شبكة ذي قار
عـاجـل










في مقالتينا التي نشرناهما قبل يومين، مقالة : ( موسم خروج الثعالب ودنو ساعة الصفر ) https://www.thiqar.net/Art.php?id=45558 ومقالة : ( خندق أم خندقان ... وماذا بعد ) https://www.thiqar.net/Art.php?id=45546 ، أشرنا بكل وضوح في سياق التحليل والتوقع لمسار التظاهرات والحراك الشعبي الحادث في العراق إلى بروز وفرز ظاهرتين هامتين ستظهران بجلاء على مسرح التظاهرات القادمة :

هما محاولة واستمرار البعض التمترس في الخندق المواجه والمعادي لخندق الشعب الثائر المنتفض، محاولة منهم لإجهاض الانتفاضة الشعبية، وهم شراذم من أيتام وأتباع أحزاب العملية السياسية الساقطة وكيانات الإسلام السياسي الحاكم في العراق، وسيظهرون هذه المرة منظمين في ستار الليل وسراديب القمع الأمني المليشياوي، وسيهاجمون بشراسة وخسة المتظاهرين والمواطنين الأبرياء، سواء بأزياء رسمية من خلال رجال الأمن والمخابرات والشرطة أو حتى الظهور بمظاهر العمائم واللحى وشيوخ العشائر وبثياب الواعظين في زى ثعالب وبنات آوى، وحتى خنازير برية ستطلقها الأجهزة القمعية الإيرانية المتابعة لسير تطور التظاهرات في العراق لإرعاب المواطنين ومنع التظاهر أو الحد من اندفاع الناس نحو الانتفاضة الشعبية، أو بمحاولة المشاركة في التظاهرات، وفق مبدأ التقية والتستر على النوايا الحقيقية، وصولاً إلى التسلل إلى إدارتها وقيادتها لكشف عناصرها الوطنية النشطة، أو بالعمل على رفع شعارات ورموز وصور معينة ذات صبغة طائفية لأحداث اشتباكات وتصادم بين أفواج المتظاهرين والتشويش على الشعارات غير المرغوبة من قبل السلطة وإتباعها، وحتى مع رجال الأمن ورجال الدين، وصل الأمر بهم لرفع صورة للرئيس الراحل صدام حسين في تظاهرة ساحة التحرير؛ لا حبا به ؛ بل لافتعال صدامات ذات أغراض وغايات مقصودة.

وقد حدثت مثل هذه الأمور فعلا في مظاهرات الجمعة 14 آب 2015 سواء في ساحة التحرير في بغداد أو في ساحة ألحبوبي في الناصرية أو ساحة ثورة العشرين في النجف وفي ساحات أخرى التي شهدت أفعالا مخلة بالتقاليد الديمقراطية التي تدعي حكومة ألعبادي التشبث بها، وتعد الرأي العام بتوفيرها للمتظاهرين كي يعبروا عن شعاراتهم بكل حرية وأمان، كما وعد بذلك حيدر ألعبادي وسليم الجبوري في تصريحاتهما من جهة، ولكنهما حذرا أيضا، من جهة أخرى، وكأنهما يرسمان تلك التوقعات في تلك التظاهرات، مما يؤكد ويوحي أن خطط إجهاض التظاهرات ومحاولات وأدها وجرها إلى التصادم ومن ثم قمعها موضوعة، وقد مهدت لذلك فتوى احد المراجع " اليعقوبي" : من أن هذه التظاهرات تخدم ( داعش ) وعلى الحكومة معاملتها معاملة الدواعش أي بجواز مهاجمتها وحتى إطلاق النار عليها وقد سبق لإيران أن أفتت بمثل هذه التصريحات واصفة المتظاهرين من غير المسلمين وتوجههم جهات أجنبية ... الخ. من تلك الاسطوانات المشروخة.

لا شك جرى ويجري التضييق الواسع على حضور المتظاهرين في اغلب المدن؛ بل منعوا من التجمع في بعض الساحات عند ساعات التجمع المبكرة، وتعرض متظاهرون إلى الضرب بالهراوات وإطلاق المياه الساخنة والغازات المسيلة للدموع من قبل الشرطة وبأمر من المحافظين انفسهم، كما منع الإعلام من التغطية الموضوعية والمنصفة للتظاهرات وإيصال صوتها إلى العالم، في الوقت الذي سمح للإعلام الحكومي والطائفي أن يختار عينات من لقطاته ومقابلاته وحواراته كما يراها هو ويختارها بانتقائية مقصودة بعين طائفية وحاقدة على المتظاهرين وأهدافهم الوطنية النبيلة، كما تحرك رجال الظل وبنات الخفاء بين جموع المتظاهرين، سراً وعلناً، وبأجور مدفوعة الثمن، لمنع ارتفاع أصوات عراقية حرة للوصول إلى أسماع العالم بهتافات ومطالبات جذرية وثورية واضحة، تمركزت وظهرت بصوت عال حول بعض القضايا منها:

ـ المطالبة بإدانة، وحتى بإعدام نوري المالكي، وتحميله وبطانته أوضاع الخراب الشامل في العراق، وهي شعارات بكل وضوحها كانت تدين بذات الوقت حزب الدعوة والتحالف الوطني الحاكم وتنال من مصداقية حيدر ألعبادي ودوره المرتقب في الإصلاح والتغيير بل حتى مشاركته في محاولات تمييع هذه الانتفاضة والقضاء عليها لاحقا.

ـ من كربلاء وبغداد والناصرية والديوانية والمثنى خاصة ارتفعت هتافات صريحة وعالية كمطلب جماهيري بإدانة الدور الإيراني واحتلاله العراق، تجلى في هتاف ( إيران بَرَّه بَرَّه ... وبغداد صارت حُرَّه )، وهو إيذان بارتفاع الصوت الشعبي وإدراكه بتشخيص حالة الاحتلال الإيراني ونفوذه في العراق والمطالبة بطرده بتحرير العراق ومقاومته وأتباعه بكل السبل.

ـ ظهرت المزيد من صور وأسماء العديد من المفسدين واللصوص في شتى المجالات، وحتى من الصف الثاني منهم، وخاصة في مجال الإعلام، وتركزت المطالب والشعارات الرئيسية على عزل وطرد مدحت المحمود، رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، كونه حامي المفسدين وخادم حكومات الاحتلال، والدعوة إلى تطهير القضاء وحقل الإعلام واعتقال المجرمين قبل مغادرتهم العراق، في حين كانت طائرة المالكي وخبر قناة آفاق العاجل بمغادرته إلى إيران يصل إلى أسماع المتظاهرين عبر الهواتف المحمولة ، محاولة من الحكومة وإتباعها بشكل واضح لاستفزاز غضب الشارع والدفع به إلى التصادم مع القوى والعصابات، الخفية والمعلنة، داخل التظاهرات، تلك العناصر الأمنية والطائفية المزروعة في جسد الهيئات المركزية والقيادية التي تشرف وتنسق على إدارة المظاهرات مع محافظي المحافظات، والإدارات المركزية للمحافظات المنتفضة ، ورجال الأمن، وقد لمح حيدر ألعبادي في خطابه الأخير عشية انطلاق التظاهرات انه اضطر لسحب قوات أمنية وقتالية كبيرة خاصة من جبهات القتال مع ( داعش ) حرصا منه على حفظ امن التظاهرات ، واغلبها من قوات الحشد الشعبي، في الوقت نفسه انتشرت لافتات ومنشورات وزعت بشكل مقصود وركز الإعلام الرسمي والطائفي عليها لاستفزاز المتظاهرين والشعب العراقي بظهور هيئة جديدة وواجهة موحدة للأحزاب الطائفية الحاكمة تحت عنوان ( الحشد الشعبي المدني ) وهم كانوا في تناغم وتنسيق مع القوات الأمنية وعناصر الحشد الشعبي المسلح الموجود في كل ساحات التظاهر.

كل تلك الأمور وغيرها تُعد بالونات اختبار لردود الأفعال ولاستفزاز الجمهور الغاضب ومحاولات لتحديد وتشخيص شخوص وفعالية القوى الوطنية الموجودة أصلا في عمق ساحات التظاهر وبين الجماهير، والتي صمدت أمام كل هذه الاستفزازات داخل التظاهرات وقد وصلت إلى إطلاق النار على بيوت الناشطين ليلة الخميس والجمعة في عدد من المدن، لتهديدهم وثنيهم عن المشاركة ، والى استخدام السكاكين ومقصات الخياطة والمدي الصغيرة التي حملتها بشكل خاص عناصر رجالية تلبس العمائم ومعهم نساء منقبات ظهرن في ساحة التحرير ببغداد ويقدر عددهم بحوالي 3000 عنصر حسب رصد بعض المتظاهرين لهم ولهن.
نرى أن معركة إسقاط العملية السياسية وكياناتها ومرتزقتها وتحرير العراق ليست جولة واحدة، ولا يمكن تنفيذها من خلال هذا الجهد المشتت في المظاهرات بعديد الساحات، وهي معركة وتعبئة مستمرة وقاسية وتحتاج إلى التعبئة والتلاحم والتنسيق بين كافة قوى شعبنا الوطنية المؤمنة حقا بالتغيير والتحرير والخلاص النهائي، وهي بلا شك قوى كانت حاضرة داخل جسد التظاهرات، فتمكنت رغم إمكاناتها المتواضعة والقاسية، من توجيه المتظاهرين وضبط نبض الشارع وخاصة في زرع روح المواطنة ونبذ الطائفية والتركيز على المطالب وفضح العملية السياسية وإدانة كل ما جاء بعد الغزو والاحتلال 2003 من كيانات وأحزاب وحكومات، كما نجحت إلى تطويع وإحضار وإقناع العديد من الوجوه الثقافية والنقابية والشخصيات الاجتماعية ، وشاركت اسر كاملة بأطفالها وشيوخها تحديا وحرصا على نجاح التظاهرات وسط بلبلة إعلامية بالتخويف من احتمال تعرض هذه التظاهرات إلى التفجيرات الدموية، لقد عبرت قطاعات واسعة من أبناء شعبنا عن استعدادها للتظاهر والعصيان المدني والانتفاضة وحتى الثورة الشعبية مهما كانت التضحيات، كما جرى تحديد خطوط الفصل بين عناصر الخنادق المتداخلة داخل ساحات التظاهر، وفضح المرتزقة وشلت قدراتهم من تنفيذ ما جاؤوا من اجله لتفتيت التظاهرات وجرها إلى مواقف جانبية أو التصادم ، كما صمدت وشدت النساء والشباب خاصة من عضد المتظاهرين وأوصلت الشعارات والمطالب إلى شعبنا والرأي العام العربي والدولي، وقد وصلت أصداء تلك التظاهرات ومطالبها إلى أسماع العالم، مؤكدة زيف وفساد العملية السياسية وأحزابها وقادتها وقواها السياسية ، كما كشفت عن الخراب والدمار الشامل الذي جره الاحتلال الأمريكي وشريكه الإيراني إلى العراق منذ 2003 وفضحت زيف الديمقراطية وتطبيقات محاصصة اللصوص والفاسدين وفشل تطبيقات دستورها المزيف الذي وضعته الإدارة الأمريكية للاحتلال وأعوان النظام الإيراني ورفعت التظاهرات سقف المطالبة من محاسبة رموز الفساد والإصلاح والتغيير إلى تحرير شعب العراق والثورة للخلاص من هذه المحن وقطع الطريق على استمرار المأساة الوطنية والاقتتال الطائفي البغيض التي يعيشها العراقيون منذ 13 سنة، والمطالبة بفتح الطريق السلمي نحو مصالحة وطنية حقيقية وبإقامة دولة المواطنة لكل العراقيين وسن دستور ديمقراطي جديد يعرض على الاستفتاء ويلغي كل آثار حكومات المحاصصة وتشريعات وقوانين الاجتثاث ويكفل مصالحة وطنية عراقية لا تستثني أحدا من أبناء العراق لكي يعيش العراقيون بسلام وطمأنينة وتنمية وعدالة ووحدة اجتماعية تعيد العراق إلى أهله ومجده وتاريخه الوطني المشرف، ومنع الحرمان وإلغاء كل مؤسسات ومظاهر القمع والقسوة التي يعامل بها الشعب العراقي من قبل هؤلاء الخونة والمجرمون وشذاذ الأفاق. وتلك المطالب سيزداد طرحها والتنسيق حولها في التظاهرات والاعتصامات القادمة التي ستشمل كل مدن ومحافظات العراق المنتفضة.

وان غدا لناظره قريب





الاحد ١ ذو القعــدة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أب / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة