شبكة ذي قار
عـاجـل










تصل القراءة المتمعنة لمعطيات مناطق الصراع المحتدم اليوم في أفغانستان وشرق آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصل إلى نتيجة مفادها أن تلك الشركات الأمنية الخاصة والمليشيات والمنظمات الإرهابية بشتى واجهاتها السرية منها والمعلنة باتت جزءا أساسيا في توفير الخدمات العسكرية والأمنية الخاصة ينفذها مرتزقة مستأجرون في مجال تنفيذ السياسات الجيوبوليتيكية والاستراتيجيات العسكرية للدول الكبرى، وخاصة روسيا والولايات المتحدة، وهي ادوار مهمة جدا خاصة بعد أن حاولت قيادات جيوش الدول الكبرى الابتعاد عن التدخلات العسكرية البرية لاحتمال ارتفاع خسائرها على الأرض فكان لتلك الدول ان اكتفت بتقديم مساعدات تحت أبواب التدريب والمساعدات المالية والدعم اللوجستي من خلال الطيران وحتى القصف بالصواريخ العابرة للأجواء الإيرانية والعراقية والسورية كما تفعل روسيا اليوم حيث تقصف بصواريخ بوارجها الحربية انطلاقا من بحر قزوين لتستهدف مواقع محددة في سوريا.

ان ما يشهده الشرق الأوسط الكبير [حسب المسميات والمصطلحات الأمريكية] من أقصى حدود أفغانستان الشرقية مرورا بالعراق وسوريا واليمن وليبيا الى موريتانيا وسواحل الأطلسي غربا هي حرب عالمية تجري اغلب معاركها المدمرة بكل مواصفاتها قائمة وممتدة على أراض عربية تتم وفق مخططات مصالح الصراع الدولي على الموارد والنفوذ الجيوسياسي.

هذه الحرب تجري خصخصتها وتنفيذها بإدارة الدول الكبرى وتحالفاتها المحلية والإقليمية. وتفاديا لخسائر التدخل العسكري المباشر على الأرض وكلفته العالية فان الدول الكبرى ارتضت بدور تأجير قوات طيرانها وحتى منظوماتها الفضائية والصاروخية والأمنية وحتى أجهزتها السياسية وسفاراتها ووجودها في مجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة .

بعد الخسائر الفادحة على الأرض للتدخل البري الأمريكي في العراق وأفغانستان فان إدارة مسرح العمليات الحربية انتقل من الأرض إلى الجو تاركا بشكل أساسي لقوات الحكومات المتحالفة مع الأمريكيين والشركات والمجاميع الخاصة والمليشيات الموالية لجيوش الحكومات المرتبطة بالإدارة الأمريكية والمرتزقة القيام بتنفيذ الأعمال البرية القذرة على الأرض في التصدي لقوى المقاومة للاحتلال الأمريكي. وبعد إعلان الانسحاب الأمريكي من العراق والشروع بالتحضيرات للانسحاب من أفغانستان تركت القيادة العسكرية الأمريكية للمستشارين والمدربين وفرق الحمايات الخاصة لسفاراتها وشركاتها المهمة فرصة العمل على الأرض مستفيدة من خدمات الطيران والسيادة الجوية والدعم اللوجستي باستخدام الذخائر الذكية والتكنولوجيات العالية والتقدم العالي للمعلوماتية والرصد الأمني لها تقودها من بعد انطلاقا من أراضي وقواعد حليفة من دول الخليج وتركيا والقواعد الآمنة لها في العراق وأفغانستان.

إن توفر الاستخدامات المتطورة لحروب المعلومات Information Warfare بالإضافة الى التطور في المنظومات الالكترونية ودقة المراقبة للخصوم ووفرة ودقة وسرعة الاتصالات لصالح مراكز القيادة والسيطرة والإنذار المبكر والمعركة الفضائية باستخدام مراقبة التوابع الأرضية والأقمار الصناعية من أعالي الأجواء واستخدام الطائرات بدون طيار والمسيرة عن بعد يعطي للقيادة الأمريكية للحرب إمكانيات السيطرة والهجوم وتقليل الخسائر البشرية لحلفائها وشركاتها الخاصة العاملة على الأرض.

لقد وصلت ظروف الحرب القائمة على أراضي الشرق الأوسط الكبير الشاسعة الى حد احتساب كلفة وأرباح كل عملية جوية أو استكشافية بفواتير تفرض الإدارة الأمريكية على بعض الدول دفع كلفتها وهي صاغرة وليس لها من خيارات سوى الرضوخ لضغوط خصومها أو الارتماء التجاري والأمني لشروط تجار الحرب في البنتاغون او روسيا المتقدمة ألان نحو الخوض في هذه الحروب بعد التغيرات الدرامية لإستراتيجيتها في الشيشان وأوكرانيا لتجد في فرصة التدخل في سوريا مكانة لها للربح او الخسارة تبعا لموازين لعبة الحرب وتطوراتها المحلية والإقليمية.

وهذه الظاهرة الأخطر اليوم عندما ترتزق حكومات الدول الكبرى من الحرب فتشترك، اضافة في صفقات الحرب، في التدخل في الشؤون السياسية لعدد من البلدان ولها أيادي واضحة في تزوير نتائج الانتخابات وتوفر أغطية من المال السياسي والإعلامي لإيصال عملائها والمتعاونين معها وتسهيل عمليات النهب في منظومات الفساد والتهريب وتجارة المخدرات والبضائع الفاسدة وتبييض الأموال وتمرير بقية الصفقات التجارية والسياسية المشبوهة من خلال اتفاقيات الدعم لبعض الأنظمة القائمة وهي تعمل أيضا على ترويج بيع أسلحتها الفاسدة والمستهلكة وما تبقى في مخزون ترساناتها لبيع كل هذه الخردة العسكرية لهذه الدول بتضخيم فواتيرها والتخلص منها في الوقت المناسب بقصفها الذي يتم بعرض الخدمات لدول السوبرمان من خلال الاتفاق على تنفيذ الضربات الجوية للخصوم.

هذه الحرب خطط لها لتستمر بالتوازي مع خفض أسعار البترول والغاز من جهة واستنزاف موارد هذه الدول ووقف التنمية إضافة إلى العمل على قصف وتحطيم كل البنى التحتية لتخرج هذه البلدان وهي منهكة بشريا وماديا فتخضع من جديد إلى شروط الاستدانة من البنك الدولي وترتهن مستقبلها بتراكم الديون لفواتير التسلح الباهظة.

عملت الولايات المتحدة وبعدها روسيا على حلب خزائن حلفائها من كل من جهة وكان الاتفاق هذا يتجنب المواجهات العسكرية وحتى الدبلوماسية بين الدولتين الأعظم ويترك الأدوار الثانوية لحلفائهم من أنظمة إيران وسوريا والعراق في حين ينعدم وجود الدولة وتسود فوضى المليشيات التابعة لحكومات إيران المنتشرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا تقابلها على الطرف الأخر ما تسمى منظمات الإرهاب وكأن الحرب تأخذ هذه المرة خطوط جبهات طائفية أو شبه اثنيه .

الدول العظمى الولايات المتحدة وروسيا تتخلصا من ترسانة أجيال من الأسلحة التقليدية ببيعها وفق صيغ ما وتركها تسقط بيد منظمات الإرهاب بصفقات. فيكفي الذكر هنا ان تقديرات خسائر العراق وحدة من عملية سقوط محافظة الموصل في حزيران 2014 كلفت الحكومة العراقية أكثر من 27 مليار دولار من مشتريات الأسلحة التي لم تستخدم وأصبحت عرضة للقصف من قبل طيران دول التحالف يتدرب عليها طيارون من قواتها بسادية ومتعة لا نظير لها. بينما قدرت خسائر البنى التحتية في محافظات صلاح الدين ونينوى والانبار تجاوزت أكثر من 400 مليار دولار.

هذه الفاتورة المالية الضخمة تدفعها كل شعوب المنطقة وطالت أيضا دول الخليج العربي التي وجدت نفسها وسط حرب اليمن وهي تدفع من أرواح أبنائها وفواتير التسلح ما ينذر عن مخاطر وخيمة أولها الفقدان اليومي لملايين الأطنان من مبيعات البترول بأسعار متدنية وصلت إلى حدود 40 دولار بعد ان وصلت ذروتها بعد غزو العراق بحدود 140 دولار للطن الواحد.

أنهت الحرب العالمية الثالثة كيانات الدول الوطنية وهي تمهد للتقسيم في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا ولا تستبعد منها مصر والمملكة العربية السعودية وبعض من دول المغرب العربي.

القصف الجوي المدفوع الثمن الذي تقوم به دول التحاف الدولي ضد داعش بطائرات أمريكية أو فرنسية يتحدث الناطقون العسكريون من هذه الدول عنها أنها ضربات استباقية لحماية الأمن الوطني والقومي لدولهم، كما تكرر ذلك ببيانات القيادات العسكرية الأمريكية والفرنسية وكأن الانبار أو الرقة أو الموصل أو حلب وحماه وحتى صنعاء أو عدن خطوط تماس لجبهات تلك الحرب. كما إن ترشيح تركيا وإيران ومصر وزجهما في هذه الحرب بدوافع إقليمية وطائفية وتحريضية وارتزاقية كلها تسعر من هذه الحرب وتوسع تجارتها ورفع فواتير تسلحها على حساب التوقف الكلي للنمو الاقتصادي والتنمية والخراب الاجتماعي واللحمة لشعوب هذه البلدان وجيرانهم.
الأزمة الاقتصادية التي مرت يهما كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وجدت لها متنفسا بالتعويض لما تحتاجه هذه البلدان من خلال ترويج بيع الأسلحة وخفض أسعار البترول من جهة والوعود المستقبلية لإعادة ما خربته تلك الحرب وخاصة البنيات التحتية والأهداف التي يتم قصفها يوميا والتي شملت دور عبادة ومستشفيات ومصانع وجامعات ومدارس ومتاحف ومدن كاملة باتت هشيما وتجاوزت ببشاعة قصفها حتى مدن صور درسدن وليبزك وبرلين وستالينغراد ولينينغراد وموسكو ووارشو وبلغراد.

المدن العربية التي تتعرض للقصف بحجة قصف مواقع الإرهاب ستخرج مثخنة بالجراح والخراب الشامل وتحتاج إلى أموال وطاقات بشرية لبنائها في الوقت الذي نزحت من هذه البلدان خيرة النخب العلمية والتكنولوجية إضافة لمن قتلوا في ساحات المعارك التي لا ناقة ولا جمل بها لأبناء الفقراء والمعدمين المتقاتلين في الجبهات المتحاربة داخل المدن العربية أو على أسوارها .





الثلاثاء ٣٠ ذو الحجــة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / تشرين الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة