شبكة ذي قار
عـاجـل










ما هو رأي الرفيق القائد المؤسس بما يجري من تسعير لحملة العداء والحقد العنصري على العروبة؟ وضد العراق؟ وما هي حقيقة نظرة الحزب منذ التأسيس للدين؟

هناك صلة قوية. إن فترة التأسيس فيها ما يتصل بالظرف الحاضر والأزمة الراهنة التي نواجهها، وفي شعوري إن فترة التأسيس تحوي كل شيء. إنها ثرة وغنية، وقد لا تكون عبرت عن نفسها التعبير الكافي، لكن أكثر الأفكار التي جاء بها الحزب على امتداد مسيرته الطويلة، كانت متضمنة في الفكرة الأساسية. ما أود الإشارة إليه هنا هو التالي: حركة البعث ولدت من نظرة فكرية لنسمها فكرية حتى لا نقول فلسفية على أساس أن فلسفية كلمة ضخمة، أقول من نظرة فكرية ممتزجة بمعاناة وجدانية أرادت ان تجمع شيئين أساسيين هما: الإيمان والعقلانية.

التجربة الروحية في حياة العرب، أي الإسلام، وروح العصر هذان هما الإيمان والعقلانية، ووراء هذه الإرادة قناعة بأننا لا نجمع نقيضين، ولا حتى شيئين مختلفين وانما شيئا واحدا يأخذ مظهرين حسب اختلاف الزمان.

ونظرة الحزب إلى الإسلام، كيف كانت منذ البداية؟
نظرة الحزب إلى الإسلام هي هذه : انه حي في هذا العصر أكثر من أي شيء آخر، عصري، ومستقبلي أيضا، لأنه خالد يعبر عن حقائق أساسية خالدة، لكن المهم هو الاتصال بهذه الحقائق لكي تؤثر وتكون فاعلة ومبدعة. فكان رأي الحزب نتيجة التفكير ونتيجة المعاناة معا، ان هذا الاتصال لا يكون بالنقل الحرفي، ولا بالتقليد وإنما بان تكتشف هذه الحقائق من جديد، من خلال ثقافة العصر ومن خلال الثورة والنضال.

كيف إذن تعامل البعث، منذ فترة التأسيس مع هذه الحقائق ليصل الى الثورة؟
الحزب وضع مبادئ عقلانية علمية للثورة العربية، أستنبطها من ثقافة العصر، ومن واقع الأمة العربية واقع جماهيرها الواسعة، جماهيرها الكادحة، ورسم لهذه الجماهير طريقا للنضال من اجل بلوغ أهدافها وفي الوقت نفسه وضع هذا النضال في جو الرسالة العربية وقيمها الروحية والأخلاقية أي انه وضع ثورة الجماهير العربية في أفق حضاري متصل بماضي الأمة وتراثها الخالد من اجل تجديد هذه الرسالة في المستقبل.

إذن الحزب لم يكن مع الإلحاد؟
أبدا.. هذه كتاباتنا، على قلتها، ومنذ "ذكرى الرسول العربي" عام 1943 وقبل ذلك، أقول في ذكرى الرسول العربي -واعتقد في الصفحة الثانية- "يجب أن تتحد الصلاة مع العقل النير مع الساعد المفتول، لتؤدي كلها إلى العمل العفوي الطلق الغني القوى المحكم الصائب"، فهذه قناعاتي الفكرية العميقة، بان الفكر النير وحده لا يكفي بل لابد أن يتحد مع الصلاة ومع الساعد المفتول (تعبير عن الشجاعة، عن حيوية الإنسان وإرادته). قبل ذلك، ماذا أقول في ذكرى الرسول العربي.. قلت "نحن أمام حقيقة راهنة هي الانقطاع بل التناقض بين ماضينا المجيد وحاضرنا المعيب. كانت الشخصية العربية كلا موحدا، لا فرق بين روحها وفكرها، بين عملها وقولها، بين أخلاقها الخاصة وأخلاقها العامة، وكانت الحياة العربية تامة، ريانة، مترعة يتضافر فيها الفكر والروح والعمل وكل الغرائز القوية، أما نحن، فلا نعرف غير الشخصية المنقسمة المجزأة، ولا نعرف إلا حياة فقيرة جزئية، إذا أهلها العقل فان الروح تجفوها، وان داخلتها العاطفة فالفكر ينبو عنها: إما فكرية جديبة، أو عملية هوجاء، فهي أبدا محرومة من بعض القوى الجوهرية، وقد آن لنا أن نزيل هذا التناقض فنعيد للشخصية العربية وحدتها، وللحياة العربية تمامها."

هذه الأمور القليلة.. كتاباتي، وهي كل قناعاتي أمامكم، كل ما كتب على امتداد أربعين سنة، إذا أستطاع أحد ان يجد عبارة واحدة تشذ عن هذه الروح في كل ما كتب -عبارة من منبع فكري آخر- تناقض أو تختلف.. فليقل ذلك صراحة، إنها روح واحدة عبرت عن نفسها في مناسبات مختلفة. قناعات فكرية لم تختلف، لكن الظروف السياسية وظروف المجتمع، صعوبة العمل الثوري في مجتمعنا، هذه الأمور أخرت ظهور هذه الأفكار وإعطاءها الاهتمام المطلوب.

والآن نشعر بأن في تجربة حزبنا في العراق للمرة الأولى تأخذ أفكار الحزب مداها.

والتآمر الذي تتعرض له التجربة في القطر العراقي؟
يهمني ان أوضح حقيقة الحزب.. حقيقة الثورة العربية. الثورة العربية ستكون بحجم الأمة العربية التاريخي والحضاري لذلك هي لا ترضى إلا أن تكون نهضتها عربية أصيلة، ذات إشعاع عالمي ولو اقتضى ذلك أن تمر بتجارب وصعوبات في منتهى الشدة، بل أن هذه الصعوبات مطلوبة حتى تبلغ الثورة العربية أو النهضة العربية عمقها المطلوب وأصالتها. ولذلك فهي تتخذ من كل أزمة ومن كل صعوبة مناسبة للتعريف بنفسها لمزيد من التوضيح ولمزيد من التعمق ولمزيد من النضج.

لقد عرف أعداء الأمة العربية منذ زمن بعيد هذا الوزن الكبير الذي يمكن أن يؤثر في المسار الإنساني، فجعلوا عداءهم على مستوى هذا الوزن، على مستوى عظمة الأمة العربية وغنى إمكاناتها لكي يخنقوا نهضتها أو على الأقل يضعفوها، أو يؤجلوا تحقيقها، وكانت الأسلحة التي استخدموها متنوعة، وليس أضعفها سلاح الافتراء، والتزوير والتشكيك والتشويه، وكان الحزب منذ بداياته الأولى مضطرا لان يرد على الافتراءات والأباطيل الكثيرة، ولولا روح الإيمان والصدق في أصل بناء هذا الحزب، هذه الروح التي سرت فيه في تاريخه، وفي مسيرته، لكان نجح الأعداء الخارجيون والداخليون في خلق الهوة أو الحاجز بين الحزب وبين جماهير الأمة.

ولكن استمرار الحزب حتى الآن وما تعبر عنه تجربته من حيوية وإبداع وتألق كل هذا يقيم الدليل على فشل كل هذه المحاولات وعلى أن البعث كان وسيبقى ضمير الأمة العربية.

الامبريالية عدوة الشعوب.. عدوة شعوب العالم الثالث متآمرة على حرية هذه الشعوب وعلى تقدمها، بقصد استغلالها ونهب ثرواتها، ولكن هناك حقيقة دلل عليها التاريخ في الماضي وتقوم عليها عدة أدلة في الحاضر وهي أن ما يخشاه الاستعمار وما تخشاه الامبريالية بالدرجة الأولى هو نهضة الامة العربية ووحدتها، والامبريالية مستعدة أن تتساهل في أمور كثيرة ومع جهات كثيرة معادية لها، شريطة ان تستدرج هذه القوى إلى مواقع التناقض مع الثورة العربية لإضعاف هذه الثورة، وخلق الانقسامات في داخلها.

الاستعمار خلق الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي ليعطل وحدة هذا الوطن ونهضة شعبه، العداء الأكبر هو دائما موجه للأمة العربية ولثورتها.

يدعون في إيران إنهم يريدون تحرير فلسطين والقدس، وهم يحتلون جزرا عربية ويعتدون على العراق، ويحاربون العروبة، كيف إذن يدعون أنهم سيقاتلون لتحرير فلسطين؟

تحرير فلسطين لا يكون إلا على يد الجماهير العربية أبناء الأمة العربية، بالدرجة الأولى، تساعدهم وتلتف حولهم كل الشعوب التي شملتها الرسالة العربية الإسلامية، وأوجدت بينها وبين الأمة العربية أواصر روحية لا تبلى. ولكن من غير المنطقي أن يساهم أحد من الذين تجمعهم الأخوة الروحية بالعرب في تحرير فلسطين بالنيابة عن العرب أو من خلال معاداتهم لهم، كما هو الواقع الراهن. إذن كيف يكون إدعاء تحرير فلسطين صادقا وهم يبدأون بتوجيه عدائهم للقطر العراقي الذي يوجه كل ناحية من نواحي نهضته الشاملة لتصب كلها في معركة تحرير فلسطين؟

إن للموت شعائر وطقوسا خاصة، وان للجنائز قدسيتها عند جميع الأديان، فماذا نقول فيمن يدعي الإسلام ويلقي بالقنابل على موكب تشييع الجنائز؟

يحزنني أن تقوم، وفي هذا الظرف بالذات، بيننا وبين هذا الشعب المسلم خصومة، والذي كان يفترض أن يجمعنا وإياه طريق التحرر والاستقلال ورد العدوان الخارجي، ويحزنني بصورة خاصة أن أرى هذه الخصومة التي لم نردها ولا نرى لها مبررا، تفتقد كل القيم والروادع الأخلاقية والإنسانية، وفي هذه الأساليب التي لا تشرف الذين يجيزون استعمالها ما يكشف عن الخلل والمرض في عقليتهم المتخلفة والحاقدة والتي لا يمكن ان تخرج منها ثورة، أو أي بناء يمكن أن يصمد أمام روح العصر.

نريد ان نظهر نقطة وهي انه مما يطمئننا على مستقبلنا، المستقبل العربي، ومستقبل النهضة العربية، أن مبادئ الثورة العربية وممارساتها تجاوزت التعصب القومي وكل أنوع التعصب، روح الرسالة العربية حاضرة دوما في سيرة الثورة العربية وممارساتها، نستطيع منذ الآن أن نقدم للعالم بعض ثمرات هذه القيم التي استلهمناها من تراثنا سواء بحل المسألة الكردية الحل الإنساني، الذي قدمناه نموذجا للعالم أو في احترام حرية المعتقدات والخصوصيات والمذاهب التي تنبع من روح الحرية والتي تتضمنها الرسالة العربية. أنا كنت ممن فرحوا بالثورة على الشاه، استبشرت وانتظرت خيرا، كنا نتوقع أن تكون ثورة الشعوب الإيرانية سندا لنا هنا في القطر العراقي وسندا لحركة الثورة العربية ولكن للأسف...

15 نيسان 1980
حوار أجرته جريدة الجمهورية، ونشر على صفحاتها في 27 / 4 / 1980





الخميس ١ جمادي الثانية ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / أذار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة