شبكة ذي قار
عـاجـل










في كل حرب تقع، وفي كل صراع يتفجر ويأخذ طابعاً عنفياً معسكراً، يحصل تدمير في المناطق التي تدور فيها رحى المعارك سواء كانت بين أطراف داخلية إذا ما كانت الحرب أهلية، أو كانت بين أطراف دولية أو مختلطة ما بين الداخلي والخارجي وبتعبيراته السياسية ما بين الأهلي والدولي والإقليمي من ضمنه. وفي كل حرب ينتج عنها، تدمير، وتهجير سكاني لمن يقع ضمن نطاق العمليات العسكرية، أما لدرء خطر، وأما لانعدام الخدمات وعدم القدرة على توفير الحاجيات الضرورية والأساسية. والصراع المتفجر في سوريا لا يشد عن هذه القاعدة إطلاقاً. لكن ما يميز تداعيات هذا الصراع على الواقع المجتمعي في سوريا، هو شموله كافة الأراضي السورية بحواضرها المدنية وأريافها وكل ما يقع ضمن المساحة الجغرافية من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

وأن يحصل تدمير في سوريا فهذا ليس مستغرباً، وأن يحصل تهجير ونزوح سكاني إلى أماكن أكثر أماناً سواء في الداخل السوري أو خارجه فهذا ليس مستغرباً أيضاً، لكن حجم التدمير والنزوح جعل هاتين الظاهرتين أي التدمير والتهجير يرتقيان إلى مستوى الكارثة الوطنية.

ومن بديهات الأمور انه عندما تنتهي الحرب أو يتم احتواء الصراع عبر حلول سياسة ان تبدأ عملية إعادة البناء وعودة المهجرين والنازحين إلى ديارهم إلا قلة قليلة، وهي التي ترتبط بواقع معيشي مطبّع وخاصة في مناطق النزوح الداخلي وهذه تكون قاعدة عامة تفرض نفسها عندما تضع الحرب أوزارها. وهذا ما يفترض أن يكون ملحوظاً من كل الذين وقعوا تحت إمداءات الصراع المتفجر، وما ترتب عليه من نتائج سياسية واجتماعية.

وإذا كان الصراع المتفجر في سوريا قد طال أمده وهذا أمر طبيعي في ظل تداخل مصالح وأهداف قوى الداخل السوري من موقع السلطة والمعارضة مع مصالح قوى الإقليم والقوى الدولية، وكلها غرقت في أتونه الذي تتجاذبه الاستراتيجيات الإقليمية والدولية المتقابلة، إلا أنه من غير الطبيعي أن تترافق مع جولات الصراع هذه تصدٍ لحل مشاكل مرتبطة بحصار مفروض على مناطق معينة عبر تبادل سكاني تشرف عليه أطراف منخرطة في الصراع مباشرة ومداورة وتحت عنوان فك الحصار وتوفير ممرات آمنة لانتقال المقاتلين.

هذا التبادل السكاني، يعني أن سكاناً يقيمون في منطقة معينة ويشكلون أقلية بالاستناد إلى معتقدهم الإيماني أو المذهبي قياساً إلى الخط الأكثري المحيط، يتم نقلهم إلى مناطق أخرى تكون مفتوحة على محيط متماهي في الاعتقاد الإيماني والمذهبي وبحيث يتم إسكانهم في هذه المناطق التي دمرت وهجر سكانها. وهذا يعني، أن الصراع المتفجر مع ما ينتج عنه من تمدير وتهجير، بات ينتج تغييراً في الواقع الديموغرافي وبرعاية "رسمية". وهذا يعني أيضاً أن الصراع المتفجر في سوريا، بات يفرز نتائج كتلك المرتبطة بإعادة "التسكين" وهنا تكمن الخطورة الكامنة وراء هذه الخطوات والتي يبدو أنها ترتبط بما يرسم من خارطة سياسية جديدة للتركيب البنيوي الشعبي وعملية إعادة توزعه على قاعدة الصفاء الأثني والمذهبي تمهيداً لإعادة تركيب السلطة كبناء فوقي يحاكي البناء التحتي للمكونات المجتمعية. وأن ما يثير الاستغراب أن المنظومة الأمنية السياسية التي تنخرط في الصراع من خلال موقعها السلطوي هي طرف أساسي في إنفاذ هذه الخطوات، وكان يفترض بها وهي تدعي حرصاً على وحدة وطنية ينشد أبناؤها إلى هوية وطنية أن تقاوم بشدة مثل هذه الإجراءات، لأنها تضعف من البنية الوطنية، وتفتح الطريق لتشكيل هويات طائفية وأثنية على حساب الهوية الوطنية الواحدة الجامعة.
نقول أن هذا مستغرب عن سلطة يفترض فيها أن تقاوم الفرز السكاني على أسس مذهبية وطائفية وأثنية، لأنها تجسد بالمنظار الدستوري المرجعية المؤتمنة على حماية المقومات الوطنية في وحدة الأرض والشعب والمؤسسات. وإذا كانت القوى التي تنخرط في الصراع من موقع المعارضة وبعضه مرتبط بأجندات خارجية مشبوهة أو مدفوعاً بمحفزات مذهبية وأثنية حادة، تعمل لأجل ذلك، فإن على السلطة التي تواجه بحركة الاعتراض أن تقاوم سياسية الفرز السكاني، وتحافظ على الاختلاط السكاني وتحمي السجلات المدنية وسجلات التملك من التلف والتخريب. أما وأن هذا الأمر لم يحصل فثمة قطبة مخفية وأن عملية التبادل السكاني ليست ملتبسة وحسب بل هي مشبوهة.

إن فك الحصار عن المدنيين في الحروب الأهلية والمدولة هو مطلب إنساني محق و استعمال المدنيين دروعاً بشرية إجراء يحاسب عليه القانون الدولي الإنساني. والإشراف على فرض هدنة عسكرية تفرضها الضرورات الإنسانية، أمر يؤخذ به في كل أشكال الحروب والصراعات. لكن أن يرتبط استغلال الحاجة الإنسانية المرتبطة بالأمن الحياتي للمواطن – الإنساني، بهدف سياسي يتعلق بإعادة التركيب الديموغرافي وإعادة التوزع السكاني ففي الأمر شبهة ولهذا يجب إدراك أبعاد الخطورة المترتبة على تنفيذ إجراءات إعادة "التسكين" في ظل معطى الضغط الأمني.

إن ربط هذه المسألة بتوفير الأمن المواطنين يستشف منها أنها مرتبطة بتهيئة الأرضية لواقع شعبي – سياسي جديد لن يكون في صالح سوريا التي لم تعرّف إلا بكونها قلب العروبة النابض وليس بلداً تسكنه مكونات مذهبية وأثنية يراد لها ان تعطى هويات سياسية على حساب الهوية الوطنية الجامعة.

إن أمن المواطن الحياتي والمعيشي هو حق من حقوقه الأساسية، لكن هذا الحق لا يكون على حساب الأمن الوطني. فإذا سقط الثاني أو ضعفت عوامل منعته، فإن الأول لن يكون في مأمن حتى ولو يم تكن حرب أهلية معسكرة. ولذا فإن الأولوية في التصدي للقضايا الأساسية هي توفير مرتكزات الأمن الوطني وعكس ذلك، فإن علامة الاستفهام تلف كل إجراء يضعف التماسك الوطني، والتبادل السكاني أنموذجاً.





الخميس ٢٠ ربيع الاول ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / كانون الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحرر الأسبوعي - طليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة