شبكة ذي قار
عـاجـل










ايها الرفاق المناضلون (1)
يا ابناء امتنا العربية المجيدة
يا ابناء شعبنا العراقي العظيم
تمر الذكرى الاربعون لتاسيس حزب البعث العربي الاشتراكي والعراق يضيف الى انتصاراته السابقة على امتداد سبع سنوات من الحرب، انتصارا جديدا هو خلاصة سنوات الحرب كله، يرى فيه الشعب العراقي تجسيدا حيا للدرجة العالية من الإقتدار التي استطاع ان يبلغها، والتي ضاعفت ثقته بنفسه اضعافا، وعمقت وعيه بالنقلة النوعية الحضارية التي حققها، ورسخت انتصاره بشكل قاطع حاسم امام نفسه وامام الامة العربية وامام العالم. وانه لتحول تاريخي في حياة العراق والامة العربية والمصير العربي، سوف يتأثر به العالم بنسبة ما للعراق وللأمة العربية من وزن واثر في الحاضر والمستقبل.

لقد صمد العراق وانتصر في معارك شرق البصرة الاخيرة في قتال متواصل طوال اكثر من شهرين، وهي تعتبر من اكبر ما عرفه تاريخ الحروب من حيث عنفها وشراستها وضخامة الاعداد البشرية التي زجت فيها وانواع الاسلحة الفتاكة المتطورة التي زود بها العدو من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بقصد حسم الحرب لصالحه. فكان هذا الانتصار العظيم الذي حققه العراق وحطم فيه آلة الحرب الايرانية ودمغها بالعجز النهائي، هو ايضا افشال للمخططات والمؤامرات الصهيونية والامبريالية، وايذان بدء عهد جديد للامة العربية، تسترجع فيه سيطرتها على مقدراتها، بعد ان دفع عنها العراق اخطارا جمة جسيمة، واعطاها القدوة البليغة في الصمود والاقتدار وفتح لها طريق المسقبل الصاعد بفضل تضحياته السخية، وشجاعته النادرة وبطولاته الخارقة.

فالعراق اليوم امام ذاته وامام امته العربية وامام العالم والإنسانيه قدر بطولي تجسد في شعب وقائد وجيش.. لقد صان العراق بصموده البطولي الشرف العربي والكرامة العربية وحمى الامن القومي والسيادة القومية. ووصل انتصاره الى اسماع وقلوب العرب في كل مدينة وكل قرية من مدن وقرى الوطن الكبير. فالامة العربية استيقظت على نداء العراق وعلى روعة البطولات والمرؤآت التي جسدها. فكان صموده التاريخي الحد الفاصل بين ظروف العجز والشذوذ و الخيانة، وبين المرحلة الجديدة التي لم تعد تحمل الا الوقوف الواضح الصريح مع الحقيقة القومية الناصعة التي يمثلها العراق.

فهي اذن لحظة تاريخية تلخص في آن معا تاريخ نضال الحزب وخلاصة سنوات الحرب، وتطل من خلالهما على المستقبل. وهي وقفة تاريخية لوعي الامة ولضميرها ولمن يقتربون من تمثيل هذا الوعي والتجاوب مع هذا الضمير.. وقفة تاريخية لقول الكلمة المسؤولة في امور وقضايا مصيرية امست في اجواء المرض والهزائم والتردي، موضع شك وانكار، وتلاعب وتآمر.

وهي منطلق لتعليل القضايا الاساسية للامة من اجل الوصول الى قرار تاريخي يعبر عن خلاصة الوعي العربي النهضوي في هذا القرن، لكي يبدأ منذ الآن مستقبل عربى مختلف نوعيا عن الاوضاع المتردية التي سادت ربع القرن الاخير، والتي افرزتها الهزائم ومؤامرات اعداء الامة ومخططاتهم وما اصاب عناصر الثورة والنهضة في المجتمع العربي من ضعف وتراجع نتيجة لعدم اكتمال نضج هذه العناصر، وفشلها في توحيد صفوفها.

فالمستقبل الذي تتطلع اليه الامة هو الذي يعبر عن جدارتها وجدارة عناصرها الطليعية المخلصة المناضلة، بالاسخلاص السليم والعميق، للدروس التي تضمنتها تجارب سنين النكسات والتردي، وهو المستقبل الذي يعبر بالتالي عن المصالح الحيوية للامة العربية وارادة البقاء والارتقاء والتقدم لدى ابنائها ويشكل بداية جديدة لاستجماع الامة لكامل وعيها وارادتها وسيطرتها على ظروفها..

يا ابناء شعبنا العربي
ان تاريخ اربعين سنة من النضال القومي، يتطلب نظرة الى ماضي الحزب، والى مسيرته حتى الان، والتقاط المحطات الرئيسية التي قطعتها، وان ننظر الى الافكار الاساسية التي طرحها الحزب ضمن تصوره الجديد المتكامل الى الحياة العربية. واهم هذه المفاهيم فكرة القومية، وعلاقة العروبة بالاسلام، ونظرة الحزب الجديدة الى الوحدة بمضمونها الثوري المتمثل في الحرية والاشتراكية. والحزب يعتز اكثر ما يعتز بنظرته الجديدة الى القومية العربية والى الاسلام وعلاقته العضوية بالعروبة، واعتبار الاسلام وفق مفهوم الحزب هو الثقافة القومية الموحدة للعرب على اختلاف اديانهم ومذاهبهم، وان مبادىء الاسلام الانسانية وقيمه الاخلاقية والحضارية، هي روح العروبة ومصدر الهامها الدائم المتجدد. ولئن كان ثمة مايميز نظرة الحزب هذه، فهو انها نظرة علمية مضاءة بالحب. فالبعث هو قبل كل شيء حب للعروبة وحب للاسلام. وقد عبرت تجربة الحزب في العراق عن هذه الافكار، تعبيرا حيا وبطوليا، وبخاصة خلال الحرب. فمن الافكار الاساسية التي قدمها الحزب وعبر بها عن روح الامة العربية ومصلحتها، هي ان ايمان الامة بقوميتها وبشخصيتها وبرسالتها هوالشرط الاساسي لممارستها دورها الاسلامي والانساني، وان النظريات والمحاولات التي جربت خلال عشرات السنين الماضية لتجاوز هذه الحقيقة، او لنقضها من اجل الوصول الى فرض تصور عن كيان يقوم على اشلاء الكيان القومي العربي.. هذه المحاولات لم توصل الا الى الفرقة والتناحر واضعاف الكيان العربي والتضامن الاسلامي على السواء.

ولقد عبرت الشعوب الاسلامية في اكثرمن مناسبة عن حاجتها الملحة الى ومجود الامة العربية بكامل مقوماتها، بل والى دورها الرائد لكي تقدر على حمل رسالة الاسلام، لانه قدرها الذي لا ينازعها فيه احد وقد جسد العراق في هذه الحرب هذه الافكار وهذه الحقائق، ومهرها باغلى التضحيات وازكى الدماء.. لقد تحمل اعباء الحرب دفاعا عن سيادته وعروبته وقومية الامة وشخصيتها وامنها، وبنفس القدرمن الحماسة وروح الفداء، دافع عن الاسلام وقيمه وتراثه ومقدساته وعن علاقته المصيرية بالعروبة. وجسد ذلك بصورة حية في المعارك اليومية على امتداد سنوات الحرب.. اذ يستلهم المقاتلون العراقيون القيم والنماذج البطولية الخالدة في تاريخهم العربي الاسلامي..

فارتباط العروبة بالاسلام ظل مئات السنين خلال التاريخ، عبارة عن الحياة التي يحياها العرب ويتنفسونها كالهواء، ولايحتاجون الى براهين وادلة عليه، وعلى كونه ارتباطا عضويا حيا ومصيريا، هو ناتج القرون والاجيال، ولكنه قبل كل شيء هو ارادة الهية طبعت الحياة العربية. وهو قد ظل ايضا بالنسبة الى الشعوب الاسلامية غير العربية، بمثابة الحقائق البدهية، اللهم الا اذا استثنينا هذه الشعوبية الظلامية الحاقدة على العروبة والاسلام.. والتي مثل الخميني ونظامه ذروة شرها وفسادها وطغيانها.

ان خميني الذي يدعي التصميم على تدمير "اسرائيل "يتزود بالاسلحة منها في عدوانه على العراق. و"اسرئيل" تزود بالسلاح الجيش الذي يدعي بانه سوف يحرر القدس. فكان لابد لمحاولة الخميني التي افتعلت التناقض بين العروبة والاسلام، ان تفشل، وان ينتهي نظامه الى تلك الفضيحة، وان ينكشف معها دور الانظمة العربية المتعاونة مع ايران، والتي تعرف تفصيلات العلاقة التسليحة بين ايران و"اسرائيل" قبل ان تفتضح.. وكان لابد ان ينتصر العراق لانه يواجه العدوان بقوة المبادىء وبروح العروبة والاسلام، ولان حرب العراق هي حرب النهضة العربية والثورة العربية ونضال نصف قرن من تاريخ الحزب، فكل هذا الموروث الثوري التاريخي قد تجمع في حرب العراق: التاريخ العربي، مبادىء الرسالة وتاريخ نشرها ومعاركها.. كلها كانت حاضرة في هذه الحرب. كما كانت حاضرة كل تجارب النضال القومي: معارك النضال ضد الاستعمار، وتجربة عبد الناصر، وثورة الجزائر والنضال الفلسطيني، وحرب تدخلها كل هذه الروافد، وتلخص كل هذه المراحل والتجارب، تستلهمها وتستمد منها.. حرب من هذا النوع مؤهلة لان تكون بداية لمستقبل عربي حضاري انساني، وفيها ركائز لبناء هذا المستقبل. وكان لابد ان توصل الى كشف فضيحة التعاون والمؤامرة الصهيونية الايرانية الاميركية وان تصل من خلالها الى اسماع العالم قاطبة ليس كأخبار صحفية فحسب، وانما كقضية اخلاقية انسانية كبرى، هي قضية الامة العربية في صراعها التحرري وفي نضالها الوحدوي ضد اشرس ما عرف من قوى عاتية، متعددة الأطراف، يجمعها شيء واحد هو التآمر على وحدة الامة العربية ونهضتها، لما يشكله ذلك من خطر على السياسات والكيانات الاستعمارية والعدوانية التي تعمل بمنطق الغزو والاغتصاب والتوسع، واكثر من ذلك الخوف من تجديد الرسالة العربية بقيمها الاخلاقية وآفاقها الانسانية عندما تتمكن الامة العربية من مقدراتها وتوحد اجزاء وطنها..

فالولايات المتحدة تعلن الحياد في حرب الخليج، وتدعو الى انهائها في العلن، ثم يظهر انها ليست حيادية، وانها تعطي السلاح لمن يمارس الارهاب، وتريد للحرب ان تستمر تحقيقا لمصالحها ولمصالح الكيان الصهيوني. فأي عبرة تستخلص غير ضرورة اليقظة امام هول المؤامرة واخطارها والبحث عن التضامن باقوى واعمق معانيه....وعن الوحدة وتفجير الطاقات والغيرة القومية الى اقصاها؟

ممثلو العالم الغربي الاستعماري، هذا العالم الذي افرز الصهيونية، وزرع الكيان الصهيوني الغاصب، وشرد شعب فلسطين، ومازال يعمل منذ اكثر من قرن على قهر الشعب العربي، وتقطيع اوصال وطنه، واقطاره، وزرع الفتن بين فئاته كما هو شأنه في اماكن وقارات اخرى عانت وبعضها ما يزال يعاني من شرور الاستعمار الغربي.. دوائر واسعة من ممثلي هذا العالم الغربي وهذه الحضارة، مازالت تتجاهل ان العراق كان منذ اللحظة الاولى للحرب وحتى الان مدافعا بكل ما تعني الكلمة، وان هذه الحقيقة التي تحاول تلك الدوائر مع الصهيونية طمسها، هي من اهم عوامل صمود العراق وانتصاره على امتداد سبع سنوات في حرب طاحنة انكشف خلالها على الملأ: ان قوى عالمية ومحلية متعددة معادية للامة العربية تحارب فيها الى جانب ايران، لقهر العراق. وسر الصمود هو اقتناع الشعب العراقي بكامله بانه يصد عدوانا باغيا، وانه يدافع عن قيم وطنية وقومية وروحية، تستحق مثل هذا الدفاع البطولي الذي يقوم به بكل ما يتطلب من تضحيات..

والعراق يعرض السلام منذ بداية الحرب، وحتى الآن، لانه لم يدخل الحرب الا اضطرارا، ولانه لايطمع في ارض الاخرين، ولا ينوي تصدير ثورته اليهم. فهو جزء طليعي من الامة العربية التي ما زالت منذ اكثر من قرن وهي في حالة دفاع عن وجودها وعن قوميتها وعن ارضها ووحدة كيانها المجزأ الممزق.

ولئن أخذ على العالم الاسلامي انه لم يلق بكل ثقله لايقاف هذه الحرب المدمرة، وأخذ على الموقف العربي انه لم يكن موحدا مع العراق، ولم يكن فاعلا كما كان الواجب يقضي فليست القوى الاستعمارية والصهيونية ومؤامراتها بغريبة عن هذا الخلل البادي على الموقف العربي والاسلامي، لان الهيمنة الغربية وامتداداتها الصهيونية، مسئولة الى حد كبير عن هذه التناقضات، وعن العوائق التي تحول دون الاستجابة الطبيعية لنداء التضامن والدفاع عن البقاء والمصير. كما ان جانبا كبيرا من المسئولية يقع على هذه القوى الخارجية، لانها لم تتورع عن اذكاء نيران الحرب طوال سنوات، ومشاهدة الدمار وازهاق الارواح بعشرات ومئات الالوف، من اجل ضمان مصالحها المادية. وتحقيق اهدافها في بسط النفوذ والسيطرة.

فالفضيحة كانت معروفة قبل انكشاف امرهاء وهي ان الخميني مع "اسرائيل" ضد الامة العربية وضد العراق العربي، لتدميرجيش العراق العربي القوي والمتفرد بقوته العصرية، ولتدمير نهضة العراق، فالخميني كرر نفس الشيء الذي فعله الشاه وجعل ايران تتورط في معاداة العرب.. ولانريد ان نسلم بان هذا هو قدر ايران الذي لايقاوم، ونتمنى ان يكون لايران بعد ما قاسته في ظل هذا الحكم من ويلات قلما عرفها تاريخها، نهج جديد بعد سنوات الحرب، وان تنبت هذه الويلات والآلام الانسانية. قوى وعقولا وارادات تضع لهذه الظاهرة حدا نهائيا، لكي تبنى بين شعوب ايران وبين الأمة العربية وبقية الشعوب الاسلامية علاقات سليمة للتعاون والتضامن في وجه الاعداء المشتركين، ومن اجل امن هذه الشعوب وسعادتها، فالقومية العربية قوة اساسية قائدة في خدمة الاسلام، وتدميرها ليس الا ضربا لمصلحة الاسلام في الصميم.

ودروس الفضيحة-المؤامرة، بالنسبة للعرب، ينبغي ان توجه نحو هدفين:- اولهما : البحث عن الوحدة والتضامن بدءا بالتضامن الصحي، الواضح الاسس والاهداف، المعروض على رقابة الجماهير الواسعة، والمبرأ من المرض والانحراف.. والهدف العاجل الثاني هو الديمقراطية. فالاخطار والظروف العصيبة تفرض هذا التوجه. فلو توافرت الظروف والشروط لممارسة ديمقراطية حقة في الأقطار العربية، لكان اول تعبير لجماهير الشعب العربي عن ارادتها الحرة ومطلبها الحيوي الأول هو الوحدة العربية، وان يكون للعراق والمقاومة الفلسطينية ومصر الدور الريادي فيها. فارادة الوحدة تعني في ضمير الشعب العربي ارادة الصمود والثقة بقدرة الامة الكامنة في حالة الوحدة او اي صيغة قريبة من الوحدة توفر لهذا الصمود جميع مستلزماته. والديمقراطية في هذه المرحلة العصيبة من حياة الامة، لا يجوز ان تطرح كمجرد امنية او مجرد متنفس للاوضاع الراهنة المتردية، بل يجب ان ننظر اليها في حقيقتها العميقة، وفي انها نضال شعبي له ثمنه الغالي وله افقه واهدافه الاساسية. فلا يمكن ان تشكل الديمقراطية مطلبا شعبيا قادرا على دفع الشعب والإستبسال، والبطولة، واسترخاص التضحيات مهما عظمت، اذا لم يوضع هذا المطلب في سياق الاهداف القومية الكبرى، اهداف النهضة العربية في التحرر والاستقلال والعدالة الاجتماعية والوحدة القومية.

نحن غير مسئولين عن ايران، وكيف جاء الخميني وكيف استطاع ان يدفع بالكتل والموجات البشرية بعشرات ومئات الالوف الى الموت بنيران الحرب، ولكننا معنيون بحال الانظمة التي تدعي العروبة، كيف جاءت واستمرت واستطاعت ان تقوم بادوار للتخريب ما عرف لها مثيل حتى الان فالذي سمح بقيام واستمرار انظمة تخنق صوت الشعب وتسيء اليه والى قضاياه الاساسية، هو غياب الجماهير الشعبية عن ساحة العمل الوطني والقومي.. فعندما تغيب الجماهير ويخنق صوتها، تصبح كل الؤامرات والانحرافات ممكنة وسهلة، ويستطيع الحاكم ان يسخر كل ما يمثله القطر الذي يحكمه من تاريخ ومن موقع وجوار وثروات.. لغرض السياسات القطرية والشخصية والحسابات الضيقة التي تضحي بالمصالح الوطنية والقومية الكبرى وبمصير الامة في سبيل الاحتفاظ بكرسي الحكم وامتيازاته، وبواقع التجزئة الراهنة. فمصالح التجزئة هذه تستطيع في حالة غياب الجماهير او تغييبها، ان تعطي قدرا من شرعية واقعية لتلك الانظمة المتواطئة مع العدو، ومسوغا للتعامل معها، وامدادها باسباب القوة لحمايتها من السقوط، او الاطالة في اجلها من اجل التوازنات الاقليمية وهذه كلها نتيجة لفوضى التجزئة - الفوضى القطرية- اذ لم يبق ظل لرأي جماعي للدول العربية او حتى للمنظمات الشعبية، فبعد هذا الانكشاف للموقف الشعوبي والتآمري لتلك الانظمة، لم يعد ثمة مجال او حجة للاستمرار في الانخداع بها او في دعمها، ولم يعد جائزا ان تبقى حالة الإستنكار الصامت المفروضة على جماهير الامة العربية.. فالامل كل الامل اليوم في الجماهير المناضلة المجاهدة لكي تتقدم لحسم هذه المأساة، واسترداد الكرامة والدور القومي الذي عطل، والدور التقدمي الذي شوه، والدور التاريخي الذي استلب.

يا ابناء شعبنا العربي
ان معركة العراق هي معركة نهضتكم فيه. فقد نهض العراق ودخل امتحان البناء والحرب، وصمد وحقق انتصارات ما كان احد يعتبرها ممكنة، وحقق في الحرب والبناء من الانتصارات والمنجزات ما هو قريب من المعجزة، لان العراق اعتمد مبادىء النهضة والانبعاث العربي التي هي مبادىء قومية اسلامية انسانية. لذالك فان اي تصور للمستقبل يجب الا يقل طموحه عن شمول هذه الابعاد، بمعنى ان النهضة في العراق تنطلق من عمق الامة والثقة بها وباستعدادها للانبعاث والدور الحضاري، ومن الثقة بالاسلام وفعله الثوري النهضوي في الشعوب الاسلامية. وباتالي بامكانية بناء علاقة صميمية بين نهضة الامة العربية وحركتها نحو التحرر والتقدم والوحدة، وبين هذه العوامل نفسها بالذات، التي تحرك نضال الشعوب الاسلامية، لانها تواجه نفس الاعداء ونفس المشكلات.

وعندها تسد المنافذ في وجه الامبريالية والصهيونية وكل القوى العدوانية والتوسعية لتسخير قطر اسلامي باغرائه ببعض المكاسب لمعاكسة مسيرة واهداف النهضة العربية.. الامر الذي يؤدي الى تصحيح مسار العمل مع الطلائع الاسلامية التي تستوعب الظروف الاقليمية والدولية وتصل في وعيها الى فهم الضرورة التاريخة، وتجاوز كل عوامل الخلاف والاختلاف، وتنمية الروابط الايجابية، من اجل القيام بدورحضاري انساني يعبر عن تجربة الشعوب الاسلامية والامة العربية، ومعاناتها خلال قرون من التخلف وفقدان السيادة والخضوع للسيطرة الاجنبية، والاستغلال والقهر، وان يكون للامة العربية ولكل شعب من هذه لشعوب الاسلامية مساهمته الخاصة في المجال الانساني وفي الحوار والتعامل الحضاري.

وطبيعي ان يكون المدخل الى مثل هذه العلاقات الصحية مع الجيران، هو المستقبل العربي الذي قدم العراق في حربه العادلة المبدئية والطليعية، اكبرضريبة دم، وجهد بشري، وصمود بطولي، كعناصر اساسية لبنائه وتشييده. فالمفروض ان تخرج من هذه التضحيات والمعاناة الانسانية النادرة في التاريخ، صورة للمجتمع العربي كله مبرأة ومطهرة من سائر امراض التخلف والتفكك والانقسامات والعصبيات المؤذية، والتي لاتليق بأمة لها رسالة كالامة العربية، وان تتم عملية الصهر من خلال النضال الموحد، الصهر الواعي والمتجه نحو مشروع حضاري كبير، كما صهر الاسلام خلافات المجتمع العربي الجاهلي وانقساماته، عندها شرف العرب بمهمة نشر الرسالة. فالصهر الوحدوي للخلافات والاختلافات داخل الاقطار وفيما بينها، هو اهم هدف للواقع العربي الراهن الا ان الحاحنا على نواحي اليقظة النفسية والروحية، وتحريك النزوع الحضاري والبطولي والرسالي، لاينفي عن النهضة العربية ومشروعها المستقبلي، الصفة المكملة، والتي هي طابع المرحلة التاريخية، صفة البناء العقلاني للنهضة الذي تمتحن فيه الجدارة العربية في القدرة على دخول العصر، واحتلال المكانة اللائقة فيه..

يا ابناء العروبة البواسل
ان القومية في مفهوم البعث لاتنفصل عن التقدمية، ولكنها التقدمية الاصيلة، المعبرة عن تكامل الشخصية الحضارية.. فاذا كان حل مشكلات المجتمع العربي في الحاضر والمستقبل، يتطلب فهم هذه المشكلات بمنطق العصر. فان فهم البعث للاسلام بانه ثورة روحية وحضارية كبرى، يجعل من استلهام قيم الاسلام، النضالية والانسانية، ومن جرأته في الحق، وصبره، ونظرته التجديدية، ورفضه الجمود على ما كان عليه الآباء، ونظرته المتوازنة الى الحياة، الى المادة والروح والطبيعة والانسانية، والدنيا والاخرة.. يجعل من استلهام هذا التراث الغني أمرا ممكنا، بل وواجبا في اي تغيير ثوري للمجتمع العربي، يتطلع الى بعث الامة تجديد شخصيتها الحضارية.

ان خيارات النهضة العربية خيارات مصيرية، وفي مراحل الانبعاث في حياة الامم، تبرهن الشعوب من خلال معارك النضال الكبرى، على خياراتها الاساسية، وعلى جدارتها بشق طريق مستقبلها وبنائه على الاسس الاصيلة والعقلانية، التي تسمح بالتطور والتقدم، وتحفظ الوحدة والفاعلية للامة، بدلا من الضياع والحيرة والتجاذب بين مختلف الاتجاهات واهدار الطاقات بالتناحر والانقسام..

ومعركة العراق، لها في المنظور التاريخي، هذا المعنى الكبير، بانها لخصت مراحل تلمس النهضة العربية لطريقها السوي، وانقذت المصير العربي من محاولات خبيثة ومشبوهة لوضع الاسلام ضد العروبة، والتذرع بالاسلام للانقضاض على الامة العربية بقصد التوسع على حسابها، والتواطؤ مع اعدائها لتمزيق كيانها وتفتيته، واطالة اجل الاغتصاب الصهيوني والاستغلال والنهب الاستعماري، وتعويق نهوض العرب وقيامهم بدورهم الانساني.

فمعركة العراق معركة مبادىء تنطوي على معاني مستقبلية تتجاوز الحاضر.. انها معركة القومية العربية التي هي مشروع العرب المستقبلي، الذي يستطيع به العرب ان يقيموا مجتمعا تقدميا وانسانيا عادلا ومتوازنا، تأخذ فيه القيم الثورية الروحية والحضارية كل مداها في تربية الانسان العربي الجديد، لمواكبة التطور والتقدم الانساني، والمساهمة الخلاقة في صنع الحضارة.. هذه القومية التي تنشر السلام بين ابنائها قبل كل شيء، وتطمئن اعمق النزعات الخيرة في نفوسهم: تحترم حريتهم، وترفعهم الى صعيد ناهض ومبدع تنصهرفيه الخلافات والفروق السلبية، وتبرز الشخصية العربية الجديدة الموحدة المنسجمة مع نفسها ومع العالم، والتي يناديها الفراغ المبدئي والاخلاقي المتفشي في حضارة العصر، لكي تقدم اسهامها الحيوي الملخص لعراقتها التاريخية ولعمق معاناتها في الازمنة الحديثة.

ان الامة العربية في حالة دفاع منذ بدء نهضتها، تلك هي الحقيقة التي قام عليها منطلق البعث في التصور الثوري الحضاري للمرحلة التاريخية التي تَقدمَ لقيادتها وتوجيهها، وان قوى الاستعمار الغربي الطامعة في موقعها وثروات ارضها، جعلت من اهم وسائلها لتحقيق اغراضها في الوطن العربي خلق الانقسام والتناحر بكل الاشكال الممكنة، واثارة النعرات الطائفية والعشاثرية والعنصرية في الداخل، واثارة الاطماع عند دول المنطقة المجاورة للوطن العربي، وذلك باحياء الخلافات والعقد التاريخية.

فالآمة العربية ليست بحاجة الى التوسع، وليست بحاجة الى الاعتداء على الأخرين، فضلا عن ان مبادئها تحرم ذلك. ولكنها بحاجة الى التعاون، والانفتاح على الشعوب الاخرى وكل القوى الخيرة فيها، لكي يساعدها ذلك على استكمال تحررها، وتحرير اجزاء وطنها وتوحيد هذه الاجزاء وتطوير مجتمعها..

وكون الامة العربية في حالة دفاع، يعني انها تستطيع ان تتطابق مع مبادئها الانسانية، وان ترسم صورة لحياتها الجديدة، على اساس من هذه المبادىء، سواء في البناء الداخلي لمجتمعها، او في علاقاتها الدولية.

ومثل هذه الحالة الدفاعية لأمة ذات ماض عريق وحوافز حضارية، وهي تمر بمرحلة نهضة وانبعاث اصيل، تشكل فرصة تاريخية لصياغة الحياة، انطلاقا من الحرية، ومن استلهام المبادىء بشكل يتجاوز عوامل التخلف وعقد الماضي المتخلف.. فمفاهيم الامة والقومية تكون مفاهيم جديدة مرنة حية واقعية واصيلة. ويصبح مفهوم الامة مرادفا للثقافة. وهي ثقافة عربية اسلامية، تحمل القيم الانسانية للإسلام، وتكون حدودها حدود الوطن العربي، ويتسع مفهوم القومية فيستوعب
الخلافات والفروق بين الاقطار، ليحتفظ بالايجابي منها، ويتجاوز السلبي، ويكون مستندا الى المشاعر الشعبية العميقة والاصيلة، المكتملة بالوعي الناضح، الذي يبني مفهوما جديدا يسعى لان يحقق اكبر قدر من التضامن والوحدة، مع اكبر قدر من حرية الاختيار والاقتناع.. ان الامة في هذه المرحلة تملك مفهومها المصحح للمفاهيم المنحرفة التي تصورها بانها امتداد للاقطار.. فهي كيان معنوي تاريخ ومستقبلي، يعيش في اعماق الضمائر والعقول لابناء العروبة قاطبة، ويعلو عليهم وعلى اقطارهم واوضاعهم ويشدهم ويلهمهم، لكي يقتربوا ويزدادوا قربا على مدى الأجيال من روح الامة وقيمها ورسالتها.

ياجماهير امتنا الخالدة
ان القومية العربية، ومفهومها الحديث، المفهوم الحضاري الانساني، جدير بان يكون قاعدة الانطلاق الى مستقبل مشرق يوحد العرب. فالشرط الاساسي والضروري لاغنى عنه، ولايستطيع العرب ان يدافعوا عن بقائهم بدونه ولا ان يحققوا شخصيتهم وان تكون لهم رسالة انسانية حضارية، هوتضامن الامة ووحدتها وتبلور قوميتها.

ان ضعف الوضع العربي كان احد الاسباب والذرائع التي سهلت على السادات تورطه وتفريطه في حق مصر والامة العربية. ولكننا في الوقت نفسه نعرف ان دور مصر القومي يتطلب منها ان تنظر بتفاؤل الى الامكانات العربية عندما تظهر على حقيقتها في المستقبل، الذي يُطلب من مصر ان تكون لها المساهمة الكبرى في صنعه، وإن دواعي التفاؤل والايمان، وظواهر الصحة والبطولة والصمود، موجودة وواضحة منذ الآن في الواقع العربي، وتبشر بتغلب عناصر الصحة على عوامل المرض.

اننا ننطلق من شعورنا باننا نحاول بكل الاخلاص، وكل الصدق ان نفهم ظروف مصر، وان نعرف ماتستطيعه الآن وما تستطيعه في المستقبل، فلا نطالبها بقصد الاحراج، باكثر مما تسمح به ظروفها، فان تكون مصرخاضعة لظروف قاهرة، وان تضطر لمعالجتها بالحكمة والزمن.. هذا شيء لايصعب على المناضلين العرب ان يتفهموه، لانهم يثقون في قدرة مصر وشعبها على تجاوز الظروف الاستثنائية القاهرة والقيود المفروضة من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ويثقون بان مصر، بوعيها ووطنيتها، وبتضافر جهودها مع جهود كل القوى العربية الوطنية قادرة على الحيلولة دون تكريس الوضع الطارىء وتعميمه. ونحن مقتنعون بان لا احد من العرب يحق له ان يتجاهل ما قدمته مصر من تضحيات من اجل القضية الفلسطينية في حروب عديدة، هي التي كانت دوما وعلى امتداد الف سنة قلعة العروبة والاسلام، ترد عنهما كيد الطامعين. وظلت على مدى الخمسينات والستينات في هذا القرن تؤدي هذا الدور القومي حتى استيقظت على المؤامرة الكبرى التي استدرجت اليها، فكانت كبوتها منطلقا جديدا لصحوة ومراجعة عمقت وعي مصر بحاجتها الى الامة، وحاجة الامة اليها، فكان ذلك ايذانا بتلمسها لمكانها الصحيح من الامة، وانها جزء وفرع، وان الامة العربية هي الكل والاصل. كما كان ذلك حافزا لاقطار اخرى لكي تقدر بدقة وواقعية وانصاف، مكانة مصر واهميتها وما يترتب على هذه الاقطار من واجبات في مساعدة مصر، لكي تبقى قادرة على الاضطلاع بدورها في حماية مصير الامة، في معادلة وحدوية لافرض فيها ولا انفراد ولا استئثار.

واذا كان حزبنا : حزب البعث العربي الاشتراكي من اوائل الذين تفاءلوا بقدرة مصرعلى النهوض من كبوتها.. لثقتنا العميقة بان ما فعله السادات لم يكن يعبر في شيء عن ارادة مصر، وارادة شعبها، ومصلحته، لانه تم في ظرف غُيب فيه الشعب والارادة الشعبية تغييبا تاما.. واذا كان البعث ايضا اول من دعا المناضلين العرب بعد زوال السادات الى ان يزدادوا تفاعلا مع مصر دعما وتشجيعا لتغليب عوامل الصمود والنهوض امام المؤامرة الامبريالية الصهيونية فان مصر بأصالتها العربية الاسلامية كانت هي ايضا، من اوائل من تنبه من العرب لخطورة العدوان الايراني على العراق، وما يجمعه بالمخطط الامبريالي الصهيوني، الذي يستهدف الوطن العربي كله.. هذا التنبه الى خطر اغراض الخميني التوسعية في العراق وفي سائر الارض العربية، كان في ذلك الحين، وما يزال حتى الان، تعبيرا غير مباشر عن رفض مصر للمؤامرة التي كبلتها بها معاهدة كمب ديفيد، والتي تريد لها ان تنفك عن مصيرها القومي، وعن علاقة التضامن المصيري بينها وبين بقية اجزاء الوطن الكبير، وبينها وبين العراق بصورة خاصة.. فمصر عندما تجاوبت مع العراق في موقفه، بمثل هذا الوعي الناضج، عبرت بذلك عن ادراكها لما يمثله العراق في نهضته الحديثة، وقوته الجديدة، وصموده البطولي، من رصيد لكل المعارك القومية التحررية القادمة، ولمعركة مصر بالذات، ولجهودها ونضالها من اجل تحطيم القيود المفروضة عليها، واسترجاعها لدورها القومي الاساسي.. فهي بذلك تقوي نفسها، وتعبر عن ارادتها الصميمية، ونظرتها الى المستقبل، مستقبل الامة العربية، ووحدة المصير.. فهذا التجاوب هو الاشتراك في روح النهوض، وفي معالم طريق النهضة..

ان هذا الموقف من العراق، هو اعمق واغنى من ان يقتصر على حالة الدفاع والتضامن امام الاخطار الخارجية، والعدوان الاجنبي. لانه يحمل معاني ايجابية بناءة، ومتوجهة الى المستقبل، والى الاسس الفكرية والحضارية التي يشترك فيها العراق، مع مصر، لبناء النهضة العربية. فتوظيف الخميني للاسلام، لاخفاء نزعة عنصرية فاشية توسعية عدوانية، امر مرفوض عند مصر والعراق على السواء، فكريا وثقافيا وحضاريا، ثم من اجدر من مصر، بوطنيتها وبسبقها في النهضة الحديثة وثقافتها العقلانية، من اجدر منها بفهم وادراك معنى صمود العراق، واهمية هذا الحدث الكبير في الحياة العربية؟؟ وان صمود العراق في المعارك الاخيرة -معارك البصرة- هو اعلان عن فشل الخميني فشلا نهائيا، لان العراق سيخرج منتصرا من هذه الحرب، ولان قوته الجديدة، التي هي قوة عربية نهضوية، سوف تكون عاملا في التغلب على حالة العجز والتجزئة، وفي بناء المستقبل القومي الوحدوي. هذا الحدث الكبير، يشكل فرصة تاريخية لارساء الاساس لوحدة عربية، ولو بصيغة التضامن والتعاون، تلتقي فيها كل عناصر الصحة والنهوض والعقلية المتفتحة على العلم والعصر في الامة العربية، فرصة تاريخية لايجوز ان تمر دون توظيفها في عمل مستقبلي، يضمن بناء القوة الحقيقية للمساهمة الجدية في معركة تحريرفلسطين.

يا ابناء امتنا العربية المجيدة
لقد ادرك البعث منذ تأسيسه طبيعة الصراع مع العدو الصهيوني، وانه صراع مصيري وحضاري. واكد منذ البدء حتمية المواجهة معه، وان النضال الشعبي هو السبيل الناجع للاعداد لهذه المواجهة المصيرية، وانه وحده، يستطيع ان يوصل الواقع العربي الى مستوى التعبير عن امكانات الامة وقداراتها الحقيقية..

ومن هذا المنطلق، رفض البعث التسويات السلمية، التي يروج لها البعض، لانها بالضرورة، تخدم الكيان الصهيوني، ودعا الى نقل الوضع العربي الراهن، الى حالة جديدة مقتدرة وواعية لمسئولياتها لازالة التناقضات التي هي سبب الضعف والانهزامية، والتي تسمح بالتآمر تحت شعارات خادعة، مختلفة. يتخذ بعضها من التضليل الاعلامي، والكلام باستمرار عن فلسطين، وعن الحق القومي وعدالة القضية، دخانا يغطي المشروعات الانهزامية، ويحجب المواقف المتآمرة، التي تكتفي بالضجيج الدعائي، وتغدق الوعود المجانية بالمواجهة، وكان الحرب على الابواب - في نفس الوقت الذي تمعن فيه هذه الادوار المزدوجة، في تمزيق وحدة المقاومة الفلسطينية، وفي محاربة منظمة التحرير، وفي ضرب المخيمات الفلسطينية بوحشية لاتقل عن وحشية العدو الصهيوني، وفي الضلوع في مخطط تصفية القضية، من خلال تصفية شعبها.

اما الوجه الآخر للمؤامرة الاستسلامية، فيتجلى من خلال الكلام عن السلام بدون مضمونه الحقيقي، والتذرع بالمعاني النبيلة للسلام، هذه الامنية الغالية عند الشعوب بعامة، وعند الامة العربية التي تحمل رسالة انسانية، بوجه خاص، لتبرير موقف استسلامي انهزامي مشبوه، والتآمر على المستقبل وتغطية المصالح الطبقية، والاختراق الامبريالي والصهيوني..

ان قضية فلسطين قضية كبرى، وهي بالرغم من محاولات الصهيونية والغرب المشارك لها في حجب هذه القضية وتحجيمها والعمل على تصفيتها، لابد ان تعود الى الظهور وان تطرح نفسها بقوة على الضمير العالمي، وعلى العقول، تذكر بمسؤولية الذين ارتكبوا هذه الجريمة، وبمسؤولية المجتمع الدولي الذي يكتفي بالمشاهدة وبالتعليمات اللامجدية.

ويبقى موقف الأتحاد السوفيتي متميزا وينم عن الفارق النوعي بين دولة الثورة الإشتراكية وبين دول الغرب المحترفه للإستعمار والتوسع، واذا كانت المقاومه الفلسطينية مطالبة دوما بإبقاء القضية حية ومطروحة، ومطالبة بقيادة الصمود الفلسطيني وجعله قاعدة لدور تحريري جدي، ومنبرا نضاليا يذكر العرب وينبه شعوب العالم الى مسؤولياتهم ازاء هذه القضية، فان معركة العراق هي معركة بناء اداة التحرير، ومشروع النهضة، فكلا الموقفين تجمعهما القضية المركزية للنضال العربي، ويجمعهما الفهم المشترك لطبيعة التحدي المصيري الصهيوني، وللمؤامرة الامبريالية الصهيونية الايرانية التي تستهدف تفتيت المجتمع العربي، وضرب روح النهضة فيه.

ان نضج التجربتين: البعثية والفسطينية، وَضَعَهما، من خلال المعارك، في خندق واحد، وامام اعداء مشتركين، فاللقاء بين معركة العراق وبين معركة فلسطين هو لقاء عميق، لانه لقاء القضية الواحدة، والمبادىء الواحدة، والموقف الدفاعي المشروع البطولي الصامد المشترك.. فاعداؤهما نفس الاعداء، وصمودهما يتكامل.. صمود المخيمات له الوقع القوي في معركة العراق، كما ان صمود العراق عامل قوة وتعزيز لصمود المخيمات. وقد انكشفت وحدة القضية ووحدة المعركة لمناضلي البعث وللمناضلين الفلسطينيين من خلال المراحل والتجارب الصعبة، هذه الوحدة العميقة والاصيلة، كتعبير عن نضج مرحلة.. نضج ثوري وقومي، كان وجهه الآخر هو افتضاح التزوير والمزورين والمتلاعبين بالقضية والمتآمرين عليها..

ان عمق اللقاء الذي تحقق بين الحرب والمقاومة الفسلطينية، وعلاقة التضامن التي تحققت بين العراق ومصر، هما خلاصة تصحيح للنضال العربي، فبفضل ما اكتُشف من اموركثيرة خلال الحرب، صُححت مفاهيم كثيرة، وانفتحت افاق واسعة لتوظيف دروس النضال العربي في عمل قومي مستقبلي. فالمؤامرة الكبرى الراهنة على المصير العربي، متعددة الابعاد والساحات ومتشابكة الاغراض والاهداف وهي تطرح امام العرب اليوم صورة المأساة التي تطبع معظم زوايا واقعهم الراهن..

ان مؤامرة تصفية الشعب الفلسطيني في المخيمات، لاتنفصل عن الواقع الماساوي للبنان الذي اريد له ان يدمر، لكي تنشأ على انقاضه كيانات طائفية متنافرة محتربة، هو القطر الذي كان قد اصبح بعد النكسة القومية التي منيت بها الامة عام 1967، بفضل المناخ الديمقراطي والمقومات الثقافية والحضارية، منبرا للفكر العربي الحر وللضمير العربي الذي يطرح على نفسه الأسئلة المصيرية عن اسباب الهزيمة وعن كيفية النهوض من آثارها، وعن قضية فلسطين، والمستقبل العربي فلبنان الذي كان مهد من مهاد النهضة العربية المعاصرة، والذي اصبح في السبعينات يمثل ضرورة قومية بالنسبة للعرب ولمسيرة النهضة العربية، قد اعطى في جو الحرية والديمقراطية والتعددية، من الثمار الناضجة، والاضافات التي توسع افق النهضة العربية، وتزيد في نموها ونضجها، ما جعل منه ومن دوره القومي حقيقة اقوى من واقع سلبياته الطائفية وحساسياته الانعزالية المرضية، وبيئة خصبة للتفاعل الوطني الشعبي مع النضال الفلسطيني، اعطت انموذجا للحركة الشعبية العربية، قابلا ان يجد التجاوب والاقتداء في الاقطار العربية، وبخاصة اقطار المواجهة، مما دفع الكيان الصهيوني الى استباق هذا الخطر قبل ان يتفاقم، واحكمت المؤامرة الصهيونية على لبنان بمشاركة فئات لبنانية انعزالية، وعربية حاكمة: في مقدمتها نظام حافظ اسد. واكتملت حلقات المؤامرة بعد مجيء الخميني الي السلطة في ايران، وتصميمه على تصدير مشروعه الطائفي لتفتيت كيان الامة العربية. وكان الالتقاء بين مشروعه والمشروع الصهيوني امرا طبيعيا.

ان افشال هذه المؤامرة التي ارادت للبنان ان يغرق في الفوضى والتناحر والاقتتال.. هذا ما يجب ان يكون هدف اي تخطيط قومي مستقبلي، لكي يعود لبنان الى وحدته ودوره النهضوي، الذي لايمكن ان يحققه الانتماء الغريب المصطنع القائم على التنكر للعروبة، اوصل الى اطلاق الغرائز الهمجية، والرجوع بلبنان الى الوراء والى العصور المظلمة. فلبنان لايخرجه من مأساته، ولايحقق شخصيته الا الانتماء القومي العربي الذي يعتبر لبنان وتجربته جزءا اصيلا في النهضة العربية.

ان ما يحز في نفوس المناضلين العرب هو ان يروا سورية، القطر الذي كان مهد الفكر القومي والذي شهد ولادة البعث، قد فرض عليه في غفلة من الزمن تشويه كامل لتاريخه وحقيقته القومية. ومع ان الحزب ظل منذ تسلط مجموعة حافظ اسد ونظامه على سورية ينبه الى الطبيعة الشاذة والمصطنعة لهذا النظام الشعوبي المحروم من السند والقناعة الشعبية، والتي لابد ان تحدد نهجه الدكتاتوري الاجرامي المعادي للجماهير.. وسلوكه المشبوه في العلاقة مع الدول والجهات والمخططات المعادية للامة، واعتماده على الادوات الفاسدة في الداخل التي لابد ان تخرب الاقتصاد الوطني والاخلاق وكل شيء.. فان جهات عربية ظلت مخدوعة بوسائل اعلامه، وما تطرحه من شعارات زائفة مضللة عن حقيقته وعن ممارساته وادواره المستهترة بالقيم الوطنية والقومية، وتعطيله للدور القومي النهضوي البطولي للقطر العربي السوري، وضربه للحركة التاريخية الاصيلة التي ما يزال يتستر بشعاراتها، لحزب البعث العربي الاشتراكي، وهو الذي ارتد عليها وشرد مناضليها واودع الالوف من البعثيين والمناضلين العرب السجون والمعتقلات..

فقد جاءت احداث السنوات الاخيرة لتكشف عن حقيقته امام العالم اجمع، بشكل لم يعد معه قادرا على الاستمرار في تضليله. فقد كشف موقفه الحليف والمساند لايران عن جوهره الشعوبي، وكشف موقفه من المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير عن ضلوعه في المخططات النصفوية للقضية الفلسطينية. كما كان موقفه من لبنان كاشفا لتحالفاته الدولية المعادية للامة.

ونحن نؤمن ايمانا راسخا بان شعبا عريقا في الوطنية وفي العمل القومي كشعب سوريا العربي.. لابد ان تكون له وقفة تاريخية في وجه هذا النظام الذي استهان بقيم الامة وكرامتها ومقدساتها القومية.

يا ابناء شعبنا العراقي العظم
ياجماهير امتنا المناضلة
لقد نقلت ثورة الحزب في العراق هذا القطر المناضل، من الحالة التقليدية التي كانت سائدة فيه، الى الحالة النهضوية الجديدة المتميزة، التي جعلت منه قوة مستقبلية رائدة في العمل القومي فالعوامل التي تجسد حالة النهوض، قد تحققت فيه، وبترابط وتكامل نادرين، وبقيادة حزب متميز بمستوى نضاليته وجديته..قيادة متفردة في كفاءتها الفكرية وقدراتها التنظيمية وحكمتها العملية وصلتها الحميمة بالشعب، ونظرتها الحضارية وممارساتها البطولية.. هي قيادة الرفيق صدام حسين.

ان هذه القيادة قد اوجدت لحزبنا في العراق مستوى نوعيا متميزا ومتفوقا في فهمه الخلاق لفكر الحزب، وفي الاجابة المبدعة على الاسئلة الجديدة التي طرحتها مرحلة تطبيق الافكار، ضمن اطار نظرة الى الحياة متماسكة متكاملة.

فالحزب في العراق مارس عملية بناء ثوري وحضاري لتجربة اصيلة، تميزت بجدية التنظيم واحكامه، وبالعمل الجماهيري، الواسع والعميق، وبالبناء الرائع للقوات المسلحة من الجانبين الفني والثقافي.. فكان الحزب بحق، قائدا للشعب في معركة تحرير الثروات الوطنية، وفي تحقيق التنمية المتوازنة بافق قومي، وفي اطلاق روح النهضة، وتحرير المرأة، و البناء الجديد للانسان، وفي دفاع العراق البطولي عن نهضته وعن مصير الأمة. ولم تكن السمة الشعبية لهذه التجربة الاصيلة فورات متقطعة وآنية، وانما نمت بشكل طبيعي واتسعت مع نمو التجر بة ونمو الوعي القومي باهميتها وجديتها وتميزها. لذلك كانت المشاركة الشعبية في شتى الميادين. مشاركة عميقة، متينة الاساس ثابتة وصاعدة، ومعبرة عن ثقة الشعب بنفسه وباخلاص قيادته واقتدارها، وكذلك عن ثقة القيادة بالشعب وبقدراته وطاقاته التاريخية.

وامام هذه التجربة الاصيلة، كان لابد ان ترتد محاولات العدوان، وان تتكسر موجات الحقد الخميني، وان تَحسمَ معاركُ البصرة الاخيرة، الحربَ لصالح العراق من كل النواحي، وبكل المعاني، امام العالم وامام العرب، و امام ايران ومن حالف نظامها الشعوبي المعتدي..

فالمجتمع الدولي، الذي شهد الفضيحة بكل تفصيلاتها، وشهد ايضا صمود العراق امام هذه القوى، اصبح مطالبا بان يخرج من حالة التفرج، اذا كانت هناك بقيةٌ لاحترامه للحياة البشرية، ولدور المؤسسات الدولية، بأن يضع حدا للحرب واراقة الدماء بدون مبرر.

والموقف العربي مطالب بعد انكشاف الحقائق كلها، بالتوصل الى تضامن فاعل ومؤثر وغير متسامح مع الذين يشذون عن التضامن العربي.

يا ابناء العروبة البواسل
جاءت الاحداث المصيرية التي تعيشها الامة اليوم، لتلقي ضوءا كاشفا على الحقائق العميقة، يفضح عناصر الانحراف والشذوذ، ومواطن الضعف.. كما يعزز عناصر الصحة والقوة والصدق في بنيان الامة، ويضاعف ثقتها بنفسها، وفي قدرتها على تجاوز المعوقات التي تعترض نهضتها ووحدتها وتعطل طاقات جماهيرها وتحجب صورة المستقبل.

فقد قدم كشفُ هذه الحقاثق، مادةً غنية وجوهرية للوعي العربي القومي التحرري، تزكي منطلقاته، وتساعد على حسم حالة الانقسام والخلاف والبلبلة والغموض، لصالح القومية العربية ومفهومها الحديث.. المفهوم الوحدوي الثوري الحضاري الجدير وحده بان يقدم السند الفكري الواقعي للعمل العربي المستقبلي.. فجل ما اصاب الامة من مآسي ومحن مرده الى غياب الصعيد القومي الشعبي المتجاوز للاوضاع العربية المستوعب لها والمتحرر منها والقادر على استشراف المستقبل ورسم الطريق الصحيح الموصل الى هذا المستقبل. فلا غنى عن هذا الصعيد القومي الشعبي المنطلق من التفاؤل والثقة بقدرة الامة على تجاوز اوضاع العجز وعلى استئناف مسيرة النهضة والمعتمد على ظواهر الصحة والصمود والوعي الناضج في واقع الامة وفي مقدمتها صمود العراق.

يا ابناء امتنا العربية المجيدة
منذ عشرات السنين، بل مذ مئات السنين لم يعش العرب حالة متكاملة صنعوها بأيديهم يوما بعد يوم، وسنة بعد سنة، ووضعوا فيها خير ما حباهم به الله وخصتهم به الطبيعة من خصائص وفضائل، ومن جهد وذكاء، وشجاعة واقدام، ونخوة وتضحية. فكانت حالة محصنة ضد التراجع والانتكاس، قانونها الثابت ،النجاح والنصر والتقدم والتفوق..

تلك هي حالة العراق العربية، التي ما كانت لتصمد للقوى العاتية، وتتألق مثل هذا التألق، لولم تكن على اتصال دائم بروح الامة وقيمها، ولولم يكن مصير الامة ومستقبلها هو همها وهدفها الاسمى..

ولئن تُرك العراق، نتيجة الاوضاع العربية الرسمية والتآمر الدولي، يدافع وحده عن مصيره والمصير القومي، فانه لم يعتبر ان الامة خذلته، بل انها تجمعت فيه، لان الاوضاع الاخرى ليست من الامة في شيء. فالامة موجودة في كل مكان يحمل فيه ابناؤها السلاح، دفاعا عن الحق، ومن اجل انتصار الحق. فهنيئا للقائد التاريخي الرفيق صدام حسين انتصاره المؤزر الخالد، الذي استحقه استحقاقا كاملا : هو وشعبه العظيم وجيشه البطل.

هنيئا له هذا الانتصار الذي كان حتميا، منذ البداية، لانه بناه على الاسس المتينة الباقية التي تبنى عليها المعارك الكبرى الفاصلة، والنهضات الاصيلة.

فقد بناه على الحق والعدل والصدق، وعلى استعداد العراقيين والعرب الشرفاء لتمييز الحق من الباطل والصدق من الكذب.

لقد قام البناء والرهان التاريخي منذ البدء على الاصيل الاصيل في تاريخ الامة وضمير ابنائها وعلى النزوع الشعبي الصادق الى الحياة الجديدة النظيفة المبدعة، المبرأة من الظلم والتعصب والانقسام.

لقد قام البناء والرهان التاريخي على وطنية العراقيين وعروبتهم، على شجاعتهم ونخوتهم، وعلى توقهم الشديد الى النهوض والتقدم. كما قام هذا البناء وهذا الرهان على ضمير الامة الذي لايخطىء، وعلى وعيها السائر نحو النضج والعمق، وعلى مميزات العقل العربي المطبوع على حب النور والوضوح، وعلى الضمير العربي الذي يرتاح الى الصدق وينفر من الغوغائية.

بناء ورهان على كل ما هو صحي معافى مليئ بالحياة، متحفز الى التقدم والخلق والابداع ..
وهنيئا لجيش العراق المقدام الذي اعاد الى الحاضر امجاد الماضي الزاخر ببطولات حملة الرسالة الاول ..
وهنيئا لشعب العراق العظيم الذي اعطى من نفسه ومن قدراته ومن دماء ابنائه بغيرحدود، لمعارك الشرف والكرامة والسيادة، والذود عن كيان الامة ونهضتها الحديثة.. فالمجد لبطولاته، والخلود لشهدائه صانعي الانتصار العظيم.

عاش كفاح الشعب العربي الفلسطيني في الارض المحتلة، وصمود المخيمات الرائع في لبنان..

عاش نضال الشعب العربي في ارجاء الوطن الكبير، مشرقه ومغربه، من اجل تغيير الاوضاع السلبية وبعث روح النهضة.

وعاش نضال البعثيين ضد الانظمة الاستبدادية والشعوبية، ومن اجل انتزاع حريات الجماهير العربية وحقوقها الاساسية والدفاع عن الديمقراطية والتقدم وتعزيز وحدة النضال العربي.

ميشيل عفلق
٧ نيسان ١٩٨٧

(1) كلمة في السابع من نيسان عام 1987، لمناسبة الذكرى الاربعين لتأسيس حزب البعث العربى الاشتراكي.





الجمعة ١٢ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / كانون الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة