شبكة ذي قار
عـاجـل










ترى أمريكا ، وفي أواخر أيام أوباما، الذي كشف دفعة واحدة، ما كان مبهمًا في كلامه وخطبه وتصريحاته ومباحثاته ومحادثاته خصوصًا حيال أوضاع الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط، طيلة ثمان سنوات من ولآيتيه الأولى والثانية تقريبًا، وأفرغ جعبته قبيل مغادرته البيت الأبيض، ووضع بضعة لمسات على ما يسمى مبدأ أوباما (Obama Doctrine )، السلام المتوازن أو البارد، الذي كان يتوجب الأعلان عنه عند ولآيته الأولى وليس على أبواب مغادرته، مع نصائح متهافتة بائسة يكتنفها الغموض هي الأخرى، بذريعة الأنسحاب وترك المنطقة وصراعاتها وعدم الأنجرار لهذه الصراعات وتركها مسرحًا ميؤس من إصلاحه، وأن تترك الحلول للقوتين الأقليميتين ( المتنافستين ) السعودية وايران إيجاد سلام ( بارد ) للمنطقة .!!

ترى هذه الدولة العظمى .. إن منطقة الشرق الأوسط ينتابها التنافس بين السعوديين والإيرانيين .. وهذا التنافس غذى الحروب بالوكالة ونشر الفوضى في سوريا والعراق واليمن، الأمر الذي يستوجب من السعوديين والإيرانيين أن يتوصلوا إلى تقاسم الجوار وإقامة شكل من أشكال السلام البارد.!!

ماذا نستنتج من قول الرئيس الأمريكي أوباما، الذي كشف كل أوراقه الغامضة وحدد مسار الأستراتيجية الأمريكية بعيدًا عن المنطقة صوب آسيا وأفريقيا وأمريكا الآتينية .. لأن المنطقة ميؤس منها ، فهل هذا يعني أن أمريكا ، بعد أن عاثت بأرض العرب والمسلمين تدميرًا وقتلاً ونهبًا وفسادًا قد تخلت عن مشروعها الأمبريالي ( الشرق الأوسط الكبير ) أو الجديد ؟ ثم، ما معنى ومغزى السلام البارد الذي يتوجب تقاسمه بين القوتين الأقليميتين السعودية وإيران في الوقت الذي باشرت إيران تمددها، بعد إنكسارها أمام العراق، على أساس تصدير الثورة وفشلها في تصديرها عن طريق الحرب النظامية؟ ثم ، من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه ؟ .. السعودية وبلدان الخليج العربي التي تدافع عن نفسها وكياناتها ووجودها أم إيران التي خلقت لها أذرع طائفية مسلحة في الجنوب اللبناني وفي سوريا واليمن والعراق، وتهدد باقي البلدان العربية باستخدام القوة الناعمة والخشنة معًا ( مليشيات وحرس ثوري ومستشارين عسكريين وخبراء وفنيين وجنود إيرانيون يعملون في معسكرات وورش السلاح ) ، القائمة على تسليح تابعيها والمزروعين كخلايا إرهابية؟

وقبل الخوض في ما قاله أوباما الذي سيغادر البيت الأبيض وهو مسكون بالتردد وعدم القدرة على إتخاذ قرار صائب ومأزوم بالشكوك وإحتمالات التضليل وفقدان الثقة بالحلقات القيادية التي تحيطه، وفي مقدمتها الأستخبارات الأمريكية على تنوعها، فضلاً عن طاقم المستشارين .. يتوجب توضيح الآتي :

1- تقع الرئاسة الأمريكية في ولآيتين إثنتين لا تتعدى ثمان سنوات يتسلم القادم إلى البيت الأبيض ملفات الرئيس المغادر، التي تتضمن السياسات الأستراتيجية الأمريكية ( وليست الأستراتيجيات الأمريكية حيال قارات العالم مصنفة على ثلاثة أبعاد ستراتيجية قصيرة المدى وأخرى متوسطة والثالثة يسمونها الأستراتيجية العظمى أو بعيدة المدى التي تتسم بالثبات ) .

2- يتفحص الرئيس القادم ( وهو إما من الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي ) ويدرس هذه الملفات مع طاقمه الجديد، ويسعى إلى إعلان ( مبدئه الرئاسي ) ، كما عمل بذلك من سبقوه من الرؤساء ( مبدأ ترومن ، ومبدأ كارتر ، ومبدأ ريغان ، ومبدأ بوش .. إلخ ) ، وهذا يستدعي عامين تقريبًا وهو الأمر الذي تتشكل فيه طبيعة منحنيات السياسات الأستراتيجية الأمريكية في ضوء المبدأ الرئاسي الجديد، الذي يحدد الأهداف بأبعادها المختلفة كما يحدد الوسائل الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف خلال عقد من السنين، وقد تستمر في بُعْدِها الكوني لأكثر من عقد وربما عقود كـ ( ستراتيجية محاربة الأرهاب ) التي فتحت باب القاعدة ثم تعددت صفحات محاربة القاعدة لأكثر من عقد من السنين وحتى الوقت الراهن ممثل بـ ( الحرب على داعش ) .. والهدف هو العمل على صياغة معادلات القوى وتحديد حدود القوة في هذه المنطقة المهمة والحساسة من العالم تحقيقًا للأهداف التي رسمتها أمريكا والصهيونية العالمية من قبل عقود بعيدة من السنين.

3- من هذا يتضح أن لا متغيرات في الأستراتيجية الأمريكية بعيدة المدى أما المتوسطة المدى فهي مشمولة بتغيرات نسبية في ضوء ثقل وأهمية المصالح الحيوية الأمريكية وتقديراتها والتحالفات التي تنشأ في جغرافيات الأهتمامات الأستراتيجية الأمريكية، فيما تنعدم الأستراتيجية الأمريكية قصيرة المدى بحكم حركة الواقع وتحولاته المتسارعة وصراعات القوى الفاعلة، التي غالبًا ما ترسم حدود ومقاسات السياسة الأستراتيجية قصيرة المدى .. أوباما الجاهل في هذا المضمار يخلط تماًمًا ولا يراعي الحدود في المفاهيم ويدفع بإتجاه الخلط المتعمد أحيانًا للأوراق إعتقادًا منه بأنه قادر على الأيهام .. ولكن العرب هم أول من أحسوا وأدركوا أن السلوك السياسي الأمريكي قد بدأ بالتغيير بناءً على وهم عدم القدرة واعتماد العرب على ( عضلات ) غيرهم في الحماية لدوافع الرفاهية .. هذا الوهم بددته ( عاصفة الحزم ) و ( التحالف الأسلامي العسكري ) الذي هو امتداد إستقطابي ستراتيجي ليس بوسع أمريكا ولا أوربا ولا روسيا مواجهته عن طريق القوة،

4- لأن في ذلك سيشعل المجالات الحيوية لهؤلاء الأطراف الذين يكيدون الحقد للعرب وللأسلام والمسلمين .. ألم تتبنى أمريكا خصمًا ستراتيجيًا معادلا كونيًا بعد سقوط الأتحاد السوفياتي وهو الأسلام ؟ ألم تكن هذه الأستراتيجية الأمبريالية - الصهيونية قائمة لحد الآن؟ ألم تجرب أمريكا نسف الأسلام ونخره من الداخل بأسلوب تجييش المسلمين لطرد الجيوش السوفياتية من أفغانستان ومن ثم ستخدامهم وانشاء التحالف الفاشل مع الأخوان المسلمين ( مرسي ) ، وفروع احزابهم الفاشلة في باقي الأقطار العربية، و حزب الدعوة الفاشل ( المالكي- العبادي ) ونهج التشيع الفارسي الفاشل في طهران .

5- لقد أدرك صانع القرار الروسي أن لا مستقبل له في سوريا فقرر سحب قواته العسكرية خوفًا من تفاقم أوضاع الصراع وطفح مياه المستنقع التي خلفها التدخل العسكري الروسي في سوريا تبعاته المالية والأقتصادية الباهظة .. ألم يكن إدراكًا مبكرًا لنتائج الخوض في مستنقع؟ ومن وجهٍ آخر، هل هناك في الأفق صفقة تخفيض إنتاج النفط لرفع الأسعار مقابل الأنسحاب العسكري الروسي من سوريا؟ فإذا كان الأمر كذلك هل تورطت موسكو في سوريا وإدركت قبل فوات الأوان مأزقها العميق أمام جدية ( التحالف الأسلامي العسكري ) والأليات العسكرية واللوجستية والعملياتية التي أنجزت على أرض الواقع؟ ورد فعل أوباما الغبي الذي أراد أن يختتم صفحته المتأزمة بالتهويل والشكوك والتردد في مسارات سياسة بلاده الخارجية.!!

6- الرئيس الأمريكي أوباما مارس أسلوب غير لآئق في العمل السياسي وهو النفاق المضمخ بالجبن .. فهو يتحدث بخبث عن السعودية وغيرها من العرب خلف الكواليس وأمام زائريه من الأجانب .. فيما يتحدث هذا المأزوم بطريقة لبقة تعكس شيئًا عاديًا قد يكون مريحًا أو منطقيًا بحدود الكلام .. ويعكس أن لا متغير في سياسة بلاده حيال أقطار الخليج العربي وإن العلاقات متينة ورصية .. وكلها عبارات للتطمين والتخدير .. ومنها أيضًا ( أن أمريكا ستدافع عن دول الخليج العربي إذا ما تعرضت إلى أي ( خطر خارجي ) ، أما إذا تعرضت إلى ( خطر داخلي ) فهذا الأمر يصعب على أمريكا تقديم الحماية للسعودية ولغيرها من أقطار الخليج العربي .. وأوباما يدرك تمام الأدراك ويعلم علم اليقين، بأن النظام الإيراني يشكل الخطر الداخلي الوحيد للسعودية ولبلدان الخليج العربي والمنطقة بأسرها .. وإن تنصل أوباما من وضع حد لتدخل إيران في الشأن الداخلي للدول العربية ومنها دول الخليج العربي، وفقًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، الذي يحرم كل أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، يعد تواطئًا أمريكيًا إيرانيًا مع سبق الأصرار والتخطيط المشترك لأشاعة الفوضى الهلاكة في المنطقة ، وهو الأمر الذي يصب في خانة الأهداف الأمريكية ( الشرق الأوسط الجديد ) ، ويصب في خانة الأهداف الفارسية ( التمدد لتكريس الأمر الواقع وفرض ركائز الأمبراطورية الفارسية من العراق إلى لبنان وحافات البحر الأبيض المتوسط ثم باب المندب واليمن وخنق الخليج العربي تمهيدًا لأجتياحة ) .

7- يفسر أحد الكتاب العرب المهووس بالنظام الفارسي كلام أوباما، حول حروب المنطقة بالوكالة القائمة، حسب زعمه، بين السعوديين والأيرانيين لا تدمر المنطقة فقط وإنما تخدم ( إسرائيل ) .. وهذا صحيح، تخدم الكيان الصهيوني، ولكن من هي القوة التي تشن الحروب وتتمدد وتتوسع وتتدخل ألم تكن إيران؟ إذن، المحصلة هي أن استمرار النظام الفارسي على منهج التهديد والتدخل وزعزعة إستقرار دول المنطقة والتوسع على حسابها، يخدم ( إسرائيل ) ، وإن السعودية تمارس حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس بصيغة الردع الوقائي .. فيما نجد أوباما يصطف مع المنهج الفارسي التدخلي ويبرره .!!

8- ما المعنى في ذلك .. ؟ هل ان اوباما قد تمكنت منه إزدواجية شخصية مرضية لا تعكس حقيقة العلاقات القائمة بين بلاده والبلدان العربية في الخليج العربي؟ وهل أن أوباما مهووس بعامل الشك، من أن التقارير التي تقدم له قد تكون غير صحيحة ومضللة، كما أعترف سياسيون وعسكريون أمريكيون في إدارة بوش الصغير بالكذب والتضليل الذي قاد أمريكا إلى شن الحروب العدوانية الخارجية؟ وهل الرئيس اوباما يعيش في أزمة نفسية تفصح عن إزدواجية مرضية في الفهم والتصرف .. فهو يصف إيران بالدولة التي ترعى الأرهاب، ثم يؤيدها ويغطي على سلوكها الإجرامي ويقف إلى جانبها، في الوقت الذي يعلم أن إيران مدانة من لدن القضاء الأمريكي مؤخرًا بدعم القاعدة المنفذه لهجمات 11 سيبتمبر- أيلول 2001 .!!

9- ألم يعلم أوباما أن بلاده قد اعترفت على لسان قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط بأن ( إيران لم تغير من سلوكها بعد الأتفاق الدولي حول برنامجها النووي ورفع العقوبات تدريجيًا عنها ) .؟

10- ألم يطلع أوباما على شهادة الجنرال الأمريكي ( لويد أوستن ) أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي قبل بضعة أيام مؤكدًا أن ( إيران ما زالت اليوم قوة مهمة مزعزعة للأستقرار في المنطقة، وان المراقبين قلقون من قدرات الإيرانيين في مجال المعلوماتية واستعدادهم لتفخيخ المضايق ونشاطات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني ) .؟!

ومع كل ذلك يأتي أوباما ليقول، على السعوديين أن يتقاسموا المنطقة مع الأيرانيين في صيغة سلام ( بارد ) .!!

11- ليس التنافس السعودي الأيراني، كما يقول أوباما، أدى إلى نشوب صراعات بالوكالة ونشر الفوضى في كل من العراق وسوريا واليمن، إنما التدخل العسكري الأمريكي واحتلال العراق وإشاعة الفوضى في المنطقة والتمدد الإيراني المليشياوي الطائفي، هو الذي أشاع وعمق الفوضى، المعدة سلفًا لتغيير خرائط دول المنطقة جيو- سياسيًا منذ عام 1979، وليس السعوديين والعرب سببًا للحروب والفوضى .

12- ولما كان أوباما يرى في زعمه أن السعوديين ينشرون ( المذهب الوهابي ) بطريقة العنف ثم يسكت، ولم يتحدث عن تصدير الثورة الأيرانية إلى الخارج عن طريق العنف والأرهاب ونشر ( التشيع الفارسي ) منذ مجئ خميني الى السلطة عام 1979 ولحد الآن .. ألم يكن حزب الله ذراع إيران العسكري المليشي في الجنوب اللبناني، حزبًا أرهابيًا كما أعلن عنه العالم .. ثم، ألم يدعم أوباما تطرف التشيع الفارسي بالسكوت الفاضح على التمدد الإيراني الذي ارتكب أبشع الجرائم ضد الأنسانية في العراق وسوريا واليمن؟ ، ألم يكن أوباما منافقًا يمارس مثل هذا الأسلوب الرخيص.؟!

13- المشروع الإيراني الصفوي ( مشروع خميني ) يرمي إلى تصدير الأرهاب الطائفي المليشي المسلح إلى الخارج، هو مشروع يرفض التعايش السلمي مع محيطه القريب والبعيد ويسعى إلى الهيمنة عن طريق التمدد .. فكيف يتساوق ذلك مع مبدأ أوباما الذي يدعو السعوديين والأيرانيين إلى تقاسم المنطقة وإحلال ( سلام بارد ) ؟!

14- المعنى في هذا المبدأ هو تبرير التراجع الأمريكي بصيغة إنكفاء نحو الداخل وترك الملفات تسخن حتى تدخل مرحلة التصادم العنيف ليتحقق إستنزاف الموارد المادية والبشرية ثم الأنهاك الكامل والشامل لأطراف الصراع .. بعدها تأتي أمريكا على أنها المنقذ القادر على معالجة الملفات الساخنة .. والخطورة تكمن في ما إذا سيضم هذا المبدأ إلى ملفات الرئيس القادم إلى البيت الأبيض لكي يرسم سياسته – الأستراتيجية في ضوءه ؟!

المنطقة مقبلة على تسويات عامة شاملة تكرس إستحقاقات للقوى والتحالفات التي ظهرت في صيغ ستراتيجية أثبتت قدرتها على تغيير موازين القوة على الأرض .. وما نلمحه من جدية وصرامة وتأكيد مدعوم بالحكمة السياسية في ( عاصفة الحزم ) و ( والتحالف الأسلامي العسكري ) وما تمخض عنهما من حقائق قد مهد لمتغيرات مهمة .. كما يجب أن لا ننسى الصفقة التي اتفقت عليها أمريكا وروسيا بشأن تسوية السلاح الكيمياوي السوري، التي حددت السياسة الأمريكية حيال نظام دمشق وأنتجت شراكات إقليمية .. هذه الصفقة هي التي أوجدت ( فراغًا ) أمنيًا سرعان ما ملئته روسيا عسكريًا على الساحة السورية، وهو الأمر الذي كرس التنسيق الروسي - الأسرائيلي في ما باتت أمريكا في حال لم تعد بأمكانها فعل أي شيء سوى التراجع المذل والتحركات السياسية الفاشلة .. فيما يعكس الأنسحاب العسكري الروسي من سوريا خلافًات بين طهران وموسكو حول 1- نظام الأسد الذي تريد أن تبقيه طهران وحول 2- وجود حزب الله على الأرض السورية الذي لم تعد موسكو ترغب في التعامل معه بعد الأشهار العام بأنه حزب إرهابي بامتياز وترعاه إيران .





الثلاثاء ٦ جمادي الثانية ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أذار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة