شبكة ذي قار
عـاجـل










إن الحقائق على الأرض كشفت إن هؤلاء " زعماء مفلسين" ليس لهم داخل العراق أية قواعد شعبية تدعمهم ، كشفت عن ذلك حالة رعبهم وهم يتنقلون في بغداد تحت حماية القوات الأمريكية وشركات الحماية الخاصة قبل أن يشكلوا بالإيجار أعدادا من المرتزقة سموهم " الحمايات الخاصة" بتمويل وتدريب وإشراف أمريكي كان يشرف عليه لاحقا نيغروبونتي بنفسه. وما دام الأمر كذلك مع القادة السياسيين الجدد ولتحييد الأعداد الكبيرة من مسرحي الجيش والقوات الأمنية السابقة ولامتصاص حالة البطالة الجديدة لهم كان التوجه الأمريكي توظيف المرجعية الدينية في النجف في عمليات التهدئة على عدة جبهات :

الجبهة الأولى: تحريم العمل المقاوم ورفضه والإذعان للاحتلال وهذا ما نفذه بإتقان السيد علي السيستاني.

الجبهة الثانية: التوظيف الانتقائي لعناصر الجيش الجديد الطامعين بالحصول على التزكيات بالتعيين من محيط علي السيستاني والأحزاب الاسلاموية التي بدأت تزحف على استلام السلطة ، وخاصة الجيش والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية بدعم وموافقة وتزكية المرجعيات.

الجبهة الثالثة: التشدق بقبول الخيار الديمقراطي والتداول على السلطة لفظيا، في حين زجت المرجعيات ثقلها في الفتوى والتوجيه للتصويت لصالح قوائم معينة وكانت المرجعيات عبر وكلائها حاضرة بقوة في الحملات الانتخابية سواء للبرلمان والمجالس المحلية ، كما دعت أيضا الدعوة إلى المشاركة بقوة في الاستفتاء على الدستور المُعّد أمريكيا، والتفاهم على تقسيم نتائج الانتخابات والوظائف في أجهزة الدولة على كل المستويات بطريقة المُحاصصة على أن تكون الأغلبية مضمونة لصالح طائفة السيستاني وجمهرتها من السياسيين والكيانات السياسية المرتبطة بأوامر وارشادات الحوزة المتناغمة والمتعاونة مع أجهزة السفارة الامريكية وممثلي النظام الإيراني.

يتحدث بول بريم عن آية الله علي السيستاني : ( .... تبادلت مع السيستاني الرسائل بشكل منتظم لأنه كان يرفض اللقاء المباشر، كان منها حول الوضع الأمني في النجف لاسيما في آب حين كان مقتدى الصدر يمثل تهديداً لنا...، لقد تبادلت أكثر من عشر رسائل مع السيستاني الذي عبّر أكثر من مرة عن امتنانه لما فعلته قوات التحالف للشيعة والعراق، ولم يكن يتدخل في التكتيكات السياسية اليومية إلا أنه كان يقدم توجيهات يصعب على السياسيين الشيعة تجاوزها، أو تجاهلها إضافة إلى وجود مقرّين له في مجلس الحكم ينفذون توجيهاته كما وأنه ابلغ المجلس أن العراق بحاجة إلى رقابة أشد على الحدود وجهاز استخبارات داخلي قوي، وأبلغهم معارضته مشاركة قوات من دول مجاورة للعراق في قوات دولية لحفظ السلام... كان مصرّاً على ضرورة أن يتم انتخاب الهيئة الدستورية التي ستتولى صياغة الدستور، وهو لا يريد دولة دينية على النمط الإيراني).

( .... وعن محمد بحر العلوم الذي ضُمّ لمجلس الحكم فهو أحد كبار رجال الدين الشيعة احتراماً وتوقيراً في العراق قضى معظم عقد التسعينات في لندن) حسب رأي بول بريمر عنه ، وقد اشتهر محمد بحر العلوم بإعلانه التاسع من نيسان يوما للتحرير واقتراحه أن يكون ذلك اليوم الأسود عيدا وطنيا عراقيا، وانتشرت صوره العديدة مبتهجا ترأسه مجلس الحكم بحكم انه أكبر أعضاء سناً، وشوهد وهو يقبل جبهات وأفواه بول بريمر ورامسفيلد بشكل مُقرف ومفرط بالسخرية .

تناول بول بريمر في مذكراته أتباع الصدر، وكيف أنهم وظفوا نفوذهم الجديد للابتزاز والحصول على الصفقات والسرقات من اجل جمع الأموال بأي شكل من الأشكال ( ... وأنهم كانوا يحاولون السيطرة على مشاريع إعادة البناء في مدينة الصدر من خلال تخويفهم للعراقيين العاملين فيها بحيث يستولون على المال، ويُنسب إليهم الفضل في إنجاز العمل كما يحاولون إثارة الفوضى في كركوك).

تعرف الإدارة الامريكية مدى ارتباط المرجعيات الدينية، وخاصة النجفية ما تسمى ( المراجع الاربعة العظام من ذوي الاصول الاجنبية) بالسوق والتجار، وما كان يسمى بالبازار، في قم والعراق، فهو مصدر أموال تُجبى تارة باسم الزكاة، وتارة باسم الخمس للسادة، وقد كشفت الأحداث العراقية عبر قرن كامل أن كثيراً من أبناء المرجعيات وأقربائهم، وخاصة مؤسسة الخوئي كانت تدير شبكة أعمال تجارية عابرة للقارات توظف اموالها بصيغ عدة ويتحكم في مجلس إدارتها ا" لخواجات" وأغلبهم من التجار الكبار من الذين لهم الرأي والقرار الأول باختيار المرجع عند شغور المرجعية بوفاة المرجع السابق.

وقد كان لهذه المجموعات من التجار الدور الأول لاختيار علي السيستاني خليفة للخوئي ، لذا كان في أولويات السياسات الاقتصادية الامريكية في العراق ترضية تجار الشورجة والنجف وقم ومن يتواجد منهم في أسواق الخليج العربي ولبنان، فكان لا بد من تغيير المنهج الاقتصادي في العراق الذي سارت عليه دولة البعث قبل الغزو والاحتلال.

يشير بول بريمر إلى هذه الناحية في مذكراته : ( ... من خلال لقاءاتي مع العديد من زعماء الشيعة المعتدلين يمكنني القول بأن بالإمكان التعاون معهم، وشرحت لهم عن نظام الاقتصاد السابق، وأنه ستاليني مشلول، ولذا لابد من اعتماد اقتصاد السوق الحرّ، وفتح المجالات أمام الاستثمار الخارجي) وكان له ذلك... فكانت إنجازات بول بريمر التي تجلت في صياغة الدستور والقوانين التي صدرت إثره معززة للتوزيع الطائفي للمناصب الرئاسية الثلاثة، وقانون اجتثاث البعث وجرائم كثيرة شملت كل بنيات العراق الاجتماعية والاقتصادية، وراحت الأحاديث تتداول وتتحدث عن ضياع وتسرب مليارات الدولارات التي لم يُعرف عنها شيء من مصيرها خلال فترة ما سُمي بإعادة البناء والأعمار في العراق التي دشنها بول بريمر وخلفاءه من السفراء الأمريكيين ببغداد على التعاقب.

لقد كانت حصيلة كل ما مر أعلاه من مخططات الإدارة الأمريكية وقبلها البريطانية تشبثت بالارتباط بالمرجعيات الدينية الطائفية ولعبت دورا في توجيه دفة أتباعها من رجال الدين وشيوخ العشائر والمتعاملين الاقتصاديين مع سلطات الاحتلال حتى باتت هذه المجموعات تشكل طبقة جديدة في العراق تلعب دورا بين طبقة من أبناء الثيوقراط الطائفي وأتباعه من السياسيين في الأحزاب والتكتلات ذات الشعارات الإسلامية والتي انغمست إلى أذنيها بممارسة الرذيلة السياسية والأخلاقية باسم الدين لتصل إلى قمة أزماتها في تمركز السلطة بيد نوري المالكي الذي ظل يتبجح إلى اليوم انه تابع وخادم للمرجعيات ويحرص على الاستماع يستمع إلى نصائحها، في حين تراقب تلك المرجعيات وتحسب حساب ظهور دكتاتور جديد على العراق يسحب منها صلاحياتها ويسلب منها تحكمها بجمهور الناخبين الذين بدئوا بالتراجع في تأييد الحكومة ورئيسها وحتى أحزابها.

كما أن تطورات الأحداث في العراق تشير بوضوح يوماً بعد يوم إلى افتضاح دور تلك المرجعيات الدينية الدخيلة على المجتمع العراقي وتزايد فسادها وبما حولها من بطانة ترتزق الدين بالسياسة وتدعي الدفاع عن الطائفية ولكنها في ذات الوقت تتاجر بفتاوى المرجعيات وتسعى إلى إيقاظ الثارات المذهبية والطائفية والتاريخية من الموروث الدموي الأسود في أرشيفها ؛ فكان لا بد من ظهور تيار ووعي جديد في العراق ينهي هذه المأساة الوطنية وإيقاف الاحتراب الدموي الذي تعلق عليه تلك المرجعيات ومن خلفها إمكانية بقائها في طليعة الأحداث الجارية في العراق، وهي من الداخل مجرد واجهات لهيئات استخبارية أجنبية، بقيت في جوهرها وتركيبة شخوصها عميلة للاحتلال والقوى الخارجية، ولا تربطها بالعراق وعروبته أية روابط قومية وحتى إنسانية.

انتهى
للدراسة مراجع ومصادر وإحالات كثيرة
ومواقع تواصل اجتماعي ومذكرات للعديد من الشخصيات ذات الصلة بالموضوع
 





الاحد ٢٤ شــوال ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / أب / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب إعداد : ا. د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة