شبكة ذي قار
عـاجـل










ليس من الصعب حصر الأهداف التي دفعت موسكو إلى التدخل العسكري في سوريا بهذا الحجم الآن وليس قبل سنة أو أكثر .. ومن يخطو مثل هذه الخطوة الأستراتيجية وبهذا الوزن الثقيل عليه أن يدرك كيف سيخرج بخسائر قليلة لا تتوازى مع قيمة الهدف أو الأهداف التي حركت الكرملين صوبها .. وثمة مقولة ردود الأفعال وفي ما إذا كانت محسوبه ومنها على وجه التحديد، حساب حدود المجازفة، وخاصة من الوزن الثقيل التي قد تؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها، على الرغم من مشاورات موسكو وتنسيقاتها وتفاهماتها المسبقة على فعلها العسكري، مع الفرقاء المعنين بواقع التوازن الأقليمي الذي يتعرض لمخاطر غير مسبوقة، كـ ( الأمريكيين والأيرانيين والأسرائيليين والسوريين والعراقيين ) ، وربما الأتراك .. هذه الحركة العسكرية الأستراتيجية مدفوعة بجملة من الأهداف يمكن تصنيفها في شكل دوافع خارجية وأخرى داخلية :

أولاً- الدوافع الداخلية :

1- ينبع القلق الروسي من عامل تدهور اسعار النفط .. حيث تمثل واردات النفط لخزينة موسكو قرابة 70% من مجموع عائدات العملة الصعبة .. إذ كلما تعززت واردات النفط انفتحت شهية ( الكرملين ) على بناء القوة بكل اصنافها والرغبة في استعادة ( عظمة ) الاتحاد السوفياتي بأكتمال تشكيل عناصر القوة، فضلاً عن عوامل أخرى ومنها تحالفات في شكل بناء ( مؤسسي ) عموده الفقري هو الشراكة الأستراتيجية ذات المردود الأقتصادي، تسهل لموسكو الحركة والمناورة الأقليمية والدولية .. فقد نجح الاتحاد السوفياتي في اجتياح افغانستان حين كان مدخوله من النفط والعملة الصعبة يسمح بالتدخل العسكري، حيث بلغ سعر البرميل الواحد من النفط ( 110 ) دولار عام 1979 .. بيد ان سعر النفط في الظروف الراهنة لا يتعدى ( 40 ) دولاراً للبرميل مرشح للهبوط تبعاً للسياسة - الأستراتيجية المتعلقة بانتاج النفط وتسويقه .. فكلما ازدادت تخمة النفط في السوق العالمية ( وهذا حاصل الآن ويتمثل بزيادة المعروض ( 2 ) مليون برميل نفط يومياً ، وليست هنالك من رغبة بخفض مستوى الأنتاج ) ، كلما هبطت الاسعار، وهذا ما يتوقعه الخبراء، الأمر الذي يؤثر على مدخولات روسيا من العملة الصعبة، وبدوره يؤثر على انفاقاتها العسكرية الخارجية المكلفة في اوكرانيا وسوريا .

2- تعاني روسيا حالياً من ركود اقتصادي ( تحاول ان تجد لها اسواق لتصريف مبيعات السلاح ) ، بلغ مستوى الروبل الروسي نسبة 43% مقابل الدولار خلال الأشهر الـ ( 12 ) الماضية .. كما وصل تضخم اسعار المستهلك الى أعلى مستوياته منذ بداية عام 2001 .. وصانع القرار الروسي يعتقد ان تدخله العسكري في سوريا ، ( وهوتصدير مشكلته الداخلية الى الخارج - بمعنى التفتيش عن حل هذه المشكلة في الخارج ) ، قد يدفع اطراف الانتاج النفطي في العالم الى حرب اسعار- نتيجة الأحتقان الأقليمي في منطقة الشرق الأوسط - ربما تؤدي الى ارتفاع الاسعار لكي تتمكن القيادة الروسية من معالجة مشكلاتها الاقتصادية والمالية ومعاودة بناء ( مقومات ) الحرب الباردة مدفوعة بـ ( عظمة ) الاتحاد السوفياتي.!!

3- الوضع الأقتصادي لا يمكن ان تتغاضى عنه موسكو، فهي تحسبه جيداً وحذرة ومتحسسة من تداعياته على الداخل الروسي .. مثلاً :

- تستثمر روسيا في تركيا ( 3 ) مليارات دولار في مشروع محطة لتوليد الطاقة .. كما انها تنفذ مشروعاً ضخماً لبناء محطة نووية بكلفة ( 19 ) مليار يورو= ( 21 ) مليار دولار .!!

- تؤمن روسيا لتركيا 50% من حاجاتها للغاز الطبيعي ... ومع ذلك فأن لدى تركيا خيارات أخرى غير روسيا تربك الوضع الأقتصادي الروسي في حالة استخدام موسكو أداة الغاز للضغط أو لأبتزاز أنقرة .. والخاسر هنا موسكو.!!

- هنالك معادلة ( جيو- اقتصادية ) تتحكم بخطوط الغاز والنفط وتصدير الطاقة الى اوربا والقوقاز ، ( لن يحدث تصادم بين روسيا وتركيا بسبب المصالح وكذلك بسبب ثقل حلف ( الناتو ) .. وإن أي احتكاك روسي تركي سيستفز الناتو، وهذا ليس في مصلحة روسيا ، وكذلك ان تركيا لن تستطع ان تدفع الناتو صوب هذا المأزق ايضا ) .!!

4- أوربا متأرجحة في مواقفها حيال التدخل الروسي في سوريا .!!

5- الصين في تحالف استراتيجي مع روسيا في الشرق الاوسط - إلا أنها لن تتدخل في الأستراتيجية الروسية إلا في حالة الأضطرار- وذلك بسبب العلاقات الاقتصادية الصينية- العربية ، وهذه معادلة تحسبها الصين جيداً.

6- السلوك السياسي الأمريكي حيال التدخل العسكري الروسي في سوريا يكشف عن ان واشنطن قد اعطت الضوء الأخضر لروسيا بالتدخل على وفق تفاهمات مسبقة ومحسوبة.!!

7- أحد دوافع روسيا في التدخل العسكري هو تكريس فرصة تاريخية ترسم معالم جغرافيا- ستراتيجية جديدة لدورها السياسي في الشرق الأوسط .. أنها تؤسس محور ( جيو- ستراتيجي ) في المنطقة له عمقه الآسيوي .. وهو عمل استباقي يحمل وجهاً دفاعياً تحت خيمة الصراع والتنافس الروسي- الأمريكي.. هذا المحور يعمل على قيادة تسويات سياسية لأزمات المنطقة على وفق الشروط الروسية ومعايير سياساتها .

8- لن تكتفي موسكو بتدخلها في سوريا إنما ستوسع، بعد تلمس ردود الأفعال، تدخلها في العراق.. لأن الساحة السورية تختلف عن الساحة العراقية.

ثانياً- الدوافع الخارجية :

1- من الطبيعي أن يشكل الفعل العسكري الروسي في سوريا عامل ضغط على منابع النفط في الخليج العربي في الوقت الراهن .. كما شكلَ تدخل الأتحاد السوفياتي في أفغانستان ضغطاً هائلاً على منابع انتاج الطاقة في الخليج العربي سابقاً.

2- ومن الطبيعي، حين تستشعر موسكو أن الأستراتيجية الأمريكية، على الرغم من التوافقات السياسية والأستراتيجية، تدفع الى منع روسيا من العودة ثانية لتلعب دوراً على المسرح السياسي الدولي.. أنْ تقدْمَ موسكو على عملٍ استباقي يمنع بالمقابل تدمير أسس اقتصادها .. ولكن الفعل العسكري الروسي يظل فعلاً قاصراً يدخل تحت خانة الأستنزاف في الموارد، وهي حالة معكوسة باتت موسكو تتشبث بفعلها العسكري وبضمانة التحالفات والمحاور.!!

3- ومن الطبيعي إن إغراق السوق النفطية - يرجح قانون العرض والطلب- وإن انخفاض الأسعار وتدهورها سيجعل موسكو مفلسة .. وهذا لا تسكت عليه موسكو .. ولكن هل أن معالجة الموقف بالفعل العسكري المباشر؟ ، أمريكا أدارت ظهرها، واسعار النفط مرشحة للتدهور، ومعايير السياسة تأخذ نصيبها في الفعل ورد الفعل، والشتاء على الأبواب.!!

4- ولا يخفى أن الدول العظمى مسكونة بـ ( إمبرياليةٍ ) تطمحُ للنفوذ والعظمة.. وإن انهيار الأتحاد السوفياتي بسبب سباق التسلح الذي أفضى إلى إضعاف الأقتصاد السوفياتي ومن ثم إنهياره وتغيير هياكله كلها .. بات يشكل طموحاً جامحاً للكرملن يدفع إلى عودة المجد من جديد .. وقد اختارت موسكو سوريا لعدد من الأعتبارات - لسنا بصدد البحث فيها الآن - يقع في مقدمتها الموقع الجيو- ستراتيجي السوري الكائن على حافات البحر الأبيض المتوسط القريب من منابع الطاقة في الخليج العربي التي تمثل المصالح الحيوية للغرب ولأمريكا في ضوء مبدأ كارتر.

المقامرة الروسية في سوريا على ماذا ؟ ، على نظام لا يقوى على البقاء أو جيش يتهاوى أو موارد عجاف ؟ ، خيارات موسكو ضعيفة في سوريا .. طيرانها الحربي محدود في رقعة جغرافية بعيدة عن مراكز القيادة الروسية، على الرغم من أنها تمر عبر اجواء إيران والعراق، وهي مسافات بعيدة وغير مضمونة تماماً.. الأمر الذي دفع موسكو إلى استخدام الصواريخ بعيدة المدى من بحر قزوين لضرب أهداف متحركة في سوريا .. إذن ، الطائرات الحربية الروسية في سوريا غير حصينة ومعزولة جغرافياً عن قواعدها الرئيسية ومركز قيادتها في روسيا .. وهذا ما قاله مؤخراً ( زبيغنيو بريجنسكي ) مستشار الأمن القومي الأمريكي في رئاسة جيمي كارتر 1977- 1981.

فهل اقتنص ( بوتين ) الفرصة التاريخية ليكرس طموح إمبرياليته في الشرق الأوسط، والتي سماها بريجنسكي في كتابه ( الفرصة الثانية ) بـ ( البرهة التاريخية ) لتحقيق نظام دولي جديد ، ولكن على وفق حسابات موسكو وليس حسابات واشنطن ؟ ، أم أنها خطوة تمثل توافقاً إستراتيجياً لحل أزمات المنطقة ؟ ، أم أنها فخ للأستدراج..؟!

تحالفات موسكو السياسية وفعلها العسكري، يشير إلى عزمها على أن تكون لآعباً رئيسياً في المنطقة من اجل النفوذ الأستراتيجي أولاً والمساهمة في حل مشكلاتها ، كما قيل ثانياً ..!! ، طالما أن الأمريكيين لا يحسمون موقفاً ولا يغلقون ملفاً .. بل على العكس يتركونه مفتوحاً ومستنزفاً.. ولكن هل بمقدور موسكو أن تحل مشكلات المنطقة المأزومة بالتدخلات الأمريكية والصهيونية والإيرانية .. أم أنها قد تفاهمت سلفاً على قواسم مشتركة .. أم ان عامل النفط هو الذي سيحسم التدخل أو يشعل الحرب.؟!





السبت ٢٦ ذو الحجــة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / تشرين الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة