شبكة ذي قار
عـاجـل










دون ان ندخل في التفاصيل، رغم اهميتها البالغة في التوضيح، يأتي السؤال: ، في نهاية كل هذا الدوران في الحلقة المفرغة، ماذا تريد امريكا الدولة، وليس الرئيس الأمريكي فحسب، من ايران الدولة والنظام الإيراني معاً ؟

هذا السؤال لم يكن وليد اليوم، إنما هو اساساً ولد منذ ان أُرْغِمَ السوفيات على مغادرة أفغانستان ، ومنذ ان حلَ خميني على رأس السلطة في طهران عام 1979 .. ومع ذلك يظل السؤال هو هو ، ماذا تريد الدولة الأمريكية من الدولة الإيرانية؟

وقبل الأجابة، يتوجب وضع بعض الحقائق، ليس من باب التفاصيل إنما من اجل وضع قاعدة للأجابة الممكنة، وخاصة في هذا الجو المفعم بالغموض، الذي تسوده سياسة خلط الأوراق :

أولاً- يجب أن لا ننسى، أن امريكا لديها مشروع الشرق الاوسط الكبير .. وهو مشروع يشتمل على كل دول المنطقة بما فيها إيران وتركيا .. وان هذا المشروع، ليس له سقف محدد لتنفيذه، إنما يعتمد في الأساس على واقع صراع القوى على الأرض، فيما يأخذ مساره في التنفيذ على مراحل على وفق زمن النضج السياسي- الأستراتيجي .. والمراحل هذه تنفيذية صارمة تشمل الأرض والبشر .. لماذا ؟ ، لأن المشروع معني بمتغيرات جيو- سياسية, وأخرى جيو- ستراتيجية.

ثانياً- أمريكا لا تستطيع أن تتخلى عن أدوات تنفيذ مشروعها، وهي الأدوات الوحيدة القادرة لحد الآن على تنفيذ ما عجزت عنه وكيانها الصهيوني طيلة عقود من السنين .. وأدوات الوكيل الإيراني هي المعول عليها في تنفيذ هذا المشروع، وهو في الأساس مشروع ( بيريز ) الصهيوني لقيادة المنطقة .. وقد اختارت أمريكا إيران لهذا الهدف الذي ينطوي على عداء الفرس للعرب .

ثالثاً- قد يقول البعض، ان مشروع الدولة الأمريكية يصيب إيران وتركياً .. فكيف تجعل امريكا من ايران وكيلاً، ويجعل الناتو من تركيا وكيلاً، وكليهما مشمولان بالتغيير؟

اقول : نعم ، إنهما كذلك ، ولكن ليس على قاعدة التغيير الجيو- سياسية في المنطقة، إنما الشمول يقتصر على متغير الداخل وبما يعزز موقع هتين الكتلتين الأقليميتين في المنطقة .. بمعنى إشراكهما في ( قيادة النظام الأقليمي ) بعد ان ينتهي المعول الطائفي – الأثني الفارسي من مهمته في الهدم والذي يستمر طويلاً.. أما بناء المشروع فهو المحفز بعد إخماد الفوضى التي تعتبر الفلسفة- السياسية لمشروع الشرق الأوسط الجديد .. ولكن ، من غير المنطق أن يستوي استقرار المنطقة على متغيرات يراها مشروع الدولة الأمريكية شاخصاً على الأرض دون ان تدفع الدولة الأمريكية ووكلائها ثمناً باهظاً.!!

رابعاً- تقوم فلسفة إشراك الوكلاء في هرمية قيادة النظام الأقليمي في المنطقة على اعتقاد غير منطقي هو ( تغيير السلوك وتحويله من سلوك عدواني الى سلوك عقلاني ) .. ويقول مروجوا هذه الفلسفة، إن اليابان قد تغيَرَ سلوكها بعد الحرب .. وإن المانيا قد تغَيَرَ سلوكها بعد الحرب .. وإن جنوب افريقيا قد تغير سلوكها بعد الحروب الأهلية الطاحنة .. وان اوربا بمجملها قد تغير سلوكها بعد الحربين العالميتين . وهذا يعني ، بدلاً من الدخول في حرب مع ايران يمكن نزع سلوكها العدواني ( الخارجي والداخلي ) عن طريق تنفيذ رغباتها الجامحة في أن تحتل موقعاً في النفوذ القيادي للنظام الاقليمي في المنطقة.!!

خامساً- إذن .. نحن أمام حالة من الهذيان الأمريكي .. كيف ؟ :

1- إن اليابان وظروفها الموضوعية وفلسفتها السياسية، هي ليست إيران ولا نظامها السياسي- الآيديولوجي لكي يقاس عليها .

2- وإن المانيا الهتلرية، هي ليست إيران كنظام سياسي آيديولوجي مذهبي ارهابي من الطراز الأول، حيث وصفته القيادة الأمريكية ذاتها، بالدولة التي ترعى الأرهاب ، والدولة المارقة .. ومع ذلك تريد أن ( تعدل ) السلوك الإيراني ذي النزعة الأجرامية .. بمعنى ، بدلاً من أن تحجر على المجرم ، تطلق سراحه لكي يعدل سلوكه بنفسه.!!

3- كما ان جنوب افريقيا ليست ايران بواقعها وظروفها الموضوعية، وان من الصعب إيجاد قاسم مشترك يربط بين واقعين مختلفين ومتناقضين في التكوين والتشكيل والأعتقاد حتى يصار الى الاحتكام الى مقاربات من هذا النوع .

4- أما أوربا وحروبها فلا قياس عليها، لأختلاف الواقعين، الأوربي والإيراني كلياً، ولا مجال للأحتكام إلى منطق تراجع الكنيسة أمام الدولة المدنية .. لأن فلسفة الكنيسة الدينية تعتمد على المنطق العقلي في قياس الأحكام .. أما مذهب التشيع الفارسي فلا يعتمد على منطق العقل في قياس الأحكام إنما فقط على مبدأ الولاء المطلق لمذهبية لا تمت للدين بصلة إنما تستند على نزعة التوسع في شقها الثنائي ، التوسع المذهبي والتوسع الأستراتيجي .. وكليهما يتعارضان مع موجبات الدين وقواعد القانون الدولي.

5- النظام الإيراني لن يتراجع عن نزعته الطائفية، ونزعته التوسعية الجيو- بوليتيكية إلا عن طريق الضغط المستمر واستخدام القوة أو التلويح باستخدامها، لأنه لا يملك غير المراوغة والخداع والكذب المغلف بالتقية .. وهو الأسلوب الذي يبرع ويخدع فيه العالم .. بيد أن مثل هذا الأسلوب لم يعد يجدي امام العالم، عدا أمريكا وكيانها الصهيوني، طالما أن القياس في عالم السياسة هو السلوك السياسي الخارجي دون القبول بالتبريرات أو الحجج والذرائع القادمة من عقد التاريخ .. ونزعته الطائفية التوسعية قد ثبتها نظام طهران في دستوره رسمياً منذ ان اعلن عن تصدير ثورته عام 1979 الى العالم العربي والأسلامي وبقية العالم .

6- نزعة التشيع الطائفي على حساب الدين الأسلامي الحنيف، ونزعة التوسع الأستراتيجي الفارسي على حساب المنطقة العربية .. يعرفها الأمريكيون، وهم مطلعون على تفاصيلها، ولا إشكالية في ذلك ما دامت الأداة الطائفية الفارسية تعمل لصالح المشروع الأمريكي- الصهيوني القاضي بتدمير كيان ( الدولة ) العربية وتدمير روح ( الدين الأسلامي الحنيف ) ، كهدف مشترك.

7- ولما كانت امريكا كدولة مؤسسات تدرك حقيقة النظام الايراني، التي تجمع بين نزعة التوسع الطائفي ونزعة التوسع الاستراتيجي، فأن مثل الأدراك يسقط كل التكهنات والتفسيرات التي تشيع صراعاً كاذباً بين ايران وامريكا، وصراعاً مخادعاً بين ايران والكيان الصهيوني ، كما يضع الحسابات السياسية والاستراتيجية في نصابها دون لف او دوران .

8- الأدارة الأمريكية ماضية، من خلال أدواتها وعملائها في العراق نحو تكريس واقع التقسيم .. وهدف التقسيم يعد هدفاً مركزياً للأحتلال .. وهدف التقسيم هو تفكيك أحد أهم عناصر قوة العراق ( الأرض والشعب ) وإفراغه من ثرواته الطبيعية الوطنية .. وذلك لحساب الأمن الأسرائيلي .

9- والحقيقة الشاخصة، في ضوء واقع التكوين المذهبي والأثني للشعوب الإيرانية، فأن التقسيم سيطال إيران لا محالة، ليس بسبب رغبة خارجية فحسب، إنما بسبب واقع الظلم والقهر والقمع الذي تعانيه الشعوب الإيرانية على مدى التاريخ .. فهل من مصلحة إيران أن يقسم العراق ؟ وهل من مصلحة تركيا أن يقسم العراق؟ وهل من مصلحة الدول العربية أن يقسم العراق؟!

لقد حاولت امريكا، ومنذ عام 2003 تنفيذ التقسيم ووجدت صعوبات بالغة نتيجة تداخل النسيج الأجتماعي العائلي والقبيلي والعشائري، بغض النظر عن المذهب والقومية ( العائلة العراقية هي في معظمها خليط متجانس من السنة والشيعة، من العرب والكرد والتركمان واليزيديين وغيرهم والمسيحيين بمختلف طوائفهم ) .. هذا التشكيل وقف حائلاً ولحد الآن دون التقسيم على وفق الرغبة الصهيونية والإيرانية والتخطيط الأمريكي.. ولكن الاحتلال عمد الى إشعال فتيل الحروب الأهلية الطائفية بالتعاون مع النظام الفارسي فأخفق .. وحاول مرات عدة واخفق.. وقتل واحرق وفجر الجوامع والمساجد والحسينيات والكنائس واخفق .. ووضع المتاريس والجدران الكونكريتية كفصل عنصري بين الاحياء والحارات السكنية في المدن العراقية واخفق .. حتى بات على يقين من إيصال واقع الصراع والتصادم الى مستوى ارتكاب المجازر والمذابح الطائفية والعنصرية واخفق.

10- إذن .. وكما نرى بات مشروع التقسيم ينضوي تحت سقف محاربة ( الأرهاب ) بغض النظر عن المسميات.. ويتم من خلال ( الحشد الدولي ) الذي تقوده أمريكا، كما يتم من خلال ( الحشد الطائفي ) الذي تقوده إيران .. والحشدان هما اللذان يقع على عاتقهما مهمة تنفيذ التقسيم .. وقد بدأت بوادر العملية في اجتياحات جرف الصخر ونتائجها، وصلاح الدين وبيجي والفلوجة والأنبار وحزام بغداد ونتائجها الوخيمة .. والتطبيق العملي هو ( التغيير الديمغرافي ) ، يصاحبه القتل والحرق وتهجير الملايين في العراء .

11- التقسيم على الأرض يأخذ شكل رسم خرائط جغرافية في ضوء مرتسمات .. ولا يهم في ذلك البشر، وهويتهم القومية والمذهبية لها وسائلها في التدمير والتذويب والتهجير .. لتبقى الأرض المحروقة .

12- امريكا، وكما أسلفنا، على اطلاع كامل .. وتعرف بالتفصيل ماذا تفعل وماذا يحدث .. ولا يجدر بأحد ان يتكهن بخلاف ذلك .. وهي ظاهرياً تدعي انها لا تملك ستراتيجية لمعالجة حالة معقدة هي خلقتها ولا تريد معالجتها ابداً.. لأن من مصلحة الكيان الصهيوني ان يستمر التدمير والأضعاف والتفكيك .. وايران مستعدة لهذه المهمة الى آخر مدى .

13- اما الملف النووي الإيراني ومفاوضاته ( فروة السبع ) كما نقولها نحن العراقيين، فلا نهاية تبعث على وضع الوحش الفارسي في قفص، ولا بارقة أمل في الأمن والأستقرار في المنطقة .. وليس من مصلحتها اغلاق الملف النووي .. هي تستطيع ذلك بدون حرب إن أرادت ، ولكنها لا تريد .. لأن النظام الفارسي وهو يتفاوض يعمل على التوسع الطائفي الأستراتيجي ليفرض واقعاً جديداً قد يفيده في فرضيات الأمر الواقع وتكريس النفوذ الفارسي وبالتالي يجعل نفسه احد اعمدة نظام الأمن الأقليمي في المنطقة، الذي تحدثنا عنه مراراً منذ اكثر من اربع سنوات .. نظام اقليمي لا وجود فعلي للعرب فيه، ومثل هذا النظام الذي تتحكم فيه قوى اقليمية ودولية استعمارية لا تبقي على الهوية القومية العربية، كما لا تبقي على الدين الأسلامي الحنيف .. والبدائل هي الطوائف التي تتحكم والقوميات الأقلية تتشرذم .. اما الحديث عن التاريخ والحضارة العربية - الأسلامية فلا وجود له في مناهج تعليم الصغار والكبار.!!

14- مفاوضات الملف النووي الإيراني لعبة كبير على طريق التحولات الجيو- ستراتيجية في المنطقة، تلعب فيها الترويكا الأوربية دوراً بارزاً في التسويف ريثما تنضج شروط التحولات الذاتية وظروفها الموضوعية ، فيما النظام الفارسي ماضٍ في تنفيذ نزعة التوسع الطائفي ونزعة التوسع الأستراتيجي في المنطقة في آن واحد، وامام انظار الجميع.!!

لا خيار امام الشعب العربي والأنظمة العربية سوى التصدي الجدي والكامل للمشروع الفارسي بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، بلا مهادنة ولا تراجع.. واعتماد مبدأ الأولويات الأستراتيجي، وهو ضرب رأس الأفعى الفارسية أولاً دون الأنجرار الى صراعات جانبية اخرى .. والضرب على مستويات، ومنها الضرب في العمق طالما كان الداخل الفارسي هشاً .. وضرب الأطراف والزعانف وتفكيك الخلايا وتشتيتها ومنعها من تنفيذ أوامر راس الأفعى القابع في طهران.!!





الخميس ٢٢ رمضــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / تمــوز / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة