شبكة ذي قار
عـاجـل










للمرة الثانية والثالثة، وربما المئة أيضاً، إذا كان في ذلك مصلحة للحراك الشعبي اللبناني،

لن نجد أي حرج في تصويب جل اهتمامنا في المرحلة النضالية المقبلة للحركة المطلبية اللبنانية، والتأكيد على كل ما يجمع، فلا يفرق بين أجنحتها، والانكباب على كل ما اعتراها وما سوف يعتريها من ثغرات ليست بالجديدة أو بالمفاجئة على أية حركة ناشطة تطمح إلى التوسع والتعلم من تجارب الآخرين، استدراكاً منها بهدف التوصل إلى كل ما يمكن تحقيقه من مطالب عبر أفضل السبل الشرعية وأرقاها والتمسك بعوامل القوة والتضامن، ونبذ كل ما يدعو إلى التفرقة والتبعية والضعف والهوان.

يدفعنا إلى التأكيد على ما تقدم، كل ما صدر في الآونة الأخيرة من حملات ظالمة تعرضت لها أضلعة الحراك الشعبي اللبناني المعلن عنها تباعاً منذ الثاني والعشرين من شهر آب الماضي، وما حققته من تمددات شعبية مجتمعية مشجعة على مختلف الأراضي اللبنانية، انطلاقاً من شعارات مرحلية بدأت تتصاعد مع تفاقم أزمة النفايات التي مضى عليها أكثر من ستة أشهر حتى اليوم، وهي تراوح مكانها، بل أنها استجلبت معها المزيد من الأزمات الأخرى التي طغت بدورها على مسطح الأحداث اللبنانية الداخلية، فجاءت أمطار الشتاء المبكرة، لا لتغسل ما اعترى الساحة اللبنانية من خطايا وإنما لتعجن مكونات الفساد في بعضها البعض وترسم مشهداً سوريالياً قاتماً صُبغ بكل الألوان المذهبية والطائفية والميليشياوية، ولم يبق فيه أي أثر للوطن الذي يبحث اليوم عن وجوده في هتافات الشباب اللبناني المتصاعدة في كل دسكرة وقرية ومدينة ومكان، علَّها تفتح كوَّة جديدة في جدار الوهم القائم وترتفع فيها مواطنية "المواطن" اللبناني وتبقى فوق كل اعتبار.

إن بعض من صوَّب ويصوِّب سهامه على الحراك الشعبي اللبناني هذه الأيام وقد هاله ما تم تحقيقه من مكتسبات من خلال الشارع في أشهر قليلة لا يتجاوز عديدها أصابع اليد الواحدة،

إنما يعتقد أن في التصويب على بعض التجاوزات الفردية السلبية التي أُلصقت ببعض الأفراد والمجموعات فيه،

قد يُصار إلى تشويه سمعة ومناقبية كل الحراكيين وبالتالي سلخهم عن تربتهم المجتمعية الحاضنة، ليس من منطلق أضعافهم وحسب، وإنما لإلغائهم مادياً واغتيالهم معنوياً وترك باب النجاة الوحيد لهم عبر الحاق كوادرهم وشبابهم كمطايا في ركب القوى السياسية المذهبية القائمة التي تعمل جاهدة على احتوائهم عبر كل طرف منها في نطاق توجيه الرسائل السياسية للطرف الآخر، متجاهلين أن بوصلة المصالح الشعبية العامة هي التي صارت، ويجب أن تستمر إلى ما لا نهاية، تتحكم في كل مشاريع الحراكيين وفق كل المستجدات الحاصلة والتي في طور التكوين،

وفي هذا الإطار، ينبغي أن يُسجل للحراك كل تقدير للتحركات الأخيرة المواكبة لعملية تصدير النفايات المشبوهة إلى الخارج وما حكي عن صفقات سرية مشبوهة بدورها، ما زالت حتى اليوم حبيسة تحت طاولة مقاولي القمامة وسماسرة ترحيلها بأسعار فاقت كل تصور وحساب، ويكفي الحراك أن يوقف هذه المهزلة القائمة ليعيد تصويب النظرة إلى هذه القضية من جديد، سواء على صعيد الفرز الداخلي أو المعالجات أو ترك الأمور للبلديات أن تقوم بواجباتها في هذا المجال مستعينة بما لها من أموال مجمدة في الصندوق البلدي وتحقيق اللامركزية الإدارية الإنمائية المطلوب تحقيقها اليوم وبإلحاح، أكثر من أي يوم مضى.

إن ما ينتظر الحراك المدني اللبناني اليوم، لهو أكبر بكثير مما فاته من تحديات في الأشهر القليلة الماضية، ولن يصلب عود الحراكيين سوى بالمزيد من التصميم على مواجهة ما ينتظرهم غداً ولن يحمي تحركهم إلا إرادتهم المستقلة المتحررة من كل تبعية وارتهان للقوى السياسية المذهبية والطائفية،

ولقد صار من الواجب الوطني المقدس تشكيل الهيئة الوطنية اللبنانية الموحدة لمحاربة الفساد، والتي يجب الدعوة إلى تشكيلها اليوم قبل الغد، لتكون مفتوحة الذراعين أمام كل الناشطين في المجتمع المدني اللبناني بحقوقييه ونقابييه وفعالياته المختلفة المتعددة، وكل من يعلن حرصاً حقيقياً على الخزينة اللبنانية العامة وثروات لبنان المنهوبة ووضع الجميع على محك هذا الحراك، والاستفادة من مختلف التجارب المماثلة التي مرت بها دول أخرى دافعت عن مصالحها العامة في مواجهة شبكات الفساد ومافيا النهب والاختلاس للمال العام. وانتصرت بعد أن قدمت من قضاتها والمدِّعين العامين فيها، القرابين على مذبح استقامة الأمور وإعادتها إلى نصابها الصحيح خدمة لمواطنيها وحمايتهم وحماية مستقبل أبنائهم بالحفاظ على ثروات ومقدرات بلادهم ومرافقها الاقتصادية الحيوية.

ويكفي التذكير في هذا المجال أن رؤساء حكومات كبار وقادة مافيوزيين لا تُخترق شبكاتها السرية بسهولة،

قد وُضعت أمام القضاء في بلداً أوروبي قريب لبلادنا كإيطاليا، وأُدخل رموزها السجون، حيث لم تنفع الحصانات النيابية والسياسية أو الانتماء إلى كتل نيابية كبيرة تقف وراء هؤلاء حماية وإسناداً وتسهيلاً لتمرير مشاريعهم في اختراق القوانين والتلاعب بها.

إن التصميم على تحقيق ذلك، سُيلجم كل الأصوات التي ستنعت ما تقدم بالطوباوية أو المثالية المفرطة العصية على التطبيق،

وإن كل خطوة يخطوها الحراك المدني إلى الوراء، يجب أن تعقبها خطوتان إلى الأمام، وبدون ذلك، لن يُكتب للحراك النجاح وبالتالي لن يخسر الحراكيون المعركة وحسب وإنما سيخسر كل اللبنانيين معهم معركة استعادة الوطن وقيامه من جديد.





الاثنين ١٥ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / كانون الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة