شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل خمس سنوات كانت سوريا على موعد مع حراك شعبي عم كل مدنها وأريافها، واستمر محافظاً على سلميته إلى أن فرضت عليه العسكرة، بسبب اعتماد النظام أسلوب الحل الأمني في معالجة أزمة سياسية بنيوية. وقد أدت هذه العسكرة إلى جعل ساحة سوريا، ساحة جاذبة لكل أشكال التدخل السياسي والعسكري، بعضها مع النظام وبعضها تحت عنوان دعم المعارضة التي لم تستطع أن توحد صفوفها ولا رؤيتها السياسية، وأصبح بعضها أسير الجهات المذخرة والممولة، كما النظام نفسه الذي كانت آخر استنجاداته، بالآلة الحربية الروسية وقد وضعت اخيراً على سكة الانسحاب.

لقد فشلت كل اللقاءات التي عقدت من جنيف ( 1 ) إلى ( 2 ) وهي اليوم، تحط في محطة جنيف ( 3 ) بعدما عبر قطار هذه اللقاءات محطة فيينا في جولتين دون ان تلوح في الأفق بوادر تظهير حل سياسي، يقع حداً للمجزرة الرهيبة التي طالت البشر والمحرقة التي أتلفت الشجر، ولم يبق من المرافق الحيوية ما يمكن التعويل عليه بعد التدمير الهائل الذي طالها.

وإذا كانت من مسؤولية تقع على عاتق المنخرطين في إدارة الصراع من موقعي التقرير والتلقي، فإن المسؤولية الأول تقع على النظام الذي لم يستجب للإرادة الشعبية المطالبة بالتغيير والإصلاح الجدي، كما أن المعارضة لا تعفى من المسؤولية حيث فقدت قدرتها على تحديد خياراتها السياسية الوطنية بعدما أصبحت أسيرة الاحتواء لقوى تأثيرات الخارج.

وإذا كانت الجهود تبذل حالياً لوضع أسس لخارطة طريق حل سياسي لهذه الأزمة التي جعلت سوريا في حالة انكشاف وطني شاملة، فإن نجاح هذه الجهود مرهون بتوفر جملة عوامل :

العامل الأول : أن يخرج الجميع من وهم حسم الصراع بأسلوب الحل العسكري خاصة بعدما أصبحت الأطراف الداخلية من نظام ومعارضة هما الحلقة الأضعف بين القوى التي تضع سقوفاً سياسية للأزمة واستطراداً للحل.

العامل الثاني : أن الوهم يجب أن يغادر ذهن الجميع، بأن سوريا قبل 15 آذار/2011، هي كما بعدها، سواء لجهة تجاهل التغيير في بنية النظام أو لجهة أهمية الموقع السوري في معادلة الصراع العربي الصهيوني.

العامل الثالث : وجوب أن يقتنع الجميع من الأطراف السورية في موقعي النظام والمعارضة، أن تقديم التنازلات المتقابلة تجاه بعضهما البعض أفضل من أن تقدم للقوى الإقليمية والدولية التي تضرب مخالبها السياسية والعسكرية في البنيان الوطني السوري.

هذه العوامل الثلاثة أن توفرت، أمكن القول أن الاختراق في الانسداد السياسي ممكن وأن سوريا المفيدة هي التي ستكون على كامل على رقعتها الجغرافية وعلى امتداد الأرض السورية وبكل مكوناتها الشعبية .وهذا ما يوجب إعادة الاعتبار للشعار السياسي الذي رفعه الحراك في بداية انطلاقته ( واحد واحد ) الشعب السوري واحد .

ثمة قبس من ضوء يطل من عتمة الظلام، وهو عودة الصوت الشعبي الذي صدح في بداية الحراك للمطالبة بالتغيير ليصدح مجدداً من بين الانقضاض. وما تناقلته وسائل الإعلام عن استعادة الحراك الشعبي لنفسه في لحظة التقاط الأنفاس، ونزول المتظاهرين إلى الشوارع والأزقة وهي المحاصرة بالنار والتجويع لتهتف سلمية –سلمية، الشعب السوري ( واحد –واحد ) ، إنما يجدر التوقف عنده، لأنه يعبر عن نبض الشارع الذي يرفض تسلط النظام واستبداده واستقوائه بالخارج الإقليمي والدولي، كما يرفض القوى التي دخلت على خط الحراك ومارست إرهاباً مادياً ومعنوياً وسياسياً وبما جعل من هذه الأساليب تكمل بالنتائج بعضها بعضاً هذا القبس، يجب التأسيس عليه، للإثبات أن الشعب في سوريا وفي حقيقة ما يصبو إليه هو غير ما يراد فرضه عليه بالقوة وتحت استغلال ضغط الحاجة إلى أمن حياتي بات مفقوداً.

صحيح أن الأمن الحياتي مهم بالنسبة للإنسان على مستوى الفرد والجماعة، لكن الأهم من كل ذلك هو توفير الأمن السياسي، وهذا لا يمكن تأمين مستلزماته إلا إذا قبض الشعب على مصيره، واستطاع أن يفرض خياراته الوطنية في مواجهة حالات الأطباق عليه.

إن عودة الشعب للتظاهر حيث استطاع إلى ذلك سبيلاً هو مؤشر إيجابي، ودليل على أن وطنية الشعب في سوريا هي أقوى من كل أشكال الإسقاطات السياسية التي تريد تشوية هويته القومية وتحويله إلى مجموعات تعصف فيها رياح الاحتراب خدمة لأجندات الخارج الإقليمي والدولي.

في بداية الحراك، كان الشعب يريد التغيير بأسلوب التعبيرات الديموقراطية، واليوم يعيد التأكيد على هذا النهج رغم العسكرة التي فرضت عليه. وإذا كان كثيرون لا يريدون لفسحة الضوء هذه أن تتسع، فجماهير سوريا ومعها جماهير الأمة العربية تريد توسيع هذه الفسخة خاصة وأنها ترسم تحت عناوين استحضار المسألة الوطنية، الملخصة بوحدة سوريا ارضاً وشعباً ومؤسسات وعودة شعار العروبة ليظلل خطابها السياسي.





الثلاثاء ٦ جمادي الثانية ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أذار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة