شبكة ذي قار
عـاجـل










يفرض علينا الاستعمار اليوم (1) معركة جدية قاسية يعد لها كل ما يملك من وسائل العدوان ويبيتها من قبل أزمة القناة، منذ أن تأكد من اختمار الوعي العربي الثوري وبلوغ الإمكانيات الشعبية في بعض الأقطار العربية مستوى التنظيم الفعال. وهذا يعني أن المعركة هي معركة العرب قبل أن تكون معركة الاستعمار، وأن اندفاع العرب الطبيعي المشروع في طريق التحرر والتقدم يشكل بحد ذاته خطراً كبيراً على مصالح الاستعمار ووجوده ليس بالبلاد العربية فحسب بل في العالم أيضاً.
ولا سبيل بالتالي إلى تفادي المعركة إلا بأحد شيئين وكلاهما مستحيل: أما أن يوقف العرب اندفاعهم نحو الحياة الحرة الكريمة وليس هذا في مقدور أحد. وأما أن يتنازل الاستعمار عن مصالحه بوعي وطواعية وهذا مخالف لطبيعة الاستعمار كنظام يقوم على التناقض ويستند إلى العدوان.

فواجب العرب أن يدركوا هذه الحقيقة بوضوح وأن يوطنوا أنفسهم على قبول المعركة والتهيؤ لها بكل ما يملكون من قوى وكفاءات وأن يحذروا من كل تخدير أو تمويه يقصد منه إضعاف مقاومتهم واستعدادهم. ان كونهم مدافعين يوجه إليهم الظلم والعدوان من غيرهم لا يعفيهم من واجب الإعداد الكامل لدفع العدوان الأجنبي ومن دخول المعركة كأنهم هم الذين اختاروها. وأول ما يجب أن يحذروه هو الاعتقاد أنهم يستطيعون بلوغ التحرر النهائي من الاستعمار بكل أشكاله دون أن يدفعوا الثمن. فحرية الشعوب تقاس بما يقدم في سبيلها من تضحيات، وهم مطالبون في أضعف الاحتمالات بأن لا يكونوا أقل قبولاً للتضحيات وتحملاً للمصاعب من شعوب الدول الاستعمارية نفسها. لقد حاولت الفئات الإقطاعية الحاكمة طوال سنين بسلوكها وتوجيهها أن تطمس هذه الحقيقة وتشوه في نظر الشعب طبيعة المرحلة التي نحياها، فهوّنت من خطر الاستعمار وبالغت في قيمة الاستقلالات القطرية متجاهلة وحدة المصير العربي ووحدة المصالح الاستعمارية، وضربت على نغمة الاستقرار والرخاء في حين أن المرحلة مرحلة ثورة ونضال، وأن حياتنا كلها يجب أن تطبع بهذا الطابع وتتمشى مع ما يتطلبه النضال من حرمان ومشقة وتعبئة جماعية.

وأول ما تتطلبه المعركة التي نقبل عليها هو أن تنسجم القيادات ومراكز التوجيه مع طبيعة مرحلتنا القومية، أي أن تصبح القيادات ثورية.

قبل خوض المعركة يجب أن نحسب قوانا وقوى العدو، فالشعب العربي لم يستغل بعد غير جزء يسير من إمكانياته الواسعة. وأعظم قوة في يده هي وحدة نضاله التي لم يكد العرب ينتبهون إليها ويضعون أيديهم عليها في هذين العامين الأخيرين حتى ذعر الاستعمار وتزعزعت أركانه. وهذه الطريق ما تزال بكراً تخبئ أعظم الإمكانيات وتفجر القوى الهائلة كلما أمعن الشعب في النضال. وقوتنا تكمن أيضاً في اتجاه نضالنا، إذ أنه لأول مرة يتخذ نضال العرب التحرري ملامحه وشعاراته الواضحة، فالشعب العربي يطلب الحرية بكل ما فيها لنفسه ولغيره من الشعوب. أنه يطلب التحرر من الاستعمار والاستثمار، ومعركته معركة شعب لا معركة طبقة. معركة جماهير لا معركة زعماء، جماهير تناضل في سبيل حياة حرة كريمة مبدعة، وشعبنا في هذا يلتقي مع اتجاه العصر، أي مع اتجاه الشعوب ومع التقدم البشري العام، لذلك يجد في طريق نضاله قوى عديدة بين شعوب العالم تدعمه وتشد أزره.

أما الاستعمار فيرتكز على قوتين، قوة إيجابية مستمدة من حركته العلمية التكنيكية ولا يمكننا أن نجابه هذه القوة إلا باقتباسها ومجاراتها واغتنام مناسبة هذه المعركة الفاصلة للقفز إلى مستوى العلم والتنظيم الحديثين، والتخلص نهائياً من بقايا العقلية الرجعية والارتجال. أما القوة الاستعمارية السلبية فمستمدة من النواقص والثغرات التي لا تزال قائمة في مجتمعنا وأوضاعه، هذه الثغرات التي تجعل للاستعمار أعواناً من بعض أبناء وطننا الذين استعبدتهم المصالح الخاصة وأعماهم الجهل والغرض.

وفي يدنا اليوم أن ننتزع من الاستعمار هذا السلاح بتصفية جبهتنا الداخلية وعزل الفئات المتآمرة والمعالجة السريعة الحاسمة لأسباب التآمر والانحراف.

يفرض علينا الاستعمار اليوم حرباً عدوانية لا هوادة فيها ليوقف انطلاقنا ويسترد ما حققناه بدمائنا. وواجبنا أن نجيب على الاستعمار بالحرب والثورة معاً فالحرب هي تعبئة وتنظيم لقوى موجودة وقوانا الموجودة لم تصبح بعد في مستوى القوى الاستعمارية، لذلك يجب أن ندعم حربنا بالثورة لتفجير إمكانيات شعبنا الكامنة وتغذية الحرب باستمرار بهذا المعين الذي لاينضب الذي هو نضال ثمانين مليوناً من العرب يعيشون على أرض غنية بالثروات، ولها من المزايا الحربية والاستراتيجية ما يندر توافره لأي بلد آخر.

لقد أعطى العرب في العامين الآخرين مقياساً رائعاً لكفاءتهم في مجالي الحرب والثورة فالشعب العربي في الجزائر استطاع بعد قرن من أقسى أنواع الاستعمار أن ينظم مقاومته المسلحة على مستوى جيوش حلف الأطلسي. والشعب العربي في مصر استطاع بعد عزلة طويلة فرضها عليه الاستعمار والطبقة الرجعية لتناسي شخصيته العربية أن يسترد وعيه لقوميته ولمصيره العربي فحرك بهذه اليقظة أعمق القوى الثورية في أرجاء الوطن العربي كله.

بالاستناد إلى هاتين الظاهرتين نستطيع أن نرسم طريق نضالنا وان نسير فيه بوعي وثقة وإيمان بالنصر.

(1) نشر في جريدة "البعث" في 24 آب 1956





الخميس ١١ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / كانون الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة