شبكة ذي قار
عـاجـل










مقال الكاتب " مأمون فندي" في الشرق الأول الأسبوع الماضي 27/7/2015 تحت مفردة اختزال الأعداء جاء بعد الأتفاق النووي الايراني، ليثير الأستغراب. والكاتب يتعاطى مهنة الدبلوماسي الصعبة، وهو الآن في خارجها على ما اظن. يتحدث عن ما يسميه باختصار ( .. تفكيك المخاوف التقليدية .. تفكيك الصورة الذهنية الجاهزة .. والخوف المبرر على سوريا من تركيا وليس من ايران .. وان حل ازمة سوريا يتم خارج التمدد الايراني .. وايران ليست العدو الاقليمي الوحيد للعرب .. وان التصدي لايران واعتبارها العدو الوحيد فكرة غير استراتيجية ) .. ويبدو في هذا الكلام وكأن إيران حمامة سلام أو انها لم تتمدد ايديولوجياً وإستراتيجياً وتعلن بوضوح وصراحة انها قد تمكنت من السيطرة وحكم اربع عواصم عربية، وان عاصمة امبراطوريتها بغداد .. هل ترون ماذا يرمي إليه في هذه المعميات التي طفح بها بعد مرثون الأتفاق النووي الإيراني.؟!

لم أشأ الرد ولا كان في نيتي ذلك لولا الطريقة التي غلف فيها المفاهيم، وقزم فيها الأحداث، وقفز فوقها واهمل نتائجها، وثلم زواياها الحادة والمدببة، ودفع بعضها الى الوراء رغم اولوياتها، قزمَ مشروع وعظم مشروع، وتغاضى عن آخر .

كل هذا التنميط الجديد الذي حاول الكاتب أن يضفي عليه شيئاً من المنطقية والواقعية، بدعوى أهمية تفكيك الفكرة السالبة والأحتكام للواقع الراهن.. ومع ذلك ظل مقاله من بداياته ومداخله غير المقنعة التي يعترف بأنها ستثير زوبعة اصدقائه قبل غيرهم، حتى نهاياته التي لم تفصح، على الرغم من انه كان سباقاً بتكهنات أو بخلاصات او باستنتاجات الآخرين الصائبة، التي تؤكد ان محصلة هذا المقال تصب في تبرئة إيران ومحاولة تقزيم مشروعها بمعنى ( عدم خطورته ) وتعظيم المشروع التركي بمعنى ( خطورته ) ، واغفال المشروع الأسرائيلي وبالتالي عدم التعرض لمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي تنفذه امريكا من خلال وكلائها في المنطقة، ونتائجه الشاخصة، سفك الدماء وتهجير الملايين وتدمير المدن التاريخية وافساد البيئة الطبيعية والاجتماعية وتهميش الحضارة العربية - الاسلامية .. بمعنى اسقاط النظم وتدمير الدول :

1- من المعروف في علم السياسة، ان الاحداث لم تأت صدفة، كما انها خاضعة كفعل لرد الفعل، وان تراكم الاحداث يؤدي الى سوابق تاريخية، وان ظهور الفعل هنا قد يعني ان الهدف هناك، والعكس صحيح .

2- وان احداث السياسة، وخاصة توازنات القوة وتوازنات القوى، ولا اتحدث عن توازنات المصالح، تحكمها قوانين ليس بوسع الكاتب منعها او حجبها او اغفالها او التستر عليها .. هي قوانين الفعل تنتظر حين تفاجئ بقوانين رد الفعل .. والقانون الأكبر يتمثل بقانون ( التحدي والأستجابة ) .. اما كيف يتم التعامل الموضوعي مع هذه القوانين فهذا موضوع آخر.

3- ان اي فعل من افعال السياسة الخارجية، سواء كان عسكرياً او استراتيجياً او ثقافياً او فكرياً او ايديولوجياً او اجتماعياً ، يُرصَدْ من لدن وحدات سياسية اخرى ويدقق وتحلل مضامينه وابعاده وترسم له معالجات بوسائل تختارها السياسة وبالصورة التي تؤمن للدولة سلامتها الاقليمية وحماية مصالحها ومصالح شعبها وأمنه ومستقبله .

4- معظم الوحدات السياسية الأقليمية والدولية الكبرى والعظمى التي لها منظور سياسي مؤسسي تدرك ذلك، عدا الوحدات السياسية التي لم تصل بعد الى مستوى ادراك اهمية البنية المؤسسية لنظامها السياسي .. وكما ان العمل السياسي الخارجي هو الآخر مؤسسي قائم على بنية معرفية وقانونية وادارية، فهو يستند على قاعدته الداخلية المؤسسية الدستورية .. وهذه الأمور تعد من بديهيات علم السياسة.. الأمر الذي يفصح عن فجوة كبيرة في هذا الجانب تعانيها معظم بلدان العالم الثالث ومنها اقطارنا العربية .. ومع ذلك فأن في مقدمة اولويات هذه الوحدات السياسية هو الأمن القومي العربي بكل عناصره وشموليته والتي بلغت مدركاتها في ظروف التحديات والمخاطر الجدية مستوى معيناً من التحفز والقدرة على الحشد السياسي والعسكري فضلاً عن حشد الموارد بشقيها المادي والبشري.. ومع ذلك فأن هذا الأدراك لم يرتق إلى مستوى المخاطر ومشاريعها المطروحة.!!

5- المشاريع التي تحيط بالوطن العربي، هي مشاريع ليست سليمة النيات والأهداف.. وكلها تسعى نحو النفوذ والهيمنة ومن ثم استنزاف ثروات الأمة .. فالمحلل الموضوعي ينبغي ان يضع هذه المشاريع على اساس درجة خطورتها على الأمن القومي العربي .. ومن ثم يصنف أيهما الخطر الداهم، وايهما الخطر الوشيك، وايهما الخطر المؤجل.. وعلى وفق هذه الرؤية الأستراتيجية التي غابت او أغفلها الكاتب، فقد وضع نفسه في دائرة الشك .. ويبدو انه غارق في امرين : إما انه لا يعرف تدرج الاخطار التي نسميها التحديات في التخطيط الاستراتيجي، الامر الذي يضع هذه الاخطار في سلة واحدة، وهذا قصور فكري لا يغتفر في علم السياسة .. أو انه يعرف ذلك ويتغافل لغرض في قلب يعقوب، كما يقال، يظهر في زحمة الصخب الراهن الذي احاط اتفاق النووي الايراني اقليمياً ودولياً ، هو ترويج - الاذعان لسياسة الامر الواقع بوسيلة تفكيك الفكرة وعدم الركون الى الوسائل القديمة لمعالجة الموقف، كما يلمح - وهو اسلوب ينم عن اتجاه ضعيف الحجة يستسلم لواقع الصراع المتحرك الذي لم يحسم بعد، ولن يحسم لصالح أي دولة اقليمية، انما يظل خاضعاً لمتغيرات موازين القوى الدولية التي تحيط بأقطاب الصراع – امريكا والصين وروسيا الأتحادية – على وجه التحديد، واوربا بكل اشكالياتها وامكانات تفجرها بشكل عام .. حيث من الممكن ان تبقى المشكلات الاقليمية عالقة بدون حلول، لأن مفاتيح تلك الحلول تكمن في الظروف الموضوعية التي تحيط بتلك المشكلات، فيما تبقى الشروط الذاتية رهينة لتلك الظروف، إلا اذا عزمت على الثبات والمطاولة والانفتاح والمرونة والتحالف وعدم الزوغان عن استراتيجية الأولويات التي تحكم مجرى الصراعات السياسية في مجملها ومنها العسكرية والفكرية والاجتماعية .

" محمد حسنين هيكل " ، الكاتب والصحفي المعروف، كان قد بنى افكاره السياسية- الصحافية وانتج الكثير من الكلام بناء على امرين :

أولاً- جهات صنع القرار التي فتحت له خزائن اسرار السياسة واستخباراتها السرية لينهل منها ما يشاء من اجل ( التسريب ) الرسمي المتعمد.

ثانياً- مقابلات هيكل مع الشخصيات القيادية والمهمة، من ملوك ورؤساء وشخصيات على مستوى عال من النفوذ ومنها قريب من الصهيونية والماسونية على حدٍ سواء .. هذه المقابلات مبنية على مدرك الأمر الأول، على اساس ان هيكل يطلع على اسرار الخزائن، وهذا يخوله ان يتحدث ويسأل ويدون ما يشاء وينتزع ما يستطيع من خفايا الاحداث اعتقاداً من المقابل انه يمثل احد اهم خيوط الترابط الخفية الثنائية والمتعددة، التي يشترك فيها لآعبون اقليميون ودوليون كبار صناع الأحداث والتاريخ .

وعلى اساس هذا التنميط من سيرورة هيكل في عالم السياسة والصحافة بنى هيكل مجده الذي لم يكن قومياً مشرفاً .. وظلت اطروحاته حول الصراع العربي- الصهيوني يشوبها الكثير من الشكوك في صدقيتها، وخاصة حين اغفل اهمية الترابط الموضوعي للمخاطر التي تحيق بالأمة العربية، وتغافل عن اهمية الترابط الموضوعي لعناصر ومقومات الأمن القومي العربي، التي يجب أن تتوضح ويتم التركيز عليها والتثقيف بشأنها كمصير مشترك لكافة الأقطار العربية، رغم كل المعوقات السياسية والبنيوية .. وكما نرى الآن في ظل الظروف الراهنة كيف عمدت مخاطر المشاريع تتدفق لتحيط الأمة، وكيف حطمت اعمدة الامن القومي العربي الأساسية لكي تتولى تهديم بقية الركائز الواحدة تلوى الاخرى بمختلف الوسائل والمسميات ( الشرق - اوسطية والشرق الاوسط الكبير او الجديد - ثم أمن الخليج الموسع، الذي يعمل عليه المشروع الفارسي تحت اشراف المشروع الامريكي - والعمق الاستراتيجي الذي تتبناه الدولة التركية - وخطوات سحق القضية الفلسطينية جغرافياً وسياسياً ونفسياً واجتماعياً ) .!!

وبعد كل هذه العقود من الصراع الذي غلف فيها هيكل نفسه بمصطلحات وتسميات وافكار- اظهرها حق أراد بها باطل - انكشف في قمة شراسة المشروع الفارسي وتمدده الفاضح، مناصراً لطهران العنصرية الفاشية المعتدية .. فسقط وكتاباته في حضيض مزابل التاريخ .

ليس ذلك مقارنة بما جاء في مقال الكاتب موضوع البحث، لأنه ليس بهيكل وهيكل ليس بفندي .. ولكن يتوجب الحرص على إعادة النظر بمفاهيم علوم السياسة لكي تعينه على التحليل الموضوعي وتمكنه من تحديد الأولويات كمبدأ، وتساعده على اختيار المعايير الاساسية في التحليل والأستنتاج، وان لا يستعجل في الحكم لمجرد ظهور حدث يعتبره اساسياً وهو ثانوي حيال احداث اكبر، وان ينظر الى الاهرام، وهو ليس بعيدا عنه، ويتفحص كل اضلاعه حتى قاعدته لكي يُكَونْ تصوراً موحداً له كحقيقة، وليس ضلعا من اضلاعه كوهم .!!





الاثنين ١٨ شــوال ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أب / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة