها على العراق طمعاً في ثرواته .

وبعد أن تم للقوات البريطانية احتلال شبه جزيرة الفاو، اندفعت نحو مدينة [البصرة ]، كبرى مدن العراق الجنوبية ، حيث اشتبكت مع القوات التركية في منطقة الشعيبة ، في أواسط شهر نيسان عام 1915، واستطاعت هذه القوات إلحاق الهزيمة بالجيش التركي ، واحتلال البصرة .

أشارت الكتابات عن الغزو البريطاني للعراق إلى معارك محلية بين الجيشين العثماني والبريطاني، وكان أهم هذه المعارك ما جرى في موقعة الشعيبة التي وقعت في يوم 12 نيسان 1915. وكانت قد اشتركت مع الجيش العثماني في القتال قوات من المجاهدين الذين هبوا للجهاد قادمين من النجف وغيرها بقيادة المغفور له محمّد سعيد ألحبوبي بعد أن أفتى هو وغيره من العلماء الأعلام به انتصاراً للإسلام. وعلى أثر هذه المعركة التي اندحرت فيها القوات العثمانية اندحاراً شنيعاً انتحر بسببه قائدها سليمان عسكري باشا، بعدها حدثت تطورات مهمة في أنحاء العراق كافة ومن جملتها ما جرى في مدينة ذ النجف نفسها.

وقد شرحت هذا الموضوع بإسهاب المس ( غيرترودبيل ) ، تطرقت فيه إلى ما وقع في النجف أيضاً، في تقرير رسمي مفصل رفع إلى الحكومة البريطانية عن الوضع العام في العراق خلال سني الاحتلال البريطاني التي انتهت ببداية عهد الانتداب على العراق في صيف لاحقا 1920.

ثم واصلت تقدمها شمالاً باتجاهين ، الاتجاه الأول نحو مدينة [الناصرية]، الواقعة على نهر الفرات ، والاتجاه الثاني نحو مدينتي [العمارة ] و [الكوت] على نهر دجلة ، ومن ثم نحو العاصمة [بغداد ].

وفي الثلاثين من حزيران دخلت القوات البريطانية مدينة [العمارة ] وانتزعتها من أيدي الأتراك ، كما احتلت مدينة [الناصرية] في 25 تموز من العام نفسه ، واحتلت مدينة [الكوت ] في 28 أيلول نفس العام . واستمرت القوات البريطانية بقيادة الجنرال [ طاوزند ] بالتقدم نحو [بغداد ]، وخاضت معركة طاحنة مع الأتراك قرب [المدائن]، على مشارف بغداد ، لكن القوات التركية استطاعت إلحاق الهزيمة المنكرة بالجيش البريطاني المهاجم الذي انسحب نحو [ الكوت ]، ولحقت به القوات التركية، واستطاعت فرض الحصار على المدينة ، حيث استمر من 13 تشرين الثاني 1915 وحتى 29 نيسان 1916.

حوصرت القوات البريطانية الغازية في الكوت 7 كانون الأول. 1915 وعرفت الأشهر الأولى من عام 1916 حصارا شديدا على القوات البريطانية حتى 29 نيسان ( كانت القبائل العربية تحوم حول معسكرات القوات البريطانية وتقاتلهم وتجهز على جرحاهم وحتى جردت موتاهم من ملابسهم ) حسب وصف المس بيل، أي بعد حصار دام 143 يوما بعدها اجبر الجوع الجنرال طاوزند على الاستسلام وفي مقبرته رفاة 300 جندي بريطاني وتم الانتقام من المتعاونين مع البريطانيين بقسوة بحدود 70 من الذين تم إعدامهم من قبل الأتراك . اضطرت القوات البريطانية المحاصرة في المدينة أخيراً إلى الاستسلام دون قيد أو شرط للقوات التركية التي دخلت المدينة ، وقامت بأعمال انتقامية دموية لا مثيل لها ضد السكان ، بتهمة التعاون مع القوات البريطانية .

ما أن تقدم الجنرال مود لاسترداد الكوت نهاية 1916 بعد زحزحة الأتراك وحلفائهم من بعض عشائر العراق العربية ثم تقدم نحو احتلال بغداد في 11 مارس/ آذار 1917 . أعلن الجنرال مود في بيانه الشهير لأهالي بغداد ( ... إن جيوشنا لم تأت إلى البلاد فاتحة؛ بل محررة... الخ. من الوعود المعسولة بالرفاه والتخلص من نير الأتراك... الخ ) .

وفي الوقت الذي استخدمت بريطانيا قوات جديدة واستخدمت الطيران بكثافة واستعملت المدفعية وقذائف من الأسلحة الكيماوية والغازات السامة تمت بموافقة وتعليمات ونستون تشرشل وزير المستعمرات، وبقيادة الجنرال مود ، الذي شرع بالتقدم نحو بغداد، حتى وصلت قواته إليها في كانون الأول 1916، واستطاعت إلحاق الهزيمة ببقايا الجيش التركي المدافع عنها، ودخلتها في 11 آذار 1917 .

وهكذا تسنى للانكليز أن يثاروا لأنفسهم عن الاندحار الشنيع الذي أصابهم على يد خليل باشا في سلمان باك، وفي حصار الكوت الذي استسلم فيه الجنرال طاوزند مع قواته المحاصرة في 29 نيسان 1916، فاسترد الجنرال مود الكوت في نهاية 1916 وتم له بعدها احتلال بغداد في 11 آب 1917.

حال دخول بغداد كانت أعمال بيرسي كوكس في بغداد كثيرة. فالي جانب تنظيم أعمال الاستخبارات كان ـ بوصفه رئيسا للضباط السياسيين ـ واسطة الاتصال بين قائد الجيش والسكان المدنيين، ومستشاره في اتصالاته السياسية بهم، وكان معظم وقته يصرف في مقابلة الوجهاء والشيوخ من شتى أنحاء العراق، مما اظهر الحاجة إلى مساعدة شخص خبير بتاريخ العشائر وأنسابها، عالم باتجاهاتها والعلاقات بينها. وكانت مس بيل خير من يستطيع القيام بها العمل. ولكن قائد القوات البريطانية، الجنرال مود، أعرب عن مخاوف كبيرة حينما علم إن امرأة ـ مهما كانت كفاءتها ـ آتية للانضمام إلى السكرتارية.، كما انه خشي أن يتخذ قدومها سابقة بالنسبة لزوجات الضباط اللواتي قد يطالبن بالانتقال إلى بغداد أسوة بها، وهو أمر لم تكن السلطات البريطانية قد سمحت به بعد. ولكن السير بيرسي كوكس تمكن من إقناعه بعد أن أكد له بأنها قادرة على تقديم خدمات يعجز عنها أي عضو آخر في الإدارة السياسية.

للدراسة شهادات ومراجع وإحالات وهوامش كاملة
 





الثلاثاء ٢٠ رمضــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / تمــوز / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب إعداد ا. د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة