شبكة ذي قار
عـاجـل










وثائق تؤكد أن النظام الإيراني كان يرفض دائماً مبادرات السلم مع العراق .. مقطع من كتاب ( العراق – ثلاثون عاماً من مسيرة الخير والتقدم ) الصادر عن ( وزارة الثقافة والإعلام ) بتاريخ ( 1998 ) الفصل الثالث عشر

العراق ... جنوح إلى السلم
على خلاف ما درج عليه المألوف في الحروب العسكرية حين يجنح المنتصر إلى فرض شروط تعسفية على الخصم، فإن القيادة العراقية قدمت نموذجاً فريداً في الجنوح إلى السلم، فلم يأخذها زهو الانتصارات الكبيرة التي تحققت في ميدان المعركة منذ الأيام الأولى لقادسية صدام عندما بادر العراق على لسان السيد الرئيس القائد في 28/9/1980 إلى إعلان رغبة العراق الجادة في إيقاف القتال والوصول إلى تسوية سلمية عادلة ومشرفة للطرفين وعلى أساس اعتراف إيران بحقوق العراق المشروعة في الأراضي والمياه واحترام علاقات حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وقد تزامن مع المبادرة العراقية قرار مجلس الأمن الدولي ذو الرقم 479 في 28/9/1980، ودعا فيه الطرفين إلى تسوية نزاعهما بالوسائل السلمية وبما ينسجم ومبادئ العدالة والقانون الدولي، إذ أعلن العراق موافقته على القرار برسالة بعثها السيد رئيس الجمهورية إلى الأمين العام للأمم المتحدة عبر فيها عن استعداد العراق للالتزام به إذا ما فعلت إيران ذلك أيضاً، معرباً عن أمله بأن يتخذ مجلس الأمن الإجراءات الضرورية لحث إيران على الالتزام بالقرار، مذكراً في الوقت نفسه بمبادرة العراق التي أعلن فيها استعداده لوقف الأعمال الحربية فوراً إذا ما قدم النظام الإيراني تعهداً مماثلاً واللجوء إلى المفاوضات من اجل التوصل إلى حل عادل ومشرف.

ولئن جاء الموقف العراقي ايجابياً ومتوازناً، فإن موقف النظام الإيراني اتسم بالرفض والتشنج والافتقار إلى الموضوعية كما جاء في رسالة بعث بها الرئيس الإيراني في 1/10/1980 إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وقد جاء فيها «ان إيران لا ترى فائدة من مناقشة النزاع بين البلدين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ... وان القرار لا ينسجم وأحكام الميثاق».

ثم توالت فيما بعد جهود الوساطة التي بذلتها هيئات ومنظمات إقليمية عديدة، وعدة دول على نطاق فردي وهيئات غير حكومية إذ أظهر العراق إزاءها تعاوناً ايجابياً، في حين استمرت إيران على رفض جميع المبادرات بلا مبرر، ولئن كان من العسير إيراد كل الوساطات لإيقاف الحرب فإن من الضروري الإشارة إلى بعضها، ومنها إعلان العراق استعداده للتجاوب مع مبادرة المؤتمر الإسلامي لوقف إطلاق النار من جانب واحد شرط التزام الطرف الآخر بذلك، وتأييده جهود الوساطة التي كان يبذلها «اولف بالمه » مبعوث الأمم المتحدة لتسوية النزاع، وتعامله بروح بناءة مع مبادرة الرئيس الكوبي "فيدل كاسترو" بوصفه رئيسا لحركة عدم الانحياز.

غير ان هذه الوساطات جميعاً كان مآلها الفشل في طهران. وعلى الرغم من تحفظ القيادة العراقية من مقترحات بعض الدول التي كانت تحابي فيها إيران بسبب تداخل المصالح السياسية ورغبة قوى إقليمية ودولية في تسويف الحقوق العراقية المشروعة بمبدأ عن مقتضيات العدل والإنصاف فإنها أظهرت استعداداً للتجاوب مع المبادرات البناءة، وطرحت موقف العراق على نحو موضوعي وقانوني لا غموض فيه، في وقت بدأ فيه النظام الإيراني متهافتاً في موقفه وطرح شروطاً غير مشروعة، ولم يقتصر موقفه على رفض المبادرات وإنما تعداها إلى رفض القبول بمبدأ التسوية أساساً وهو ما عبر عنه خميني في 9أذار 1982عندما ذكر «ان السلام مع العراق يعد جريمة في حق الإسلام» وما أعلنه من قبل رئيس الوزراء الإيراني في 6آذار 1981 حينما زارت لجنة وساطة حركة عدم الانحياز طهران «انهم يضيعون وقتهم » وحتى عندما تكررت زيارة اللجنة البلدين في نيسان 1982فأنها لم تلق في طهران حظا أفضل مما لقيته سابقتها فتعطلت وساطة الحركة إلى عام 1985عندما أرسل رئيس وزراء الهند مبعوثين إلى البلدين لمناقشة تسوية الحرب بعد مؤتمر عدم الانحياز في دلهي، إلا ان مهمة المبعوثين لم تسفر عن شيء بسبب تعنت النظام الإيراني وصلفه. وفي قمة هراري إذ دان الرئيس الإيراني الحركة وأعلن ان بلاده مقتنعة بأن «هدف كثير من الوسطاء هو تخليص - المعتدي- وليس إقامة وإرساء قواعد السلم».

أما الهيئة الدولية فأنها أصدرت سبعة قرارات عن مجلس الأمن وقراراً عن الجمعية العامة. ففي 12تموز 1982اتخذ مجلس الأمن القرار 514وقد أعرب العراق عن ارتياحه له وقبوله به، وانه يأتي في الوقت المناسب في حين رفض النظام الإيراني القرار ووصفه بأنه «يقدم الدعم المبطن للعراق ». ثم اتخذ المجلس القرار 522في 4/10/1982، ووافق عليه العراق بلا قيد أو شرط وأبدى استعداده لتنفيذ بنوده، في حين ان إيران لم تكتف برفض هذا القرار وإنما رفضت أيضاً قراراً للجمعية في 21/.1/1982، ثم جاء فيما بعد قرار مجلس الأمن 540 في 31/10/1983 الذي علقت عليه الحكومة الإيرانية انه «قرار غير بناء ولا يمت بصلة إلى وقائع الحالة ومن ثم فهو غير عملي». وحين صدر القرار 582 في 24/2/1986، والقرار 588في ذات العام، عبرت القيادة العراقية عن استعدادها للتعاون مع الهيئة الدولية للتوصل إلى تسوية عادلة ومشرفة تؤمن حقوق الطرفين ومصالحهما، في حين رفضتهما إيران جرياً وراء موقفها العدواني المتعنت.

ثم اتخذ مجلس الأمن قراره ذا الرقم 598 في 20 تموز 1987، وقد أعلنت الحكومة العراقية رسمياً عن ترحيبها بالقرار واستعدادها للتعاون الجاد مع مجلس الأمن لتنفيذه بحسن نية، إلا ان الموقف الرسمي للنظام الإيراني جاء مماثلاً للمواقف السابقة من القرارات الدولية وعلقت عليه بقولها "ان إيران هي الطرف الرئيس الذي يقرر كيف يمكنه إنهاء الحرب» ثم جاء في تصريح لرئيس الوزراء الإيراني تعقيباً على القرار "نحن نرفض أي صلح يتعارض مع مصلحتنا».

ويمكن القول ان أكثر العروض السلمية سخاء هي ما طرحه العراق نفسه على مدى السنوات الثماني في سابقة لا نظير لها.

ففي 28 أب 1981عرضت القيادة العراقية وقفاً لإطلاق النار رفضته إيران، ثم عرضت وقفاً لإطلاق النار في شهر محرم من العام نفسه قوبل برفض إيراني، وفي 10 حزيران 1982اعلن العراق وقفاً لإطلاق النار قوبل برفض إيراني، ثم أعلن السيد الرئيس في 20 من الشهر نفسه وقف إطلاق النار من جانب واحد وسحب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية في غضون عشرة أيام، فلم ترفضه إيران فحسب، وإنما شنت بعده مباشرة هجوماً عسكرياً واسعاً على الأراضي العراقية. وفي 15شباط و14 آذار 1983وجه السيد الرئيس خطاباً مفتوحاً إلى الشعوب الإيرانية يؤكد فيه حسن نية العراق ورغبته في إيقاف الحرب، وفي 1حزيران من السنة نفسها وجه سيادته خطاباً مفتوحاً ثالثاً واقترح وقف إطلاق النار في شهر رمضان، ثم كرر ذلك في خطاب لسيادته في 14 تموز ولم يجد استجابة من قبل النظام الإيراني، وفي عام 1985طالب وزير خارجية العراق الأمم المتحدة بإرسال فريق لمراقبة وقف إطلاق النار وانسحاب القوات كافة إلى الحدود الدولية، ورفضت إيران المشروع. ثم أعلن العراق على لسان السيد الرئيس القائد انه سوف يوقف من جانب واحد قصف المدن مدة أسبوعين على أمل ان تقابل إيران المقترح بالمثل، إلا أنها لم تستجب للمبادرة واستمرت على قصف الإحياء السكنية في بغداد والمدن الرئيسة الأخرى راح ضحيته العديد من الأبرياء. كما وجه السيد الرئيس خطاباً مفتوحاً إلى إيران في أب 1982يحثها فيه على المضي نحو السلام، وفي الأول من أيلول العام نفسه عرض العراق على مجلس الأمن خطة من أربع نقاط لإنهاء الحرب تتضمن اقتراحاً قوامه أن يوقع الطرفان المتحاربان على وثيقة عدم اعتداء يضمنها أعضاء مجلس الأمن الدائميون أو بواسطة مجموعة أخرى من الضامنين تحددهم الدولتان، وفي كانون الثاني 1987 اقترح الرئيس القائد تسوية من خمس نقاط تقوم على الانسحاب غير المشروط إلى الحدود الدولية المعترف بها، وتبادل شامل للأسرى، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام خيارات كل دولة، والوصول إلى اتفاق يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي الخليجي. وجدير بالذكر ان كل هذه المبادرات والاقتراحات وغيرها كثير عمد النظام الإيراني إلى وضع العصا في دولابها لمنعها من التقدم.

الفاو .. مدينة الحناء والفداء
تمكنت إيران في 9/10- شباط 1986 من تحقيق خرق في الدفاعات العراقية أتاح لها احتلال شبه جزيرة الفاو مستندة في ذلك إلى الدعم اللوجستي والاستخباري الواسع الذي زودتها به قوى معروفة لأغراض مشبوهة. واستفادت إيران أيضاً من عدم كفاية عدد القوات الرابضة في الفاو إذ لم تزد آنذاك عن قوة مراقبة صغيرة، في حين زجت إيران في هجومها أفضل وحدات جيشها النظامي من الكوماندوز ومشاة البحرية، وقد حاولت إيران بعد احتلالها الفاو التقدم جنوباً لقطع الطريق الواقع جنوبي القاعدة البحرية (أم قصر)، إلا ان القوات العراقية استطاعت - عبر قتال بطولي- ان تحبط الأهداف الحقيقية لاحتلال الفاو بعد ان تمكنت من امتصاص زخم الهجوم المعادي للقطعات الإيرانية أولاً ثم تحديد نقاط وجودها في مساحة محدودة وحصرها بكماشة فولاذية من ثلاث جهات ثانياً مما كبد القوات الإيرانية خسائر فادحة لا تتناسب على وفق التحليل العسكري البحت مع النتائج النهائية لاحتلال الفاو، فكانت النتيجة ان ظلت القطعات الإيرانية قابعة في الفاو تتلقى نيران المدفعية العراقية وصواريخها دون ان تستطيع إيران تطوير عدوانها إلى ما هو ابعد من ذلك فتحولت الفاو كما قال السيد الرئيس إلى «قبر كبير لإيران»، وقد أجرى العراق تغييراً سريعاً في إستراتيجيته العسكرية تتمثل بالتحرك النشط والقيام بفعاليات عسكرية في القواطع كافة، كان أهمها السيطرة على مدينة مهران الإيرانية.

وقد وقع النظام الإيراني ضحية وهم كبير ان احتلال الفاو سيكون مقدمة لسقوط العراق أو هزيمته، وقد أسهمت في هذا التصور الخادع دول كان يروقها استمرار النزاع بين البلدين انساقت نحوها إيران تدفعها أحلامها التوسعية المريضة، فأطلق النظام الإيراني عام 1986شعاره الخائب (عام الحسم) وحشد له أضخم قوة عسكرية ممن جرهم إلى محرقة موت كبيرة، وظلت إيران تعد لهجومها الموعود طوال العام، وافتضحت مؤامرة كبرى كانت تقف وراءها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني مباشرة وقد أطلق عليها فضيحة (إيران غيت) التي كشفت عن عمق التعاون التسليحي الإيراني مع من كانت تطلق عليهم قوى الاستكبار فافقد افتضاح المؤامرة النظام الإيراني مصداقيته التي كان يتشدق بها طوال السنوات المنصرمة، ثم كانت الإجابة العراقية الواثقة عن «عام الحسم » المزعوم ما قاله السيد الرئيس في رسالة مفتوحة إلى النظام الإيراني « نتحداكم أيها الأشرار.. انتم ومن تحالف معكم ووالاكم ان تجعلوا من عامكم الشرير هذا عاماً للحسم».

وفشل فعلاً الهجوم الإيراني الواسع على الشلامجة في شرق البصرة إذ أعلن النظام الإيراني في بدايته ان هذا هو الهجوم النهائي، فكان التدمير الواسع الذي أصاب قواته وخسائره الفادحة فيه ليس محض فشل مسكري في تحقيق مهمة عسكرية وإنما كان فشلاً سياسياً وعسكرياً وجه ضربة قاصمة إلى أحلامه الزائفة مثلما فشلت هجماته الخائبة عام 1987باتجاه القاطع الشمالي.

ثم استمرت الانتكاسة الإيرانية على امتداد عام 1987بعد ان عجز النظام الإيراني عن تعبئة قواته لبدء هجوم عدواني كما اعتاد في شتاء كل سنة، ولم يتحقق ذلك الهجوم الذي ملأ الدنيا ضجيجا حوله. وانتهى «عام الحسم» الذي جاء عاماً «للخيبة » أطاح بالأماني الضالة، واحتفل العراق في 22أذار عام 1987باسقاط شعار عام الحسم، ووجه السيد الرئيس رسالة إلى الشعوب الإيرانية جاء فيها «ان النظام الإيراني قد حسب موازين القوى حسابات فنية فحسب، فتصور ان مجرد زج قوى اكبر وأكثر تأثيراً أو تحقيق المباغتة... يكفيان لتحقيق ما عجزت عنه المحاولات السابقة، وبدلاً من ان يهتز لأي من أبناء العراق طرف أو تضعف همته وعزمه تحت مطارق الإعلام الصهيوني والإعلام المتآمر انتخينا باسم العراقيين وباسم كل العرب مستحضرين كل حلقات المجد والعزم والشرف والفضيلة في تاريخ الأجداد مقابل ما استحضره العدو من عوامل الشر وأحقاد التاريخ في كل مواقعها».

معارك التحرير
ثم جاءت ملحمة الفاو في 17/4/1988 التي أطلق عليها اسم «عملية رمضان مبارك » وحررت فيها القوات العراقية شبه جزيرة الفاو بعد احتلال دام أكثر من عامين لتشكل نقطة هامة ومنعطفاً له دلالته في مسار الصراع المسلح فاستحقت بجدارة التسمية التي سماها بها الرئيس القائد «مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم » ففيها انقلب حال القوات الإيرانية التي اعتادت ان تكون هي المهاجمة، وان تكون القوات العراقية في موقف دفاعي، وفي هذه الملحمة تمكنت القوات العراقية بقتال بطولي وخطة محكمة اشرف السيد الرئيس القائد شخصياً على متابعة تفاصيلها بدقة منذ وقت مبكر ان تستعيد السيطرة التامة على الفاو في زمن قياسي وفي اقل من يوم ونصف تكبدت في أثرها الحشود الإيرانية خسائر بالغة لم ينج منها الأمن لاذ بالفرار مذعوراً من الحمم التي انصبت على الرؤوس. وبسبب الانكسار النفسي الكبير الذي أصاب القوات الإيرانية لم يستطع النظام الإيراني القيام بضربة مضادة أو حتى إبداء مقاومة منظمة، مما يدل على مدى العجز الحقيقي الذي بلفه الجيش الإيراني في وقت كان يصر- فيه المسؤولون الإيرانيون قبل أيام أنهم يعدون لهجومهم الكبير، فكانت الفاو إيذاناً بالانتكاسات الإيرانية التي تلاحقت وتائرها فيما بعد تحت مطارق القوات العراقية.

خميني يتجرع السم
كان المتتبعون لسير العمليات العسكرية، في عامها الأخير، اقل مفاجأة بموقف النظام الإيراني في قبول قرار مجلس الأمن 598، فالتغير في مسار الصراع المسلح بدأ يأخذ منحى مختلفاً منذ معارك تحرير الفاو إذ شهدت الجبهة بعدئذ على امتدادها صولات باسلة للجيش العراقي، تهاوت أمامها القوات الإيرانية التي رفعت الرايات البيض إذعاناً للاستسلام مؤثرة الأسر على الموت.

ففي 25مايس 1988قامت القوات العراقية بعملية «توكلنا على الله » الملحمية، تهاوت أمامها الحشود الإيرانية التي تقهقرت إلى الوراء فتحررت منطقة الشلامجة بعد ان تكبدت إيران خسائر جسيمة، ثم تبعتها في حزيران 1988عمليات «محمد رسول الله » التي حرر وطهر فيها عدد من جبال العراق الشماء في المنطقة الشمالية. وفي 25من الشهر نفسه زفت القيادة العراقية بشرى تحرير الأراضي العراقية في حقل مجنون عبر عمليات «توكلنا على الله الثانية ». ثم لقنت القوات المسلحة العراقية في تموز 1988القطعات الإيرانية درساً لا ينسى في البطولة والفداء إذ تمكنت فيها من تطهير حوض باسين وجبال سركو ووادي سبيدارة وبعض المخافر الحدودية، وخاضت معركة باسلة على الرغم من وعورة التضاريس.

وفي عمليات "توكلنا على الله الثالثة" التي جرت في 12تمون دارت رحى معركة بطولية أخرى تمكن فيها جنود الحق من تحرير الأراضي الوطنية في منطقة زبيدات، وأشار بيان القيادة العامة إلى أن ما على حكام إيران إلا ان يتعظوا قبل فوات الأوان.

ولكن كان واضحاً ان الإيرانيين يحتاجون إلى درس بليغ أخر ليوقنوا ان ليس أمامهم من فرصة للنجاة إلا قبول السلم مرغمين فجاءت عمليات «توكلنا على الله الرابعة » التي امتدت من أقصى الجبهة إلى أقصاها لانتزاع ما تبقى بأيدي الغزاة من أراضينا الوطنية وتحطيم قوتهم والحصول على اكبر عدد من أسرى العدو الذين انهارت معنوياتهم إلى حد بعيد بعد الفشل المريع في إيقاف زخم الصولات العراقية، وكان الثقل الأساسي للعملية في قاطع الفيلق الثاني وعلى جبهة امتدت إلى (170كم). فكانت الخسائر الفادحة التي تكبدتها القطعات الإيرانية وعجزها عن المقاومة هي التي دفعت النظام الإيراني إلى إعلان الانسحاب من حلبجة وحاج عمران خشية الوقوع في منازلة خاسرة تدرك نتائجها سلفاً.

ولا ريب في ان الانتصارات العراقية الباهرة منذ تحرير الفاو وما تلاها ترجع بالدرجة الأساس إلى التخطيط الدقيق والقيادة الميدانية المباشرة للرئيس القائد صدام حسين، والى الأعداد العالمي للمعركة والتخطيط المتميز، ثم التنفيذ الماهر والشجاع الذي أبدته القوات المسلحة العراقية قيادة وضباطاً وجنوداً، ولما كانت الحرب ظاهرة ذات شقين، ففي مقابل ذلك ولدى الجانب الإيراني، كانت هنالك هزيمة نفسية قبل ان تكون عسكرية عمقتها السنوات السابقة التي أدركت فيها الشعوب الإيرانية عقم الأهداف التي تساق إليها، وأن الجنة الموعودة التي كثيراً ما منوا بها لم تكن إلا سراباً، وإزاء هذه الحقائق التي برهنت عليها الصولات العراقية في سور الوغى، ما كان أمام (خميني) وهو يشاهد علائم الانهيار والاعياء التام في جيشه المندحر إلا ان يعلن إذعانه وموافقته على قرار مجلس الأمن 598 وقبول السلام صاغراً، واصفاً إياه بأنه «اشد عليه من تجرع السم ».





الاثنين ١١ صفر ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / تشرين الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة