شبكة ذي قار
عـاجـل










مقدمة :

 صحيح قد تفضي تحولات الـ ( Geo-politic ) إلى تحولات الـ ( Geo-economy )

 بالتتابع وليس بالتزامن ، لأن فعل الصراع الجيوبوليتيكي قد ينطوي على اهداف اقتصادية ولكن تحت أغلفة متعددة .. والتاريخ يفصح في الكثير من صفحاته، ومنها الحروب الصليبية ( الدينية كغطاء لفعل الحرب ) كانت الدوافع الأقتصادية تقبع خلفها، وهي اهداف الشرق الذي يضم بين ظهرانيه الثروات الطبيعية والأسواق وموانئ السواحل لا الصحارى ، وخطوط التجارة عبر ممرات البحار ومضائقها صوب الهند :

- بعض خبراء السياسة الخارجية الامريكيين الذين يحيطون بالرئيس الامريكي "باراك أوباما " ومنذ ولآيته الاولى، الذين يوصفون بالواقعية البراغماتية، يؤكدون فرضيتهم التي تقول ( إذا لم تكن بمقدورك أو لا ترغب في وقف صعود قوة ما ، فبأمكانك التعاون معها سعياً للحد من مخاطر العنف ) و ( إذا لم تستطع ان تشن الحرب على العدو لتغيير سلوكه السياسي فعليك بإحتوائه من اجل التغيير من الداخل ) .!!

- وعلى وفق هذه الفرضية ، استبعدت امريكا - كما يقول هؤلاء الخبراء - الخيار العسكري حيال ايران لمنعها من اكتساب المعرفة النووية وردعها من الوصول بخطها العسكري الى مستوى التسلح غير التقليدي .. واعتمدت خيار العقوبات الاقتصادية سلاحاً لتحجيم ايران ومن ثم احتوائها . والمعروف ان العقوبات من هذا النوع رغم انها تضعف ولكنها لا تشكل تهديداً جدياً لنظام الدولة الفارسية إلا من بعض الجوانب التي ترتبط باوضاع الداخل الايراني من جهة والقدرة على دعم زخم التمدد الخارجي والقدرة على بقاء النفوذ مستمرا على ساحات متحركة قادرة على تغيير المعادلات بطريقة لا ترتاح لها كل من واشنطن وطهران .. وهذا يأخذ زمناً طويلاً تتفكك خلاله قيود العقوبات وتتآكل بفعل طرق الألتفاف عليها وخاصة من خلال ( العراق الذي تستخدمه ايران سياسياً ودبلوماسياً ومالياً واقتصادياً وعسكرياً مليشياوياً وعمقاً ستراتيجياً للأنطلاق منه نحو الأقطار العربية الأخرى ) ، ومن خلال ( روسيا التي تدعم طهران سياسياً ودبلوماسياً واستخبارياً وتسليحاً عسكرياً ) ، ومن خلال ( الصين التي تدعم ايران سياسيا ودبلوماسياً في المحافل الدولية ) ومن خلال حتى بعض الدول التي ترتبط بطهران بعلاقات اقتصادية واسعة تقدم التسهيلات للدولة المعاقبة ايران .. ألم تدرك أمريكا هذا الواقع .. نعم تدرك كل خيوط وخطوط الألتفاف على قراراتها البائسة وقرارات مجلس الأمن ، لأن الأهداف الأمريكية والصهيونية قد تخطت تلك القرارات وتجاوزت المنظور القاصر لهذه الخديعة الكبرى .. ووضعت إيران على خط التأهيل الأقليمي!!

- هنالك معادلات في السياسة - الأستراتيجية ( ولا اقصد الأستراتيجية التي هي التخطيط الذي يجمع بين الأهداف والوسائل ) ، إنما السياسة التي تعالج واقع الأستراتيجية ومعطياتها .. وكما ترون ، أن أوباما ومن ورائه الخبراء ، يقول بعد عقد من السنين أن بلاده لا تمتلك ستراتيجية لمعالجة واقع الساحة العراقية والسورية وحتى اللبنانية واليمنية، ولا حاجة للحديث عن ما يفعله الأمريكيون في البحرين وما يضمرون خلف ظهر المملكلة العربية السعودية ومصر، التي انقذها الشعب المصري وجيشه الوطني من الأنزلاق نحو الهاوية في زمن قياسي وفي اللحظات الأخيرة من الأنحدار.. لأن أمريكا كانت قد استخدمت الأخوان المسلمين في مصر وفي عموم المنطقة العربية ومنهم حزب الدعوة في العراق أداة من أدوات ( سياستها – الأستراتيجية ) ، وحتى هذه اللحظة .. وبعد أن فشلت هذه الأداة أو بالأحرى أفشلت عن طريق :

أولاً- تلاحم الشعب والجيش المصري الذي وضع حداً لهذا الأنحدار المخيف .

ثانياً- قرار عاصفة الحزم التي وضعت حداً للتمدد الفارسي في اليمن ومداخل عمق الجزيرة العربية ومضائقها الحيوية .

وازاء هذا الفشل، ماذا ستفعل امريكا .. هل ستظل تستخدم بقايا حزب الأخوان المسلمين رغم كونه حصاناً خاسراً .. وهل يشمل هذا الأمر حزب الدعوة الحاكم في العراق الذي يعتبر احد الأنماط الممنهجة لحزب الأخوان المسلمين مطروح في اطار إيراني ومنذ نشأة قيادته الفارسية الأولى في طهران منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم .. أم ستستغني أمريكا عن الحصان الخاسر في المنطقة العربية بما فيه حزب الدعوة الحاكم في العراق من أجل رسم سياسة – ستراتيجية جديدة لواقع تجريبي جديد.؟! ، طالما ان نتائج التحولات هي في حقيقتها ترمي الى تكريس المصالح .. واحد المسارات الخاصة بالمفاوضات النووية التي شهدها العالم منذ اكثر من عقد من السنين قد تمخض عن اتفاق ( تمخض الجبل فولد فأراً مأزوماً بالطاعون ) ، والمفاوضات هذه ومدخلاتها ومخرجاتها في عواصم الفرقاء المعنيون هي سياسية بالدرجة الاولى تمهد الطريق لعدد من الاهداف منها ( النفوذ - الهيمنة - المكاسب الأستراتيجية - المغانم الأقتصادية النفطية والغازية والثروات الطبيعية ) .

- كانت العقوبات الاقتصادية ، وهي من أفعال السياسة ، قد اضعفت الاقتصاد الايراني ولكنها لم تُحِد من تشدد النظام الفارسي في السياسة، بل بات يراهن على التصلب والتشدد – لأن إطالة المفاوضات هي أحد أركان السياسة - الأستراتيجية الأمريكية- الأسرائيلية امام تهافت امريكا وتابعوها من الأوربيين، الذي قدم مبرراً للفرضية الأمريكية سالفة الذكر- أن لا حرب على طريق الحسم إنما الأحتواء والتقييد – وهذا هراء .. لأن كلا الطرفان يدركان قواعد اللعبة وهدفها الكبير .. وعلى هذا الأساس اعدت الصفقة الكبرى لمتغيرات الشرق الاوسط الجيو - سياسية عن طريق الملف النووي الأيراني الذي استمرت طبخته اكثر من عقد من السنين.!!

- التحولات في الـ ( Geo- politic ) ، التي تعمل عليها أمريكا لتفكيك دول المنطقة، لا تستقر إلا بإرساء قاعدة تضم جملة من تحولات الـ ( Geo- economy ) ، لكي يتم بناء الكيان الذي ترمي اليه التحولات في السياسة .. والمعنى في ذلك ان رفع العقوبات الاقتصادية قد يؤسس لبناء الاقتصاد الايراني ، ليس على المستوى المحلي فحسب، إنما على مستوى النظام الأقليمي، ربما يتماشى مع الطبيعة البنيوية للنظام الاقليمي .. وهكذا أُعِدَتْ ايران لكي تدخل نظام الشرق الاوسط من البوابة النووية المخادعة.

- ولم يكن احتلال العراق واسقاط نظامه الوطني كما قيل من باب ( حرب اختيار ) والأعتراف من ثمَ رسمياً بأنه ليس خطأً استراتيجياً وكارثة سياسية ارتكبتها امريكا بحق العراق فحسب، إنما جاء الاحتلال مخططاً له بأتقان يستهدف تهديم السد لكي تتدفق المذهبية الطائفية على العراق والمنطقة .. وهو تخطيط صهيوني يسعى إلى تقسيم دول المنطقة وتفتيتها إلى كيانات طائفية وعرقية يستطيع الكيان الصهيوني عندئذٍ الأندماج بينها وقيادتها وحسب رؤية "شمعون بيريز" ، الذي أكد أن الصواريخ التي تنطلق من الصعب منع وصولها إلى أهدافها ، الأمر الذي حول خيار الحرب إلى الخيار الأقتصادي ، عندها ظهرت مشروعات الشرق- اوسطية واقيمت مؤتمرات في ضوء اجندتها ومنها مؤتمر الدار البيضاء في المغرب، لغرض ( دمج ) الكيان الصهيوني في بيئة المنطقة .. ولكن كل هذه المحاولات كانت فاشلة .. لأن الشعب العربي الفلسطيني والشعب العربي يرفض الكيان الصهيوني بأي صيغة كانت .. الفشل الصهيوني والفشل الأمريكي في ترويض الأقطار العربية بالحروب وبالأحتلالات والمؤامرات والمجازر والمذابح لم يصل ألى نتيجة منذ عام 1948 ولحد الوقت الراهن ، ولم يحصد غير الفشل الذريع .

- هذا الفشل .. كان أحد الأسباب الرئيسة لمخطط إقتحام المنطقة من البوابة الطائفية والأثنية الفارسية .. الذي بدأ بعد سقوط الشاه ، وبعد مجيئ خميني عام 1079 ، وبعد الحرب العراقية – الإيرانية ، وبعد عدوان عام 1991 ، وبعد الحصار الذي استمر اثنا عشر عاماً ، وبعد احتلال العراق عام 2003 وما تمخض عنه من انتهاكات لإرادة الشعب العراقي بفرض دستور طائفي إثني ، وفرض احزاب فارسية طائفية ، وفرض عملاء الخارج من كل حدب وصوب أغرقوا البلاد والعباد بالدم والقهر والإذلال .

الخلاصة :

1- ان الواقع الجيو- استراتيجي للمنطقة لا يسمح مطلقاً بالتمدد الفارسي على حساب اكثر من ( 400 ) مليون عربي ، ولا يسمح هذا الواقع لدولة اجنبية على حدوده أن تتمدد لأي سبب أو إدعاء أو مزاعم أو تبرير، ولا يسمح النظام العربي بأن يكون صراع الأمة مع أعدائها صراعاً مذهبياً أو طائفياً أو إثنياً وبأي صيغة كانت.

2- إن الأمن القومي العربي لن يحل محله أي نظام للأمن الأقليمي الأجنبي يفرض اهدافه ووسائله ورؤاه الفكرية والسياسية والعسكرية على المنطقة .

3- يتحمل الشعب العربي في كل ساحاته مسؤولية الحفاظ على توازنه ووحدته الأجتماعية ووحدة ترابه الوطني، بغض النظر عن الدعاوى الأثنية والمذهبية المغرضة التي يؤججها الأستعمار والصهيونية والفارسية والذين يسيرون في ركابهم .. كما تتحمل القوى الوطنية والقومية والإسلامية المدركة لمجرى صراع الأمة مع أعدائها ، مسؤولية الحفاظ على وحدة مجتمعات الأمة ووحدة أراضيها ، والعمل على تفويت الفرصة على كل من يطرح ما يثير النزعات الطائفية والمذهبية والعرقية و يدعو الى التقسيم والتفتيت والأقتتال والشرذمه .. والتأكيد على أن الصراع هو ليس صراعاً أيديولوجياً ( طائفياً- إثنياً ) إنما هو صراع فرضته مجموعات مؤطرة بالطائفية والأثنية تحركها قوى خارجية لا تمت لأوطاننا العربية بصله ، هدفها تنفيذ اهداف دول خارجية بطريقة القتل والنهب والإقصاء والتهميش وإثارة نزعات الأنفصال وغرائز القتل منذ أكثر من عقد من السنين.

4- فرز العناصر التي تدعو إلى إثارة الفوضى وإثارة موضوعات التقسيم والأنفصال ودعوات التهجير .. ليس بهدف الأنتقام والثأر ولا بهدف الأنجرار إلى ممارسات طائفية معاملة بالمثل وبالتالي السقوط في فخ الأقتتال الطائفي والعرقي الذي رسمت مخططاته دوائر صهيونية وأمريكية وإيرانية .

5- عدم إنجرار القوى الوطنية تحت أي مسمى نحو صراعات جانبية أو ثانوية، والتركيز على الهدف المركزي وهو التحرير .. تحرير العراق وتحرير شعب العراق .. وبناءه بناءًا وطنياً الولاء فيه للوطن وليس للمذهب مهما كان .. تتولى قواه الوطنية جميعها بناء مؤسساته التمثيلية على قاعدة ( الوطنية والنزاهة والكفاءة والأيمان بوحدة العراق أرضاً وشعباً ) ، والأبتعاد عن إقحام المذهبية والعرقية في ممارسات السياسة وبناء الدولة المدنية .

6- بناء علاقات متكافئة تقوم على مبادئ حسن الجوار مع الدول الأقليمية الكبيرة ومع كافة دول العالم على وفق ما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ، والأحتكام إلى منطق حل المنازعات بالطرق السلمية وعدم الركون إلى العمل العسكري إلا في حالة الدفاع المشروع عن النفس الذي تكفله القوانين الدولية .. وتأكيد مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واحترام خيارات الآخرين في طبيعة انظمتهم السياسية والأجتماعية والأقتصادية ، وعدم الأنجرار إلى محاور اقليمية أو دولية أو تحالفات تستهدف دولاً اخرى وتهدد الأمن والسلم الدوليين.

7- لا مستقبل لنزعات الأنتشار المذهبي .. وهي نزعات يصاحبها التطرف والعنف، يرفضها الشعب العربي وكل شعوب العالم . وان الركون إليها لتنفيذ اهداف ومقاصد سياسية معينة يعتبر من اعمال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى تنطبق عليها احكام القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة .

8- ولا مستقبل لدعوات التقسيم المشبوهة مهما كانت مبرراتها فالأساس هو وحدة الشعب ووحدة ترابه الوطني .. وعلى الشعب وقواه أن يبنوا دولتهم على أسس وطنية لا طائفية ولا إثنية لكي تستقيم الأمور على قاعدة الشعب كل الشعب وليس على قاعدة الأكثرية والأقلية المغرضة.!!





السبت ٩ شــوال ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / تمــوز / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة