شبكة ذي قار
عـاجـل










لا تجرؤ أي دولة، مهما اتسع حجمها وتعاظمت قوتها، في ظل نظام العلاقات الدولية القائم على القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة ومبادئ الميثاق، أن تقتحم حدود دولة أخرى، أو تسمح لمواطنيها بالأقتحام وبأي صيغة كانت، لأن أي تصرف، سواء كان ناجم من جزء من سلطات الدولة أو مجموعة أو أحد مواطنيها، سيرتب أثاراً قانونية واعتبارية وأخلاقية وتاريخية، خاصة إذا اكتسبت طابع الخرق التدميري المباشر لمنفذ حدود سيادي والدخول عنوة، دون أي إعتبار للقواعد التي ترعى العلاقات الثنائية بين دولتين، ولأغراض ذات طابع إستراتيجي بعيد المدى تتبناها إيران بتوافق أمريكي .

ما الذي نلمسه بوضوح في حادثة إختراق الحدود ( السيادية ) للعراق من لدن جموع من رعايا إيران ورعايا دول أخرى، تحت يافطة مناسبة دينية يمارس شعبنا في العراق ( طقوسه ) تبعاً لشروط إيرانية :

1- إ ن خرق الحدود الرسمية للعراق عمل مدبر ومخطط له بإتقان إيراني، غاياته معروفة ومكشوفة تماماً لا تخرج عن سياق التخطيط ( الخاص والعام ) في آن واحد .. الخاص : وهو إيراني بامتياز ( تجريف البشر في بعض مناطق العراق ودفعهم إلى منطق أخرى وتوطين بشر محلهم من قوميات فارسية وافغانية وبلوشية وباكستانية وهندية تحت خيمة المذهب التشيعي الفارسي ) . والعام : وهو أمريكي إسرائيلي مشترك يستهدف الوصول إلى خطوات تؤسس للتقسيم ( كانتونات ) هي في حقيقتها ( دويلات طائفية وعرقية تُمَكِن الكيان الصهيوني من أن يدخل في إطارها ويقودها بما يتماشى مع مشروعين متداخلين هما المشروع الصهيوني من النيل إلى الفرات، والمشروع الأمريكي ( الشرق الأوسط الجديد ) .!!

2- لم تعترض على الخرق الإيراني حكومة بغداد العميلة، ولم ترَ أن الأمر يشكل إذلالاً لها وللشعب العراقي، وخاصة حين نعق أحد جنرالات إيران بغطرسة فاضحة ومكشوفة عَبَرَ من خلالها عن عمق الدوافع، التي تكمن خلف هذا الخرق الشنيع لحدود العراق، حين قال ( ليس من حق العراق منع الايرانيين من دخول أراضيه، لأنه بالأساس أرض أجدادنا نحن أحق فيه، لذا يتوجب على العراقيين معرفة هذا الحق وتجنب مجاراة الأمة الأيرانية ) .!! واكتفت هذه الحكومة الألعوبة العميلة بإحتجاج خجول لذر الرماد في العيون أولأسقاط فرض، كما يقال، والنتيجة قد حصدها الإيرانيون بتدفق الحرس الإيراني في عملية توطين قل نظيرها خلال العقد الأخير، طالما يخطط ملالي إيران من أجل الأستيطان الفارسي كما هو حال الأستيطان اليهودي في فلسطين المحتلة، ( تجريف قرى وقصبات ديالى والأنبار وغيرها وتوطين الفرس في هذه المناطق تحت ذريعة زيارة العتبات المقدسة واداء طقوس الزيارة، فيما تكفلت المليشيات الفارسية في العراق بترتيبات ومتطلبات إسكانهم مؤقتاً ورعايتهم ريثما يستقر بهم الحال في تلك المناطق ( المحررة ) .!!

3- الجهات الإيرانية المختلفة جميعها على إطلاع كامل بمجريات الخرق .. الذي يعد جريمة متكاملة الأركان في التخطيط والتنفيذ .. فأجهزة الأمن الإيرانية وحرس الحدود والمخابرات والعناصر الخاصة بإدارة المنفذ الحدودي في الجانب الإيراني، تعلم جيداً بالخرق غير القانوني للحدود ولأركان ( السيادة ) .. ولكن مع ذلك فهي أجهزة متورطة بالتشجيع والتنفيذ فضلاً عن تورطها بالسب والشتم وجميع أشكال الأهانات التي وجهت ضد الشعب العراقي.. ولم يصدر عن الجانب الإيراني سوى تصريحات جنرالات مسكونون بهوس التمدد والتجاوز وتنفيذ أركان الجريمة المخلة بالقوانين العراق وبالقانون الدولي وبمبادئ حسن الجوار وبميثاق الأمم المتحدة.!!

4- والملفت في الأمر، أن حكومة بغداد لم تتخذ أي إجراء سوى الأحتجاج غير المقرون بإجراءات تحذيرية وعقابية تؤكد عدم تكرار أفعال التدخل في الشؤون الداخلية للعراق .. فيما اتخذت هذه الحكومة إجراءات بالضد من أنقرة لوجود سرية عسكرية على مشارف الموصل متفق عليها بين بغداد وانقرة ، تمثلت برفع الوضوع إلى مجلس الأمن الدولي وإلى الجامعة العربية وألغت الملحقية التجارية العراقية في تركيا وهددت مليشيات الحكومة العراقية بإختطاف شخصية تركية مهمة في بغداد وهو السفير التركي المعتمد في بغداد المشمول بالحصانة الدبلوماسية ( نحن هنا في شريعة الغاب تماماً.. لا حصانة ولا حماية ولا قوانين إنما مجموعة من اللصوص تحكم على وفق قواعد وضوابط إجرامية خالصة ) .. بينما تلتزم أمريكا المحتلة للعراق بإتفاقية الأطار الأستراتيجي الصمت على الخرق الإيراني المتعمد للمنفذ الحدودي وبالصورة الفاضحة، التي قل نظيرها بين دول العالم.. الأمر الذي يؤكد التواطؤ الأمريكي الإيراني في عمل مشترك يستهدف شعب العراق وأرض العراق وثروات العراق و ( سيادة ) العراق.

5- والملفت أيضًا، أن تدفق أكثر من نصف مليون إيراني، معظمهم من الحرس الإيراني، له دلالات أخرى، ليست طقوسية مذهبية إنما تعبوية إستراتيجية .. تزامنت تماماً مع دخول القوات التركية حدود العراق بالقرب من حدود محافظة الموصل بهدف المشاركة في ( تحريرها ) .. وبهذا السلوك المتزامن، ( الإيراني التركي ) والرغبة الأمريكية الغامضة في نشر قواتها في العراق على أساس أن ( طيران التحالف ليس كافياً للتحرير إلا بقوات أرضية ) .. يتشكل الصراع الأقليمي على أرض العراق، فيما يأخذ هذا الصراع أبعاده الدولية متمثلاً بسياسة ( عض الأصابع ) بين روسيا الأتحادية والولايات المتحدة الأمريكية.!!

6- إن خرق حدود العراق بهذه الصيغة الخبيثة من لدن الحرس الأيراني يعد إخلالاً للتوازن الأقليمي في المنطقة .. وهو الأمر الذي يدفع ويشجع على تدخل تركي، من أجل إعادة كفة الميزان إلى نصابه على الرغم من أن فعل الأحتلال الأمريكي الغاشم في عام 2003 قد وضع المنطقة وقواها الأقليمية في حالة إضطراب مزمن واحتقان يوشك على الأحتكاك والتصادم، حيث الأجواء التي مهدت لعدد من التصادمات الأثنية والطائفية .. والهدف كما هو معروف تقسيم المجتمعات العربية وتقسيم الأرض العربية بأدوات أجنبية تقع الأداة الطائفية الإيرانية في مقدمتها كذريعة لأشعال نيران الصراعات واستمرارها تبعاً لمخطط مشروع الشرق الأوسط الكبير.

7- بيد أن المشاريع الأقليمية ( الأيرانية والتركية والأسرائيلية ) حيال المنطقة لن تتوقف، إنما تستمر في عملها في ظل المشروع الأمريكي المعروف بمشروع الشرق الأوسط الجديد .. فيما اللآعبون الدوليون ( روسيا والصين وأوربا ) من الصعب أن يتجاهلوا الأنهيارات الحاصلة في ميزان تعادل القوى في المنطقة، سواء كان الأمر يتعلق بتوازن القوة أو توازن المصالح .. لأن واقع العلاقات الدولية بات متشابكاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وبشرياً- إجتماعياً .. إذ أن العولمة التي جاء بها الغرب الرأسمالي باتت عبئاً على النظام الغربي نفسه في روافد ومجالات متعددة منها، حرية الحركة والسفر والتنقل بين البشر وحرية حركة المال في التمويل والاستثمار عبر البنوك والشركات عابرة القارات والكارتلات العملاقة وحرية الافكار واتساع دائرة الاتصالات وحرية حركة الاعلام المتطور والتواصل الاجتماعي فضلاً عن دور الفضائيات في مجمل هذه الحركة ) .. هذا العبئ هو نتاج العولمة الغربية - الرأسمالية التي انعكست بالسلب على النظام الغربي .. حيث أنتجت هي الأخرى دولاً ترعى الأرهاب وداعمة له وللحركات المتطرف، مثل إيران .. كما أنتجت منظمات وحركات ومليشيات ارهابية وأيقظت ما يسميه ( زبيغنيو بريجنسكي ) مستشار جيمي كارتر للأمن القومي الأمريكي ( الأصوليات ) .. وغذت أيضاً حركة الأفكار والآيديولوجيات التي تشرعن العنف والتطرف.!!

8- الحركة الروسية الضاغطة، بعد إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية، مع حركة طهران من خلال عملائها في بغداد، تأخذ شكل ضغوط تستهدف وضع تركيا في خارج نطاق صراعات المنطقة وبصيغة ( إحتوائها ) ، لتنطلق اليد الإيرانية في الهيمنة والتمدد.!!

9- هل تسكت أنقرة وهي أحد أهم جدار إستراتيجي مانع لحلف شمالي الأطلسي، وأحد لآعبي التوازن الأستراتيجي الأقليمي في المنطقة، على التوجه الروسي - الإيراني المشترك لأحتوائها وتحجيمها ووضعها في خارج معادلات الصراع عن طريق إشغالها أو إلهائها بأوضاعها الداخلية، فيما يتعرض أمنها القومي إلى الخطر.؟

وهل يسكت أم يراوغ حلف شمالي الأطلسي الداعم لأنقرة حيال هذه الحركة الأستراتيجية الروسية - الإيرانية .. وخاصة بعد أن أتخذ التردد الأمريكي المتعمد شكله الواضح إتجاه مجمل صراعات المنطقة وخاصة في سوريا.؟

10- لا بد هنا ، من أن تعيد تركيا قراءة حساباتها من جديد، وتركز على الجوهري الأستراتيجي بعيد المدى للصراع الدائر في المنطقة، وتتخلى عن الصيغ غير النافعة، وأن لا تهمل قوى الصراع الأساسية في العراق التي تعتبر الأساس في ردع إيران ومنعها من التمدد على حساب أمنها القومي والأمن الأقليمي برمته.

11- أمريكا تعترف بمحدودية النتائج للصراع القائم في سوريا، وتتجنب إرسال قوات برية، وتكتفي بسلاح الجو وبالأستخبارات وربما بالنخب الخاصة المخصصة للعمليات الحيوية.

12- روسيا هي الأخرى قد أثبتت محدودية نتائج تدخلها العسكري في سوريا، وليس بإمكانها إرسال قوات عسكرية برية .. إذن : المسألة الخاصة بحسمية الحرب أو الصراع ستطول، طالما أن أحد أهم عناصر الحسم ( قوات برية ) لم تتوفر في ساحات الصراع.!!

13- التردد الأمريكي يفصح، كما أشرنا إليه سابقاً، عن صفقة أمريكية - إيرانية على تخوم الملف النووي الإيراني .. تتخلى طهران بموجبها عن تصنيع السلاح النووي ( مقابل ) إطلاق يدها في المنطقة حتى لو تضررت تركيا وهي عضو مهم في حلف شمال الأطلسي.. لماذا ؟ ، لأن أمريكا تريد تنفيذ ( مشروع الشرق الأوسط الكبير ) وهو مشروع يشمل كل دول المنطقة بما فيها تركيا وإيران ... نعم إيران ، هي الأخرى سيتقسم وضعها الداخلي الهش إثنياً وطائفياً وفئوياً وواجهياً .. وهو الأمر الذي تتحسس منه موسكو ..!!

لعبة محاربة ( الأرهاب ) لعبة إستراتيجية كبيرة من الصعب حصرها بعقود من السنين .. وإن إقتحام إيران لحدود العراق بهذا الزخم الكبير يحمل تأكيد الأستيطان وتغيير الديمغرافيا السكانية المذهبية والعرقية في العراق من جهة، وهو جزء خطير يواكب حركة الفعل الأستراتيجي العامة في العراق والمنطقة يتوجب إيقافه بكل الوسائل الممكنة والمتاحة من جهة ثانية .. لأن له الأولوية القصوى.!!





الثلاثاء ٤ ربيع الاول ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / كانون الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة