شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل أن يستفيق لبنان من هول الصدمة التي ولدها التفجير الإجرامي في أكثر الشوارع حركة واكتظاظاً في برج البراجنة، كانت فرنسا تستفيق على وقع صدمة ولدتها التفجيرات التي ضربت باريس. وكلا التفجيرين أوديا بعشرات الضحايا ومئات الجرحى فضلاً عن الأضرار المادية الجسيمة وعلى قاعدة أن الفقراء يموتون أولاً.

هذان التفجيران هما عملان إجراميان بامتياز وهما يندرجان تحت التوصيف الإرهابي للأعمال الجرمية وفيهما يقال كل التوصيف الذي ينطبق على هكذا أعمال. وإذا كانت ردود الفعل الشعبية والسياسية المدينة والشاجبة والمستنكرة، وهي مؤشر إيجابي على تشكيل رأي عام شعبي ووطني ضد هذه الأعمال الإجرامية، إلا أن ذلك لا يسقط عنهما أنهما ينطويان على رسائل سياسية. والقراءة السياسية الأولية لأبعاد هذين الحدثين أنهما يأتيان في لحظة احتدام الصراع المتفجر في المنطقة والذي تنخرط فيه قوى محلية وإقليمية ودولية. وكل من هذه القوى بات يرتبط بمحورية يسعى أطرافها لتوجيه دفة الأحداث بالاتجاه الذي يخدم أهدافه الأساسية وخاصة تلك المتعلقة بآليات البحث عن حل سياسي للصراع المتفجر في سوريا .والذي بات حله مدولاً بامتياز، بعدما فقدت قوى الداخل والإقليم التابعة والمتبوعة قدرتها على حسم الأمور في أي من الاتجاهين، وبما أفضى إلى البحث عن نقطة تقاطع وسطية، لا تعيد الأمور إلى معطى مرحلة ما قبل اندلاع الصراع، ولا تتجاوز ما هو قائم مما تبقى من هيكليات الدولة .وأن ما يجعل الأمور تتسارع في إطار الحراك الدولي لتظهير حل سياسي للأزمة البنيوية، هو إدراك "الغرب السياسي"، أن الصراع في سوريا حقق أهدافه الأساسية لجهة ما كان يبغى الوصول إليه، وهو اضعاف الموقع السوري كما إدراك "الشرق السياسي" بطرفيه الدولي والإقليمي، أن إعادة تركيب نظام إقليمي جديد، لم يعد يستوعب نظماً كالتي كانت قائمة والنظام السوري أنموذجاً. وعليه فإن كل اللاعبين في الصراع المتفجر باتوا في الوضع الذي يبحثون في طياته على موقع في الترتيبات السياسية والأمنية وحصة إعادة الإعمار وبما يحفظ المصالح القديمة – الجديدة للأطراف المنخرطة في الصراع.

على هذا الأساس، كانت اللقاءات في فيينا تتسارع لأجل تلمس وضع الخطوط العريضة لمعالم الحل السياسي. وقد بدا واضحاً أن التوافق الأميركي – الروسي حول النقاط الأساسية اصبح قائماً بين الطرفين الدوليين وهما الأكثر تأثيراً في توجيه دفة الأمور. وعندما يتفق الطرفان الدوليان الأكثر فاعلية وتأثيراً في السياسة ولوجستيات الحرب، فإن هذا الاتفاق يشكل مظلة دولية تملي على كل اللاعبين الدوليين الآخرين والإقليميين والداخليين الانضواء تحتها، ومن يسعى للخروج من تحت هذه الظلة، سيبلل بالمطر المنهمر عليه رصاصاً وهذا ما ينطبق على الموقف الفرنسي الذي حاول أن يميز نفسه عن اتفاق الثنائي الأميركي الروسي عبر تشكيل محورية سياسية موازية لمحورية فيينا. ولهذا فإنه بعيداً عن الغوص في التحليلات ذات الطابع الاستخباراتي، فإن تفجيرات باريس، الهدف منها، إعادة فرنسا إلى الانضباط تحت سقف الاتفاق الأميركي الروسي بخطوطه الرئيسية وأما التفاصيل فيجري البحث بها لاحقاً، ومن ضمنها تفاصيل المرحلة الانتقالية وعناوينها السياسية.

وأما بالنسبة لتفجير الضاحية، فإنه ينطوي ايضاً على رسالة سياسية لها علاقة بمعطى الصراع المتفجر في سوريا. فسواء أراد الذين قرروا تنفيذ هذه العملية توجيه رسالة للحزب المتورط في الصراع عبر إيذاء ما يعتبر بيئة شعبية حاضنة له رداً على مجازر ترتكب بحق الشعب في سوريا ـــ والكل قام بهاــ أو كانت رسالة موجهة للنظام الإيراني الذي بدا التردد عليه واضحاً في حضور اجتماع فيينا الثاني عبر القيام بتفجير في منطقة تحسب في التصنيف السياسي والشعبي أنها بيئة حاضنة لتابعه في لبنان. فإنه في كلا الحالتين يبدو البعد السياسي واضحاً من خلال هذه العملية. كما عملية تفجير الطائرة الروسية التي يبدو ان الهادف الكامن وراءها هو اعادة تصويب الموقف الروسي بعد الشطط الذي انتابه في سياق عملياته العسكرية في سوريا والتي لم تقارب جدياً مواقع داعش .وإذا كان العام الشعبي لا يقرأ جيداً الأبعاد السياسية لعمليات التفجير في باريس والضاحية، إلا أن الخاص السياسي والذي على تماس مع الحدث يعرف جيداً أي بعد سياسي تنطوي عليه مثل هذه العمليات، والتي يبدو أن من قرر وحضر ونفذ هو على درجة كبيرة من الاحترافية وعلى درجة كبيرة من الإمكانات وأن توقيتهما الذي زامن لقاء فيينا، لم يتأخر بإرخاء ظلاله السريعة عليه وعلى قمة العشرين في تركيا، وعلى الخطاب السياسي الداخلي في لبنان.

وإذا كان الاستنكار الذي اتخذ بعداً وطنياً شاملاً، نقطة إيجابية للوعي السياسي الذي وضع التفجير الإجرامي في إطار بعده الوطني، فإن لغة المخاطبة السياسية التي عادت لتحاكي المعطى القائم بالوقوف على أرضية الواقع كما هو وليس كما يراد له بالاتكاء على فائض القوة ، انما هي نقطة إيجابية أيضاً من شأنها أن تعيد الجميع للانضباط تحت سقف تسوية سياسية تحفظ مقومات البلد الأساسية، وبما يضع حداً لحالة الانكشاف الوطني والتي وفرت أرضية ومنافذ دخول لارتكاب أعمال إجرامية،هددت أمن المواطنين بقدر ما تهدد الأمن الوطني العام.

إن المؤشرات تدلل على أنه بدأت عملية تلمس وضع آليات للحلول للصراع المتفجر في سوريا، وهذا لن يتم بين ليلة وضحاها، ولذا فإن المطلوب أن يعي اللبنانيون هذه الحقيقة وان يكونوا في حالة جهوزية سياسية لملاقاة هذا الحراك الدولي بعيداً عن الاستقواء بالخارج وبالمبادرة المتبادلة إلى نقطة تقاطع وسط، تبدا أولاً بإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية وأولها ملء الشغور في الرئاسة الأولى ومن ثم إعادة تكوين السلطة استناداً إلى قانون انتخابي يلبي الحاجة الوطنية في التمثيل الشعبي ومن هنا تبدأ.





الاربعاء ٦ صفر ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / تشرين الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كلمة المحرر الاسبوعي لموقع طليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة