شبكة ذي قار
عـاجـل










علماء الحفيز من روپيات خيرية إوده الإنگليزية إلى دولارات رامسفيلد الأمريكية

اشتهر مصطلح "علماء الحفيز" ( أو علماء الأوفيس ) عن تلك المجموعة من رجال الدين الذين ارتبطوا بمكاتب القوى الأجنبية وقوات الغزو والاحتلال والذين كانوا حاضرين لإعلان الولاء والمبايعة لمن غلب من القوى الأجنبية الغازية للعراق. لم يتغير دورهم؛ بل وَرَّثوا العار والعمالة والارتزاق حتى إلى عوائلهم، أبناء وأحفادا... وهم باتوا أمثولة مضحكة لدى عوام العراقيين على مر الأجيال منذ القرن الماضي .

تعترف الوثائق البريطانية ومنها ما ورد في مذكرات المس بيل : ( ... لقد بدأت علاقاتنا بمجتهدي كربلاء والنجف قبل الحرب بمدة طويلة، فقد كانت الحكومة الهندية في 1849 في علاقة بهاتين المدينتين، تختص بوقف أو خيرية إوده، ) . وهي الأموال التي كانت ترسل إلى العراق وتحديدا إلى المراجع الشيعية في النجف، ( ... إن ملوك إوده الشيعة في الهند كانوا قد وضعوا للاستثمار في قروض حكومية مبلغا يقدر بثلاثة ملايين ونصف المليون باون إسترليني ليصرف على أفراد أسرهم ومتعلقيهم ويرسل منه جزءا إلى إتباعهم في مكة والمدينة وكربلاء والنجف. ونظرا لان قسما من أفراد أسرة ملوك إوده لم يخلف وريثا أو وصية خاصة فقد ظل ما يستحقونه يبعث كله إلى العتبات .

تدعي الروايات البريطانية أن غازي الدين حيدر، ملك إوده ، كان قد أوقف مبلغا قدره 121000 روبية في السنة لتصرف كصدقات إلى مستحقيها في المدينتين المقدستين في كربلاء والنجف ، فوجدت حكومة الهند التي ورثت مسؤوليات شركة الهند الشرقية نفسها في موقف الناظر على هذا الوقف.

وكان توزيع هذا المبلغ في كل سنة يثير عدة مشاكل، لكنه انتظم في 1910 على اثر ترتيبات خاصة أجريت فأصبح التوزيع يجري بواسطة لجنتين خيريتين واحدة في كل مدينة تتألف من مجتهدين وأناس معينين بعد أن يحول القنصل العام البريطاني في بغداد المبلغ لهما. ) [ يراجع كتاب شيعة الهند لمؤلفه جون هوليستر، وكتاب السر ارنولد ويلسن في كتابه ( بين النهرين 1917 ـ 1920 ) ].

لقد لعبت تلك الأموال دورا كبيرا في تأليب بعض الجماعات ضد الأتراك والعمل لصالح الانجليز ، كما أثارت الضغائن والأحقاد في كثير من الأحيان .

" خيرية إوده " كانت بداية التغلغل البريطاني العميق في شؤون العراق . نستفيد هنا من ما كتبه إسماعيل مصبح الوائلي حول هذا الموضوع وامتدادات تلك " الخيرية" ودورها في النجف إلى نهاية القرن العشرين في العراق، باحثاً فيها استنادا إلى مراجع وكتابات أخرى منها ما جاء: في كتاب ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) ، للمحقق الشيخ أغا بزرك الطهراني، وهو من كبار علماء الشيعة، وكتاب ( شيعة العراق ) ، لإسحاق نقاش، و ( الطائفية السياسية في الوطن العربي، شيعة العراق نموذجاً ) لفرهاد إبراهيم، ومصادر أخرى كثيرة تناولت " خيرية إوده " . تذكر هذه المصادر عدة نقولات عن ماهية هذه الخيرية، منها :

( ... إن الهند في القرن الثامن عشر الميلادي عندما كانت تحت الاحتلال البريطاني، كانت مقسمة إلى ممالك وإمارات، إحداها كانت مملكة إوده ( [ إوده : وهي مملكة شيعية تأسست سنة 1720 للميلاد ودامت هذه المملكة 150 عاماً، وكانت عاصمتها في لكهنو] ، كما جاء في كتاب ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) للشيخ أغا بزرك الطهراني.

وقد أوقفت ـ حسب ادعائهم ـ بعض أميرات هذه المملكة أموالاً طائلة تذهب فوائدها إلى المرجع الأعلى في النجف الأشرف أو كربلاء حسب تواجده ـ علما أنه لم يكن متعارفا في ذلك الحين لقب المرجع الأعلى على الإطلاق، وجاء لقب المرجع الأعلى، بوقف خيرية إوده فقط .

وهناك رواية بريطانية أخرى تذكر ( إن بريطانيا احتاجت إلى مبالغ لتغطية نفقات حروبها فاقترضت المبلغ المذكور من هذه المملكة، وقد اشترط الملك في ذلك الوقت ] أن تذهب فوائد المبلغ إلى المرجعية في العراق، ونظراً لكون هذه المملكة محتلة من قبل البريطانيين فقد كانت القنصلية البريطانية في بغداد هي التي تشرف على توزيع هذه الأموال، وبات توزيع الأموال حسب ما تراه القنصلية متوافقاً مع مصالحها، واستمر توزيع الأموال لحوالي قرنين من الزمن ) .

ونشير هنا إلى معطيات ومعلومات أخرى مختصرة نقلاً عن كتابات العديد من الكتاب العراقيين والانجليز عن بواكير التدخل البريطاني في العراق من خلال ما يسمى " الخيرية" ، سنقتبس الفقرات التالية مما كتبه الأستاذ ألطريحي حول التعريف بهذه الخيرية، والطر يحي هو ابن النجف وابن المرجعية والخبير بهما: ( ... اشتهر هذا المصطلح كثيراً في النجف خلال القرنين الأخيرين وقد يعبر عنه في بعض الأدبيات بلفظة فلوس الهند أو دراهم الهند...الخ والمقصود به الأموال التي كانت ترسل من مملكة إوده الشيعية ومقرها لكهنو Luoknow إلى النجف وكربلاء. )

وقد بدأت قصة هذا الوقف ـ أو "الخيرية" كما كان يطلق عليه لدى النجفيين ـ حين قدم غازي الدين حيدر ملك أود قرضاً لحكومة الهند البريطانية سنة 1825هـ قيمته عشرة ملايين روپية، واتفق الجانبان على إبقاء أصل القرض دون تسديد بشكل دائم، على أن تدفع حكومة الهند فائدة مستمرة للأبد مقدارها خمسون بالمائة سنويا، توقف لأغراض خيرية، وتكون الحكومة وصية على إنفاقها، وضمنت تلك الشروط في اتفاقية أمضاها الجانبان في 17/8/1825م ، ومددت الأغراض الخيرية للوقف بتوزيع هبات مالية على الفقراء في مدينتي النجف وكربلاء عن طريق عدد من المجتهدين المقيمين في هاتين المدينتين.

ومنذ الابتداء بتوزيع تلك الهبات في تلك المدينتين سنة 1849م مرت الطريقة المتبعة في التوزيع بتطورات عدة كما إنّها سبّبت انتشار أشياء في سوء التوزيع وشكاوى متواصلة ضد المجتهدين الموزعين وقد كانت عائدات الوقف السنوية البالغة ثمانية آلاف جنيه إسترليني تقسم إلى نصفين متساويين تدفعها السلطات البريطانية إلى مَن تثق بهم في النجف وكربلاء.

وكان أول مَن وزعها في النجف الشيخ محمّد حسن الأصفهاني، صاحب الجواهر، المتوفى سنة 1266هـ وبعد وفاته رفض الشيخ مرتضى الأنصاري استلامها أو توزيعها ورفض الكثير من العلماء زهداً وورعاً وخوفاً من الهيمنة الأجنبية التي يسعى إليها الإنگليز.

اشتهر من موزعي تلك الأموال في النجف السيّد علي بحر العلوم منذ سنة 1275هـ . ، وبعد وفاته حلّ مكانه السيّد محمّد بن محمّد تقي بن رضا بحر العلوم، [ كما ذكره السيّد الأمين في الأعيان ج9/ص: 408] ، وقال: ( ...وكانت بيده حصة النجف من دراهم الهند المعروفة، بفلوس الهند، وربما أثرت هذه في مقامه عند الناس ،بحسب رتبته العلمية السامية وبقيت في يده مدة طويلة ثم وزعت من قبل الأنگليز بأيدي مجتهدي النجف فقبلها قوم ورفضها آخرون فبقي بيده مثل ما بيد أحدهم ) ..

وعن اتجاه الرفض لتلك "الخيرية" وانحرافات استغلالها من قبل الانجليز من جهة ومن مستلميها والقائمين على شؤون توزيعها يواصل الأستاذ ألطريحي فيكتب: ( ... وممّن رفض توزيع تلك الأموال الشيخ محمّد طه نجف المتوفى سنة 1320هـ، والسيّد حسين بن رضا بن مهدي بحر العلوم ( انظر:السيّد محسن الأمين: أعيان الشيعة، ج6/ ص: 18. ) ، وكان الكثير من طلبة العلم يؤثرون الجوع بدلاً من استلام تلك الدراهم ومنهم السيّد محسن الأمين نفسه ( انظر السيّد محسن الأمين: أعيان الشيعة، ج10/ ص: 354. ) . وقد كان التلاعب في تلك الدراهم كثيراً فأثرى الكثير بواسطتها وإلى هذا يشير الشيخ محسن الخضري ألنجفي المتوفى سنة 1301هـ بقوله من أبيات
: ( فكثير ممّن تولى النصارى بلغ القصد من فلوس الهند )

والواقع إن طلاّب العلم من العرب كانوا من أكثر المتضررين من هذا التوزيع، وللشيخ جعفر بن الشيخ علي كاشف الغطاء المتوفى سنة 1320هـ، قوله معرضاً بـ " خيرية" إوده:
( وخيرية جاءت من الهند بغتة..... وخُص بها ظُلماً أهيل النمارق )
( جرى قلم فيها وجفّ وقد جرت....... على نهجه أقلام كل منافق )

وهكذا كثرت الشكاوي والتبرم من سوء توزيع العائدات الّذي أنيط ببعض المجتهدين فاستأثروا بالأموال لأنفسهم بالرغم من تدخل الإنگليز الّذي لم يقض على تلك الظاهرة؛ بل استفاد منها، ففي يناير 1912م قرّرت حكومة الهند فرض الإشراف المباشر على التوزيع من خلال تشكيل لجنتين يرأسها نائب القنصل البريطاني في كربلاء وتتوليان توزيع نصف الوقف في كربلاء والنجف على الفقراء مباشرة، ولكن هذا الإجراء كان يحمل في الوقت نفسه عدة مضامين سياسية تستهدف التعامل المباشر مع قطاع من أهالي النجف وكربلاء. وقد تنبه لهذا الأمر والي بغداد حينئذ أحمد جمال بك، وكان أحد زعماء جمعية الاتحاد والترقي المتحمسين، وطلب من البريطانيين تجنب الاتصال المباشر مع الرعايا العثمانيين كما انه استغل فرصة ضعف الدولة الإيرانية للضغط على الرعايا الفرس المقيمين في النجف وكربلاء لمنعهم من الاتصال بالإنگليز من خلال "خيرية" إوده.

للدراسة شهادات ومراجع وإحالات وهوامش كاملة





الاحد ٢٥ رمضــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / تمــوز / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب إعداد ا. د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة