شبكة ذي قار
عـاجـل










السادس من كانون الثاني هو يوم تأسيس الجيش العراقي لخمسة وتسعين سنة خلت. وإعلان تأسيس هذا الجيش جاء في نفس الوقت الذي أعلن فيه عن تأسيس الدولة العراقية عام 1921. ولم يحصل أن أعلن عن تأريخ محدد لتأسيس جيش وطني في الأقطار العربية "وربما" في غيرها من البلدان تداركاً للجزم في هذا الموضوع، كون تشكيل الجيوش الوطنية كان يتم في سياق تكوين المؤسسات العامة.

هذه الفرادة التي تميز بها الجيش العراقي، جعلت من المناسبة، مناسبة وطنية بحيث يحتفى بها ويتم التوقف عندها سنوياً باعتبارها محطة هامة في التكوين السياسي الوطني العراقي.

فعلى مدى العقود الفاصلة عن مرحلة التأسيس، كان الجيش العراقي يحظى باهتمام خاص من السلطة السياسية على اختلاف معطى المراحل التي عبرها المسار الاستقلالي، لكن الحظوة الخاصة كانت مع الحكم الوطني الذي أقامته ثورة السابع عشر – الثلاثين من تموز 1968. وقد اختبرت فعالية هذا الجيش في مشاركته الفعالة في كل المعارك القومية التي خاضتها الأمة العربية ضد أعدائها المتعددي المشارب والمواقع، من حرب 1948 في فلسطين إلى حرب تشرين 1973، إلى صد العدوانية الإيرانية في القادسية الثانية وبعدها في مواجهة العدوان الثلاثيني في 1991، ومقاومة الغزو 2003.

هذا الدور الذي لعبه الجيش العراقي لم يقتصر دوره على التصدي لكل أشكال العدوان المهددة للأمن القومي العربي وبروزه قوة مؤثرة وفاعلة في ردع العدوان وحماية الثغور القومية وحسب، بل كان حاضراً في مواجهة المخاطر التي تهدد البنيان الوطني للمكونات الوطنية العربية، عبر توفير الإسناد اللوجستي والخبرة وكما حصل عندما كانت وحدة السودان مهددة وأيضاً إنجاز الوحدة في اليمن.

هذا الدور والحضور الذي ميز الجيش العراقي، جعل منه هدفاً للقوى المعادية خاصة بعد خروجه من الحرب المفروضة من إيران أكثر قوة واقتداراً، وبما بات يشكل قوة ردع فعلية للعدو الصهيوني وقد اختبرت هذه القوة الردعية يوم رمى الكيان الصهيوني بالصواريخ وهو تحت مرمى نيران العدوان الثلاثيني. في ضوء هذه الحالة النوعية التي انطوت عليها بنية الجيش العراقي وعقيدته القتالية وما يشكله من خطر على المشروع الصهيوني وعلى كل من يناصب الأمة العداء دفع سلطة الاحتلال لأن تضعه على رأس أولويات الأهداف التي تسعى إليها، من أجل ضرب كل ما يشكل تهديداً للأمن الصهيوني ولكل ما يشكل درعاً واقياً للوحدة الوطنية العراقية من مخاطر التفكك والتفتيت. ولهذا كان أول قرار أقدمت سلطة الاحتلال على تنفيذه هو حل الجيش العراقي مترافقاً مع قرار آخر هو حل حزب البعث والتعامل معه على قاعدة الاجتثاث والحظر وتحت أي مسمى.

إن من يظن أن سلطة الاحتلال، لم تع جيداً حجم النتائج المترتبة على حل الجيش العراقي، لا يعي جيداً الهدف الفعلي الكامن وراء اتخاذ قرار الحرب على العراق وقبل ما أصبح يعرف بتداعيات الأزمة مع الكويت. ومن يريد التأكد أكثر، عليه مراجعة وقراءة مذكرات شوارسكوف الذي قاد قوات التحالف الدولي في حرب 1991، وفيها أن بداية الأعداد لضرب العراق بدأت فعلاً بعد وضع الحرب لأوزارها 1988، وأن العراق لو لم تشن الحرب عليه على أرضية الموقف من دخول الكويت لكانت شنت عليه على أرضية موقف آخر لكن ربما كانت الولايات المتحدة الأميركية وجدت صعوبة أكبر في تأمين ذاك الاصطفاف الدولي والإقليمي حولها.

إن أميركا خططت للحرب ضد العراق تحت حجة انتهاك للشرعية الدولية في حرب 1991، وتحت حجة علاقة مع القاعدة وامتلاكه لأسلحة دمار شامل، وقد ثبت بالإقرار الأميركي والإقرار سيد الأدلة بأن هذين السببين كانا وهميين. كما إن أميركا تدرك جيداً أن العراق لم يقم أية علاقة مع القاعدة ولا يمتلك أسلحة دمار شامل، ومع هذا خططت ونفذت عدواناً ما تزال إثارة تتداعى على واقع العراق والمنطقة والعالم، ان كل هذا يثبت أن الهدف من شن الحرب هو لتدمير العراق كبنية وطنية وتقويض مقومات دولته وهذا لا يتم إلا بتقويض أهم المؤسسات الارتكازية وتحديداً مؤسسة الجيش.

إن أميركا بما هي سلطة احتلال أقدمت على حل الجيش العراقي لتحقيق غايتين في آن واحد. الأولى متعلقة بالأمن الصهيوني والذي يحتل أولوية في الاستراتيجية الأميركية، والثانية لضرب عوامل المناعة الوطنية العراقية وجعل العراق في حال انكشاف شامل. وعندما يحل الجيش الوطني ويشتت أفراده يحصل الفراغ الذي يملأ بالتشكيلات النقيضة. والتشكيلات النقيضة للمؤسسات الوطنية الجامعة، هي التشكيلات ذات الطبيعية التقسيمية والتفتيتية سواء كانت بنيتها طائفية أو مذهبية أو أثنية. وعندما توفر الحاضنات الإقليمية والرافعات الدولية لهذه التشكيلات النقيضة بطبيعتها للوحدة الوطنية، تضرب مخالبها في الجسم العراقي وتعمل على نهش لحمه وجعل جراحه في حال نزف دائم، لأن لأهم وطنياً لها، وكل ما يهمها هو تنفيذ أجندة القوى الإقليمية وعلى رأسها إيران والقوى الدولية وعلى رأسها أميركا بغية إسقاط العراق كموقع قومي عربي مهدد للأمن الصهيوني، وجعل إعادة توحيده دونها معوقات جمة في ظل الواقع الذي أفرزه الاحتلال الأميركي ومعه الاحتلال الإيراني واللذين وأن تمايزا في الشكل إلا أنهما يلتقيان على المضمون وهو ضرب العراق وشل دوره وإعادة تركيب بنيته السياسية بما يلاءم مشروع السيطرة الأميركية والهيمنة الإيرانية.

من هنا، فإن التصدي للمشروع الأميركي والمشروع الإيراني، يبدأ بإعادة الاعتبار للمؤسسات الارتكازية في البنيان الوطني وأولها الجيش وعلى قاعدة قانونة الأساسي وعقيدته القتالية، وهذا ما أكدت عليه جبهة المقاومة الوطنية بطيفها السياسي الواسع عبر التأكيد بأن أحد ركائز العملية السياسية التي تكون بديلاً للعملية السياسية التي أفرزها الاحتلال بمظهريه الأميركي والإيراني هو إعادة الاعتبار للجيش العراقي. وأن تستمر القيادة العليا لجبة التحرير والجهاد والخلاص الوطني بالتأكيد على هذا واعتباره من ضمن الثوابت التي لا يمكن النقاش فيها أو التنازل عنها،فلأنه الموقف الوطني الذي يرّد من خلاله على الهدف الكامن وراء حل الجيش العراقي.

إن إعادة توحيد العراق كياناً وطنياً تبدأ من إعادة بناء جيشه على قاعدة قانونه الوطني وعقيدته القتالية.

وإعادة توحيد العراق كياناً مجتمعياً لمختلف مكواته المجتمعية وأطيافه السياسية هو بإلغاء الاجتثاث ورفع الخطر عن حزب البعث.

إن قراري حل الجيش وحزب البعث شرعا أبواب العراق أمام تدخل كل القوى العابثة بأمنه الوطني والمجتمعي، والغاء مفاعيل هذين القرارين هو الذي يعيد إقفال الأبواب أمام التدخل الإقليمي والدولي ومن هنا تكون نقطة الانطلاق لإسقاط كل مفاعيل الاحتلال ومنها العملية السياسية التي أفرزت وحتى يعود العراق ليحتفي بذكرى تأسيس جيشه الوطني باعتباره كان ويجب أن يبقى الحصن الحصين للعراق والأمة من المخاطر المهددة للأمن الوطني القومي.





الثلاثاء ٢٥ ربيع الاول ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / كانون الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحرر الأسبوعي - طليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة