شبكة ذي قار
عـاجـل










صيغة اعتذار طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق لا تبرئه كونه مجرم حرب ويجب محاكمته

شهدت الشهور الأخيرة تصريحات صحفية من قادة الولايات المتحدة وبريطانيا، شركاء الغزو والحرب العدوانية على العراق، منها كانت منسوبة إلى الرئيس الأمريكي باراك اوباما ومنها إلى كوربين زعيم حزب العمال البريطاني الجديد، وتبعهما بالأمس طوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، تناولت بعض من قضايا الحرب العدوانية التي شنت على العراق، ولكن تلك التصريحات وردت بطريقة ملتوية ولم تقترب بأية حالة من الأحوال من حالة الاعتذار الفعلي والمطلوب أخلاقيا وقانونيا للشعب العراقي، الضحية التي يجب أن يتوجه لها الاعتذار عن كل ما لحق بشعبنا من دمار شامل وقتل وتشريد للملايين من أبناء العراق، وملايين أخرى لازالت في حالة النزوح في هجرة قسرية داخل وخارج العراق، كما تم تدمير كل البنى التحتية للعراق ، وحلت مؤسساته السياسية والاجتماعية وجيشه وسرقة المليارات من ثروته الوطنية بطريقة وأخرى .

إن تصريحات طوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي شارك الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في جريمة غزو العراق، لا ترتقي إلى مستوى الاعتذار، وهو الذي اكتفى بالقول : ( ... اعتذر عن هذه المشاركة في تلك الحرب )، ورد ذلك في مقابلة له مع محطة سي ان ان CNN الأمريكية.

وكعادة البريطانيين المعروفة في انتقاء صيغة عباراتهم السياسية التي تطرح بطريقة زئبقية مبهمة، فهي تنفي في عباراتها الأخرى مضمون العبارة الأخرى؛ فطوني بلير، ينسى انه مجرم حرب بامتياز ، شأنه شأن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، وان ما جاء في سياق تصريحه الأخير ليس اعتذارا، فقد قال بالحرف الواحد ما يلي؛

أولاً : قال ( أنا أعتذر عن حقيقة، أن المعلومات الاستخبارية التي وصلتنا كانت خاطئة )، وبهذا يريد طوني بلير تبرئة مسؤوليته، وتحميل ذلك الخطأ لآخرين، رغم انه كان صاحب قرار فاعل في شن الحرب.

ثانياً : قال ( واعتذر أيضاً عن بعض الأخطاء في التخطيط وبالتأكيد، خطئنا في فهم ما الذي ممكن أن يحدث حال إزالتنا للنظام )، . وهنا وقاحة لا مثيل لها لطوني بلير، طالما أن الرأي العام البريطاني والدولي عبر من خلال التظاهرات التي عمت عواصم بلدان العالم ومدنه قد حذرت من مغبة شن الحرب على العراق ، وأدانها المجتمع الدولي، حتى قبل اندلاعها كونها تشكل حالة غزو واحتلال لدولة مستقلة عضوة في الأمم المتحدة.
لهذا لا قيمة لما يقال في الإعلام عن عبارات طوني بلير بأنه اعتذر، وبهذه الطريقة الملتوية الغامضة الموجهة فقط للاستهلاك المحلي في بريطانيا فانه لازال يماطل عن تحمل مسؤوليته عن الجرائم المرتكبة في ذلك العدوان بل وعلى العكس من ذلك فقد قال طوني بلير ابيضا ما يلي : ( ... أنه لا يزال يشعر بأنه اتخذ القرار الصحيح في دعم الغزو الأمريكي للعراق وإزالة صدام حسين )، ثم أضاف ، ( أجد صعوبة في الاعتذار عن إزالة صدام ) ... وبهذا يعترف بلير بعظمة لسانه بأنه كان مساهما فعلا في قرار غزو العراق مع حليفه جورج بوش، وان تلك الحرب لم تستهدف إزالة صدام حسين، كما يتقول بذلك طوني بلير بل دمرت العراق كله، بما استخدمت فيها من أسلحة محرمة دوليا ولم تترك من العراق مدينة أو بقعة لم يصلها الخراب .

إن جميع مبررات الحرب والمسوغات التي تحجج بها جورج بوش وحليفه طوني بلير، وإذا ما ربطنا هذه الحقيقة مع حقائق أخرى أكدت تماما خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل وعدم وجود أية علاقة بالعراق ونظامه الوطني السابق بمجموعات الإرهاب وتنظيمات القاعدة فان قرار شن الحرب ستتحمله الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل أساسي، وخصوصا إن حجم الكارثة التي حلت بالعراق نتيجة طيش وإجرام جورج بوش وطوني بلير وأمثالهما يحمل المجتمع الدولي مسؤولية متابعتهما و إدانتهما وتقديمهما إلى محكمة دولية عادلة تسترجع للعراق حقوقه وتساعد شعب العراق على استعادة وحدة شعبه وأراضيه وثرواته المنهوبة.

إننا نرى وكما عبر الكثير من المنصفين والمدافعين عن حقوق شعب العراق بمواقفهم: بان تصريحات طوني بلير الأخيرة، ما هي إلا خطوة استباقية لما توصلت إليه لجنة " جيلكوت" البريطانية التي تحقق منذ سنوات في ملفات شن الحرب على العراق، ولكنها وبفعل حجم الضغوط عليها لم تنشر تقريرها لحد الآن؛ مما عرضها لانتقادات واسعة خاصة من عوائل القتلى البريطانيين، جراء جريمة الغزو والحرب على العراق، والتقرير سوف ينشر قريبا جداً. وان تصريحات بلير ما هي إلا وسيلة وطريقة لذر الرماد في العيون وهو ابعد ما يكون عن حالة الاعتذار الحقيقي المطلوب تقديمه لا لجمهور البريطانيين فحسب؛ بل للشعب العراقي كله.

ولا بد أن نذكر بأن بعضاً من قادة الغرب عندما يتطرقون في تصريحاتهم عن الحريات وحقوق الإنسان عامة كثيراً ما يتجاهلون أفعال حكوماتهم ومدى الجرائم التي ارتكبت بحق الشعوب، وخاصة في العراق، وهم عندما يعتذرون عن أخطاء حدثت في دولهم وسابق حكوماتهم ، وكما يفعلها طوني بلير، وقبله غوردون براون وكاميرون، مما يجعلها فإنها تكون واحدة من الألاعيب السياسية المضللة المثارة في الإعلام لإثارة الفضول والحصول على الشعبية التي خسرتها أحزابهم، وهذه جريمة أخرى تضاف إلى بقية جرائمهم.

أن الغزو والحرب على العراق كانت ولا تزال قوية ومستمرة ومفتوحة على كثير من الاحتمالات ولا بد من حملة عالمية لإدانة الجناة ومديري تلك الحرب، مهما كانت مواقعهم، فجريمة غزو واحتلال العراق وما تبعها تبقى ضمن الجرائم الكبرى ضد الإنسانية ، حدثت فيها جرائم إبادة جماعية ضد شعب، وهي جرائم لن تغلق بالتقادم ، ولا تمحوها مثل هذه الاعتذارات التي يسوقها الإعلام في الولايات المتحدة وبريطانيا.

إن طوني بلير مجرم حرب وكذلك جورج بوش الابن ورامسفيلد وديك شيني وكولن باول ولفوفيتش ونيغروبونتي وبول بريمر وغيرهم من العسكريين والسياسيين الأمريكيين والبريطانيين لا يمكن أن يبرؤوا أنفسهم بعبارات عامة التي لم تصل إلى تعبير الاعتذار الفعلي وما يترتب عليه من إجراءات للعدالة الدولية وتطبيق القانون الدولي .

منذ سنوات يكتفي طوني بلير بإصدار مواقف عامة بشأن دوره في تلك الحرب، ويمررها بعبارات ملتوية وغامضة، وكلها تتحدث عن الأسف لفقدان الحياة، ولكن حياة من ؟؟ وهو عندما استدعي للتحقيق في لجنة "تشيلكوت" عام 2011. وبعد ذلك فان زعيم حزب العمال، إد ميليباند، Ed Miliband لم يعتذر لأحد، مكتفيا بوصف الحرب في عام 2010 بأنها " خطأ" لا غير .

أما كوربين البريطاني، زعيم حزب العمال البريطاني الجديد، الذي عارض غزو العراق، عندما كان معارضاً، اكتفى في بيان له : ( إننا كحزب ، وبصفتنا طرفا ، وجدنا أنفسنا في موقف مؤسف من أن تتماشى مع واحدة من أسوأ الحكومات اليمينية في تاريخ الولايات المتحدة، وحتى مع الرأي الليبرالي في الولايات المتحدة الذي شكك في أصل وأسباب ذلك التهور في تلك الحرب )، وأضاف ( ... أن علاقة بريطانيا مع الولايات المتحدة ستكون أفضل على المدى الطويل ؛ لو كانت الحكومة البريطانية لا تتبع البيت الأبيض من دون سؤال أو استفسار عن ما يطلب منها فعله ... كانت حرب العراق خطأ من حيث المبدأ )، وقال : ( كانت خطأ وذات أبعاد رهيبة، وسعر تلك الحرب لم يدفع بعد ).

للأسف إن قادة الغرب لا يندمون على فقدان أرواح الملايين من العراقيين، الضحايا الذين سحقتهم سنوات الحصار والغزو والحرب وإشعال الفتن الطائفية وتمكينهم من التسلط الإيراني الجاثم على صدور العراقيين؛ بل يعبرون بألم، كما يقول كوربين، عن خسارته كحزب للعمال البريطاني عن فقدان أصوات الوعاء الانتخابي لحزبه : ( لقد فقدت أيضا أصوات الملايين من أنصارنا من الذين ساروا واحتجوا على تلك الحرب ). وقال: ( ... أننا أدرنا ظهورنا إليهم، وكثير منهم إما حجبوا أصواتهم منا ومنهم من يشعر بخيبة أمل أو، ظل فاترا من موقفه منا بسبب موقفنا غير المبرر ).
 





الاثنين ١٣ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / تشرين الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة