شبكة ذي قار
عـاجـل










إذا كان ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية اللبنانية، قد شكل صدمة قاسية لحلفاء الأول قبل الفريق السياسي للأخير،

فإن الترشيح المعاكس الذي أعلنه الدكتور سمير جعجع للعماد ميشيل عون، قد قلب الطاولة على هؤلاء الحلفاء وأعاد خلط الأوراق السياسية الداخلية من جديد، مستفيداً من ردات الفعل السلبية التي قوبل بها ترشيح فرنجية سواء لدى حلفاء الأخير أو خصومه وساهم في ضعضعة الصف المسيحي الداخلي الذي شعر بالاستضعاف، ولا سيما الصف الذي تمثله القوات اللبنانية، من حلفائها الأقربين أساساً، والفوقية التي تم بها التعامل معها على طريقة: أحرجتني فأخرجتني.

ثمة من رأى في ترشيح عون من قبل جعجع، مناورة سافرة تدخل في نطاق التكتيك السياسي والفعل ورد الفعل الآخر،

غير أن من يعرف طبيعة الرجلين وتاريخهما السياسي سيستنتج أنهما جديان في هذا الترشيح أكثر من أي وقت آخر، حيث أن عوامل سياسية وانتخابية عدة ستكون حتماً نتاج هذه العلاقة الحميمة الجديدة التي عنوانها اليوم الرئاسة الأولى، فإن أثمرت، فبداية جيدة لما سوف يستتبعها من خطوات أخرى بعد أن يكون التيار الوطني الحر قد ربح بفضل حليفه الجديد الذي سيقدم نفسه وريثاً سياسياً محتملاً للقاعدة الشعبية التي يمثلها العماد عون، بعد أن أثبت لهم أنه "المخلص" الذي على يديه تم "الإفراج" عن الفيتو المحكم على العماد عون وأدى إلى إعادة الحياة السياسية اللبنانية إلى ما يجب أن تكون عليه من الاستقرار والهدوء،

أما في حال استمرار هذا "الفيتو"، فإن ما سوف يلي ذلك من سيناريوات مستقبلية سوف تصب حتماً في صالح الثنائي الجديد، القوات والعونيين وأهمها:

إن كلا الطرفين سيقدمان أنفسهما الممثلين الوحيدين للشارع المسيحي المطلوب استنهاضه اليوم قبل الغد، وتوحيده وإعادة لم صفوف قواه التي تبعثرت وتشتت بعد اتفاق الطائف في العام 1991 والذي جعل من أكثرية النواب المسيحيين مرهونة نيابتهم بأصوات غير المسيحيين في مختلف الدوائر الانتخابية، باستثناء دائرة أو اثنتين منها.

والقوات اللبنانية، التي بإمكانها وبكامل الثقة إيصال نائبين لها من بشري إلى الندوة البرلمانية، وبما هو أقل ثقة لممثل عنها في البترون، فيكون أقصى ما يمكن أن يكون لها ثلاثة نواب لا أكثر،

ما كانت لتحصل على خمسة نواب آخرين ليصل عديدها في البرلمان اللبناني إلى ثمانية، لولا وليد جنبلاط في الشوف، والصوت "المستقبلي" في زحلة والكورة، وبالتالي فإن تحالفاً جدياً مع التيار الوطني الحر سيجعل حصتها تربو على الثمانية، وبكدها هذه المرة، لا كدِّ غيرها وتربيحها جميلتهم.

كذلك الأمر بالنسبة للتيار الوطني الحر الذي يؤخذ عليه أن نوابه في دائرة بعبدا مثلاً، ما كانوا ليصلوا إلى البرلمان لولا الدعم المرجح من حزب الله، "وأعارته" نواباً أخرين من حصته لتكبير حجم تكتل التغيير والإصلاح، وبالتالي أيضاً، فإن كل الدوائر الانتخابية ذات الثقل المسيحي سوف تكون غير عصية على التحالف الثنائي المسيحي الجديد الذي سيخرج كل منهما بسلة نيابية أقله، أكبر مما لديه حالياً من نواب، وربما سيتضاعف العدد وهذا سيجعلهما الرقم الصعب داخل الندوة البرلمانية التي بدونها لن تكون لعجلة المجلس النيابي أن تدور كما يشتهي من يريد وضع العصي في الدواليب.

وإن العطف الشعبي الذي سيُقابل به هذا التحالف الجديد، يعيدنا إلى أيام الحلف الثلاثي في العام 1968 الذي أقامه تحالف الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل والعميد ريمون حيث حصد غالبية المقاعد المسيحية في البرلمان آنذاك وأن تشابهت حالات العطف اليوم مع تلك الأيام، دون أن تتطابق الظروف بكاملها.

من هنا، وعلى ضوء ما تقدم يمكننا أن نقول أن الساحة السياسية الداخلية في لبنان مقبلة على مرحلة جديدة من خلط الأوراق السياسية، وأن الثنائية المسيحية الجديدة التي تكرست بلقاء قيادات القوات والتيار الوطني الحر، سوف تفرض نفسها على المشهد المسيحي في الأيام القادمة، وأن الأصوات المعترضة عليها سوف تجد نفسها أمام خياري الالتحاق العاجل بها، أم التهميش، والشارع اللبناني المنقسم أساساً بين ثنائيتي ثمانية وأربعة عشر من آذار، سوف يعيد تكوينه من جديد وفق المعطيات السياسية الجديدة الطارئة والتي ستتخذ طابع ترتيب البيت الطائفي، ولاحقاً المذهبي، الداخلي من جديد، وسيكون التعامل على أساس فيدراليات مذهبية جديدة لكل منها ساحتها ونفوذها وممثليها وعصبها السياسي الموِّحد،

أما الخاسر الأكبر في كل ذلك فهو مفهوم المواطنة اللبنانية الذي سيتكسر تحت مطامع أمراء الطوائف والمذاهب وجموحهم اللامحدود للسلطة وبأي ثمن كان.

وبدون قانون انتخابي جديد عادل وعصري ونسبي سوف يتكرس هذا الواقع الجديد على الحياة السياسية اللبنانية، وسوف يتم التعامل مع اللبنانيين بما يشبه "الحظائر" المناطقية القريبة إلى الفدرلة منها إلى أي شيء آخر.

وإن الشارع اللبناني، مطالبٌ اليوم أن يقلب الطاولة على كل هؤلاء المتاجرين بماضي البلد وحاضره ومستقبله،

وعلى الشباب الذي ملأ الساحات في الثاني والعشرين من آب المنصرم مكرساً أجمل مشهدية للصورة الوطنية الجامعة الموحدة التي يجب أن يكون عليها الوطن،

إن لا يغادر هذه الساحات بعد اليوم، فما هو قادم من أيام، ربما هو الأخطر والأقسى في مصير هذا البلد، وبدون هؤلاء الشباب ودعمهم لا يمكن للوطن أن يعود إلى أبنائه، وسنبقى جميعاً أبناء طوائف ومذاهب، دون أن نحلم بصفة المواطن بعد اليوم.





الثلاثاء ٩ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / كانون الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة