شبكة ذي قار
عـاجـل










مع احتفالات الأمة في يوم الحج الأكبر ، يحتفي مناضلو الأمة بذكرى الشهادة ، هي شهادة الأكرم منا جميعاً ، فالشهادة لا تمنح ألا لمستحقيها ، فامتحان استحقاقاتها عسير على الكثير من أبناء البشر ، فهؤلاء الشهداء أكرمهم الله ، ونالو تكريمهم على الأرض ، فهم الأكرم منا جميعاً ، فأنى تكون لكل راغب في الحصول عليها في زمن عزت فيه الشهادة ، بعد أن جفت الأرض وغابت عنها ساحات الوغى .

الشهادة موسومة بالشجاعة ، وليس كل واحد من البشر قد دبت فيه هذه الشجاعة، فالأغلب ضعاف النفس والفعل والارادة ، والشجاعة فعل ارادة ، ومن لا يملك الارادة لا ينال الشهادة ، وقليل من الرجال في المواقع الأمامية من تدفعه هذه المواقع للتضحية بها ، رغم أن التضحية هنا ثمنها أكبر ، فالحصول على كرم الله للشهادة والشهداء كبيرجداً ، هو أكبر من الدنيا وعطاياها ، فالدنيا ليست هدفاً ، بل هي وسيلة لتحقيق هدف ، مستقرها ما نصبو إليه جميعاً في الآخرة .

بطلنا الذي نحتفي بذكرى استشهاده كل عام تفوق على طينة البشر، رغم أنه من البشر ، أي أن صنيعه يفوق قدرات البشر ، فقد كان شجاعاً في كل مواقفه ، وكل المواقع التي كان فيها تكشف ذلك منذ نعومة أظافره ، فقد كان يصارع الموت، ويصرع كل هواجس الدنيا بالنسبة للموت ، وعافت نفسه أن تكون في غير مراتب الحياة الحرة الكريمة التي لا يعشقها إلا الشجعان .

من سيرته لا يمكن أن يكون فعل الشهادة أمام ملك الموت بفعل غير اعتيادي ، نحن فقط من غابت عنا قيم الارادة ، وقهر الذات بضعفها وجبنها مما أصابنا من ذهول الموقف البطولي ، موقف البطل أمام ملك الموت ، وصلابة الموقف ، وثبات الرأي على ثقافة الحياة ، التي أعدت لإستنهاض ما في هذه النفس الإنسانية الوثابة في داخل الشهيد ، من عزم ارادة ، ورباطة جأش في لحظة المواجهة الصعبة .

الفعل الارادي في موقف الشهيد هو غير ارادي للكثيرين منا ، لأن تربيتنا ليست على ما يجب أن تكون عليه النفس الإنسانية ، فالتربية لدى الشهيد هي ليست من ذاك المنهاج التربوي الذي كانت عليه تربيتنا غير الرسمية كما هي التربية الرسمية أيضاً، فقد كان يتمتع بنوع خاص من التربية ، صاغت هذه الشخصية الفريدة من بين الشخصيات الإنسانية ، فكانت فريدة عز مثيلها ، وكانت نوعية تشرئب لها النفس البشرية التي تّحدث نفسها أنها منتدبة لزمن غير زمانها ، لأن فيها رغبة أن تصنع زمناً خاصاً بها كقدوة ، فكان الشهيد في زمن غير زمنه ، انتدبته الأمة أن يكون قائدها ومعلمها ، وباني قيم المجد والبطولة لأبنائها .

احتفالات الشهادة في ذكرى الشهيد صدام حسين عليها أن تخرج من شرنقة الكلمات،ومراسم الصور والأهازيج ، لابد لها أن تستنبط العبر ، وتغرس القيم والمثل في نفوس تلاميذ مدرسة النضال التي كان الشهيد يديرها ويعلم فيها ، فالمدرسة مخزونها كبير وعظيم ، فهي مدرسة أمة حملت مسؤولية ربانية عظيمة بعظمة الخالق ، وعلى أيدي عظماء لن يتكرروا ، ولكن يمكن أن يتمثلوا ، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لن يتكرر ، وأصحابه رضوان الله عليهم لن يكون لهم مثيل بيننا، ولا في الزمن القادم ، فتمعنوا في قول القائد المؤسس عن سيدنا محمد "إذا كان محمد كل العرب فليكن كل عربي محمداً" ، فمن منا حدث نفسه إلى أي حد أنا كذلك ، والفاروق مازلنا نلوك أقواله ، ولكن للأسف لم نتمثل افعاله وصورها في نفوسنا ، فهل نحن من يفتخر به ، وليس له أثر في نفوسنا ؟ .

علينا في احتفالاتنا أن نقرأ فكر الشهيد وهو الغني بكل مفردات الحياة ، ونضع نصب أعيننا أن حاجتنا للقيم والعبر كبير، فمنها نملك ارادة التحدي ، ومنها نصنع الحياة على الأرض ، وفي السماء نشق عبابها لنعلو إلى المجد ، فأمتنا لا تستقيم معها الحياة إلا مع الارادة وصناعة المجد ، ألم تكن أمتنا تخوض معركة المجد والتحدي عندما كانت على وعي بدورها في هذه الحياة ، وعندما فقدت هذا الدور ، فقدت المجد ، وغابت منها الارادة ، وضاعت من بين أيديها كل أفعال البطولة ، فبتنا نعيش على حوافي السواقي لأنهر الأمم الجارية ، المتدفقة عطاءاً وابداعاً في كل ميادين الحياة.

هل لنا أن نعيد كتابة سيرة بطل على غير ما دأبنا عليه في هذه الاحتفالات ، ننهل من فكره ونتتلمذ في مدرسة كان يقود مسيرتها بالقول الفعل ، خلقت نموذاً رائعاً في البذل والتضحية حد الايثار ، فلم يثلم قيمها أي منهم ، حتى بات كل هؤلاء المعلمين في هذه المدرسة قامة نضالية لا مثيل لها في تاريخنا ، هل نربي أبناءنا على بعض من هذه القيم ، باتت حاجتنا إليها كحاجتنا إلى المجد ، لأن مجدنا وحياتنا ومستقبلنا فيها.

علينا أن نفكر جيداً أن فعل الشهادة الذي سطره الشهيد هو الذي يجبرنا على الاحتفال، ولكننا بعيدون عن فهم هذا الفعل النضالي ، وطريقتنا في الاحتفال ما زالت تقليديه ليست نضالية ، ومع أن الكلمة لها فعلها ودورها ، ولكنها لا تحقق غاياتها إلا إذا تمت ترجمتها إلى فعل نضالي ، فالكلمة رغم أنها تدغدغ عواطفنا ، ولكن تأثيرها آني وسريع ، إلا أن الفعل يترك أثره في النفس الإنسانية ، ويعيش مع الحياة مدى الدهر ، ندعو لشآبيب الرحمة أن تسقط على روح شهيدنا ، ونأمل أن نفكر جيداً في نوعية احتفالاتنا بما يليق بالشهيد ، وما ينفع مما رسمت مدرسته وتركت اثرها فينا.

الشهادة والشهيد عنوان مدرسة يجب علينا أن نتمثل العبر منها ، وأن ننهل من علمها وعبرها ما ينفع أمتنا ، ويحقق لها أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية، فهي مدرسة الرسالة الخالدة التي وضعنا أقدامنا على بوابتها .

dr_fraijat45@yahoo.com
 





الخميس ٢٠ ربيع الاول ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / كانون الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة